|
مداخلة أخيرة عن زميلتي الكورية/ محمود شقير
محمود شقير
الحوار المتمدن-العدد: 8179 - 2024 / 12 / 2 - 16:16
المحور:
الادب والفن
كنت في الولايات المتحدة الأميركية عام 1998، في جامعة أيوا على وجه التحديد، ملتحقًا ببرنامج الكتابة الدولي ومدته ثلاثة أشهر. كان الفريق المشارك في البرنامج آنذاك يتكون من تسعة عشر كاتبًا وكاتبة من مختلف البلدان، ومن بين المشاركين والمشاركات كانت الكورية الجنوبية هان كانغ التي فازت مؤخرًا بجائزة نوبل للآداب 2024، وقد سُررت لهذا الفوز. كانت آنذاك في الثامنة والعشرين من عمرها، تبادلنا حديثاً عابراً ثم افترقنا. وفي لقاءات قادمة اعتدنا على مخاطبتها باسمها الأول: كانغ. وهي امرأة هادئة ميّالة للصمت، مثقفة ولديها صوت رشيق حين تغني، زوجها ناقد أدبي ووالدها روائي معروف، وشقيقها الكبير كاتب. أمضينا ثلاثة أشهر في أيوا ضمن برنامج الكتابة الدولي، وفي الأثناء زرنا مدنًا عدة في الولايات المتحدة الأميركية. زرت شيكاغو، وهناك التقيت داود السلحوت وشقيقه راتب وهما من أبناء عشيرة الشقيرات التي أنتمي إليها، وزرت هيوستن، وهناك التقيت صديقي رجل الأعمال محمد السلحوت، وهو من أبناء الشقيرات كذلك، والتقيت ابن شقيقتي الدكتور باسل السلحوت برفقة عمّه محمد. زرت نيويورك، وهناك التقيت كانغ هان وعددًا آخر من زملاء برنامج الكتابة الدولي والزميلات، وأمضينا أيامًا في المدينة الكبيرة الصاخبة. كنت بين الحين والآخر أحدّث كانغ عن القدس وعن مأساة الشعب الفلسطيني وعن الممارسات التعسفية للاحتلال الإسرائيلي ضد شعبنا، وكانت كانغ تتعاطف مع شعبنا ونضاله من أجل حريته. كانت كذلك تحدّثني عن حضارة الشعب الكوري وتراثه الثقافي العريق. حين عدت من أيوا إلى القدس، جرت مراسلات بيني وبين كانغ، واستمرت بضع سنوات ثم انقطعت. أرسلت لها ذات مرّة هديّة من نبتة الميرمية التي أحبتها حين كنت أغلي لها بعضًا منها ونحن في أيوا، وأرسلت هي لي أشرطة من الموسيقى الكورية وغناء بصوتها وكتابًا شعريًّا من تأليفها باللغة الكورية، وليس فيه إلا قصيدة واحدة باللغة الإنكليزية. وحين انقطعت المراسلات بيننا لم أعد أتابع أخبارها، وهي لم تعد تتابع أخباري. هكذا يحدث عادة في مجرى الزمن، لكنني ألفت كتابًا عن تلك الرحلة ورحلات أخرى بعنوان "مدن فاتنة وهواء طائش" الذي صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2005، تحدّثت فيه من ضمن أمور أخرى عن كانغ هان الزميلة التي لا تنسى. وحين فازت روايتها "النباتية" بجائزة بوكر العالمية هنأتها بالفوز، وقرأت الرواية ووجدت فيها خيالًا محلقًا وإبداعًا متفوقًا، ورشاقة مستمدة من رشاقة الإنسانة صاحبة الرواية ذات الأحاسيس المرهفة. وفي الأثناء قرأت حوارًا أُجري معها، وفيه أفصحت كانغ عن عدم رغبتها في التواصل مع الرجال الكتّاب، فما داموا يضعون عصارة أرواحهم وتجاربهم في مؤلفاتهم فهي ستكتفي بقراءة هذه المؤلفات. ربما كان السبب في هذا الموقف من الرجال عائد لعلاقتها المضطربة مع زوجها، ذلك أنها بعد عودتها من أيوا كانت علاقتها معه جيدة، وقد أنجبت طفلًا أظن أنها لم تنجب غيره، ثم انفصلت عن زوجها وبعد سنوات أخبرتني أنها عادت إلى التواصل معه ربما من أجل طفلهما، ولست أدري إن كانت علاقتهما الزوجية ما زالت مستمرة أم إنها تعثرت من جديد (ربما استمر الانفصال بينهما، لأنني قرأت تصريحًا لها حين جاءها نبأ فوزها بجائزة نوبل، قالت فيه إنها كانت في البيت هي وابنها حين وصلها النبأ). ما أذكره أنني حينما كنت في هونغ كونغ عام 2005 للالتحاق ببرنامج للكتابة تنظمه الجامعة المعمدانية هناك لمدة شهر، أخبرتني