ابراهيم أحمد السلامي
الحوار المتمدن-العدد: 1786 - 2007 / 1 / 5 - 11:58
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
كانت العرب قد اصيبت بصدمة كبيره حينما قام النبي محمد (ص) بتحطيم آلهتهم بعد فتح مكة , آلهتهم التي عبدوها وخضعوا لإرادتها الخفية الخارقة دون أن يسألوا أنفسهم أن كانت تلك الآلهة تضر أو تنفع , خضعوا لها بإيحاء غريب وبإيقاع رتيب رغم أنها آلهة قبيحة لا جمال فيها ولا روح ولم يكلفوا أنفسهم حتى بصناعتها صناعة فنية جميلة مثل آلهة الإغريق التي كانت تتمتع بأبهى الأدوات والأساليب الفنية في النحت , كما أن آلهتهم سقطت بالقوة ولم يتخلوا عنها بإرادتهم أو بقناعة منهم من أنها لم تعد صالحة للعبادة أو التقرب اليها , مثلما فعل الإغريق حينما تخلوا عن آلهتهم بإرادة حرة كنتيجة لتمرد فلاسفتها العظماء كسقراط وأفلاطون وأرسطوعليها .
فآلهة العرب فرضت عليهم فرضا دون إرادة منهم مثلما تعودوا أن يجبروا على عبادة أي اله جديد وفقا لمصالحهم أو وفقا لخوفهم ,وأي ألا لهه أقوى فهو الإله الأصلح للعبادة عندهم , وعندما دخلوا في الإسلام رغبة أو رهبة , لم ينسوا آلهتهم القديمة بسهوله لأن إيمانهم بها كان مستقرا في أعماق اللاوعي لديهم ,سلوكا وطقوسا , لذلك كانوا أحيانا يهددون بها النبي محمد فيقولون له ( أن أصنامنا مازالت تحت آباطنا) , كما أنهم وخلافا لمبادئ الإسلام كانوا قد أسسوا مبدأ تقديس الأشخاص إلى حد العبادة , وقد شاع ذلك خصوصا في عهد الدولتين الأموية والعباسية , فالخليفة هو ضل الله على الأرض لا يجوز الاعتراض على إرادته أو رغبته أو سلوكه حتى وأن كان شائنا , وأن الخليفة يملك الرجال عبيدا والنساء أماء ويملك كل شيء بين الارض والسماء له ولأولاده من بعده ويعتبرون ذلك تكريما لهم وشرفا عظيما لا يدانيه أي شرف أما إذا أخطأ هذا الخليفة أو ارتكب جرما عظيما أو معصية لألههم فحسابه عند الله , أما ضحاياه فالخليفة أولى بهم مثلما الله أولى بعباده عندهم , لذلك لم تكن مراسيم الدولة الأموية والعباسية سوى مراسم مشتقة من الشبق الجنسي والدموي للخليفة معززة بفتاوى شرعية تصدر من فقهاء ووعاظ السلاطين لتعزيز تلك السلطة الالهيه , وكانت تلك الفتاوى عادة شاذة ولا إنسانية ,تمجد سلطة الخليفة وتنتهك حقوق الرعايا دون وازع من ضمير أخلاقي أو ديني بل حتى أن تلك الفتاوى لم تكن تستمد شرعيتها حتى من الدين الذي يؤمنون به ,بينما يطالبون بقية الناس من رعايا الخليفة بالصبر (لان الصبر مفتاح الفرج) وبأن البلوى هي امتحان الهي للمؤمن وأن الجنة مأوى للصابرين على الجوع والبؤس والاضطهاد , ولم نقرأ في التاريخ عن أي فقيه من الفقهاْء المسلمين الجهابذ كان قد حرض الجياع على الثورة على سلطة الخليفة المتخم , ولم يقولوا لهم ثوروا على الخليفة لأنه سبب جوعكم وبؤسكم
ففتوى تعزيز السلطة الإلهية للخليفة وفتوى الصبر على الجوع للبؤساء من رعاياه .
