|
تحديات أدارة التنوع في تركيا
خولة جبار محمد الجنابي
الحوار المتمدن-العدد: 8173 - 2024 / 11 / 26 - 08:17
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
المقدمـــــــــــــــــــــــة .. إدارة التنوع في تركيا تواجه تحديات كبيرة تؤثر على المستويين الاجتماعي والسياسي. تركيا تعتبر دولة متعددة الثقافات والأديان، ولكن هناك تحديات معقدة تتعلق بالتمييز العنصري، والتمييز الجنسي، والتمييز ضد الأقليات الإثنية والدينية. هذه التحديات تؤثر على التنوع تواجه تركيا العديد من التحديات وذلك بسبب تنوع سكانها من مختلف الخلفيات العرقية والثقافية. نذكراهم النقاط الرئيسية التي توضح هذه التحديات: 1.التعددية العرقية تمتاز تركيا بتكوين فسيفسائي من الانتماءات الاثنية والجماعات الثقافية، كذلك تضم شبكة معقدة من اشكال التعدد اللغوي والديني، إذ تمثل القومية التركية نسبة %86 من عدد السكان، يليها الاكراد بنسبة %11 والعرب بنسبة %1، فضلاً عن الأقليات الأخرى (اليونانيون، الالبانيون، الجورجيون، الشركس، والارمن) التي تشكل نسبة %2 . تضم تركيا عدة مجموعات عرقية الأكراد هم أكبر أقلية عرقية في تركيا ويشعرون بالتهميش والإقصاء. هناك مطالب مستمرة للاعتراف بحقوقهم الثقافية والسياسية، ولكن الحكومة تتعامل مع هذه المطالب بحذر شديد، مما يؤدي إلى توترات مستمرة ، تسعى المجموعات العرقية، مثل الأكراد، للاعتراف بهويتها العرقية والثقافية بشكل أكبر. هذا يشمل استخدام اللغة الكردية في التعليم والإعلام، وكذلك الحفاظ على التراث الثقافي الكردي الأكراد هم شعب يتركز تواجدهم في المناطق الجبلية والمناطق القريبة في جنوب غربي آسيا المعروفة ب "جبال كردستان" وتشمل تسمية أكراد" مجموعات ذات خصائص ومميزات ثقافية ودينية ولغوية لهجوية، ينقسم الاكراد الى ثلاث مجموعات بشرية اساسية وهي : الكرمانج - الكوران - لور ) أن بلاد الكرد وعلى مر التاريخ لم تكن لها حدود سياسية تحدد اقليمها تاريخياً، بل مجرد اقليم عاشوا فيه الأكراد وتمتعوا بالسيادة عليه، الى غاية معركة جالديران سنة ١٥١٣م بين الدولة الصفوية والعثمانية التي تعد أول تجربة لتقسيم كردستان بين الدولتين وذلك لان تصادم الجيشين حدث في منطقة الاكراد. ويشكلون نحو 5% من سكان البلاد، وينقسم الأكراد أنفسهم إلى أكراد يساريين وآخرين يتبنون الفكر الإسلامي. ويمكن ملاحظة أن قوى اليسار الكردي في تركيا هي التي تنادي بالانفصال وتقود التمرد المسلح، ومن أبرزها بالطبع حزب العمال الكردستاني التركي، في حين يفضل الحزب الإسلامي الكردستاني التركي التآخي التركي-الكردي-العربي والحياة داخل الدول التي فيها أكراد على أساس مفهوم المواطنة الحديثة. وقد حاول الرئيس أردوغان وحزبه التعامل مع مشكلة القضية الكردية، عبر سعيه إلى إعادة تشكيل الأُمّة التركية، وحل المسألة الكردية عبر احياء التجربة العثمانية، فالتجربة الإمبراطورية تعد ناجحة من ناحيتين:إحداهما، أَنّ نظام الملل العثماني الذي كفل التعايش السلمي بين الجماعات العرقية والدينية المختلفة وضمن استقلالية كل واحدة منها، يمكن أَنْ يكون بديلاً من سياسة التجانس الاجتماعي والاستيعابي التي فرضها النظام الكمالي بالقوة، أَما الناحية الأَخرى، فيمكن أَنّ يخلّف هذا النظام تماسكاً بين مختلف المجموعات العرقية عن طريق توحدها في الإسلام، في الواقع بما أنّ مفهوم الملل يستند إلى الدين، فإن الأتراك