أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر المعز - مَجْزرة -ثياروي- - السنغال 01 كانون الأول 1944 – 2024















المزيد.....


مَجْزرة -ثياروي- - السنغال 01 كانون الأول 1944 – 2024


الطاهر المعز

الحوار المتمدن-العدد: 8178 - 2024 / 12 / 1 - 10:59
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مقدّمة
شَكَّلَت العلاقات بين السنغال والدّولة الإستعمارية السابقة (فرنسا) أحد المواضيع التي احتلّت حَيِّزًا هامّا من مناقشات الحملة الإنتخابية الرئاسية ( 24/03/2024 ) والتشريعية ( 17/11/2024) التي جرت بالسّنغال وأسفرت عن فَوز المُرشَّحِين التّقدُّمِيِّين لحزب "باستيف" (حزب الوطنيين الأفارقة في السنغال من أجل العمل والأخلاق والأُخُوّة) الذي عارض سياسات الرئيس السابق "ماكي سال" المُرتبطة بالإستعمار، وطُرحت خلال الحملة الإنتخابية مسائل هامة مثل الخروج من منظومة الفرنك الإفريقي ( CFA ) وتحسين العلاقات مع حكومات الدّول التي تُعارض الهيمنة الفرنسية (مالي و النيجر و بوركينا فاسو و غينيا...) كما أُثِيرت مسألة نَشْر الحقائق حول المجزرة التي ارتكبها الجيش الفرنسي في "ثياروي" على الأراضي السنغالية خلال فترة الإستعمار المباشر، وقُتِل خلالها – يوم الأول من كانون الأول/ديسمبر 1944 - عدد غير معروف من المُجَنّدين الأفارقة (يُقَدّرُ بمئات الضحايا من السنغال وغيرها) الذين ساهموا في تحرير فرنسا من الإحتلال الألماني النّازي، وتَعَهَّد الرئيس الجديد "باسيرو ديوماي فاي" بالسعي لكشف حقيقة الوقائع ومآل جُثث الضحايا، وبمناسبة الذّكرى الثمانين لهذه المجزرة الإستعمارية، تتناول الفقرات الموالية بعض الحقائق حول هذه الواقعة...
أعلنت حكومة السنغال – لما كان هذا النّص جاهزًا للنّشر – إنهاء العمل ب"اتفاقية الدّفاع المشتركة بين السنغال وفرنسا" والتفاوض على جدول زمني لخروج الجنود الفرنسيين من القواعد العسكرية، وأعلنت حكومة تشاد نفس الموقف، مما شكّل مُفاجأة لأن التقدّميين الأفارقة يُسمّون تشاد "حاملة طائرات فرنسا في المنطقة المُحيطة بالصّحراء"، ويُشارك جيش تشاد في أي عدوان يُنَفِّذُه الجيش الفرنسي ضدّ شُعوب إفريقيا...

