أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح شعير - رواية -توتة محبوب- ملحمة تاريخية ذات أبعاد نفسية واجتماعية بامتياز















المزيد.....

رواية -توتة محبوب- ملحمة تاريخية ذات أبعاد نفسية واجتماعية بامتياز


صلاح شعير

الحوار المتمدن-العدد: 8184 - 2024 / 12 / 7 - 15:41
المحور: الادب والفن
    


دراسة حول روايتي "توتة محبوب" بقلم : هشام العطار

"توتة محبوب" للكاتب صلاح شعير من الروايات الفريدة، لأنها تمثل ملحمة تاريخية صاغها الكاتب في قالب درامي ورومانسي محكم البناء، ليجسد مأساة الفلاح والمرأة القروية خلال قرنين من الزمان، وقد امتلأ السرد الروائي بالكثير من النماذج البشرية التي تتحصن بالأمل، حتى تقتنص النجاح، وأخري تسحقها قسوة الظروف، وثالثة تعيش على هامش الصمت، ورابعة تمتص دماء المعدمين، وفي إطار الصراع بين كل هؤلاء البشر، تحدث التقلبات الاجتماعية العنيفة، حيث يهبط من كانوا بقمة الهرم إلى القاع، ويصعد من بالقاع إلى القمة، ففي "قرية أم السواقي" البيئة الحاضنة للأحداث الرئيسة، يتجول المؤلف بنا في أماكن عديدة، حيث يمتد الزمن بين الحاضر الحالي، وبين الماضي حتى عام 1805، منذ أن استولت عائلة أبو علم على معظم الأراضي بكافة الطرق المشروعة وغير المشروعة، يدور صراع متعدد الجوانب، بين العائلات من أجل البقاء، كذلك صراع عائلة محبوب مع الإقطاعيين، ومع الفقر في آن واحد، ومن خلال التناقض بين العائلتين و التحولات التاريخية استطاع الكاتب أن يخلق صراعا دراميا شيقا بين الأضداد ليبرز سمات ومراحل الظلم الاجتماعي الذي تعرض لها عموم المصريين وكذلك صعود شرائح اجتماعية معينة على حساب هبوط شرائح أخرى.
الشخصيات في السرد الروائي: تتميز شخصيات الرواية بوضوح المعالم، بوصفها عنصرًا أساسيًا من عناصر البناء المعماري للرواية، وقد رسمها المؤلف بدقة، لدرجة تشعر المتلقي بأن الشخصيات المتخيلة، كأنها حقيقة، منذ تولي محمد علي باشا زمام الأمور في مصر حتي العصر الحديث، ومن الشخصيات المحورية "عايدة" تلك الفتاة سليلة عائلة محبوب، التي تميزت بحفظ التراث الخاص بجذور العائلات وخاصة عائلتها التي شُيعت من عالم الثراء لتدفن في مقابر الفقر، هذه الفتاة التي رزقت بذكاء جعلها تتحدى كل الظروف وتحصل على بكالوريوس الزرعة، تتمتع بجمال أشعل رغبات الذكور فيها، الكل يسعى للزواج بها، ولكنها عصية المنال، قلبها كالقلعة الحصينة، التي لا ينجح في غزوها سوى الفارس المغوار، ولذا يتعارك الرجال من أجل الفوز بها، وتغار منها النساء، وخاصة زميلتها أسماء أبو علم.
أما شخصية "حمدي دولار" حفيد "عوض الممسوس"، ذلك الرجل القوي الذي استولى على أرض المتروك وأصلحها، ليصبح مالكا لها، ثم يموت على الطنبور وهو يروي الزرع، ولكن أولاد أبو علم يسلبون هذه الأرض عنوة، فأصبح من المعدمين الفقراء، لذلك ترك المدرسة في المرحلة الإعدادية، ليعول نفسه وأمه، عمل في "طابونة" الخبز، ثم ذهب إلى شرم الشيخ، للعمل بأحد فنادقها، أعجبت به سائحة ألمانية فتزوجها، وسافر معها، وعمل مع أبيها في مناجم الذهب الأفريقية، وعاد إلى القرية بعد عشرين عامًا بالمال والذهب، فأصبح حلم بنات القرية، ولكنه حمله كان الحصول على "عايدة".
وهناك أيضا حسن هلال زميل عايدة بالجامعة، والذي تعلق بها من طرف واحد، يبدو شخصية مهزوزة نفسيا، بسبب انتحار أمه أمام عينيه لخروجها عارية على الملأ، بعد تورطها في علاقة جنسية من أجل سداد الدين. كذلك شخصية "رجب الأحول" ذلك الثري الأهوج، حفيد الأحول الكبير هو الآخر أحد عشاق "عايدة"، ويغار عليها من أي شخص.