ولم يتركوا شاردة أو وارده لتعزيز سلطة الخليفة إلا وجعلوها أمرا من الله (وكأن الله لا هم له سوى سلطة الخليفة) أما عباد الله فعليهم أن يكونوا أذلاء لله ولخليفته ففي ذلك خير كريم لهم في الآخرة حيث الجنات التي تجري من تحتها الأنهار وحور عين وغلمان يطوفون عليهم بلا وقت محدد ومن لا يصبر على بلاء الله فجزائه نار حامية يمكث فيها إلى ابد الدهر, إذاً للخليفة الرفاه والجنان وحور العين في الأرض وللفقراء النار الحامية أن لم يصبروا على قضاء الله في الدنيا ومن يثور على الخليفة فقد مرق من الإسلام وحل قتله, أما الثورات التي حدثت في زمن تلك الدولتين العظيمتين فلم تكن من صنع فقهاء المسلمين أو من تابعيهم أو تابعي تابعيهم وإنما جاءت من ثوار حقيقيون أدركوا مأساة الإنسان وجوعه وأدركوا أن ثراء طبقة الحكم وفقهاءه كانت على حساب حرية وجوع وبؤس الفقراء , كثورة الزنج العظيمة وثورة القرامطة وأخوان الصفا فأنها بحق ثورات جياع ,ولم يكن موقف فقهاء المسلمين داعما لها بالتأكيد , فاتهموا قادة وأتباع هذه الثورات بأنهم إما زنادقة أو ملحدون كفرة يستحقون الموت , علما لم تكن تلك الثورات ذات طابع ديني وإنما يمكن عدها وفقا للمصطلحات الحديثة بأنها ذات طابع علماني وبعضها كانت ذات طابع اشتراكي ولكنها على أية حال ثورة جياع ومضطهدين , وأن وعاظ السلاطين من فقهاء المسلمين هم الذين يصنعون التهم ويخترعونها لخليفتهم أو مليكهم فكانت التهمه المعده في ما مضىلكل من يخالف خليفتهم أو يتمرد عليه هي الزندقة وفي العصور الحديثة اصبحت التهمة هي الشيوعية وقد مات تحت ظلال التهمتين ملايين الضحايا الابرياء من الذين كانوا يبحثون عن الحقيقة أو يتحدون السلاطين .
وقد بدات بوادر التمرد ضد سلطة الاستبداد هي بتمرد الصحابي أبو ذر الغفاري حينما طالب بتوزيع الثروة توزيعا عادلا وليس الاستئثار بها من قبل أصحاب السلطة كما طالب بمحاسبة من أثرى على حساب الفقراء من أصحاب النفوذ وأن يسألونهم (من أين لك هذا) كما حرض الفقراء والجياع بقولته الشهيره(عجبت لأمرءٍ يجوع ولايشهر سيفه) ولكنه وبفضل الاثرياء المستبدين قضى ماتبقى من عمره منفيا في صحراء الربذه معزولا يتلظى من الجوع والبرد والألم.