والأكراد كانوا جزءاً من الملّة نفسها في ظل الإمبراطورية، وعلى الرغم من أنّهم لا ينتمون إلى الجماعة العرقية نفسها، فهم يتشاركون الانتماء إِلى الدين نفسه. 2ـ التعدد الديني فيما يخص التنوع الديني في تركيا فإنّ الإسلام يشكل نسبة %99، وتشكل بقية الأديان الأخرى نسبة.1% فالأقليات الدينية مثل العلويين والمسيحيين واليهود يواجهون تحديات في ممارسة شعائرهم الدينية بحرية. هناك تقارير عن تمييز ومضايقات تواجهها هذه الأقليات، مما يزيد من شعورهم بالإقصاء. وينسحب ذلك على التكوين الديني، إذ إِنّ السنة يشكلون الإطار العام للتكوين الديني التركي، حيث إذا كان المكونان (العرقي واللغوي)، والسني (الديني والمذهبي) عامين في تركيا، إذ يتشكل التكوين الديني في تركيا من (العلويون، الأرمن، اليهود، اليونانيون،السريان ) اما العلويون فشكل الأقلية العلوية بين 15% و20% من مجموع سكان تركيا، وينظر إليها على أنها بند أساسي في النزاع العلماني الإسلامي. كما ينظر إليها- من قبل مؤسسات الدولة- على أنها جزء من الشيعة البكتاشية والزيدية، في حين يعد العلويون أنفسهم ممثلين للتفسير الأناضولي التركي للإسلام، أي إنهم مجرد طريقة دينية يمثلون مجموعة مذهبية لا مجموعة عرقية متجانسة، حيث يتوزعون بين جماعات عرقية أبرزها الأكراد (30% من أكراد تركيا علويون) إلى جانب أعداد من العرب، كما أنهم مختلفو اللغات؛ فيتحدثون التركية والعربية والظاظا والكرمانسية، وللغتين الأخيرتين صلة باللغة الكردية والفارسية، فضلاً عن تعدد الفرق العلوية (البكتاشية، الديدقان، والشيلبين) اما يهود الدونمة الذين لا يتجاوز عددهم 30 ألف شخص، ومع ذلك يحظون بنفوذ واسع في الدولة بسبب مواقفهم المؤيدة للقوى العلمانية السياسية وغير السياسية في تركيا، وأسهموا في ترسيخ العلمانية وتقاليدها منذ البداية. ان المشكلات الاجتماعية والدينية التي تواجه النظام السياسي التركي، هي القضية التركية ومدى تقبل التعايش مع العلمانيين الكماليين وبين الإسلاميين، حيث وجدت الأقليات في حزب العدالة والتنمية وزعامته المتمثلة بالرئيس اردوغان منقذاً للبلاد من كارثة الانقسام الاجتماعي والفساد السياسي والاجتماعي، حيث نجح الرئيس أردوغان وحزبه في اقناع الاتراك بأنه على الرغم من التباين الفكري والثقافي النسبي بينه وبين الكثير منهم يظل الأمل في إنقاذ تركيا معقوداً على حكومة حزب العدالة والتنمية وما يمكن أَنّ تحققه من إنجازات في الداخل والخارج هناك أقليات صغيرة من الديانات الأخرى مثل الزرادشتية والبهائية والمعتقدات المحلية المختلفة. هذه الأقليات تعيش في مناطق مختلفة من البلاد وتمارس شعائرها بحرية نسبية.. 3ـ التغيرات السياسية وتحديات الهوية الوطنية تتجلى أهمية تركيا وتميز موقعها الجغرافي في التنوع الثقافي والحضاري الذي تحظى به، إذ تنتمي تركيا إلى منطقة الشرق الأوسط وتحديداً إلى مجموعة الدول التي تشكل العالم الإسلامي الإسلامية وكذلك انجذابها إلى العالم الأوروبي لم يتسبب في طمس هويتها، بل استطاعت تركيا أَنْ تحصل على مزايا كل جانب لتشكل منها طابعها الفريد والمميز . فقد أقرّ الدستور الجديد لأتاتورك، الذي سمي ب (القانون الأساس) رقم (491)، والذي يتكون من (105) مادة تحتوي على مبادئ عدة أهمها : إِنّ الدولة التركية جمهورية، والسيادة مستمدة من الشعب دون قيد او شرط، والمجلس الوطني التركي الكبير هو الهيأة القانونية التي