شباب المُستعمرات وقود الحروب الإمبريالية
جنّدت الإمبريالية الفرنسية مئات الآلاف من شباب المُستعمرات كجنود مُتطوعين أو تم تجنيدهم قَسْرًا، واستخدمهم الجيش الفرنسي لقمع الشعوب المُستَعْمَرَة وللمُشاركة في الحُروب الإمبريالية الأولى والثانية، وبما إنهم في الصفوف الأمامية، كان عدد القتلى والجرحى والأسرى بينهم مرتفعا، فضلا عن العديد من المآسي التي أدّت إلى مقتل جنود أفارقة مجندين في الجيش الفرنسي: 900 جندي أفريقي من كامب دو كورناو (حوض أركاشون) هلكوا بسبب المرض خلال الحرب العالمية الأولى، ومات 200 جندي كانوا على متن السفينة أفريك التي غرقت سنة 1920 قبالة سواحل لاروشيل (الساحل الغربي لفرنسا) وآلاف من جرحى الحرب، بينهم العشرات من المعتقلين في مستشفى للأمراض النفسية من كاديلاك (جيروند – وسط غرب فرنسا)...
كما ذكرنا كان جنود المستعمراتعلى الخطوط الأمامية، مما يرتفع عدد الضحايا أو القتلى أو الجرحى أو الأسرى، وبعد هزيمة الجيش الفرنسي واستسلام الحكومة الفرنسية سنة 1940، أسر الجيش الألماني أكثر من 15 ألف جندي من غربي أفريقيا ( يُسميهم الفرنسيون الرُّماة السنغاليون، وهم من جميع مُستعمرات فرنسا في إفريقيا الغربية)، بالإضافة إلى 54 ألف أسير من مدغشقر وشمال إفريقيا والهند الصينية ومُستعْمَرَة المارتينيك، وتم احتجازهم في 22 معسكر احتجاز مصمم خصيصًا لغير البيض من أسرى الحرب، وتسمى هذه المعسكرات Frontstalags باللغة الألمانية، وجرت العادة أن يحتجز الجيش الألماني أسرى الحرب في ألمانيا، لكن لا يتم إرسال الأَسْرى من جنود الجيش الفرنسي القادمين من البلدان المستعمرة إلى ألمانيا مع أسرى الحرب الفرنسيين الآخرين، لأسباب عنصرية، فألمانيا النازية عنصرية حتى النخاع، وترفض دخول السّود أو "المُلَوّنين" إلى أراضيها، ولو كانوا مُقَيّدين بالسّلاسل، وتم احتجاز هؤلاء الجنود غير البيض في معسكرات في فرنسا سميت ( Stalags )
كان الرُّمَاة الأفارقة الذين قُتلوا في معسكر ثياروي أسرى حرب في هذه المُعتَقَلات في فرنسا، خلال الفترة من سنة 1940 إلى العام 1944، وقد نجوا بمعجزة، لأنهم تعرضوا لمعاملة أسوأ بكثير من باقي الأسْرى، وتعتبرهم ألمانيا دون البشر.
بعد مرور ثمانين عاماً على المجزرة ("أحداث ثياروي" بحسب الرواية الفرنسية الرسمية التي تحتوي على الكثير من الثغرات والتناقضات والأكاذيب فيما يتعلق بملابسات المجزرة) لا نعرف العدد الدقيق للضحايا ولا هوية معظمهم ولا مكان الدفن، حيث لا تحتوي الوثائق (الأرشيف) المتاحة للباحثين والمؤرخين على أي قائمة بأسماء الجنود الأفارقة الذين سافروا على متن الباخرة التي نقلتهم من شمال فرنسا إلى ميناء داكار مرورًا بالدّار البيضاء (المغرب) وبالتالي لا توجد قائمة بأسماء ضحايا مذبحة الجيش الاستعماري .

