سوريا: جميعهم مجرمون وكاذبون، نظامهم يجب أن يرحل

البديل الماركسي - سوريا

الحوار المتمدن-العدد: 8183 - 2024 / 12 / 6 - 12:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

في فيديو مصور نشرته قناة العربية ظهر الجولاني زعيم هيئة تحرير الشام في مدينة حلب محاطًا بمجموعة من الأهالي و الهتافات في مشهد نكاد لا نستطيع تمييزه عن مشاهد ظهور بشار الأسد السابقة في حلب لولا أن الهتافات كانت عبارة عن تكبيرات وليست بالروح بالدم.

في غضون ساعات خرجت محافظتي حلب و إدلب بشكل كامل عن سيطرة النظام السوري وحلفائه في هجوم نفذته الفصائل المتشددة المدعومة تركيًا، و أبرزها هيئة تحرير الشام الأصولية. لأول مرة منذ شهر آذار/مارس 2020 تتغير خرائط السيطرة في شمال غرب سوريا. حسب الصحفي المقرب من الحكومة التركية راغب صويلو فإن مصدر تركي كبير لم يتم تسميته قال “العملية العسكرية تهدف إلى استعادة حدود منطقة خفض التصعيد في إدلب”، والتي تم الاتفاق عليها أصلًا في عام 2019 من قبل روسيا وتركيا و إيران.


ساعات بعد ذلك، أطلت علينا كل أطراف الأزمة السورية معيدة خطاباتها المنافقة. الولايات المتحدة الأمريكية والمعارضة السورية الليبرالية شددوا على أهمية إحداث تغيير سياسي ديمقراطي في سوريا. ووفق للتطورات التي أتت هذه التصريحات على إثرها فإن هذا التغيير السياسي سيكون أطرافه النظام السوري و هيئة تحرير الشام و الفصائل الرجعية و المعارضة المرتهنة. أي استمرار لمعاناة الطبقات المسحوقة في سوريا.

من جهته النظام السوري الذي كان يترنح تحت مخاوف مد جماهيري ضده بسبب سوء الأحوال المعيشية تنفس الصعداء وبدء بتنفيذ إجراءات شبيهة بالعرفية حيث يتم اقتياد كل الشباب الذين تتراوح أعمارهم من 18 إلى 50 عامًا للخدمة الإلزامية. مصادرنا في دمشق أكدت أن قوات النظام السوري تقوم بإيقاف كل السيارات و الباصات وهناك معلومات أن من الذين تم اقتيادهم يوجد مراهقين لم يصلوا حتى لعمر الـ18 عامًا. من أجل امتصاص الصدمة بدء النظام السوري و حليفته روسيا بحملة عسكرية من الجو حيث تم قصف العديد من المناطق و أكد رئيس النظام السوري أن الجيش سوف يبدء بحملة استعادة المناطق.

والقوات الكردية التي تتواجد في جيوب متفرقة في حلب أصبحت في وضع عسير للغاية. قال متحدث باسم هذه القوات بأنه يوجد لديهم ثلاث خيارات: الأول وهو التفاوض مع الفصائل المهاجمة، ووصفوه بأنه خيار معدوم النتائج، لذلك توجهت القوات الكردية وسيطرت على مطار حلب الدولي وتحصنت فيه من أجل تقوية موقفها في أي مفاوضات لاحقة. والخيار الثاني وهو الانسحاب من دون أي اشتباكات. والخيار الثالث، وقد وصفوه بالانتحاري، هو فتح قنوات بالتنسيق مع النظام السوري وحلفائه.

