|
(وداعا حمدى)بين الوصولية المستهجنة.. والعنطزة الكذابة!
نور فهمي
كاتبة
(Noor Fahmy)
الحوار المتمدن-العدد: 8182 - 2024 / 12 / 5 - 21:36
المحور:
الادب والفن
تخيل انتقالك فى لحظة واحدة من طبقة اجتماعية.. لطبقة أدنى منها؛ لو فقط بتبديل حرفي الb و الp مكان بعضهما البعض أثناء النطق؛ كأن تقولpook بدلا من book، أو Beoble بدلا من people، أو bretty بدلا من Pretty، إلخ..
_بالطبع هذا ينم عن بعض السطحية فى التعامل مع الآخرين والحكم عليهم من خلال أمور يمكن تغييرها فى أى لحظة؛ على عكس القيم والأخلاق والسلوك التى لا يمكن أن يتم استبدالها أو تعويضها أبدا _ أعرف فتاة رفضت رجل تقدم لها بسبب أنه أخطأ فى نطق حرف ال (p)_ فلم تسمع أى كلمة من حديثه بعدها! إنها لطامة كبرى، وجريمة تستوجب العقاب [بالنبذ] بالنسبة لطبقة اجتماعية معينة!! لأنها؛ علامة على تدني المستوى التعليمى والثقافى وبالتالى الاجتماعى!! بل إنها تصبح موضع سخرية؛ لتكن الضحية بعدها، للمجموعة كلها ! هذا هو الخطأ الذى وقعت فيه بطلة فيلم(وداعا حمدي) وتدعى (تماضر)_آية سماحة_؛ شابة ساذجة بسيطة..ليست لديها خبرة فى الحياة الاجتماعية، أو السلوك المتوازن المنضبط أو حتى على دراية بأبسط قواعد الذوق، والاتيكيت!! فشلت فى كل حواراتها الصحفية التى قامت بها من قبل، وبناء على ذلك، منحتها الجريدة فرصة أخيرة لتثبت جدارتها، وتعدل مسارها وتصحح أخطائها السابقة وكانت السيدة(عارفة حمدى الدسوقي) _شيرين رضا_ ابنة آخر باشا فى مصر؛ هى الهدف المنتظر هذه المرة!
استمعت (تماضر) لنصائح أمها الخرقاء، لتصل قبل موعدها بنصف ساعة كما أوصتها، فما كان من السيدة عارفة، إلا أن أغلقت الباب فى وجهها وأحرجتها. جلست المسكينة أمام باب شقتها، وهى تطل علينا بفستان غير متناسق الألوان، و(كارينا) بيضاء تلبسها أسفله! تتذكر كلمات والدتها عن أهمية النفاق، والتخلى عن بعض من كرامة الإنسان وكبريائه، لأنها أمور ستجعله يتخلف فى مهنته، ويفشل فى هدفه! أخرجت برطمان (ملوخية) و(طرشي) وجلست أمام الشقة.. تأكل وتراجع الأسئلة قبل بداية الحوار!! إلى أن دخلت مرة آخرى متنازلة عن كرامتها، كما أوصتها أمها فى التعامل مع الآخرين، حتى تحصل على مآربها وتحقق مبتغاها!! فتاة ساذجة؛ تتبع إرشادات غيرها حرفيا، بلا أدنى تفكير أو معارضة! تعاملها السيدة، بمنتهى الجلافة والتكبر؛ بدءا من نظرتها المتعالية لملابسها، مرورا بطلب ارتداء غطاء فوق حذائها، حتى لا تتسخ الشقة، ووضع (مفرش سفرة )على الكرسى الذى ستجلس عليه، لكي لا تلتقط عدوى عن طريقها، ظنا منها أنها موبوءة!! تخيلوا لهذه الدرجة تشمئز منها..لمجرد أن مظهرها لا يروق لها!! هذه المشاهد رغم تناولها فى إطار كوميدى خفيف، إلا أنها واقعية جدا، وتتضح أحيانا من خلال بعض السلوكيات تجاه الخادمات: _تمييزهن بيونيفورم خاص _استخدام طبق وكوب وملعقة لا يمسسهم أحد من أصحاب المنزل بعدها.. _توبيخهم إذا تم [تلبسهم] جالسين على أحد الآرائك فى المنزل دون اذن! _استخدام حمام خاص بهم فقط! فكم من العائلات تتصرف هكذا.. لمجرد أن الخادمة من طبقة اجتماعية أدنى؟!!