"ثياروي" مجزرة استعمارية
جَنّدت السلطات الإستعمارية الفرنسية حوالي نصف مليون شاب من مُستعمراتها في شمال وجنوب الصحراء الكُبرى، خلال الحَرْبَين الإمبرياليّتَيْن الأولى والثانية، واستخدم جنود المُستعمرات لقمع شُعُوب مُستعمرات أخرى، فأرسل جنود إفريقيا تحت الصحراء الكبرى لقمع شُعوب المغرب العربي، وجنود المغرب العربي لقمع سكان الشّام وجنوب شرقي آسيا (فيتنام ولاوس وكمبوديا)، كما تَعَمَّدَ الجيش الفرنسي نَشْرَ جنود المُسْتَعْمَرات في الخُطُوط الأمامية، مما رفع عدد القتلى والمُصابين والأسْرى، ولما تمكّن الجيش السوفييتي من فَكِّ حِصار ستالينغراد، ودَحْر جيش ألمانيا من شرق ووسط أوروبا، أصبح الجيش الألماني على قاب قَوْسَيْن من الهزيمة النهائية، وبعد تحرير فرنسا نقلت السُّفن الفرنسية جنود المُستعمرات إلى بلدانهم، دون إعلامهم ودون تسديد مُستحقاتهم، وكانت المُطالبة بهذه المُستحقّات من أسباب المجزرة التي تتناول أحداثها هذه الفقرات، كما تجدر الإشارة إلى وُعود الإستعمار الفرنسي بمنح الإستقلال للمستعمرات التي شارك جنودها في تحرير فرنسا، ولم تَفِ السلطات الإستعمارية بوعدها، بل ارتكبت مجازر السنغال (الأول من كانون الأول/ديسمبر 1944 ) والجزائر ( الثمن من أيار/مايو 1945) ومدغشقر (1947) فضلا عن المجازر اللاحقة في الكونغو والكامرون وغيرها...
ارتكب الإستعمار الفرنسي مجزرة في "ثياروي" بالسنغال ضد المئات من الجنود الأفارقة الذين ساعدوه على تحرير فرنسا من الإحتلال النازي الألماني، وذلك يوم الأول من كانون الأول/ديسمبر سنة 1944، لما كانت السنغال ومالي ومعظم بلدان إفريقيا الغربية جزءًا من الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية في غرب أفريقيا وإفريقيا الاستوائية.
لا تشكل مذبحة ثياروي سنة 1944 سوى حلقة واحدة من الجرائم التي ارتكبها الجيش الفرنسي، ولكنها ربما تمثل حادثة القتل الوحيدة لرجال مسلحين يطالبون بمستحقاتهم، وقد أطلق عليهم "إخوانهم السابقون في السلاح" النار وقتلوهم، وبعد ثياروي 1944 وهزيمة النازية، توالت مجازر الدولة الفرنسية ضد المظاهرات السياسية وثورات الاستقلال: مجازر سطيف وقالمة وخراطة في الجزائر بعد توقيع الهدنة بين فرنسا وألمانيا يوم احتفال أوروبا وأمريكا الشمالية بنهاية الحرب وبالنّصر يوم الثامن من أيار/مايو 1945، والمجازر في مدغشقر سنة 1947، والمذابح في الهند الصينية حتى هزيمة الجيش الفرنسي خلال واقعة ديان بيان فو سنة 1954...
بعد نهاية الحرب العالمية الثانية ومجزرة ثياروي 1944، ارتكبت الدولة الفرنسية عمليات نهب عالمية من خلال الميز بين الجنود وقرار خفض قيمة معاشات تقاعد جنود إمبراطوريتها الاستعمارية السابقة ككل منذ ستينيات القرن العشرين، وتجميد معاشاتهم التقاعدية عند مستويات أقل بكثير من "زملائهم" الفرنسيين، وأقرت الدّولة الفرنسية قواعد جديدة، من بينها إجبار الجنود السابقين الأجانب على العيش جزءًا من العام في فرنسا في ظروف محفوفة بالمخاطر ومهينة، لكي يمكنهم الحصول على هذه المعاشات مُنخفضة القيمة...
أما معسكر Thiaroye فكان بمثابة مَحَطَّةً لعبور الجنود الإفريقيين – تشرين الثاني/نوفمبر 1944 – قبل العودة إلى ديارهم، وكان جميعهم في الخُطُوط الأمامية للجيش الفرنسي، مما رَفَعَ بينهم عدد الأَسْرَى في محتشدات ألمانيا النازية منذ سنة 1940 خلال هزيمة الجيش الفرنسي، ثم تم نقلهم إلى فرنسا في مُعتقل "Frontstalags"