الخارجية الروسية أعلنت دعمها للنظام السوري في محاربة الإرهاب وبدأت بإجراء تدريبات شرق البحر الأبيض المتوسط. الخامنئي صرّح بأنه من المؤسف أن تقع تركيا في فخ أمريكا والصهيونية. مصادر إسرائيلية صرحت أن الهجوم أجبر حزب الله أن ينقل جزء من قواته إلى سوريا من أجل حماية النفوذ الإيراني هناك، وهو ما سوف يخفف الضغط على الجبهة الشمالية التي مازالت تشهد قصف من دولة الاحتلال الإسرائيلي، هذا بالرغم من دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ. تقرير لصحيفة هآرتس أشار إلى مخاوف إسرائيلية من إمكانية وصول أسلحة النظام السوري الكيماوية والمتطورة إلى فصائل أصولية، وطبقًا للصحيفة فإن إسرائيل نقلت إلى الأسد عبر روسيا تطالبه بالإصرار على سيادته وبمنع أنشطة إيران داخل الأراضي السورية.

كان هذا ملّخص للتطورات في آخر أسبوع، وكل كلمة فيه تؤكد من جديد أنه لا حل على أساس رأسمالي. أي هدوء على أساس رأسمالي هو ليس سوى مقدمة للحرب القادمة.

هيئة تحرير الشام وزعيمها الجولاني
إن هيئة تحرير الشام هي جماعة سلفية جهادية كانت تعرف سابقًا باسم “جبهة النصرة”، والتي كانت فرع تنظيم القاعدة في سوريا. بالرغم من تغيير الاسم من جبهة النصرة إلى هيئة تحرير الشام إلا أن هذا التنظيم مازال يحتضن شخصيات ساهمت ومازالت تساهم في نشر أفكار تنظيم القاعدة في الشرق الأوسط، وخصوصًا في سوريا والعراق.


وقد خصصت الولايات المتحدة الأمريكية في عام 2020 مبلغًا قدره 10 ملايين دولار مقابل أي معلومات تؤدي إلى القبض على زعيم هيئة تحرير الشام أحمد حسين الشرع الملقب بالجولاني. هذا الشخص نفسه الذي كانت أي معلومة عنه تكلّف ملايين الدولارات ظهر بعد أشهر فقط بحوار على شبكة “Front line” الأمريكية لكنه كان يرتدي بدلة ومشذب الذقن ليتناسب مع القيم الديمقراطية الأمريكية. على كل حال لم يكن الجولاني هو الإرهابي الوحيد الذي يظهر للرأي العام بمظهر منمّق. فمؤسسات النظام الرأسمالي من برلمانات ومجلس أمن وأمم متحدة مليئة بالإرهابيين الذين يرتدون بدلات وكرافات.

لماذا صعد الخطاب الديني؟
إن ما يستقطب الفئات المتأخرة من الشباب والناس العاديين إلى هذه الأحزاب الدينية هو كرههم الشديد للفساد المستفحل داخل أوساط السياسيين الليبراليين البرجوازيين التقليديين، بالوقت الذي يعمل فيه الساسة الدينيون على الدعوة بشكل انتهازي إلى العدالة الاجتماعية والقضاء على الفساد وإلى ثقافة الطهر والورع.

والذي زاد من جاذبية التعصب وتيارات الإسلام السياسي هو اليسار المفلس. ليس فقط الرأسمالية هي من وصلت إلى المنطقة في فترة انحطاطها. بل أيضًا الحركات الشيوعية. فعندما تأسس الحزب الشيوعي السوري كان لينين قد مات والحرب الأهلية قد أنهكت الاقتصاد السوفياتي، و إخفاق الثورة الألمانية زاد من عزلة البلاشفة، وهو ما أدى إلى صعود البيروقراطية الستالينية التي كان لها أثرًا مدمرًا على الحركات الشيوعية في المنطقة.

إن الاشتراكيات القومية مثل البعث والناصرية لم تكن أوفر حظًا. لقد كانت في بداياتها تقدمية ولكنها أسست لأنظمة بيروقراطية حملت بذور فنائها بداخلها.

الإمبريالية والأصولية: آلام وآمال مشتركة
ليس فقط الآن، بل منذ البدايات وقع الحراك الثوري السوري ضحية تطرفين. الأول هو التطرف اليساري الذي رفض الحراك الثوري برمته تحت حجة أنه، ومنذ الصرخة الأولى، حراك أصولي إرهابي مدعوم إمبرياليًا، ومن جهة أخرى التطرف اليميني الذي هلّل لكل أشكال الرجعية تحت حجة إسقاط النظام أولًا ثم الحديث عن البدائل. إن عرضنا التحليلي الماركسي للحركات الأصولية ينطلق من الموقع الطبقي، وبالتالي من موقع إديولوجية الطبقة الثورية أي الطبقة العاملة.