وبقي فايروس تعزيز سلطة الخليفة من قبل وعاظ السلاطين وفقهاء الخلفاء والملوك يتنقل عبر العصور فبعد انهيار الدولة العباسية تجزأت امة العرب والمسلمين إلى دويلات عديدة وأصبح كل خليفة أو ملك فيها هو ضل الله على الأرض يجب طاعته والخضوع أو أن الخليفة هو الإله غير المتوج بالإلوهية وعادت لتتعدد آلهة العرب والمسلمين على العموم ولذلك فلا غرابة أن نرى الممالك والدول الإسلامية تحكم وفقا لنظرية التفويض الإلهي فآل سعود والهاشميين في العراق والأردن والمغرب والسنوسي في اليمن وغيرهم حكموا ومازالوا يحكمون وفقا لتلك النظرية
وبقي الفقهاء المسلمون يتوارثون ذات الفقه السلطوي الذي يعزز ويمجد سلطة الملوك والأمراء بلا عبره من حكم التأريخ ولم يكتفوا بذلك بل ازدادوا تنظيرا دينيا في سبيل توسيع هذه النظرية لتشمل كل حكام المسلمين وهكذا تم تعزيز سلطة صدام حسين واستخدم حزب البعث الدين كستار لتعزيز سلطته واستغل صدام البعثيين لتتويج نضال البعثيين الدموي لتمجيد تلك السلطة ولم يكن رجال الدين بعيدين عن فلسفة التأليه لصدام حسين فقد قال له أحد رجال الدين ( أنني حلمت بنبي إبراهيم وكان ماسكا بيدك وهو يهمس في أذنك بأني راضٍ عنك) وقال له رجل دين آخر ( أني رأيتك وأنت تقف فوق الكعبة) أما الشاعر شفيق الكمالي والذي قتله صدام فقد شبه وجه صدام بوجه الله حينما قال/
ووجهك القدسيُ فينا كوجه الله ينضحُ في الجلالِ
ولم يحتج أحد من رجال الدين على هذا التشبيه الغريب رغم أنه يتعلق بأدق معتقداتهم لا بل أن الاستهجان جاء من قبل العلمانيين ولم يتأتى من المتدينين على هذا التأليه الغريب .
أن الآلهة لا تموت هذا ما تقوله كل الأديان والمعتقدات وأن من يتعرض لسلطة الآلهة سوف يتعرض لسخطها وغضبها إلى يوم الدين هكذا كان ومازال يعلمنا فقهائنا دون أن يقولوا لنا أن السلطة الغاشمة هي مصدر بؤسنا وشقائنا وجوعنا , كما لم يقولوا لنا بأن الملوك والحكام الطغاة هم الذين يستغلون الدين كوسيلة وستار لتعزيز سلطتهم , بل يقولون لنا العكس من ذلك يقولون لنا ما يخدرنا ويجعلنا عاجزين عن فهم ما يدور حولنا , فهم أما أن يأمروننا بطاعة ملوكنا لأنها طاعة واجبة في القرآن والسنة كما يدعون أو يأمروننا بالسكوت والصمت كي نتقي أذاهم ونصبر على ذلك ,بدلا من أن يقولوا لنا ثوروا على الظلمة والطغاة فإنهم شر مستطير وأن الله يأمرنا بمحاربتهم وهكذا عشنا قرون طويلة مظلمة تحت فتاوى الطاعة أو السكوت في الوقت الذي يستبيح فية الطغاة أعراضنا وأملاكنا ويسترخصون أرواحنا ونحن نسبح بحمدهم ونرقص في أعياد ميلادهم (كالقرقوزات) وننشد القصائد بحبهم ونغنى وننفخ الأبواق ونضرب الطبول في مهرجاناتهم كالببغاوات وبلا شعور بالحرج.
أن الآلهة لا تموت لذلك عندما سقط الإله صدام انذهلت العبيد التي خدرتها فتاوى فقهاء ووعاظ السلاطين
ولكنها كانت واثقة بأن إلههم لن يموت لذلك بقوا يتشبثون بحياته وينتظرون عودته يعدون الساعات والأيام بانتظار عودة(غودو) , ولكن حينما أعدم الآله اصيبت العبيد بالذهول ... لأن الالهه لا تموت..... فهل حقا مات الإله صدام ... أن صدمتهم هي ذات ألصدمه التي أصيبت بها الإعراب عند سقوط آلهتهم وتحطيمها في الكعبة , وسيبقى العبيد بانتظار عودة الإله من عليائة أو يصنعوا ألها جديدا ليعبدوه .
#ابراهيم_أحمد_السلامي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