ظروف المجزرة
حقق الإتحاد السوفييتي أول انتصار استراتيجي على الجيش الألماني الذي احتل أجزاء هامة من البلاد طيلة أكثر من سنتَيْن وحاصر ستالينغراد ( شتاء 1942) بدعم من المليشيات الفاشية الأوكرانية والبولندية والسُّوَيْدِيّة وغيرها، وكانت هذه الهزيمة على الجبهة الشرقية مُقدّمة لتغير اتّجاه الحرب، وتم تحرير معظم مناطق فرنسا، من الجنوب وحتى باريس ( آب/أغسطس 1944) من قِبَل المُتطوعين الأجانب في الجيش الفرنسي ( من إسبانيا والمغرب العربي وإفريقيا ) وهو ما ترفض الحكومات الفرنسية المتعاقبة الإعتراف به، بل ادّعى الجنرال شارل ديغول إن الجنود البيض حَرّرُوا باريس...
بعد أربع سنوات من الأسر، تمت إعادة الرماة الإفريقيين ( Tirailleurs ) المسجونين وعددهم 1615، وفق الوثائق الرسمية الفرنسية، إلى أفريقيا يوم 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 1944 وبمجرد هبوطهم في ثياروي بضواحي داكار بالسنغال، طالب الجنود الإفريقيون بجراياتهم ومستحقاتهم المتبقية، ورفضت السلطات العسكرية الاستعمارية أن تدفع لهم المبالغ المتفق عليها ( جراية مماثلة للجنود الفرنسيين) فتمرّد الجنود الأفارقة، ودبّرت السلطات العسكرية الفرنسية العديد من المكائد ضدّهم، ووجّهت لهم تُهمًا مُلفّقة منها السرقة والنّهب والإحتيال، ولما فشلت في القضاء على التّمرّد وجهت للجنود "تُهمة إيديولوجية" مثل التّخابر مع العدو الألماني ومع "الشيوعية" و "مُعاداة السيادة الفرنسية" على أراضي إفريقيا، وغير ذلك من التُّهَم المُلفّقة، واستمر التّمرد حتى نهاية شهر تشرين الثاني نوفمبر داخل ثكنة تحولت إلى مُحْتَشَد يحرسه الجنود والضباط الفرنسيون، وفي فجر الأول من كانون الأول/ديسمبر 1944، كان معسكر ثياروي محاطًا بدبابات أمريكية وعَربات مُصَفَّحَة وكتيبتين من جنود المُشَاة وفصيلة من ضباط الصف والمجندين الفرنسيين، وأطلقت القوات الفرنسية النار على الجنود الإفريقيين المتمردين الذين تمت دعوتهم للتّجمع "لأَمْرٍ هام يخص مطالبَهُم" فكانت مذبحة حقيقية راح ضحيتها – غَدْرًا – المئات من الجنود الذين حَرَّرُوا فرنسا من الإحتلال الألماني، وتمت محاكمة 34 من الناجين بتهمة العصيان والتمرد، وقضت المحكمة العسكرية، يوم الخامس من آذار/مارس 1945، بسجن "المُتمردين" لفترات تتراوح بين عام واحد وعشر سنوات، وتغريم البعض الآخر، وتم العفو عن جميع المدانين سنة 1947 من قِبَلِ الرئيس الفرنسي "فنسنت أوريول" لكنهم ظَلُّوا مُجَرَّدِين من حقوقهم المدنية...
ظل النّاجون من المذبحة وأبناؤهم وأحفادهم يُطالبون بحقوقهم وبنشر الحقائق بشأن مطالبهم والتّحقيق في المجزرة، وطرح من تبقوا على قيد الحياة – سنة 2016 - المطالب التالية:
رفع السّرّيّة عن الوثائق المتعلقة بمجزرة ثياروي وظروفها " ونشر قائمة القتلى والكشف عن حقيقة الجريمة، وإعادة التحقيق وتبرئة المُدانين الأربعة والثلاثين بتهم مُلفّقة وتسديد الدّولة الفرنسية تعويضات للأحياء ولأُسَر الأموات...
دعمت الحكومة السنغالية الجديدة منتصف آب/أغسطس 2024 مطالب أحفاد وأُسَر جنود " ثياروي"، وعينت لجنة لإحياء الذكرى الثمانين للمجزرة الأول من كانون الأول/ديسمبر 1944 – 2024 وللبحث في العدد الحقيقي للضحايا وأماكن دفنهم والمطالبة باستعادة الأرشيف بأكمله بشأن مذبحة ثياروي والجرائم التي ارتكبها الجيش الفرنسي في السنغال وبلدان إفريقية أخرى، لأن الدولة الإستعمارية الفرنسية واصلت جرائمها ضدّ الشعب الجزائري، ولا يزال الشعب الجزائري يَذْكُر المُظاهرات الضخمة من أجل الإستقلال، والمجازر التي تخلّلتها، خصوصًا في سطيف وقالمة وخراطة يوم الثامن من أيار/مايو 1945، وقتل الجيش الفرنسي حوالي 45 ألف جزائري، فضلا عن تكثيف عمليات نهب الأراضي والثروات في إفريقيا
يتزامن الاحتفال بالذكرى الثمانين لمجازر ثياروي في سياق موجة احتجاجات يقودها الشباب الأفارقة من أجل السيادة والوحدة الإفريقية في بلدان أفريقيا الناطقة بالفرنسية بشكل عام، وفي غرب أفريقيا بشكل خاص.
بعد أربع سنوات من الأسر، كان من المقرر إعادة الجنود الإفريقيين المسجونين إلى أوطانهم في أفريقيا خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 1944، وقرر الجنرال شارل ديغول إقصاءهم من المشهد في باريس ومن الإحتفالات بالتّحرير والإدّعاء إن فرنسا تحررت بفضل تضحيات الجنود والمقاومين الفرنسيين البيض وإخفاء دَوْر جنود المُستعمرات الذين تم تجنيدهم قَسْرًا، وكان ترحيل الأفارقة جزءًا من عملية "تبييض" التّحرير والإنتصار على النّازية...
ضَمّت الرّحلة من أحد موانئ غرب فرنسا إلى داكار (عاصمة السنغال) نحو أَلْفَيْ جندي إفريقي يوم الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر 1944 ورفض 315 جنديًا الصعود على متن السفينة البريطانية "شركيسيا" لأنهم طالبوا بدفع كامل رواتبهم وتعويضاتهم خلال فترة الأَسْر لمدة أربع سنوات، كما تقتضي الترتيبات العسكرية، مع الإشارة إن معدل تعويضات الأَسْر للأفارقة السود كان أقل من نظرائهم الفرنسيين، وكان يحق لهم، بالإضافة إلى راتب الأَسْر، الحصول على أجر العبور، وبدل قتال قدره 500 فرنك، ومكافأة التسريح، ومكافأة البقاء في الجيش لمُدّة فاقت المدة القانونية، بما يعادل مكافأة إعادة الاشتباك، وبعد الإلحاح قررت السلطات الفرنسية دفع 25% من المبالغ في فرنسا وتسديد 75% إثر الوصول إلى داكار، وبمجرد وصولهم إلى داكار يوم 21 تشرين الثاني/نوفمبر 1944، طالب الجنود بمستحقاتهم المتبقية التي رفضت السلطات العسكرية الاستعمارية تسديدها، ولذلك رَفَضَ خمسمائة من جنود مالي المغادرة دون الحصول على حقوقهم الكاملة، يوم 28 تشرين الثاني/نوفمبر 1944، واستمرت الإستفزازات الفرنسية والصّمود الإفريقي إلى غاية صدور القرار العسكري الفرنسي بحل المسألة بالقوة، قوة السلاح يوم الأول من كانون الأول/ديسمبر 1944، ضد مُحَرِّرِي فرنسا من الإحتلال، ولا تزال الرواية الرسمية الفرنسية تعتبر هذه المجزرة "شرعية" لإنهاء "تمرّد مُسَلّح" و ضرورةً "لاستعادة الانضباط والطاعة بوسائل أخرى غير الخطابات والإقناع" بهدف إنكار أي شرعية لمطالب الجنود ( المُجنّدين غصبًا) وبهدف إضفاء الشرعية على واحدة من الجرائم العديدة التي ارتكبتها الدّولة الفرنسية في مُسْتعمَراتها، وقدّرت الوثائق الفرنسية عدد القَتْلى ب35 لكن العدد الحقيقي يتراوح بين أربعمائة وخمسمائة ضحية، ولا تزال هذه الأكاذيب وإعادة كتابة التاريخ ومُؤامَرة الصّمت مُستمرة بعد ثمانية عُقُود...

