سالم قبيلات
الحوار المتمدن-العدد: 8179 - 2024 / 12 / 2 - 20:14
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
نافذة على النِّضال والثَّبات
سالم قبيلات
نستعرض، من خلال هذه النافذة، سيرة وإنجازات قائد نقابي مرموق، دافع لسنين طويلة عن حقوق العمال، خاصة في قطاع المصارف والتأمين؛ حيث شهد العاملون، في هذا القطاع، خلال فترة قيادته لنقابة العاملين في المصارف وشركات التأمين، العديد من الإنجازات والمكتسبات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بالإضافة إلى مشاركة النقابة بكثافة في النشاطات والمؤتمرات النقابية العربية والدولية.
وُلد الرفيق الدكتور حيدر رشيد في عمان في العام 1946، لعائلة أردنية شركسية مثقفة تنتمي إلى الطبقة الوسطى؛ وأكمل مراحل دراسته، من الابتدائية حتى الثانوية، في عمان؛ ثم أكمل دراسته الجامعية في جامعة دمشق، في مجال العلوم الاقتصادية؛ وبعد ذلك، حصل على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة بودابست للعلوم الاقتصادية في العام 1994.
انضم إلى الحزب الشيوعي الأردني في العام 1968 خلال دراسته في سوريا، وكان حينها ناشطاً طلابياً بارزاً في صفوف الحركة الطلابية التقدمية في جامعة دمشق.
وفي العام 1985، تزوج الرفيق حيدر من المهندسة الزراعية السيدة ريم العبد اللات، وأسسا معاً أسرة كريمة، مكونة من ابن، هو (أحمد)؛ وثلاث بنات، هن (نائلة، لانا، دانا).
بعد تخرجه في العام 1970 مباشرة، بدأ الرفيق حيدر عمله في البنك الأهلي الأردني؛ وفي العام 1974، كان أحد مؤسسي نقابة عمال المصارف؛ ومنذ ذلك التاريخ، انتخب، بشكل متوال، عضواً في الهيئة الإدارية للنقابة، ثمّ رئيساً لها إلى حين وفاته.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد كان، لمدة طويلة، عضواً في المجلس التنفيذي لاتحاد نقابات عمال الأردن؛ حيث تولى مسؤولية العلاقات الدولية في المجلس.
كما أنه كان رئيس تحرير مجلة "صوت عمال الأردن"، المجلة الدورية لاتحاد نقابات عمال الأردن؛ وكان لعدة سنوات، كاتب عمود في صحيفتي "الرأي" و"العرب اليوم".
وبفضل كفاءته المهنية ونشاطه النقابي المثابر، حصل الرفيق الدكتور حيدر رشيد على عضوية العديد من المؤسسات النقابية الوطنية والإقليمية والدولية، منها: المكتب التنفيذي للاتحاد العربي للنقابات؛ المكتب التنفيذي لشبكة النقابات الدولية (UNI)؛ المكتب التنفيذي للاتحاد الدولي للنقابات / منطقة آسيا والباسيفيك؛ كما تبوَّأ موقع مستشار للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب للشؤون الاقتصادية والاجتماعية.
وعلى المستوى الوطني، كان الرفيق حيدر عضواً أساسياً في ما يزيد عن سبع هيئات وطنية، توزعت على اللجان التوجيهية، ومجالس التشغيل والتدريب والإدارة، والصناديق التنموية والادخارية. وكان، أيضا، مشاركاً فعالاً في عشرات المؤتمرات الوطنية والعربية والدولية، بما في ذلك مؤتمرات منظمتي العمل العربية والدولية.
وللرفيق حيدر رشيد، أيضاً، مساهمات بارزة في مجال الإبداع الأدبي، خاصة في مجال الرواية؛ حيث صدرت له في العام 1991 رواية بعنوان "وجع الحاضر". وله، كذلك، العديد من المؤلفات في مجالات الاقتصاد والعمل، وعشرات الأبحاث والدراسات الاقتصادية والعمالية والسياسية؛ منها: "الحركة العمالية الأردنية ومقدمات وضعها الراهن – الحركة العمالية في فلسطين 1900-1948" (دراسة صدرت في العام 1982)؛ "دراسات في الاقتصاد والقضايا العمالية" (نُشرت في العام 1992)؛ "الحد من الفقر في البلدان العربية" (دراسة نُشرت في العام 2011). بالإضافة إلى سبع دراسات أخرى، حول رفع الكفاءة المهنية وتعزيز دور النقابات وأسس الحوار الاجتماعي.