تمثل الشعب وتمارس حق السيادة نيابة عنه، وتتحد السلطات التشريعية والتنفيذية في المجلس الوطني الكبير ، الذي يمارس بنفسه السلطة التشريعية، في حين يمارس سلطته التنفيذية رئيس الجمهورية الذي يختاره المجلس الوطني، وبدوره يختار رئيس الوزراء، الذي يختار هو الآخر وزراءه من بين أعضاء المجلس الذي يكون مراقباً لأعمال الوزارة، ونص أيضاً أَنّ اللغة الرسمية هي اللغة التركية والعاصمة أنقرة، وأَنّ يستقل القضاء وفقاً لأساليب وقوانين حديثة، وغيرها من المواد التي غيرت شكل وطبيعة نظام الحكم في تركيا. وعانت تركيا منذ نهاية العهد العثماني وانهيار الهوية الإسلامية فيها من أَزمة الهوية ، ومحاولتها تبني الثقافة الغربية، مما أدى إلى ضياع الدولة كمفهوم يوماً بعد يوم، لفشلها في العودة إلى الذات العثمانية وعدم تطبيقها الثقافة الغربية، بالاضافة التهميش والاقصاء والضغط الذي تمارسه الحكومة في محاولة لفرضها الهوية التركية مما يعد قيداً تعانية الاقليات لاظهار ثقافاتها فمشكلة الهوية في تركيا هي عدم القدرة على حسم التناقض بين الهوية الشرقية ومقتضيات نقل الثقافة الغربية، أي انها عجزت عن تعاطي النموذج الغربي مع الاحتفاظ بالهوية الأَصلية واحتواء الهويات الفرعية . 4ـ التوترات السياسية والامنية مع الاحزاب التركية ويقصد بها التحديات الناتجة عن عدم الاستقرار في الدول المحيطة والمجاورة ومنها شمال العراق والعمليات المسلحة لحزب العمال الكردستاني PKK، ، والذي انعكس سلبياً على الاستقرار الداخلي لتركيا من ناحيتين؛ من ناحية خلق حالة انقسام مجتمعي، ومن خلال إمكانية أن تتحول تركيا إلى مسرح للعمليات الخلفية للدول غير المستقرة من جهه . والذي يرتبط لهذه التهديدات بشكل رئيسي بخطر حركات الانفصال الكردية المطالبة بالاستقلال، والتي تشكل بمجملها تهديداً وجودياً للأمن القومي التركي، والتي عادة ما تحصل على تمويلها من أطراف دولية وإقليمية تحرص على إشغال تركيا بعمقها الداخلي حتى لا تتفرغ لمحيطها الخارجي بما يشكل تهديداً لمصالحها الاستراتيجية في المنطقة فما يحدث من نشاط لحزب العمال الكردستاني -المصنف منظمة إرهابية- في العراق- يشكل تهديداً وجودياً لتركيا، خصوصاً بعد أن طالت تفجيراته مدناً كبرى في الداخل التركي. كما أن تأسيس حزب الاتحاد الديمقراطي ككيان مستقل في الشمال السوري عمق من مخاوف تركيا الأمنية، خصوصاً بعد أن طور نشاطه العسكري ليعلن عن الاستقلال الذاتي في بعض مدن جنوب شرقي تركيا، وهذا ما شكل خطراً استراتيجياً جسيماً على تركيا التي حاولت صد الخطر المشهود عبر عملية “درع الفرات”. وفي ظل تنامي التمدد السياسي والعسكري لحزب العمال الكردستاني في شمال العراق خلال 2018 وما تلاه، من خلال تأسيس وحدات مقاومة سنجار “يبيش”، بالاشتراك مع البشمركة وبعض قوات الحشد الشعبي، فإن الأمر لن يتوقف على إعلان الاستقلال الذاتي، بل قد يتطور إلى حرب داخلية، فالإرهاب يتغذى على الدعم اللوجستي الذي توفره قواعده المنتشرة في الدول المجاورة، فكلما ارتفع عدد هذه القواعد كيفاً وكماً ارتفع حجم التهديد الاستراتيجي للمصالح القومية للدولة المُحاربة من قبل هذه المنظمة. إضافة إلى ذلك تخشى تركيا من حدوث تغيّر تركيبي مذهبي أو عرقي لسكان الموصل على وجه الخصوص، فإن حدث تغيّر ديمغرافي مذهبي فهذا يعني ظهور أمواج جديدة للاجئين المتدفقين نحو تركيا التي ترفض التهجير الديمغرافي من منطلق