في الذّكرى الثمانين لمجزرة ثياروي
كان المؤلف والمخرج السنغالي سمبين عثمان - Ousmane Sembène - ( 1923 – 2007) من المُجَنَّدِين قَسْرًا ومن النّاجين من هذه المجزرة، وأخرج شريطا روائيًّا سنة 1988، يعتمد على الوقائع التي عاشها مع رفاقه، بعنوان "كامب دي ثياروي" ( Camp de Thiaroy ) وفرضت فرنسا حصارًا على الشريط وصاحبه، وتمت مقاطعته في مهرجان كان السينمائي خلال نفس السنة وتم منعه لمدة عشر سنوات في فرنسا، وفاز الشريط بجائزة في مهرجان البندقية السينمائي في إيطاليا ونال شهرة كبيرة في إفريقيا وفي جميع أنحاء العالم، وشاهده الكثير من الناس في فرنسا عبر قنوات مختلفة، وتم تداوله سرا، وبعد مرور 38 عامًا على فرض الرقابة على شريط "Camp de Thiaroye" منذ سنة 1988، تم اختياره ضمن "كلاسيكيات مهرجان كان 2024" في دورة مهرجان كان السينمائي أيار/مايو 2024...
لا يزال أهالي القتلى والمدانين والعائدين من "ثياروي 1944 " يُطالبون برفع الحظْر عن جميع المحفوظات والوثائق المتعلقة بقضية ثياروي وتسليم قائمة المقتولين وتسليم الخرائط التي تُبيّن مكان دَفْهم واعتبارهم شهداء تحرير فرنسا من الإحتلال، ودفع التعويضات والرواتب والمُسْتَحقّات للأحفاد.
من جهتها،أنشأت السّلطات السنغالية الجديدة، منتصف آب/أغسطس 2024، لجنة لإحياء الذكرى الثمانين لمذبحة ثياروي يوم الأول من كانون الأول/ديسمبر 2024 ويتضمن البرنامج الجانب السياسي أو الأيديولوجي للحروب (وليس الحرب العالمية الثانية فحسب) التي مات من أجلها أو في نهايتها جنود تم تجنيدهم قَسْرًا في مُستعمَرات فرنسا، فهي حُروب بين قطاع الطرق الإمبرياليين كما في 1914-1918، أو حروب الغزو والسيطرة وقمع الشعوب المستعمرة الأخرى، كما في شمال إفريقيا والشام وحنوب شرقي آسيا ولم تختلف الحرب العالمية الثانية جوهريًا عن الحرب العالمية الأولى، حيث لم تكن القوى الإمبريالية مناهضة للفاشية بل تُمارس الولايات المتحدة المَيْز العنصري وتحتل بريطانيا وفرنسا أجزاء كثيرة من العالم، كما إن الثورة البرجوازية الفرنسية لسنة 1789 لم تُحَرِّر النساء ولا العبيد ولا البروليتاريين في فرنسا، بل كان المُنَظِّرون عنصريون، استعماريون وتجار عبيد، وبعد حوالي قَرن من ثورة 1789 أعلن رئيس المجلس "جول فيري" بفخر: "إن للأجناس المتفوقة الحق، بل وواجب، تحضر الأعراق الدُّنْيا"، وشارك الحزب "الشيوعي" الفرنسي (PCF) والقسم الفرنسي لأممية العمال (SFIO)، سلف الحزب الاشتراكي في دَعْم الحروب الاستعمارية في الجزائر والهند الصينية ومدغشقر (1945-1962)، ولئن لم يكن الحزب الشيوعي الفرنسي في الحكومة خلال الحرب الاستعمارية في الجزائر بين سنتَيْ 1954-1962، فإنه صَوَّتَ لصالح القوانين الإستثنائية ضدّ الشعب الجزائري، ولم يرفع شعار استقلال الجزائر سوى قبل حوالي سنة من الإستقلال، أثناء مفاوضات "إيفيان" بين جبهة التحرير الوطني (الجزائر) والحكومة الفرنسية، سنة 1961.
يمكن للشعوب التي استعمرتها الإمبريالية الفرنسية مباشرة ولا تزال تستعمر معظمها بشكل غير مباشر، وساهم شبابها غَصْبًا أو طَوْعًا في الدّفاع عن فرنسا وفي بنائها وإعادة إعمارها وفي ازدهار اقتصادها، رفع المطالبة التالية:
إلغاء الدُّيُون واستعادة الممتلكات والقطع الأثرية والتراث المنهوب من المُستعمَرات وإغلاق القواعد العسكرية وانسحاب القوات العسكرية الفرنسية من أفريقيا وتأميم مصالح الشركات الفرنسية التي حصلت على امتيازات بحكم تدخُّل السّلطات الفرنسية، ووضع حدّ للهيمنة المالية للمصرف المركزي الفرنسي بواسطة الفرنك الإفريقي ( CFA ) وفتح الحدود الفرنسية والأوروبية أمام مواطني المُستعمرات المُباشرة وغير المُباشرة، أو ما يمكن التعبير عنه بحُرِّيّة التّنقل والإقامة، والإعتراف بحق الإقامة القانونية ( النّظامية) للعمال المهاجرين "غير النّظاميين) المتواجدين على الأراضي الفرنسية والأوروبية...