في إحدى رسائلها أنها لم تتمكن من زيارتي في هونغ كونغ بسبب ظرف خاص. كانغ إنسانة مهذبة وفية خلوقة محترمة، وحين فازت بجائزة نوبل للآداب للعام 2024 فرحت لها، ولم أفكر بإرسال تهنئة لها اعتقادًا مني أنها لن ترد على رسالتي، ولديّ دليل على ذلك، فقد أرسلت لها رسالة قبل أسابيع من إعلان فوزها بالجائزة، ولم ترد على رسالتي التي حفزتني على إرسالها إليها مشاهدة مباراة ضمن تصفيات كرة القدم للمونديال الذي سيقام عام 2026 ، وكانت المباراة بين المنتخبين الفلسطيني والكوري الجنوبي. وقد خطر ببالي أن ابن كانغ البالغ من العمر 23 سنة قد يكون أحد لاعبي المنتخب الكوري. ذكرت لها هذا الخاطر ولم تكترث له وللرسالة التي تضمنته، فلم أرسل لها تهنئة بالفوز، لكن فرحتي بفوزها بقيت على حالها ولم تتأثر بعزوفها عن التواصل معي، ثم قررت أن أقرأ بقية أعمالها الروائية، قرأت سيرتها الروائية "الكتاب الأبيض" وأعجبت به لما فيه من شاعرية ومشاعر إنسانية رقيقة، ثم قرأت روايتها "أفعال بشرية"، وفيها وصف شاعري مسهب لأعمال القمع الوحشية التي مارسها الجيش الكوري الجنوربي وقوى الأمن ضد المواطنين الكوريين أثناء انتفاضة شعبية سلمية وقعت في بعض المدن الكورية. الأكثر لفتًا للانتباه، أنّ كانغ قررت عدم الاحتفال بفوزها بجائزة نوبل تضامنًا مع الشعب الفلسطيني، واحتجاجًا على حرب الإبادة التي يشنها المحتلون الإسرائيليون ضد قطاع غزة وضد الغزّيين الفلسطينيين. شكرًا لزميلتي في برنامج الكتابة الدولي في جامعة أيوا في الولايات المتحدة الأميركية لعام 1998، ومبارك لها فوزها بجائزة نوبل للآداب 2024.
#محمود_شقير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
زميلتي الكورية هان كانغ الفائزة بجائزة نوبل2024 / محمود شقير
...
-
زميلتي الكورية الفائزة بجائزة نوبل للآداب2024/محمود شقير4
-
زميلتي الكورية التي فازت بجائزة نوبل للآداب2024/محمود شقير3
-
زميلتي الكورية القائزة يجائزة نوبل للآداب2024 / محمود شقير/2
-
زميلتي الكورية هان كانغ الفائزة بجائزة نوبل للآداب/1
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير16
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير15
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير14
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير13
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير12
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير11
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير10
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير9
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير8
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير7
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير6
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير5
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير4
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير3
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير2
المزيد.....
-
بعد الحادثة المروعة في مباراة غينيا ومقتل 135 شخصا.. جماعات
...
-
-عاوزه.. خلوه يتواصل معي-.. آل الشيخ يعلن عزمه دعم موهبة مصر
...
-
هل تعلمين كم مرة استعارَت أمي كتبي دون علمي؟!
-
رئيس الهيئة العامة للترفيه في السعودية تركي آل الشيخ يبحث عن
...
-
رحيل الفنان المغربي مصطفى الزعري
-
على طريقة الأفلام.. فرار 8 أشخاص ينحدرون من الجزائر وليبيا و
...
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|