إنساني، والتي لن تقبل أن تصبح الحرب المذهبية التي قد تطالها على صعيد استراتيجي قريبة جداً من حدودها، كما أن التغيّر العرقي الذي قد يتم في إطار التدفق الكردي إلى الموصل كبديل للمكونين العربي والتركماني، يؤثر في مستقبل حلقة الوصل الرابطة بين تركيا والمكون العربي في منطقة الشرق الأوسط. هذا وإن الحزام الكردي الحدودي الذي يسعى حزب العمال الكردستاني من خلاله إلى توسيع رقعة السيطرة الديمغرافية للشعب الكردي، ليظهر أمام الساحة الدولية محقاً في مطالبته بدولة كردية تطال المناطق الحدودية في الشمالين السوري والعراقي وجنوب شرقي تركيا، يشكل تهديداً حقيقياً للأمن القومي التركي 5ـ التحديات الاقتصادية والاجتماعية فيما يخص الوضع الاجتماعي، فكان التباين والاختلافات الاجتماعية جغرافياً وقومياً واضحاً، وخلق أجواء رافضة للواقع القائم الذي امتزج بظاهرة العنف السياسي، مما انعكس سلباً على الواقع التركي، فأتضح عجز القيادة السياسية في تركيا من إيجاد حلول مناسبة لتطلعات المجتمع التركي بشكل كامل، وكان التباين في غرب تركيا وشرقها (أي بين الريف والمدينة) واضحاً إذ ادت مكننة الخدمات الزراعية واجتياح التقنية في بعض المناطق إلى الاستغناء عن الايدي العاملة وتزايد الهجرة إلى المدن بحثاً عن فرص العمل، إذ شكل ذلك حزاماً واسعاً من الفقر على حافات المدن، كما شكل ذلك عبئاً اضافياً للدولة وزيادة في نسبة البطالة، وصاحب هجرة الفلاحين تحدياً للكماليين إذ انهم حملوا معهم ثقافتهم الإسلامية البعيدة عن التحديث الكمالي وساعد ذلك في ازدياد ظاهرة العنف بين اليمين واليسار المتطرف. إنّ تركيا العلمانية أغفلت الاهتمام بالبنية الاجتماعية للشعب التركي، وانشغلت بجوانب أخرى مما أدى في نهاية المطاف إلى تعزيز تيار المؤسسة الدينية والتيارات الإسلامية الشعبية او الصوفية، ففي بلد عدد نفوسه عالية ومعدلات نمو سكاني مرتفعة، وهجرة متفاقمة من الريف إلى المدينة، نقلت معها التدين الشعبي والضعف الاقتصادي ولا سيّما في إسطنبول، إذ شكلت القاعدة الشعبية للأحزاب الإسلامية على مدى عقود طويلة، فكان لا بدّ من إيجاد بنية اجتماعية أَكثر رسوخاً لكي تتمكن العلمانية من الدخول فيها، إلا أَنها اعتمدت على الموظفين وكبار رجال الأعمال وقادة الجيش الذي يشكلون قلة في المجتمع التركي. اما على الصعيد الاقتصادي وعلى الرغم من تبني الحكومات التركية العشر المتعاقبة لسياسات الإصلاح الاقتصادي والتي استهدفت تطوير كافة القطاعات الاقتصادية وايلائها لموضع التنمية الاقتصادية أهمية استثنائية لتجاوز التحديات التي واجهت البلاد، إلا أَنة في الوقت نفسه تأثر الاقتصاد التركي بالتداعيات السياسية في عقد التسعينات والتي شكلت بمجملها محددات حالت دون انطلاق الاقتصاد التركي لتجاوز المشكلات التي عانى منها، فيتضح وفقاً لإحصاءات البنك الدولي أَنّ الناتج المحلي الإجمالي في تركيا في عام 1990 كان بنحو 150 مليار دولار، وتصاعد في عام 1995 إلى 169 مليار دولار، فيما وصل في عام 2001 إلى 196 مليار دولار، وكان نصيب الفرد التركي من الناتج الإجمالي المحلي في عام 1990 نحو2791 وازداد هذا الرقم هذا الرقم في عام 1995 إلى 2896 دولار، فيما وصل في عام 2001 إلى 3058 دولار فقط، كذلك عانى الاقتصاد التركي من مشكلة المديونية الخارجية المزمنة والتي اثقلت كاهل الحكومات التركية المتعاقبة، إذ عكست ظاهرة سلبية بعد مضاعفة ارقامها بنحو اربع مرات خلال المدة من 2001 -1990، وتزايدت ارقامها من 28 مليار دولار عام 1990 إلى 112 مليار دولار عام 2001، وقد انعكس ذلك بتراجع الاقتصاد التركي بشكل واضح، وادى إلى ارتفاع كبير في التضخم النقدي التركي. وعانى الاقتصاد التركي من مشكلتين اقتصاديتين رئيسيتين، هما سد العجز في تمويل القطاع العام والقروض الداخلية، وكذلك تخفيض حجم القروض الخارجية تدريجياً والتخلي عن سياسة الاقتراض من أَجل الإنتاج، ومشكلة التضخم التي تعد حصيلة المشاكل المرتبطة ببعضها، وتسلط مجموعة من الشركات القابضة على الاقتصاد التركي ونهبه بأقصى قدرته، ومساعدتهم من قبل فاسدين لديهم مناصب مهمة في الدولة، ما ساعد بأفقار المواطن التركي وسيطرة الفاسدين على مقدرات الاقتصاد. وقد تردى الوضع الاقتصادي نتيجة سياسة اربكان، فقد تضررت القطاعات الاجتماعية وبالخصوص الطبقة المتوسطة، مما زاد بنسبة البطالة في الوقت نفسه الذي تحسنت فيه أوضاع رجال الاعمال، إذ إِنّ التضخم المالي وعجز الموازنة وزيادة الديون الخارجية هي كل ما كانت تعاني منه تركيا في هذه الفترة، نتيجة الخلافات بين الائتلافات الحزبية، لعدم الاتفاق على رسم سياسة عامة تخرج البلد من ازمتها الاقتصادية. وأمضت تركيا في تراجع واضح على الرغم من محاولات إربكان إحداث تغييرات جذرية، فازدادت الديون الخارجية ازدياداً كبيراً وقلت معدلات الدخل الفردي، وانتشرت ظاهرة التوزيع غير العادل للثروة، وضعفت الثقة الشعبية في برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي قدم في عام 2001، وبقاء نسبة الفائدة مرتفعة اعاق أي محاولة لإصلاح اقتصادي جاد، إذ مرّت تركيا بعدها بانهيار اقتصادي كان نتاجاً للمشكلات السياسية والاقتصادية التي ضربت تركيا لسنوات، وقلت بسببها الثقة بالحكومة بشكل كبير بسبب الفساد والعجز عن تشكيل تحالفات دائمة، إذ كشف انهيار السوق المالي إنّ الوضع الاقتصادي التركي يعتمد كلياً على الاستثمار الأجنبي، وذلك ضمن الوضع السياسي الغير مستقر في تركيا. ان الفقر والبطالة وعدم توزيع العادل للموارد الاقتصادية هي بالفعل تحديات كبيرة تؤثر على الاقتصاد والمجتمع بشكل عام. عندما يكون هناك توزيع غير عادل للموارد، يمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة الفقر والبطالة، مما يؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي ويزيد من التفاوت الاجتماعي على سبيل المثال ان المناطق ذات الأغلبية الكردية تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية متعددة. حيث تعاني هذه المناطق من نقص في البنية التحتية والخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم. كما أن البطالة والفقر يشكلان تحديات كبيرة، خاصة في المناطق الريفية. بالإضافة إلى ذلك، تواجه هذه المناطق تحديات سياسية وتوترات مستمرة، مما يؤثر على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي. 6ـ الهجرة واللاجئون مع اندلاع الصراع بسوريا في 2011، تحولت تركيا إلى ملاذ آمن لملايين الفارين من أتون الحرب بحثا عن الأمن والاستقرار. وبمرور السنوات، بدأت أعداد اللاجئين بالتضخم في هذا البلد الذي واجه مؤخرا أسوأ كارثة طبيعية بتاريخه الحديث (زلزال فبراير 2023). الأزمة المالية والتضخم والركود الاقتصادي، يضاف إليهم تبعات الزلزال وآثار جائحة فيروس كورونا، كلها عوامل عززت من حدة الانقسام السياسي بالبلاد، في ظل معارضة تحمّل اللاجئين عموما والسوريين خصوصا تبعات ما آلت إليه الأوضاع. ما سبق مهد لخطاب تمييزي ضد اللاجئين إجمالا، أدى إلى وقوع عدد من الاعتداءات اللفظية والجسدية مؤخرا (سبقتها جرائم قتل) بدوافع عنصرية ضد لاجئين عرب، معظمهم من السوريين، لم يعد اللاجئون يشعرون بالأمان في تركيا، حيث ان الخطاب العنصري ضد اللاجئين الذي سبق العملية الانتخابية هو جزء من خطاب بعض الشارع التركي، الذي أدى بالنهاية إلى سقوط قتلى وجرحى. يمثل السوريون العدد الأكبر من اللاجئين العرب في تركيا، التي تستقبل أيضا لاجئين عراقيين ومصريين ويمنيين وفلسطينيين. لكن حسب الحملات الانتخابية الرئاسية، احتل اللاجئون السوريون الحيز الأهم من الخطابات، حتى أن بعض الأحزاب القومية واليمينية خصتهم بالمسؤولية عن ارتفاع معدلات الجريمة والبطالة في البلاد. قد يكون التركيز على السوريين "لأنهم النسبة الأكبر من اللاجئين في البلاد". وأفادت الإحصاءات الرسمية الأخيرة بوجود نحو 3.7 مليون سوري في تركيا من الحاصلين على "الحماية المؤقتة". إضافة إلى ذلك، بلغ عدد السوريين الحاصلين على الجنسية التركية نحو 230 ألفا. وكان هذا الموضوع في صلب الخطابات السياسية لبعض المرشحين ممن ادعوا أن أعداد السوريين المجنسين أعلى بكثير.وبحسب بيانات إدارة الهجرة التابعة لوزارة الداخلية التركية، تستقبل مدينة إسطنبول العدد الأكبر من اللاجئين، من بينهم أكثر من 530 ألف لاجئ سوري. في المرتبة الثانية تأتي غازي عنتاب التي تستقبل أكثر من 450 ألفا. كما تستقبل مدن أورفا وهاتاي ومرسين وبورصة وإزمير وأنقرة أعدادا كبيرة من اللاجئين. 7ـ التحديات القانونية والسياسية الحكومية تركيا تعتبر دولة متعددة الأعراق والثقافات، ولكنها تواجه تحديات كبيرة في حماية حقوق الأقليات تركيا تمتلك تشريعات لحماية حقوق الأقليات، ولكن تطبيقها غالبًا ما يكون غير كافٍ هناك انتقادات واسعة بأن السياسات الحكومية تفتقر إلى الشفافية والمصداقية بالاضافة الى التمييز العنصربحيث تعاني الأقليات في تركيا من التمييز العنصري في مجالات مختلفة مثل التعليم والعمل والملكية العقارية والتمييز الديني واللغوي حيث تعاني الأقليات الدينية من قيود وتقييدات على حرية العبادة والتعبير الديني بالاضافة الى نقص في الخدمات اللغوية والتعليم بلغتهم الأم.بالاضافة التمييز الجنسي تعاني النساء من التمييز الجنسي في الحياة اليومية والعمل والمجتمع بالاضافة التمييز الاقتصاديتعاني الأقليات من نقص في الفرص الاقتصادية والموارد المالية. 8ـ التأثير الاعلامي والنظرة الاجتماعية إنّ اهم المؤسسات التي تؤدي دوراً في صياغة وتشكيل الرأي العام التركي هي وسائل الاعلام بالمرتبة الأولى، إذ يسيطر على 60% منها آيدن دوغان، تليها مجموعة جينار فضلاً عن كثير من القنوات الفضائية والتلفزيونية المحلية، والمرتبة الثانية هي الصحف والمجلات كصحيفة جمهوريات ذات التوجهات اليسارية، وصحيفة حريات ذات التوجهات القومية، وصحيفة ملليات ممثلة للطبقة الوسطى، وصحيفة ترجمان التي تمثل يمين الوسط، إذ لعب الاعلام التركي دوراً كبيراً في دعم العسكر التركي الذي يمثل المدافع عن العلمانية بوجه حكومة نجم الدين أربكان، إذ هاجمها وصورها ابشع صورة، ما دعا وزراء الحكومة للاستقالة، وتبين فيما بعد إنّ الإعلام قد خدع الجميع. إنّ حرية الرأي العام والصحافة كثيراً ما يتم استغلالها من قبل المؤسسات