يقول الرفيق فخري زيادين، وهو أحد قيادات العمل النقابي البارزين، خاصة في نقابة المصارف: "لقد تأسست نقابة المصارف، لأول مرة، في العام 1954، واستمرت في الوجود حتى العام 1957؛ ثم عادت إلى العمل من العام 1961 حتى العام 1970؛ وعادت مجدداً في العام 1974، ولا تزال نشطة حتى اليوم. وكان الفرق بين دور النقابة في المرة الثالثة وبين دورها في المرات السابقة هو أن النقابة خلال المرتين الأوليين لم تشهد تحولات نوعية في العمل النقابي ولم تحصِّل أية حقوق عمالية أساسية لمنتسبيها، بينما شهدت في المرة الثالثة تحولات ملحوظة عديدة، تحت قيادة الرفيق الدكتور حيدر رشيد".
ويؤكد زيادين نجاحات الرفيق حيدر في قيادة النقابة، بقوله: "إن من أبرز الشواهد على قيادته الناجحة هو عدد المرات التي انتخب فيها كعضو في الهيئة الإدارية، أو كرئيس لها، حيث بلغ مجموعها ست عشرة مرة؛ منها أربع مرات انتُخب فيها كعضو هيئة إدارية؛ واثنتا عشر مرة انتُخب فيها كرئيس للنقابة؛ مما يجعله النقابي الأكثر تكراراً في عدد مرات الفوز في انتخابات نقابة المصارف منذ العام 1974."
وبخصوص عمل الدكتور حيدر رشيد في النقابة، يقول زيادين: "كان الرفيق حيدر، خلال قيادته للنقابة، يحرص دائماً على الاستفادة من أحدث منجزات العصر وتطوراته. ولطالما اتخذ قرارات نقابية جريئة، كانت محل تقدير غير مسبوق في الوسط العمالي والنقابي؛ وعلى سبيل المثال، فهو أدرك أهمية التدريب كعنصر رئيسي من عناصر النجاح والتقدم؛ لذا عمل جاهداً على تطوير مركز التدريب والتثقيف العمالي التابع للنقابة، والذي انطلق بدعم وتشجيع من بعض إدارات البنوك استجابة لطلب الرفيق حيدر، فتم تغيير اسم المركز ليصبح "مركز التدريب والتثقيف المصرفي والعمالي"، وأصبح التدريب المصرفي هو الأساس في عمل المركز، بالإضافة إلى التثقيف العمالي. كما سعى الرفيق حيدر إلى أن تتماشى برامج الهيئة التدريبية الجديدة مع كافة التطورات في مجالات العمل المصرفي؛ وهذا مع الحفاظ على جوانب التدريب الأخرى. وكان يطمح إلى توسيع نشاط المركز ليصبح عربياً وإقليمياً."
لقد عمل الرفيق خالد الذكر، بذكاء ومثابرة، على تحقيق أهداف النقابة، خاصةً في مجال حماية الحقوق العمالية، والدفاع عن مصالح الأعضاء، وتحسين شروط العمل، ونشر الوعي النقابي، وتعزيز المستوى الثقافي للعمال؛ وساند تكوين اللجان النقابية الاجتماعية والرياضية والجمعيات التعاونية.
كما أنه حرص على حشد طاقات العمال لتحقيق مشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية، المرتبطة بمصالحهم، بشكل جيد؛ وشجع المبادرات الإنتاجية؛ مما ساهم في رفع الكفاءة المهنية للعاملين، وتطوير مهاراتهم الفنية.
لقد كان الرفيق حيدر مناضلاً عنيداً من أجل إنصاف العمال، ومناهضاً مبدئياً لليبرالية المتوحشة ومجموعات المافيا وعصابات الفساد والنهب والإفقار. وقد عمل دائماً من أجل تحسين المستوى المعيشي، خاصة الصحي والاقتصادي والاجتماعي، لأعضاء النقابة وعائلاتهم، من خلال عقده الاتفاقيات الجماعية، وإنشاء صناديق الادخار. وكثيراً ما كان يطالب برفع الأجور لتتناسب مع الارتفاع في أسعار السلع والخدمات الأساسية، عن طريق ربطها بمؤشر التضخم.