إن القاعدة التي يقف عليها الإمبرياليون والأصوليون والأنظمة الدينية وحتى التي تسمي نفسها علمانية في المنطقة هي نفسها: القاعدة الرأسمالية. عندما نقف ضد تيارات الإسلام السياسي نحن لا نقف ضدهم لأنهم مسلمون بل لأنهم جزء من الطبقة السائدة الرأسمالية. الآن بدأت الأصولية تعبر عن نفسها بشكل أقوى بفعل تعمق أزمة النظام الرأسمالي على المستوى العالمي، حيث دخلت جميع فروع النظام الرأسمالي بمواجهة ضد بعضها البعض. وتنظيم القاعدة الذي أسسته الولايات المتحدة لضرب الاتحاد السوفياتي عاد وضربها في عقر دارها.

إن حزب إردوغان الإسلامي المحافظ هو في نهاية المطاف ممثل للبرجوازية التركية التي رأت في السوق العالمي مصدر هام لاستمرارها. لكن أزمة النظام الرأسمالي العميقة أرخت بظلالها على الاقتصاد التركي وما كان أمام أردوغان والطبقة التي يمثلها سوى تحويل غضب الطبقة العاملة التركية في إتجاه قومي أو ديني من أجل الحصول على هامش أكبر للخروج من أزمتهم السياسية والاقتصادية. وفي إيران يؤمن كلا تياري الفقهاء (الملالي) بالرأسمالية. إن قاعدة الملالي الإيرانيين كانت ولا تزال مرتكزة على “البازاري” (الحرفيين ورجال الأعمال).

إن هذه الأنظمة و هذه الحركات الأصولية هي بالحقيقة الأكثر دفاعًا عن الرأسمالية. إن وجودهم السياسي والاجتماعي نفسه مرتبط برأس المال. هذا ما يجعل الخلافات بين الإمبرياليين والأصوليين ليس سوى مجرد أمور شكلية ومخادعة. إن الملالي والأصوليين والمحافظين يخشون انفجار الصراع الطبقي أكثر مما تخشاه أمريكا نفسها. ولكبح هذا الصراع سوف يتم استعمالهم في المستقبل كما تم استعمالهم في الماضي. من جهة أخرى وخوفًا من أن تدفع هده الأزمات إلى صعود حركة عمّالية على أسس طبقية، فإنهم يجتهدون لإعطاء المواجهة غلافًا مضللًا ورجعيًا، أي غلافًا دينيًا فئويًا. إن كل حكام المنطقة، ولحدود اليوم، هم إمّا عملاء فعليون لأمريكا وإمّا أنهم خاضعون لها بفعل ضعفهم وجشعهم.

ما العمل؟
لقد أعطى هذا الهجوم بعض الوقت لنظام الأسد الطبقي. من يرى الأمور من الخارج سيظن بأن الحاضنة الشعبية للأسد قد عادت فعلًا. لكن الماركسيين يستندون على ما يجري وسوف يجري تحت السطح. كذلك الأمر بالنسبة لهيئة تحرير الشام، من يسمع التصريحات الرسمية لهذه الهيئة حول التسامح الديني والطائفي و الحقوق الديمقراطية يظن بأن البابا بذات نفسه سيأتي غدًا لتقديم طلب اللجوء في حلب. خطابات هيئة تحرير الشام ذكرتنا بخطابات طالبان في بداية وصولها للسلطة. هذا التغيير بخطابات الجولاني لا يختلف عن التغيير بشكله: تشذيب للذقن والخطاب معًا لكن أساسهم الطبقي والإديولوجي هو ذاته.

