أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدو اللهبي - عند باب سجن (صيدنايا)














المزيد.....

عند باب سجن (صيدنايا)


عبدو اللهبي

الحوار المتمدن-العدد: 8187 - 2024 / 12 / 10 - 00:14
المحور: الادب والفن
    


في صباح يوم رمادي، استيقظت مريم على سماع أصوات الزغاريد ،وصيحات الناس في الشوارع، سألت إبنتها عن سبب هذه الزغاريد..؟!
أجابتها البنت بحرقة والدموع تهرول من عينيها، لقد هرب بشار الأسد ياأمي..
كأن كهرباء قد صعقت الوالدة مريم، من صدمة المفاجأة، كان يدور في رأسها صراع بين الأيمان بحقيقة أن الديكتاتور جاثم على قلوبنا حتى المممات وبين حقيقة أنه قد هرب فعلاً..
وقفت دقيقة وصاحت بصوت موجوع..(أبني محمود)..
وضعت رداء على رأسها وخرجت الشارع مسرعة بإتجاه سجن(صيدنايا)
كانت تسأل الناس بالشارع وهي مذهولة ومصدومة عن ماالذي حدث، وتتلقى الإجابةت من جميع الإتجاهات..( المجرم هرب، سوريا حرة، )
كانت تركض وهي تبكي وتمسك بيدها الاخرى غطاء رأسها حتى لايسقط..
وصلت الى موقع السجن ووجدت حشوداً مهولة من الناس، منهم من يبحث عن أقاربه المفقودين ومنهم رجال متعاونين، واخرون رجال مسلحين، وأطفال صغار مع أهاليهم..

وقفت بجانب بوابة السجن، يلفها البرد ويتآكلها الألم. وكانت تحمل في يدها صورة قديمة لابنها محمود، الذي كان في العشرين من عمره عندما اعتقل. مرّت سنوات منذ ذلك اليوم المشؤوم، وكل ما تبقى لها هو أمل ضئيل ورائحة ذكريات ابنها العالقة في أنفاسها.

الجدران العالية المتهالكة للسجن أصبحت شاهدة على محاولات الأهالي المحمومة. كانوا يحفرون الجدران بأيديهم العارية وأدواتهم البدائية، يملؤهم العزم لتحرير أحبائهم. صوت المعاول يختلط بالدموع، وأصوات النداء على الأسماء ترتفع من حين لآخر.

لكن مريم لم تكن تشارك في الحفر. كانت تقف هناك، بجسد منهك وعينين غارقتين في دموع لا تنقطع. كل ما تريده هو إجابة واحدة: "هل محمود لا يزال على قيد الحياة؟"

لم تعد تخشى النظام، ولا يهمها من سيحكم البلاد. لم تعد تكترث بما يجري في السياسة، فكل عالمها تقلّص إلى سؤال واحد يدور في ذهنها: أين محمود؟

مرت الساعات بطيئة كأنها دهور. اقترب منها رجل يحمل قائمة بأسماء المساجين الذين أطلق سراحهم. ألقت نظرة سريعة على الورقة، لكن اسم محمود لم يكن هناك.

"لا تقلقي يا أمي، ربما في دفعة أخرى"، قال لها الرجل محاولًا مواساتها. لكنها لم تجب.

حلّ الليل، والجدران لا تزال تُحفر، والناس لا يزالون يصيحون. وقفت مريم بجانب الجدار وأغمضت عينيها، متضرعة إلى الله أن تراه مرة أخرى، حتى لو لثانية واحدة فقط.

في لحظة من الصمت، سُمع صوت قوي من داخل السجن، وصاح أحدهم: "وجدناهم! هناك نفق يؤدي إلى الزنزانات!"

اندفع الناس بجنون نحو الحفرة الصغيرة التي بدأت تتسع. كان الجميع يبحث عن أحبائهم، ومريم بين الجموع تصرخ:
"محمود! يا بني! هل تسمعني؟"

ثم، وسط الزحام والضجيج، ظهر شاب نحيل الوجه، شاحب العينين، لكنه كان حيًا. كانت خطواته متثاقلة، وعيناه تبحثان عن شيء مألوف. وعندما التقت عيناه بعيني أمه، تجمد الزمن.

ركضت مريم نحوه واحتضنته بقوة وكأنها تخشى أن يضيع مرة أخرى. بكت بدموع الفرح والألم، وهمست في أذنه: " أنت أبني محمود أليس كذالك، أنا أمك مريم"؛
"الحمد لله يا بني، كنت أعلم أنك ستعود."
لم يجب محمود بكلمة لقد كان مذهولاً ولايستطيع الحديث.

في تلك اللحظة، عرفت أن أبنها قد أصيب بصدمة ولايستطيع الحديث من كثرة التعذيب، كانت كل حدود الزمان والمكان تتلاشى، كأن العالم قرر أن يتنحى جانباً أمام قدسية المشهد. تحطمت قيود الزمن، وانكسرت قضبان السجون التي حاصرت الأرواح. لم يبقَ سوى لقاء طال انتظاره، لقاء جمع بين قلب أم أنهكته السنين وصوت ابن أحيته الآهات.

أحتضنته بقوة، وكأنها تحاول أن تزرع فيه نبضات عمرها الضائع، وأن تنفض عنه غبار الغياب. غمرت دموعها ملامحه الشاحبة، فاختلطت دموع الفرح بشظايا الألم. في عينيها، كان يقين لا يتزعزع، يقين أم لم ينكسر أمام محن الدهر. وفي عينيه، ارتعاشات من عبروا على حافة الفناء ليعودوا إلى الحياة.

تعلقت شفتيها بآهات مرتعشة، وهمست بصوت مفعم بالحب والدموع: "عدت إلي يا بني... وكأن الحياة عادت إلي من جديد."

في تلك اللحظة، توقف العالم عن الحركة احتراماً لمعجزة اللقاء. صمت كل شيء، إلا أنفاسهما المتلاحقة التي حملت معاني الانتصار. انتصر الحب على كل أشكال القهر، والأنظمة السياسية.
في تلك اللحظة، انهارت الجدران في قلبها قبل أن تنهار حولها، لم يبقَ سجن ولا زمن، فقط أمٌ تحتضن بقايا ابنٍ عاد من موتٍ مؤجل، ودموعها تحكي وجع سنواتٍ لا تُختصر..!!؛



#عبدو_اللهبي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تهديد المهاجرين لبقاء الغرب على ديمقراطيته وليبراليته..ودعمه ...
- مشروع 2025 المخاطر والتحديات التي يواجهها المجتمع الأمريكي و ...
- الإنتخابات الأمريكية، وإنتقال العرب الأمريكيين من الإنتماء ا ...
- العنصرية..بين الموروث ومتطلبات العصر..
- العنصرية بين أمريكا والعالم العربي
- التاريخ والموروث الثقافي..تأسيس ممنهج لتحييد العقل وتغييب ال ...
- حرية التعبير عقيدة لا يؤمن بها أحد..
- التفكير الجمعي..وأثره في واقعنا وثقافتنا المعاصرة..
- الكراهية .. ثقافة البشر المتوارثة..،
- الكراهية والعنصرية هل هي مستقبل البشر المنتظر..؟!
- الخطاب الديني وهمٌ كبير بعمرٍ كبير
- زوبعة في فنجان، أم أن لها علاقة بحقوق الإنسان، قضية إغتيال ا ...


المزيد.....




- -الزمن الهش- للإيطالية دوناتيلا دي بيتريانتونيو تفوز بأرفع ا ...
- مترجمون يثمنون دور جائزة الشيخ حمد للترجمة في حوار الثقافات ...
- الكاتبة والناشرة التركية بَرن موط: الشباب العربي كنز كبير، و ...
- -أهلا بالعالم-.. هكذا تفاعل فنانون مع فوز السعودية باستضافة ...
- الفنان المصري نبيل الحلفاوي يتعرض لوعكة صحية طارئة
- “من سينقذ بالا من بويينا” مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 174 مترج ...
- المملكة العربية السعودية ترفع الستار عن مجمع استوديوهات للإ ...
- بيرزيت.. إزاحة الستار عن جداريات فلسطينية تحاكي التاريخ والف ...
- عندما تصوّر السينما الفلسطينية من أجل البقاء
- إسرائيل والشتات وغزة: مهرجان -يش!- السينمائي يبرز ملامح وأبع ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدو اللهبي - عند باب سجن (صيدنايا)