تسخر (عارفة) من أسلوب(تماضر) الروبوتى فى إلقاء الأسئلة وحتى من اسمها؛ فظلت تناديها(طماطم).. بدلا من(تماضر). كل ذلك تم تناوله فى إطار كوميدى، بمفارقات ساخرة..ولقطات قريبة جدا أحيانا، لتكبير ملامح الوجه وإصباغ اللقطة بنزعة كوميدية، ولكن بلا أية مبالغات وبجرعة تكثيف جعلت من الملل أثناء مشاهدته، عملية مستحيلة! فيلم من إخراج (محمود زهران) وتجربة التأليف الأولى ( للسيد عبد النبى)
الفنانة (آية سماحة)_والتى تقوم بدور (تماضر) الفتاة البسيطة الساذجة خفيفة الظل_ برعت فى أدائها وأثارت ضحكات المشاهدين بمنتهى التلقائية والبساطة..وبلا أدنى درجة من الافتعال أو المبالغة. تستحق هذه البطولة عن جدارة..فهى ذات كاريزما طاغية ..تجبرك على الضحك دون تكلف فى تعابير وجهها، اكتشاف حقيقي يستحق الانتباه.. أيضا، تم توظيف الأزياء والميكب بشكل جيد جدا ليلاءم طبيعة الشخصيات وتنوعها بين الطبقة الارستقراطية والبسيطة الشعبية وحتى على مستوى البناء الشخصي؛ فالبطلة؛ ترتدي ملابس غير متناسقة الألوان..انتقاءها للأزياء يشي بانعدام الذوق، أو امتلاك أدنى درجة من درجات الحس الجمالي لديها!! شخصية آلية..لا تفهم فى الذوقيات أو الاتيكيت
شيرين رضا(عارفة حمدى الدسوقى) ملاءمة جدا لدور سيدة ارستقراطية .بملامح وجهها وطبقة صوتها المميزة وأدائها الراقي، وحتى ظهور ضيوف الشرف كان إضافة بمحلها؛ سواء فى سياق الحدث أو بإثراء الكوميديا (بيومى فؤاد، انتصار، على الطيب، ومحمود السيسى) واللافت أيضا أن ظهور( ألفت إمام) كان مميزا للغاية؛ ففى مشهد واحد..استطاعت إضحاك القاعة بأكملها وبلا توقف طوال مدة ظهورها! الخطوط تتقاطع والصراعات تحتدم فى بقعة أرض واحدة One location _شقة (عارفة)_
نقطة التحول: قامت (تماضر) ببعض التنازلات والمساعدات التى قدمتها لأجل هذه السيدة من خلال عدة مواقف تعرضت لها مع ضيوف غير متوقعين، ثم بدأت (عارفة) فى التغاضي شيئا فشيئا عن تكبرها عرفانا للجميل. فتكتشف كل واحدة منهن، طريقها؛ بالتفاعل مع الأخرى؛ لتمارس(عارفة) شغفها القديم بالأزياء وتكون (تماضر) هى أولى زبائنها: تبدل ملابسها القديمة بأخرى أنثوية أنيقة؛ فتتألق من خلال فستان قصير وكعب عالى وتسريحة شعر منمقة، لتبدو مختلفة تماما وكما انطبقت عليها كلمات (عارفة): "البنت يعنى :فستان وكعب" تشعر (تماضر) بسعادة وزهو بسبب انعكاس صورتها الرائعة فى المرآة. تبدلت ملامحها تماما، ولأول مرة تكتشف أنها قد دفنت جمالها الخارجى والداخلى [[معا]] بسبب إتباع نصائح وإرشادات أمها العقيمة..مثلما توهجت معها، ملامح (عارفة) بعد أن أتمت مهمتها بنجاح؛ فهذه السيدة الارستقراطية، عشقت مجال الموضة والأزياء. ولطالما أسرتها فكرة تبديل صورة الشخص، إلى صورة أخرى أكثر جمالا وكمالا! ولكن رفض والدها كان حادا وقاطعا: " أنا بنتى ما تلبسش جزم لحد !!" فهذا مفهومه عن هذا المجال!! منعها من تحقيق حلمها، واختيار المهنة التى تحب ..منعها من الرجل الذى تعشق .. من الحب الذى تحتاج وتشتاق إليه أى امرأة.. وقفت مكانتها الاجتماعية دوما حائلا بينها وبين حبيبها، وظلت ارستقراطيتها، أبدا ((عقبة)) فى مصير حلمها فما إن فقدت والدها، حتى وجدت نفسها أقرب للفقر منها للغنى.لا تستطيع دفع فاتورة الكهرباء وتستغنى عن شرب القهوة فقط؛ لأنها لم تتعلم طريقة تحضيرها!! امرأة بلا جدوى ولا أدنى فائدة سوى "العنطزة الكدابة" وأخيرا مع ظهور فتى أحلامها(بيومى فؤاد)..الذى رفضه والدها، وحرمها منه ..يتجدد الأمل مرة أخرى، ويستعيدا ذكرياتهما، ثم تتوج ليلتهم بدعوة للمأذون!