إن فروع النظام الرأسمالي التي تخوض الحروب فيما بينها يجب أن تبرر حروبها بالأكاذيب لأنها حروب رجعية بالكامل. في إطار بحثهم عن شرعنة هذه الحروب يتم صبغها بأوصاف تقدمية مثل ردع العدوان أو فجر الحرية أو صراع الحضارات أو محاربة الإرهاب أو نشر الديمقراطية.

لكن كما ذكرنا أعلاه، فإن موقفنا من نظام الأسد وكذلك الأمر من التنظيمات الأصولية ينطلق من منطلق طبقي. بالنهاية كلا الطرفين مرتبط بالرأسمالية العالمية ارتباطًا عضويًا، و لا يملكان أي حلول لأن حدودهم هي حدود الرأسمالية، وعليه فإن الخلاص من الجهتين سيرورة لن ينجزها سوى الطبقة النقيض للرأسمالية أي الطبقة العاملة.

إن قوات الأسد تشن حملة شعواء لاقتياد الشباب للخدمة الإلزامية. نظام الأسد يتصرف مثل حيوان محاصر. والأشخاص الذين كانوا متحمسين للحرب قبل 14 عامًا لم يعد لهم وجود. وفي نفس الوقت تم إصدار قرار بزيادة رواتب العسكريين قدرها 50%. إن هذا القرار الغاية منه الحفاظ على تماسك العسكريين الموجودين حاليًا واستقطاب الجدد بالترغيب وليس فقط بالترهيب. ومع ذلك فهو قرار يائس للغاية. إن هذه الزيادة التي سوف تزيد من كميّة النقد المتداول من دون أي زيادة بالسلع والخدمات إلى جانب الانخفاض الكبير في قيمة الليرة منذ بدء الهجوم سوف يؤدي إلى موجات تضخميّة عالية جدًا سوف توصل البلاد إلى مستويات قياسية من الفقر.


لقد أشار لينين بأن الحرب هي أداة للقمع الطبقي وهي تتيح للأنظمة هامش أوسع لتثبيت نفسها، لكن مع الوقت هذه الحرب سوف تخلق حالة ثورية قد تودي بها. لن تحتمل الجماهير في مناطق سيطرة النظام طويلًا، والسخط سوف يزداد. إن الظروف قد تمهد لاندلاع حركة ثورية أخرى لكن لا نعرف متى. إلى ذلك الحين لا بد لنا من العمل على بناء القيادة الثورية التي سوف تحول الحرب ما بين أبناء الطبقة العاملة إلى حرب طبقية ضد كل الطبقات البرجوازية التي تستثمر بدماء الفقراء.

وبمجرد أن تبدأ الطبقة العاملة في التحرّك وفق مصالحها الطبقية، فإن الأصولية الإسلامية ستختفي كما تختفي قطرة ماء على سطح قضيب من الحديد الأحمر الساخن. لكن إذا لم يتم القضاء على التناقضات الأساسية والأزمة الاجتماعية، فإنها ستعود مرة ثانية وثالثة في فترات جديدة من الثورات المضادة. إن ما نشهده في سوريا والمنطقة من همجية هو تمظهر خاص لانحطاط الرأسمالية. والتخلّص من هذا الطاعون لن يكون محتمل إلا بإلغاء النظام الذي يتقيّحها. وهذا ممكن فقط بواسطة ثورة اشتراكية.

لذلك نحن ندعو كل الشابات والشباب الباحثين عن بديل ثوري الانضمام إلى تيار البديل الماركسي – سوريا. لا يوجد طرق مختصرة للحرية، وكل يوم تأخير يقود فيه النظام الرأسمالي البشرية بأسرها نحو الهاوية. إن الأصولية والبعثية والفقر و الاستبداد و الحروب كلّها أمراض مرتبطة بالنظام الرأسمالي، ولن نتخلص منها إلا بالخلاص من هذا النظام مرة واحدة و إلى الأبد. تنّضموا في الأممية الشيوعية الثورية.

جميعهم مجرمون وكاذبون، نظامهم الرأسمالي يجب أن يرحل.

البديل الماركسي – سوريا

#البديل_الماركسي_-_سوريا (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات