|
صرخة ضد الخوف
سماح هدايا
الحوار المتمدن-العدد: 8175 - 2024 / 11 / 28 - 14:05
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
هل كسرت الثورات معضلة الخوف؟ التّخلص من الخوف ضرورة للتحرّر والعمل وتفعيل قرارات الإرادة الحرٍة. يستهين كثيرون بخطر الخوف وأثره التّدميري في الانسان، على المستوى الفردي والمستوى الجمعيّ. لكن، لا يمكن تحقيق نجاح فردي أو مجتمعي، أو نجاح أمة، أو نصرة قضية أو غرض، من دون شجاعة في الرأي ووعي بالعمل، وإقدام وثقة بالنفس. معالجة قضايا الخوف ومخرجاته، أمرٌ لازم لإنجاز نجاح، وتحقيق قيمة ومكانة في الحياة. خوض المخاطرة والاكتشاف يتطلّب أدوات صحيحة وقوية تواجه التحديات. روح المغامرة والاكتشاف هي التي تجعل للأمم والشعوب أهمية، وتحفّز على السّؤال والبحث والمقاربة والتفكير، وتفتح الباب آمام فرص الاختراع والابداع. عندما ننظر لإرث الاكتشافات العربيّة في الجغرافيا والتاريخ والعلوم والفكر عبر تاريخ طويل، ومن خلال أقوام متعددة تحت المظلة العربيّة بمختلف التنويعات العرقية والقبائلية والثّقافيّة، قبل أن يكون هناك يونان ورومان، أو فرس وترك تدهشنا فرادة التجربة وعمقها. فلم يجمدوا مكانيا، ولا معنويا، بل شدوا الرحال بعيدا، خاضوا في البر والبحر، ودخلوا في المخاطروالأهوال، وغامروا، واختبروا واستقصوا، وسادوا لعهود طويلة ولما وصلوا إلى الذروة من الإنجاز الحضاري والتقدم والقوة في العصر العباسي ، وصار لهم في كل مكان، حضور ثقافي واقتصادي ومعماري وسياسي ولغوي وديني، وبدأ الكسل والجمود يتفشيان، تردّى الوضع وارتد الإنجاز الحضاري وتراجعوا إلى الوراء. لأن الكسل والتواكل مقتل الإبداع. ترافق الإنجاز الجغرافي والمغامرة والاكتشاف ورحلات الاستكشاف، بالتقدم الفكري والعلمي. وعندما نقرأ في أدب الرحلات العربي، تدهشنا التجارب الثقافية العميقة والانفتاح الشجاع على مختلف الشعوب والبلاد الغريبة...ويجذبنا بشكل لافت تعدّد الرؤى في تلك المخيّلة العربيّة الموسوعيّة الباحثة، وقوة الإصرار على الاكتشاف والبحث والتحليل والتعلم. كانت أمة فتح واكتشاف وعلم وحضارة.. وكانت باسلة في خوض المخاطر والتّحديات. لم تكن قوتها في سيفها وحده للدفاع عن مكانتها، بل بعقلها وعزّتها وإرادتها الحرّة. فالتقدم السياسي يوازيه دائما حرية بحث واكتشاف وعمل شجاع ونهضة. لكن تراجع الهمّة هو تراجع العقل وانكفاء النفس كذلك كانت الرحلات الغربية العلمية والتّجارية والتبشيريّة والاكتشافات الجغرافيّة في عصر النهضة الأوروبي مرادفة للنفوذ السياسي وللقوة والسيادة وللتقدم العلمي، بغض النظر عن الخلفيّة الاستعماريّة العنصريّة، واضطهاد الشعوب واستغلال ثرواتها. فقد ارتبطت القوة السياسية بقوة الاكتشاف والمغامرة وبقوة السؤال المعرفي والعلمي. عندما ننظر لواقع الدول الكبرى الآن مقارنة بواقعنا الحالي نرى فجوة واسعة، فهناك علم وتقدم ونفوذ وحرية تفكير ومغامرة ونشاط وبحث وخوض التجارب من دون حدود. وعندنا ضعف وتبعيّة ومخاوف وقمع وممنوعات ومحرمات . الدول الكبرى تسيطر أساطيلها العسكرية وقواها العلمية على الأرض والسماء ونحن لا نستطيع السيطرة على أمان بيوتنا وأبسط حقوقنا في الوجود ...لماذا؟ ليس الموضوع مقتصرا على حرب خارجيّة واستعمار ..هناك أسباب من داخل البنية الثقافية والاجتماعيّة العربية الحالية، فقد ترسّخ الخوف في الذّوات، فممنوع التفكير الحر، ومريب السؤال خارج النمط المطلوب، وممنوع المغامرة خارج الحدود المرسومة، ومحظور السفر، إلا على الميسورين أو المقربين من المنظومات الحاكمة. وممنوع المغامرة خارج المألوف والمقبول، وخارج المحلّل والمسموح به من السلطات الدينيّة والاجتماعيّة والسياسيّة. وممنوع استخدام العقل خارج المحفوظ والمأثور. واقع جامد محموم بالمشاكل. الثورات التي حدثت في البلاد العربية أسهمت إلى حد كبير في تغيير الخارطة الوجدانيّة..