الإعلامية بعدّها أداة لسعيها للحصول على السلطة، إذ إِنّ مدّة التسعينيات من القرن الماضي شهدت سلسلة من المشكلات التي تمنع وسائل الاعلام من العمل في بيئة اكثر حرية، فخطاب الصحافة يتغذى على الايمان بالرأي العام، مع افتراض أَنّ الجمهور وردود أَفعاله قوية بما يكفي لتحديد المواقف والعمليات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، إذ مهد ذلك لظهور إرادة سياسية مقتنعة بأن أنشطة وسائل الاعلام يجب أَنّ تخضع لقواعد معينة ويجب أَنّ تكون قابلة للتقييد إذا لزم الأمر، فحاولت القوى المسيطرة على المشهد السياسي تطوير آليات عديدة من اجل الاشراف على الأنشطة الإعلامية، بينما حاول الفاعلون في قطاع الإعلام بناء وتوسيع مناطق الحكم الذاتي الخاصة بهم، على الرغم من أنّ خطاب حرية الصحافة قد تم أستخدامه تاريخياً في عملية صناعة الاعلام لاكتساب الاستقلالية وزيادة نفوذها السياسي، إذ اوجد بمرور الوقت إطاراً وظيفياً في سياق حرية وسائل الإعلام في التعبير والتنظيم. وقدر تعلق الامر بالاقليات فهي تواجه تحديات كبيرة فيما يتعلق بالتأثير الإعلامي والنظرة الاجتماعية، فالأقليات الأكثر شهرة في تركيا تشمل الأرمن، اليونانيين، والكرد. تعرض هذه الجماعات للتمييز والتحرش في بعض الأحيان، وتعتبر الأقليات الكردية أكثر عرضة للتمييز والعنف تلعب وسائل الإعلام دورًا كبيرًا في تشكيل النظرة الاجتماعية تجاه الأقليات. وفقًا لتقرير من الأمم المتحدة، تُستخدم وسائل الإعلام في تركيا بشكل غير عادل لتحقيق أهداف سياسية، مما يؤدي إلى تشويه الصورة العامة للأقليات. وان التعصب والتحيز في وسائل الإعلام هو موضوع حساس ومعقد. يمكن أن يكون التحيز في الإعلام نتيجة لعوامل متعددة، مثل الصلات الشخصية، النفوذ السياسي أو الاقتصادي، والتوجهات الفكرية أو الدينية. هذا يمكن أن يؤثر على كيفية تقديم المعلومات والتحليلات، مما يؤدي إلى تشويش الواقع وتحريف الحقائق. 9ـ التعليم والثقافة يكتسب أي نظام تعليمي أهميته في النتائج التي يفضي إليها. فعدا كونه من أهم القطاعات التي تضع الدول سياسات محددة لها، تظهر أهمية هذا القطاع الكبيرة في عدد الناس الضخم الذين يتأثرون به، والذين يتحولون، بعد الدراسة لعدة سنوات، إلى جيل البلاد الجديد، والاساس الذي تقوم عليه هوية وثقافة واقتصاد أي مجتمع. في دولة مثل تركيا، نرى ان السياسات الحكومية القديمة والحديثة التي رضخت لشروط ومعايير الغرب في توجيه القطاع التعليمي أقلمت تركيا نظامها التعليمي بين ما هو “إداري” وما هو “سياسي”. في الأول طبقت معظم ما قاله “ديوي”، فتحوّل النظام التعليمي إلى أشبه بنظام غربي غير آبه لظروف البلاد المحلية وهوية الشعب التركي وتجاربه الجماعية وخبراته التاريخية. أما في الثاني، فأخذ الحكم يطبق سياساته الإيديولوجية داخل المدارس للحصول على شرعية وشعبية في المراحل اللاحقة ليؤمن استقراره واستمراره. حوّلت المدارس أجيالاً كاملة من الأتراك إلى علمانيين وقوميين مهتمين بذاتهم ومشدودين نحو الغرب ورافضين لتاريخهم العثماني وأي علاقة مع الشرق. يقدم النظام التعليمي التركي فرصاً متساوية للفتيات والفتيان من حيث المبدأ، إلا أن عوامل اجتماعية و دينية خارجية أخرى تؤثر على دور المرأة والمساواة بينها وبين الرجل إن نظرة سريعة إلى القطاع التعليمي التركي في الماضي والحاضر تفيد بوجود ثابتتين: الأولى تتعلق بتنفيذ الشروط الأوروبية