محمد هادي لطيف
الحوار المتمدن-العدد: 8186 - 2024 / 12 / 9 - 21:00
المحور:
الادب والفن
1.
ما جدوى النهر إن لم يكسر صمته؟
جلستُ تحت الشجرةِ العجوز،
أصغي إلى رائحةِ الأرضِ وهي تتعرّق.
هل يعرف النهرُ كم مرّةً خنتُ أحلامي؟
كم مرّةً فتحتُ حقيبتي على وهمٍ أخضر؟
النهرُ صامت،
والصمتُ أشدُّ قسوةً من ليلٍ بلا نجمة.
2.
الطريقُ أطولُ مما حسبتُ.
خطواتي تثقلُ، كأنني أحملُ كلَّ مقاهي بغداد على ظهري،
كأنني أجرُّ وراءي شارعَ الرشيدِ بأبوابهِ الموصدة.
كلُّ شيءٍ يهرب:
الماءُ، الغيمةُ، وحتى صدى الأغنياتِ في الأزقّةِ البعيدة.
ما أقسى أن تصبح الغربةُ وطنًا،
والوطنُ مجرّد فكرةٍ تسقط من يدِ عابرٍ مجهول.
3.
ليلٌ في المنفى.
أعدُّ الساعاتَ مثلما يعدُّ الطفلُ حبّاتِ الرمل.
لكنّ الليلَ بلا نهاية.
أغمضُ عينيَّ، أرى زورقًا يغادرُ مرافئَ البصرةِ،
تطارده النوارسُ الميتة،
وأيدي البحّارةِ المتعبين.
هل كنتُ على متنِ ذلك الزورق؟
أم أنَّ البحرَ سرقني يومها،
وتركَ هذا الجسدَ لكي يُحزنَ الآخرين.
4.
في غرفةٍ ضيّقة،
ساعةُ الحائطِ لا تُشيرُ إلى شيءٍ مهم.
خريطةٌ قديمةٌ على الطاولة،
ودفترٌ يُفتّشُ عن بيتٍ يُشبهني.
أيُّ بلادٍ أكتبها،
إذا كانت جميعُ الأسماءِ صارت رمادًا؟
أيُّ شجرةٍ أزرعُها،
إذا كان ظلُّها لا يُشبه ظلَّ النخيل.
5.
في المقهى،
امرأةٌ تحملُ حقيبةً شبهَ فارغة.
تبحثُ عن وجهٍ في جريدةٍ قديمة،
عن قصيدةٍ لم تُكتب بعد.
أعرفها.
أعرف أنَّ المسافةَ بينها وبين البحرِ
مجرّد كأسٍ لا ينكسر.
لكن من يُخبرها أن البحرَ مات؟
منذ أن توقفت المراكبُ عن الغناء.
#محمد_هادي_لطيف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