أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شوقية عروق منصور - رغيف خبز يتحدث عن نفسه في غزة














المزيد.....

رغيف خبز يتحدث عن نفسه في غزة


شوقية عروق منصور

الحوار المتمدن-العدد: 8181 - 2024 / 12 / 4 - 16:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يقول السيد المسيح " ليس بالخبز وحده يحيا الانسان ، وذلك قول لا مراء فيه ولكن السيد المسيح أكد في ذات القول أن الانسان لا يحيا بدون الخبز وأن الخبز أولاً فهو الذي يمثل الأمن الغذائي .
أذكر عندما كنا في المدرسة الابتدائية طلبت منا المعلمة أن يكون موضوع الانشاء بعنوان " رغيف خبز يتحدث عن نفسه" وأخذنا نسخر ماذا سيقول الرغيف ، لكن المعلمة قالت أنه يتحدث عن نفسه عندما كان حبة قمح وكيف تم زرعه و حصده وكيف أخذه الفلاح إلى المطحنة ، وكيف تحول إلى طحين، والطحين اشترته الأم من الدكان ثم عجنته وقدمته أرغفة للأبناء على مائدة الطعام . رحلة حب بين النار و العجين ، بين معدة الانسان وشهوة ضم الرغيف ، بين تنهد الجوع والحُلم بشبح الرغيف.
سمعناها من أبي وهو يقول " أنا بركض والرغيف يركض " وكان أبي اللاجئ كلما تركنا وراءنا بعد تناول الطعام بعض فتات من الخبز يبدأ بإعطاء دروس اللجوء والجوع، وكيف كانوا ينامون والجوع ينخر معدهم .
و عندما كانت جدتي تخبز أمام الطابون جاء من يصرخ بأعلى صوته معلناً استشهاد " عمي" مما دفعها لرمي نفسها فوق الجمر ، وعاشت ويديها خرائط من التجاعيد تدل على لحظة فقدت فيها أعز ما لديها في الحياة ، وبقيت تلك التجاعيد تحفر في الذاكرة صوراً تتحدى الواقع الذي يحيا على الرفاهية ، وفي المرحلة الثانوية قرأت رواية " الرغيف " للكاتب اللبناني توفيق يوسف عواد الذي تعد من أروع الروايات الإنسانية التي تتحدث عن الجوع في فترة الحرب العالمية الأولى .
وسقطنا في وجع الرغيف الهارب ، حيث في غزة أصبح رغيف الخبز حلماً ، نعم الصورة ليست بحاجة إلى سجل فكاهي ، بل هي صورة تسحب خلفها ألماً وخوفاً وصراخاً وجوعاً وحروفاً تلعن عنجهية الساسة والسياسيين ، تلعن صمت الانسان أمام جوع الانسان .
في عالم التواصل الاجتماعي لم يعد العالم قرية صغيرة كما قالوا ، بل أصبح العالم حارة صغيرة وضيقة جداً ، نطل من نوافذ بيوتنا على بيوت الجيران فنجد أنفسنا داخل غرف نومهم ومطابخهم ونعرف عنهم أكثر مما يعرفون عن أنفسهم .
أقول في عالم التواصل الاجتماعي كانت الصور القادمة من قطاع غزة تقدم لنا الوجه الشرس الوحشي والجنوني للحرب ، تقدم لنا سرعة حمل الجثث ولفها بأقمشة وحرامات ملونة ، لم يعد اللون الأبيض متاحاً هناك ، لأنه أصبح نوعاً من الرفاهية أمام أرقام الذين يقتلون - يستشهدون - ، ورفاهية اللون الأبيض دخلت في الضباب ، لأن كل شيء تحول إلى اللون الأحمر أو الأسود أو الرمادي ، عدا عن اختفاء اللون الأبيض من محلات الاقمشة التي كانت متواجدة.
ويبقى أصعب الألوان عندما يكون الصراخ والأيدي الممدودة في طوابير الجوع ، تلك الطوابير التي تحمل الطناجر والصحون ، وجميع أشكال الأوعية تنتظر من يمد ويسكب لها القليل من الطعام.
أما صورة رغيف الخبز فهي الصورة الواسعة التي تغطي الشاشات وتشهق فزعاً ، تلعن القرارات والجمعيات والمؤسسات والدول وكل مرايا الذل العربي قبل مرايا الأجنبي .
أصبح الحصول على رغيف الخبز نوعاً من الهم اليومي والقلق النهاري والليلي ، عدا عن ارتفاع سعر كيس الطحين بشكل جنوني ، وعدا عن طوابير الخبز التي أصبحت تركع أمام المخابز ساعات طويلة حتى تحصل على بضع أرغفة ، حيث يشعر الانسان أنه أصبح مساحة من الحلم فيها انتهاء معارك وجولات الحصار على تواجد الرغيف .
أحد أساتذة الجامعات في غزة بكى وهو يحرق كتبه لكي تقوم زوجته بخبز العجين ، حيث لم يجد شيئاً يشعل به النيران .. لم يجد إلا مكتبته الضخمة ، لو هذه الصورة التي نشرها وهو يلقي بالكتب داخل النيران لقامت القيامة في الغرب واعتبروه إنساناً قاسياً وغير متحضر.
هل تذكرون المغنية فيروز الصغيرة في فلم " ذهب " مع الفنان أنور وجدي حيث كانت فقيرة ووجدت على الأرض " ريالاً " وأخذت تغني " معانا ريال ... معانا ريال " تذكرت فيروز الصغيرة عندما رأيت الطفلة تنادي والدها بأعلى صوتها يا با " معاي رغيف ... معاي رغيف " .
أحد الأصدقاء عندي على الفيس خطب إحدى الفتيات، وقد كانت هديته لها ربطة خبز ..!! وكم كانت العروس فرحة " بربطة الخبز " إنها ليست نكتة فأنت في الزمن الغزي الصعب ، الزمن الذي يحتفظ بحقه في ادانة التاريخ غداً ، الزمن الذي يتوهم أنه سيموت بعد انتهاء الحرب والعدوان على غزة والتوقيع على أوراق اللعب السياسي .
الزمن سيبقى شاهداً على رغيف خبز كبر وتحول إلى مدن وخيام ومدارس إيواء ، رغيف خبز لم يتكون من طحين وخميرة والقليل من الماء ، بل هو الرغيف الذي تعمد بالانتظار والجوع والدماء .