#الطاهر_المعز (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متابعات، نشرة أسبوعية – العدد مائة، بتاريخ الثلاثين من تشرين ...
- ضرورة مُقاومة مخططات الولايات المتحدة والكيان الصهيوني
- متابعات، نشرة أسبوعية – العدد التاسع والتّسعون، بتاريخ الثال ...
- السنغال – ظروف وآفاق فَوْز حزب -باستيف- المُعارض
- استغلال الكوارث من قِبَل المخابرات الأمريكية وشركاتها
- الدّيمقراطية الأوروبية في الغِرْبال الفلسطيني
- الإتحاد الأوروبي مدرسة فساد
- متابعات، نشرة أسبوعية – العدد الثّامِن والتّسعون، بتاريخ الس ...
- إيطاليا – خلفيات قوانين الهجرة واللُّجُوء
- صناديق الإستثمار المفترسة
- مُناورات -فينكس إكسبرس 24- والعلاقات العسكرية التونسية - الأ ...
- متابعات، نشرة أسبوعية – العدد السّابع والتّسعون، بتاريخ التا ...
- المال عَصَب الإنتخابات الأمريكية والحروب العدوانية
- آفاق مسرحية الإنتخابات الأمريكية
- الولايات المتحدة قُبَيْل الإنتخابات
- متابعات، نشرة أسبوعية – العدد السّادس والتّسعون، بتاريخ الثا ...
- تمويل ودَعْم العدوان الصّهيوني
- ثقافة: ستيوارت هول – بين الماركسية و-ما بعد الإستعمار-
- الأُفُق المحدود لمجموعة بريكس
- فرنسا/المغرب، نموذج التبادل غير المتكافئ