في الأنظمة التعليمية، أكان في بداية عهد الجمهورية أو في العهود الحالية التي نُفذت فيها الشروط الأوروبية. أما الثانية فهي استغلال القطاع التعليمي لغايات إيديولوجية وسياسية. في عهد مصطفى كمال، تم استخدام المدارس من أجل أدلجة جيل تركيا الجديد وجعله أكثر تقبلاً لهوية النظام السياسي وتوجهاته العلمانية والغربية، فيما تم عكس ذلك تماماً في الزمن الحاضر، عبر استخدام المدارس من أجل بث الأفكار الدينية. إن هذا الأمر الأخير يحيّد المدارس عن وظيفتها الأساسية، ويجعلها أداة في الطموحات السلطوية، ما يؤثر على المجتمع بشكل عام، وهو تأثير بدأت تركيا بتلمسه، عبر ازدياد نسبة التديّن في المجتمع وتراجع دور المرأة ومساواتها مع الرجل . . ومن الانتقادات الموجهة للنظام التعليمي في تركيا هي : 1.المناهج التعليمية: المناهج الدراسية تركز بشكل كبير على التاريخ والثقافة التركية، مع إهمال ملحوظ لتاريخ وثقافات الأقليات. 2.اللغة التركية: التعليم يتم بشكل حصري باللغة التركية، مما يصعب الأمر على الطلاب الذين يتحدثون لغات أخرى في المنزل، مثل الكردية أو الأرمنية. 3ـ التمييز في التعليم: الطلاب من الأقليات قد يشعرون بالتمييز في الفصول الدراسية بسبب افتقارهم للمعرفة باللغة والثقافة التركية. 4ـ نقص التمثيل الثقافي: قلة المواد التعليمية التي تعكس ثقافات وتاريخ الأقليات تؤدي إلى شعور الطلاب بأنهم غير ممثلين أو مهمشين. فكانت هنالك عدة مطالبات بزيادة التنوع الثقافي في التعليم التركي من خلال إدراج اللغات والثقافات المختلفة في المناهج الدراسية، مما يعزز التفاهم والتعددية الثقافية.
في الختام، لتحقيق إدارة فعالة للتنوع في تركيا، يجب التركيز على تعزيز العدالة والمساواة، والاستثمار في التنمية الاقتصادية، وتحسين السياسات التعليمية، ودعم الحوار والتفاهم بين جميع مكونات المجتمع. هذه الجهود يمكن أن تسهم في بناء مجتمع أكثر شمولية واستدامة.
#خولة_جبار_محمد_الجنابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صنع السياسات العامة
-
البرنامج الحكومي في السياسة العامة
-
استراتيجيات أدارة الصراع
-
مفهوم أدارة ألسياسة العامة في الدول المتعددة الاعراق
-
أدارة التنوع .. الهند انموذجاً
-
السياسة التعليمية في العراق بعد عام 2003(السمات والخصائص)
-
قراءة في اهم الاستراتيجيات المتخذة في مجال التعليم و التعلم
...
-
سبل أنجاح العملية التربوية والتعليمية في العراق بعد عام 2003
-
الديمقراطية كمفهوم عن الحرية والعدل والمساواة في الحقوق والو
...
المزيد.....
-
مصارع WWE المتقاعد هالك هوغان: ترامب طرح فكرة حول كيف يمكنني
...
-
روسيا تختبر منظومة -المطرقة- المضادة للأهداف الجوية (فيديو)
...
-
ضابط فرنسي : هذه هي أساليبنا في محاربة العرب يا صديقي!
-
حاول اغتياله ثم اعترف بنزاهته.. تفاصيل مثيرة عن قصة صدام حسي
...
-
وزير الدفاع البريطاني: النزاع في أوكرانيا دخل مرحلة حرجة
-
-الكيماوي والطحين-.. صهر صدام حسين يكشف حقيقة ما حصل في دهوك
...
-
باكستان.. مقتل 4 أفراد في قوات شبه عسكرية و2 في الشرطة في مو
...
-
ترقب لقرار إسرائيلي حول وقف إطلاق النار مع حزب الله وبن غفير
...
-
أنصار عمران خان يزحفون نحو إسلام آباد مطالبين بإطلاق سراح زع
...
-
لماذا يستغرق انتقال السلطة بين الرؤساء الأميركيين وقتا طويلا
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|