صحيح أن الثورة السورية، على سبيل المثال، لم تنجح في تحقيق مرادها السياسي والوطني، وصحيح أن المجتمع السوري خسر كثيرا وعانى كثيرا، لكنها كسرت حاجز الخوف في النفوس وأخرجت الناس خارج الحدود الضيقة...حتما لم تستطع أن تقلع نظام التّخويف ومنظومة الترهيب، لكنها وضعت الإنسان والمجتمع أمام تحديات كبيرة فكرية وأخلاقية، وخيارات، وفتحت باب السؤال والبحث والتفكير، بعيداً عن الحالات التقليدية ّغير المجدية، وخارج الأنشطة التقليدية المفروضة من قبل السلطات الحاكمة، داخليا وخارجيا. من المؤكد أنّها لم تقلع معظم الخوف في كثير من المجالات، وفي كثير من النفوس، لكنّها منحت الجميع فرصة للتّحرر من العجز، ومن ثم البحث عن حلول جديدة ملائمة للواقع، بدل الرضوخ والانزواء والاحتماء بالأوهام من أمن طائفي وأمن حزبي وأمن عقائدي تقليدي غير صائب. فالخوف كان سلاحا فعالا ً في السيطرة والقمع وكبح قوة الإنسان والشعوب، وقد استخدمته قوى الاستبداد والاستعمار أداة ضاربة وتلاعبت به ثقافيا بالمنظومات الثقافية البالية، وسياسيا بالحروب والارهاب، وبزرع اسرائيل وغيرها، واجتماعيا بالقمع. فملأوا الثقافة والمجتمع بالمخاوف وبأفكار ترهب الناس دينيا وسياسيا واجتماعيا، حتى أصبح التفكير خارج المألوف وخارج المنصوص عليه والمفروض خطيئة وذنباً كبيراً وجريمة. وهكذا حصروا الناس في زوايا ضيقة وجمدوا حركتها وأصابوها بالكسل والبلادة. الثورة أخرجت السوريبن بعيدا عن واقعهم المتكلّس، وفتحت أفق تفكيرهم باكتشافات جديدة، وبأماكن وثقافات جديدة. أمر صعب جدا وذو مخاطر، لكن، فيه فرصة للتفكير والفحص والسؤال. كأنما هو مجال للتفكير الجديد ومجال لنقد ما تم ترسيخه في العقول. السفر والحركة طريق اكتشاف وتجديد للرؤية، وأفق للتأمل والتفكير وايجاد طرائق جديدة. نعم اسهمت الثورة في إخراج الناس من القوقعة.. أخرجتهم ليناضلوا ضد الظلم والقهر والحرمان من الحياة الكريمة. لولا الثورة لاستمر الواقع جامدا، بقي كما هو، واستمرت محرّمات التفكير والتعبير. الثورة أعطت الناس قوة الإحساس بالذات وأخرجتهم من حالة الاكتفاء الفقير والانكفاء المذل. كل ما يلزم الآن هو استخدام الأدوات المنهجية النقديّة للبحث والتحليل والتفكير وإنتاج مخرجات عقلانية وأصيلة بلا خوف، ومن دون نسخ وتقليد ومحاولة السير في رحلة مكانيّة وفكرية منتجة. د. سماح هدايا
#سماح_هدايا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل من طريق إلى المصالحة؟
-
المعنى الحقيقي للحياة يكمن في محاربة الشر
-
الانتماء إلى أمة مسألة مصير
-
للحظةٍ ثوريّةٍ جديدةٍ
-
في تذكُّرِ من تأبَّى الذلَّ والظُّلمَ
-
-حتّى لا تيبسُ عروقُ الكبرياء-
-
للسوريين عبرة في مأساة فلسطسن
-
سوريا التّضليل والتّقسيم
-
ثورات معلقة
-
المهجر..بين تحديات وخيارات
-
هل يتأثر التعلّم وتحصيل المعرفة باستخدام اللغة؟
-
بين دولة وثورة عقيدة
-
لماذا انفجر الشعب السوري بهذا الشكل؟
-
والشعب إذا حكى...
-
فرائس وفخاخ وقناصّة
-
صرخة ضد الهزيمة
-
الحل السحري
-
سوريا من قضة وطنية محقّة لقضية صراع دولي
-
ثورة -سنوات الدم-..لا -شهر عسل-
-
تحديات الذات في هيجان الثورات
المزيد.....
-
في سفينة -الكنز- السياحية الأحدث لـ-ديزني-.. ماذا ينتظرنا؟
-
أصالة تقبل أنامل طفل تركي عزف أغنيتها في بروفات حفلها بالكوي
...
-
جدل في فرنسا بسبب مسألة-الحصانة- لنتانياهو
-
الجيش الإسرائيلي يعلن إطلاق النار على -مشتبه بهم- في جنوب لب
...
-
شاهد ما قاله كبير المفاوضين الأمريكيين لـCNN عن الاتفاق بين
...
-
زاخاروفا تعلق على الهدنة بين إسرائيل ولبنان
-
تقرير: إسرائيل تروج لمصر كوسيط وتسعى لاستبعاد قطر
-
-الإيدز- يبعد 100 مقيم ووافد من الكويت
-
اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل لم يصل إلى البلدات
...
-
أينشتاين: قصة عبقري كان الفيزيائي الأكثر تأثيراً في القرن ال
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|