ومع قرب انتهاء رحلة (تماضر) أيضا فى شقة عارفة تكتشف أنها؛ لم تكن تريد كل هذا الذى كانت تسعى لأجله، وأجهدت نفسها هباءا لمحاولة تحقيقه!! اكتشفت حلمها الحقيقى وسط كل هذا العبث.. اكتشفت طريقها داخل مصيبتها.. اكتشفت مقصدها داخل شقة ذاقت فيها كل ألوان العذاب؛ من ذل وإهانة وإحباطات متكررة.. فكم منا كان مثلها؛ يبحث عن حلمه فى أرض غير أرضه..وسط ركام من اللاجدوى والعبثية .. كم منا بعد أن تحقق حلمه اكتشف أنه لم يكن سوى حلما مملوكا لآخر!! وبناء عليه؛ قررت ألا تكمل مشوار (الصحافة) الذى ابتدأته _رغبة فقط فى إرضاء أمها..لا طموحها الشخصى_
بين العشرين والخمسين: اختيار امرأتين من جيلين مختلفين، وطبقتين اجتماعيتين متباينتين؛ لعب دورا هاما فى إثراء الفكرة العامة للفيلم؛ فجاءت (عارفة الخمسينية) لتعطي(تماضر العشرينية) درسا لن تنساه عمرها؛ كأنها رأت فى (عارفة) انعكاس صورتها بعد أن تبلغ الخمسين، وتفقد حيوية الشباب وتكتشف عندئذ فقط؛ أنها عاشت حياة غير حياتها، بسبب أمها التى تنوب عنها فى كل شئ، حتى فى اختيار ملابسها! مثلما كانت (عارفة) طوال سنواتها الخمسين، تحت ولاية والدها وأمره ونهيه ومنعه وحجبه!! الأب أو الأم فى هذه الحالة... لم ينجبا إلا ليجسد أحد الأبناء من بعدهم شخصيتهم وطباعهم، اعتقادا فى تخليد ذكراهم بهذا الأسلوب!! غريزة .. نرجسية.. أنانية.. أطلق عليها ما شئت .. ولكن نتيجة الأمر هو أن نسل هذه الفئة سيصبح؛ إما مطموس الهوية والملامح وحتى الانتماء ..فيرضى عنه القطيع!! وإما متمرد ..ثائر ..قاهر لهذه الدائرة الظالم أهلها.. ويعاقب على ذلك بشتى الطرق الممكنة!! لم أتوقف عن الضحك طوال مدة الفيلم وفى نفس الوقت وصلتنى الرسالة المرادة؛ واضحة..والمحتوى الذى يبدو بسيطا فى الشكل.. عميقا فى مضمون معانيه ودلالاته! فبجانب إطار الكوميديا السوداء؛ الذى تناولوا الفكرة من خلاله، كانت السخرية ممزوجة بألم ووطأة الظرف الاجتماعى للطبقتين !!
#نور_فهمي (هاشتاغ)
Noor_Fahmy#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما وراء الفستان الأبيض
-
فيلم(الهوى سلطان)؛ ممل حد الضجر..رائع حد البكاء!
-
(المادة)..أجرأ أفلام مهرجان الجونة!
-
من آخر المعجزات..لآخر الممنوعات!!
-
بنات عائلة (شاهين)
-
نسختى المرممة!
-
هل يجوز زواج المسلمة من ملحد؟
-
حاربوا الإرهاب..لا الإبداع!
-
ترند -الخلود-
-
النسوية، وآخر الرجال المحترمين!
-
معجزة إلهية..أم خانة فى بطاقة الهوية؟!
-
(اسكندرية كمان وكمان) كما لم تشاهده من قبل
-
رواية بطلها -قزم-
-
ماكينة صرف-الآباء-
-
حصن (الهوية المستعارة)
-
القوادة-البكر-
-
ثورة النساء أم ثورة الإنسان؟!
-
كتابات آخر موضة!
-
بين العهر والحج -رحلة-
-
الأستاذ -إله-
المزيد.....
-
-آثارها الجانبية الرقص-.. شركة تستخدم الموسيقى لعلاج الخرف
-
سوريا.. نقابة الفنانين تعيد 100 نجم فصلوا إبان حكم الأسد (صو
...
-
من برونر النازي معلم حافظ الأسد فنون القمع والتعذيب؟
-
حماس تدعو لترجمة القرارات الأممية إلى خطوات تنهي الاحتلال وت
...
-
محكمة برازيلية تتهم المغنية البريطانية أديل بسرقة أغنية
-
نور الدين هواري: مستقبل واعد للذكاء الاصطناعي باللغة العربية
...
-
دراسة تحليلية لتحديات -العمل الشعبي الفلسطيني في أوروبا- في
...
-
مكانة اللغة العربية وفرص العمل بها في العالم..
-
اختيار فيلم فلسطيني بالقائمة الطويلة لترشيحات جوائز الأوسكار
...
-
كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|