الدراما الروائية ولغة السرد: تجري الأحداث في بناء درامي شيق، منسوج بشكل احترافي، في سبعة فصول معنونه، تتنامى فيه الصراعات، حيث يتصاعد التشويق في تلك الرواية بسبب عايدة، وما يدور حولها من صراعات ذكورية، بالإضافة إلى الرجوع بالزمن الماضي "الفلاش باك" مما أثار فضول المتلقي للتعرف على جذور العائلات، وعلاقة الماضي بالحاضر، وارتباطه بأحداث زمن الرواية، حيث تفجير المفاجآت في الأحداث الرئيسية، كخروج "أم حسن عارية" من غرفة الفاجر صاحب ورشة النجارة، أمام أهل القرية وأمام ابنها، بعد أن اقتحمت زوجته مع أخوته مكان الجريمة، كذلك اكتشاف كنز عائلة محبوب، وغيرها من أحداث الفرعية متدفقة، مما أضاف عناصر تشويقية على البناء الدرامي.
لقد تمكن الكاتب من صياغة الأحداث الدرامية في لغة سردية وصفية سهلة كما استخدام التعبيرات البلاغية الرشيقة، ولكنه لم يسرف فيها، فكانت تعبيرات مؤثرة، في عقل القارئ ووجدانه، ومن العبارات البلاغية المبتكرة ما وصف به القرية في الفصل الأول عندما قال :
"تعانق الخضرة أرجاء المكان" و "تعج الأرض بالحيوانات و الأطفال" و"تحت كل ضربة فأس تنبت لقمة عيش"
أما العبارات البلاغية التي وضعها على لسان الشخصية المحورية في الرواية فقد كشفت أغوار نفسية الأنثى تجاه الرجل عندما قالت عن خطيبها حمدي دولار في الفصل الثاني: " ربما شجعه صمتي على الاستمرار في مخاطبة غريزتي دون قلبي"
ومن العبارات المؤثرة و المبتكرة أيضا تلك التي استخدمها الكاتب في وصف معاناة عبدالله الذي كان يعمل بالسخرة في شق القنوات والترع في زمن محمد علي باشا فقال:
"كان العرق المالح الذي يخرج منه بالنهار يجري فوق الجروح التي سببها الضرب بالسياط فيشتد شعوره بالألم" و يقول في موضع آخر " تحول التراب الذي التصق بشعره و رموش عينيه إلى طين متجمد و تحول الطين المعجون بالعرق إلى شوك مغروس في جسده" فكانت تلك الكلمات أبلغ تعبير عن الهوان و الذل الذي تعرض له المصريين في عصر محمد علي باشا.
و لكنه استخدم بعض الكلمات العامية للتعبير عن جو القرية المصرية و التي كان يمكن أن يستغني عن كثير منها دون الإخلال بروح النص.
الأبعاد التاريخية والنفسية والاجتماعية بالرواية: من ثراء تلك الرواية، أنها ذات أبعاد اجتماعية تاريخية و نفسية عميقة فهي ليست مسطحة بل هي ثلاثية الأبعاد. الكاتب يضرب بكلماته جذور الظلم الاجتماعي في مقتل، كما بالفصل الرابع عندما كانت عايدة تتساءل: "ما الفرق بين الإقطاعيين بالماضي و بين أصحاب الأعمال في هذه الأيام؟"
وكذلك ظهر هذا الظلم الاجتماعي في مأساة والد "حسن هلال" الذي باع كل ما يملك ليهاجر عبر البحر ثم وفاته في عبارة السلام ليترك زوجة تضطر لبيع جسدها مقابل سداد قرض من المال ثم تموت منتحرة فيرث ابنها العار.
جسدت الرواية بالفصل الرابع مأساة "عبد الله محبوب" عامل السخرة في شق الترع، أما في الفصل الخامس فقد تعرض الكاتب لمأساة الأمهات اللائي يحدثن عاهات في أولادهن بهدف الهروب من التجنيد الإجباري و كذلك تفشي الظلم البين في تطبيق قانون محمد علي الذي يقضي بمعاقبة مرتكبي تلك الأفعال من الأمهات بالإعدام شنقا بالطرح في الترع.
أما عن الأبعاد النفسية في الرواية فقد تجلت في شخصية "حسن الهلالي" و صراعه مع المرض النفسي وشفقة "عايدة" عليه، وظهر البعد النفسي كذلك في صراع "عايدة" النفسي؛ بين الحب العذري ورغبتها الجنسية. والأمثلة على ذلك كثيرة لا يتسع لذكرها هذا المقال.
ان رواية توتة محبوب يمكن تحويلها إلى سيناريو فيلم سينمائي ليتعرف عليها جمهور أوسع فهي ملحمة تاريخية تستحق التقدير، تلك الرواية ستحفر في فكر القارئ المصري مثلما حفرت رواية البؤساء لفيكتور هوجو في أفكار الفرنسيين وكما أثرت رواية الحرب والسلام لتولستوي في المجتمع الروسي. ومن الجدير بالذكر أن الرواية صادر عن دار هلا للنشر بالقاهرة عام 2022م، وتقع في 202 صفحة من القطع المتوسط..



#صلاح_شعير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في كتاب : دكتور خالد غازي -عقول خفية-
- -رحيق النساء- نص روائي رائع للروائي د. صلاح شعير صالح لصناعة ...
- -الظمأ والحنين- رواية خيال علمي أحداثها أغسطس 2120 تنبأت بنه ...
- -السيف والوردة- مجموعة قصصية للكاتب حسن الجوخ متعددة الدلالا ...
- رواية -توتة محبوب- لصلاح شعير والتفاعل مع البيئة
- الآثار السلبية للتدخل الطائفي لإيراني بالدول العربية من وجهة ...
- توتة محبوب رواية تناقش قرنين من التحولات الاجتماعية والاقتصا ...
- -تاوسرت- تسلط بقعة ضوء على ملكة فرعونية غامضة
- -حروب الذكاء الاصطناعي القادمة واحتمالات فناء البشر- كتاب يد ...
- كوفيد 20 مجموعة قصصية عميقة لمصطفى الخطيب .
- كتاب -الإنسان والعلم والإيمان- يبرز أهمية العلم
- توحيد السعودية حولها إلى قوة اقتصادية
- كتاب -حروب الذكاء الاصطناعي القادمة واحتمالات فناء البشر- دع ...
- -كوتشنية- رواية اجتماعية تقوم على تحليل الشخصيات.
- -عبيد وأقلام- رواية تنطلق من جائحة كورونا للمطالبة بوقف إنتا ...
- دراسة جدوى اقتصادية حول إنتاج رغيف مصري جديد بنسبة 30% من ال ...
- قراءة في ” رحيق النساء “ ” ا لّصُدْ فََةُ ” .. تقنية على الم ...
- ثراء المضمون ومتعة السرد في رواية -رحيق النساء-
- إنتاج الكهرباء من طاقتي -الرياح- و -المد والجزر- يعزز فكرة ا ...
- أحلامُ الملائكةِ كيف تَكونّ ؟ ! في رواية - أحلامُ الملائكةِ ...


المزيد.....




- مترجمون يثمنون دور جائزة الشيخ حمد للترجمة في حوار الثقافات ...
- الكاتبة والناشرة التركية بَرن موط: الشباب العربي كنز كبير، و ...
- -أهلا بالعالم-.. هكذا تفاعل فنانون مع فوز السعودية باستضافة ...
- الفنان المصري نبيل الحلفاوي يتعرض لوعكة صحية طارئة
- “من سينقذ بالا من بويينا” مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 174 مترج ...
- المملكة العربية السعودية ترفع الستار عن مجمع استوديوهات للإ ...
- بيرزيت.. إزاحة الستار عن جداريات فلسطينية تحاكي التاريخ والف ...
- عندما تصوّر السينما الفلسطينية من أجل البقاء
- إسرائيل والشتات وغزة: مهرجان -يش!- السينمائي يبرز ملامح وأبع ...
- تكريم الفائزين بجائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي في د ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صلاح شعير - رواية -توتة محبوب- ملحمة تاريخية ذات أبعاد نفسية واجتماعية بامتياز