#شوقية_عروق_منصور (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين الموت والركام لا أحد
- من اتكل لى زاد ترامب طال جوعه
- مقابر جماعية - هنا غزة
- أنا لا أثق ... آخ ياغزة
- في غزة .. شكراً للهواتف وصفحات التواصل الاجتماعي
- لن يكون في غزة - اربز جوت تالنت -
- الصبي الفلسطيني ودراجة الانتصار
- المطر الأحمر والأطفال
- خيمة وزغرودة وساق رجل
- حياة الماعز وحياة العامل الفلسطيني العاجز
- زمن الأوزان تحت الأنقاض في غزة
- الطفولة والحصان في غزة
- في غزة : يخرج ن القهر الرقص والطناجر
- مدرستي ما أحلاها
- في غزة أصبح اللون الأبيض رمزاً للوداع
- ما معنى أن تكوني امرأة في غزة
- الجاحظ بدر ... وسيبقى المفتاح في جيبي
- رجيم على الطريقة الغزاوية
- خيمة عن خيمة تفرق
- القوي عايب


المزيد.....




- قطار يمر وسط سوق ضيق في تايلاند..مصري يوثق أحد أخطر الأسواق ...
- باحثون يتكشفون أن -إكسير الحياة- قد يوجد في الزبادي!
- بانكوك.. إخلاء المؤسسات الحكومية بسبب آثار الزلزال
- الشرع ينحني أمام والده ويقبل يده مهنئا إياه بقدوم عيد الفطر ...
- وسقطت باريس أمام قوات روسيا في ساعات الفجر الأولى!
- الدفاعات الروسية تسقط 66 مسيرة أوكرانية جنوب غربي البلاد
- -يديعوت أحرنوت-: حان الوقت لحوار سري مع لبنان
- زعيم -طالبان-في خطبة العيد: الديمقراطية انتهت ولا حاجة للقوا ...
- الشرع: تشكيلة الحكومة السورية تبتعد عن المحاصصة وتذهب باتجاه ...
- ليبيا.. الآلاف يؤدون صلاة عيد الفطر بميدان الشهداء في طرابلس ...


المزيد.....

- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي
- لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي / غسان مكارم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - شوقية عروق منصور - رغيف خبز يتحدث عن نفسه في غزة