وفي سياق النقد الذاتي، أشار الرفيق حيدر إلى أن النقابات العمالية تتحمل جزءاً من المسؤولية عن الخلل في سوق العمل، حيث رأى أن النقابات ضعيفة عموماً في الدفاع عن حقوق منتسبيها، لأسباب موضوعية، وخاصة بسبب منع الحكومة للعاملين في القطاع العام والوافدين من الانتساب إلى النقابات الخاصة بهم، مما يضعف قدرتها على الإسهام في حل المشكلات القائمة.
لقد كان نقابيًا شجاعًا، لا يتردد في انتقاد الحكومات المتعاقبة عند اعتمادها على أسلوب الزيادات المتكررة للضرائب في الموازنات السنوية، مؤكداً أن هذه الزيادات ليست قدراً محتوماً في السياسات المالية.
وقبل أيام من وفاته، أكد في تصريح له، "أن تحمل الأعباء المالية الناتجة عن وباء الجائحة (جائحة كورونا) هو مسؤولية مشتركة وتضامنية بين الطبقات الاجتماعية لتجاوز هذه المحنة. وطالب القوى الأكثر قدرة في القطاع الخاص بأن تكون شريكة مع الحكومة في تخفيف الأوضاع القاسية على العاملين، داعياً إلى عدم تحميل العبء بالكامل على القوى العاملة ومؤسساتها".
وقد حظي الرفيق حيدر بتقدير كبير من الهيئات العمالية الدولية؛ ففي شهر آب من العام 2005، انتُخب من قبل المؤتمر العالمي لاتحاد النقابات الدولية عضواً في المكتب التنفيذي للقطاع المالي في الاتحاد. كما تم أيضاً انتخابه عضواً مناوباً في المكتب التنفيذي العام للاتحاد. ويُذكر أن هذا الاتحاد يضم 440 نقابة و16 مليون عضواً ينتسبون إليه، موزعين على أكثر من 122 دولة.
وإذا نظرنا إلى ما تعرض له أعضاء الحزب الشيوعي الأردني، ورموز الحركة النقابية الأردنية، من قمع وترهيب، منذ نشوئهما، تتضح لنا عظمة الجهود التي بذلها أعضاء الحزب، وخاصة أعضاءه النقابيين، للتغلب على تلك الظروف القاسية التي فرضها نظام الاستبداد. لقد عملوا بجسارة من أجل تطوير وعي الطبقة العاملة الأردنية في كفاحها العادل؛ مما مكن الجماهير العاملة والكادحين والمثقفين الثوريين من تنظيم نضالهم الوطني والاجتماعي، داخل الحزب الشيوعي الأردني وحوله، من أجل الديمقراطية والمساواة والتقدم الاجتماعي وتحسين شروط الحياة.
وبوفاة الرفيق الدكتور حيدر رشيد، في الأول من آذار من العام 2021، خسرت الحركة النقابية الأردنية والعربية قائداً عمالياً كانت له بصمات واضحة وإنجازات عديدة في العمل النقابي الناجح على الصعيد الوطني والإقليمي؛ كما خسر الحزب الشيوعي الأردني رائداً من رواد العمل الوطني والحزبي، لينضم إلى كوكبة خالدي الذكر، من رفاقه، الذين عبروا أصدق تعبير عن آمال الطبقة العاملة الأردنية والشعب الأردني والشعوب المضطهدة الطامحة للانعتاق من نير الاستغلال الرأسمالي والقهر الإمبريالي؛ فرسخت أسماؤهم بقوة في ذاكرة الكادحين والحزب.
وإنَّ كلماته الشجاعة، التي كان يلقيها في الأول من أيار، عيد العمال، لحاضرة إلى اليوم في ذاكرة كل من شارك في تلك الاحتفالات، خلال مرحلة الأحكام العرفية التي أُعلِن إلغاؤها في العام 1989. وحينها كانت النقابات العمالية، وخاصة نقابة العاملين في المصارف، في أوج نشاطها، تحت قيادته التي تميزت بالشجاعة والعزيمة والصلابة.
المجد والخلود لذكرى الرفيق الدكتور حيدر رشيد، المناضل الشيوعي والنقابي الجسور؛ والمجد والخلود لكل المناضلين الذين ضحوا بحيواتهم في سبيل الوطن والشعب والقيم الإنسانية والمبادئ الاشتراكية.
وسيبقى اسم الرفيق الدكتور حيدر رشيد حاضراً دائماً في ضمائر كل معارفه، وأصدقائه، ورفاقه، ومحبيه، وذويه.
#سالم_قبيلات (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