المزيد.....




- تحذير أمريكي للصين بعد مناورات عسكرية حول تايوان
- مرشح ترامب لرئاسة أركان الجيش الأمريكي: على واشنطن الاستمرار ...
- مقتل بلوغر عراقية شهيرة في العاصمة بغداد
- ترامب يزور السعودية في مايو المقبل
- مصر: السيسي بحث مع ترامب استعادة الهدوء في الشرق الأوسط
- الداخلية الكويتية تكشف ملابسات جريمة بشعة وقعت صباح يوم العي ...
- البيت الأبيض: نفذنا حتى الآن أكثر من 200 ضربة ناجحة على أهدا ...
- -حزب الله- ينعى القيادي في صفوفه حسن بدير ويدعو جمهوره لتشيي ...
- نصائح حول كيفية استعادة الدافع
- العلماء الروس يرصدون توهجات قوية على الشمس


المزيد.....

- أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا ... / جيلاني الهمامي
- قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام / شريف عبد الرزاق
- الفاشية الجديدة وصعود اليمين المتطرف / هاشم نعمة
- كتاب: هل الربيع العربي ثورة؟ / محمد علي مقلد
- أحزاب اللّه - بحث في إيديولوجيات الأحزاب الشمولية / محمد علي مقلد
- النص الكامل لمقابلة سيرغي لافروف مع ثلاثة مدونين أمريكان / زياد الزبيدي
- العولمة المتوحشة / فلاح أمين الرهيمي
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- الخروج للنهار (كتاب الموتى) / شريف الصيفي
- قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا ... / صلاح محمد عبد العاطي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الطاهر المعز - مَجْزرة -ثياروي- - السنغال 01 كانون الأول 1944 – 2024