أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ادم عربي - تعارض النتائج مع التوقعات!














المزيد.....

تعارض النتائج مع التوقعات!


ادم عربي
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8175 - 2024 / 11 / 28 - 20:14
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


بقلم : د . ادم عربي

ظاهرة "تعارض النتائج مع التوقعات" طالما أثارت دهشة البشر وحيرتهم عبر التاريخ ، فحين يسعى الأفراد أو الجماعات لتحقيق أهداف معينة، ينتهي الأمر، في كثير من الأحيان، بنتائج غير متوقعة أو حتى عكسية، وكأنَّ هناك قوى خفية تعمل بشكلٍ مضادٍّ. هذه الظاهرة أثارت تساؤلاتٍ وقلقا لدى الناس، بما في ذلك المفكرون، الذين وجدوا صعوبةً في فهمها. ولعلَّ أول ما لجأ إليه الإنسان في محاولةٍ لفهم هذا التعارض كان فكرة "القضاء والقدر"، حيث بدا أنَّ هذه الظاهرة تتجاوز حدود المنطق البشري.

يمكن تناول هذه الظاهرة من منظورٍ آخر أو مقاربةٍ أخرى أكثر عملية. فالإنسان، أثناء سعيه لتحقيق هدفٍ ما، لا يعيش في عزلةٍ تامةٍ، بل يتفاعل مع الآخرين، ويؤثر ويتأثر بهم ، هذا التفاعل البشري غالبا ما يؤدي إلى تضاربٍ في المصالح والجهود بين فئات البشر، ما ينتج عنه نتائج تختلف عن التوقعات ، وبالتالي، من النادر أنْ تتحقق الأهداف بالضبط كما خُطِّط لها ، وبهذه الديناميكية يُصنع "التاريخ"، حيث تسير الأحداث بطرقٍ يصعب توقعها، ما أدى إلى إدراج التاريخ ضمن العلوم "غير المضبوطة"، على عكس علوم الفيزياء والكيمياء والرياضيات.

مع مرور الزمن، أصبح "القضاء والقدر" تفسيرا عقائديّا لتلك الظاهرة، خاصةً بين الفئات التي لا تملك سيطرةً كبيرةً على ظروفها الحياتية. كمثل المزارعين، البحارة، والصنَّاع الذين يعتمدون على قوى غير مرئيةٍ كالسوق والطقس، وجدوا عزاءً في الإيمان بأنَّ مصائرهم مكتوبةٌ مسبقا، ومن ثمَّ لا حول ولا قوة لهم، مما يُقلل من شأن الإرادة ، هذا الاعتقاد أدى تدريجيّا إلى تراجع الثقة في قوة الإرادة الإنسانية ، وأصبح التساؤل حول حرية الإنسان وإرادته محورَ جدلٍ فلسفيٍّ كبيرٍ، مما ساهم في نشوء مذاهب فكرية مثل "التسيير والتخيير" ما زالت قائمةً حتى كتابة هذه السطور.

كان الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه من أوائل من أثاروا تساؤلات عميقةً حول هذا الإيمان ، وهذا الفيلسوف هو من أراد للإنسان أنْ يُصبح إلهاً ، أشار إلى أنَّ الاعتقاد بالقضاء والقدر يتطلب من المؤمنين به الاعتراف بأنَّ إرادتهم ذاتها جزءٌ من هذا النظام، أي أنَّ البشر المؤمنين بالقضاء والقدر ينبغي لهم أنْ يؤمنوا، في الوقت نفسه، بأنَّهم لا يريدون إلّا ما قُدِّر لهم أنْ يريدوا ، فحتى اختيارات الإنسان التي تبدو حرةً هي في الحقيقة "مقدَّرة" حسب هذا المفهوم ، عندما يقرر شخصٌ أنْ يسلك طريقا معينا في عودته إلى بيته، فإنَّه يظن أنَّه اختار، لكنه في واقع الأمر يمضي وفق ما كُتب له أنْ يفعل، مما يضع مفهوم "حرية الإرادة" تحت طائلة القدر، وهنا تكمن مشكلة نفي الإرادة الحرة للإنسان والنَّيل منها.

الحاضر هو اللحظة التي يصنع فيها الإنسان مستقبله ، لكن ارتباط الإنسان بالماضي والمستقبل يختلف جذريّا ، فهو قد يندم على أحداث الماضي لكنه لا يخافها، بينما يخشى المستقبل لكنه لا يندم عليه ، وغالبا ما يتمنى الإنسان لو عاد به الزمن لتغيير أفعاله، متجاهلا أنَّ الحكمة التي يملكها الآن ما كانت لتتكوَّن لولا تلك الأحداث التي يريد تغييرها.

إنَّ ظاهرة تعارض النتائج مع التوقعات ليست سوى نتيجةً حتميةً للتفاعلات البشرية وتعقيداتها ، وبينما يلجأ البعض لتفسير هذه الظاهرة من خلال القضاء والقدر، فإنَّها تقدم، في الوقت نفسه، فرصةً للتأمل في طبيعة الإرادة الإنسانية، والإعلاء من شأنها بدلَ هدرها ، وما من شكّ أنَّ الأحداث الجزام عبر التاريخ ما كانتْ لتتم لولا قوة الإرادة .



#ادم_عربي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفسادُ الطبيُّ!
- العبثُ!
- الطائفية في فكر مهدي عامل!
- مشاكل تربوية وأخلاقية!
- سلاسل الشمس!
- هرَمُ نظامنا التعليمي!
- أنا أُفَكِّر لأنِّي موجود!
- أسباب فوز ترامب في انتخابات 2024!
- عالمٌ من شظايا!
- انفجارُ الصمت!
- ببساطة...تباطؤ الزمن!
- الأزمة في تعريف الحقيقة!
- في الشعر!
- الفلسفة: العلم الشامل لفهم الواقع وقوانين الكون
- لصوص الزمن!
- أُحجية وحُجج القضاء والقَدر!
- بَوْحُ الزهرات!
- الفقر ووعي الفقر !
- صرخةُ الظلام!
- كيف سرق الدولار العالم؟!


المزيد.....




- الأشخاص الأكثر عرضة للجلطات أثناء السفر بالطائرات
- Acer تتحدى آبل بحاسب مميز
- جيمس ويب يرصد ضوءا -مستحيلا- من فجر التاريخ
- تحديد خلايا جديدة في العين قد تفتح آفاقا لعلاج العمى
- تحديات جوهرية تواجه تطور الذكاء الاصطناعي
- في غضون عامين يمكن لترامب أن يدير ظهره لروسيا
- الجيش الأوكراني يستعد لعدوان
- اكتشاف علاقة بين أمراض القلب والتغيرات الدماغية
- بدء مفاوضات بين روسيا وأميركا بشأن -المعادن النادرة-
- ما الأضرار التي تسببها منتجات التنظيف؟ وهل يمكن استبدالها؟


المزيد.....

- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ادم عربي - تعارض النتائج مع التوقعات!