أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد القطاونة - العقل في محراب الوحي لإبراز دورة الحضاري















المزيد.....

العقل في محراب الوحي لإبراز دورة الحضاري


محمد القطاونة

الحوار المتمدن-العدد: 8172 - 2024 / 11 / 25 - 10:07
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إن هذا النسق العقائدي في صلة الإنسان بالكون: رفعةَ وتسخيراً ينطوي على عناية إلهية بالإنسان تتمثل في إعداده ليتعامل مع الكون بما يحقق وظيفة الخلافة التي خلق من اجلها،( )..... لذلك فرض الوحي إعمال العقل وإطلاقه بالكلية في استكشاف هذا الكون لتحقيق الاستخلاف والتوقف الآن على هذا النسق والانسجام العجيب الذي يوجه فيه الوحي العقل ويفسح المجال أمامه في إطلاق العنان لكل حواسه في التعامل مع هذا الوجود( ) .
قال تعالى وهو يبين الهدف من هذا الوجود وصورته الواضحة : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ،الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ )( ) ثم يكرس القرآن الكريم قضية التفاعل والحركة في هذا الوجود دافعا المستخلف إلى إعمال الفكر في ذلك قال تعالى :
( يزيد في الخلق ما يشاء )( )، وقال تعالى ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (( )
يقول ابن عاشور: وإنما أمر بالسير في الأرض لأن السير يدني إلى الرائي مشاهدات جمة من مختلف الأرضين بجبالها وأنهارها ومحتوياتها ، ويمر به على منازل الأمم حاضرها وبائدها ، فيرى كثيرا من أشياء وأحوال لم يعتد رؤية أمثالها ، فإذا شاهد ذلك جال نظر فكره في تكوينها بعد العدم جولانا لم يكن يخطر له ببال حينما كان يشاهد أمثال تلك المخلوقات في ديار قومه ، لأنه لما نشأ فيها من زمن الطفولة فما بعده قبل حدوث التفكير في عقله اعتاد أن يمر ببصره عليها دون استنتاج من دلائلها ، حتى إذا شاهد أمثالها مما كان غائبا عن بصره جالت في نفسه فكرة الاستدلال ، فالسير في الأرض وسيلة جامعة لمختلف الدلائل ؛ فلذلك كان الأمر به لهذا الغرض من جوامع الحكمة"( )
إذاً فليس هذا العالم كتلة ، وليس إنتاجاً مكتملاً ، وليس جامداً غير قابل للتغير والتبدل، فحركة الكون واهتزازاته الخفية. وهذا الزمان السائح في صمت يبدو لأنظارنا البشرية في صورة تقلب الليل و النهار، يعدّه القرآن إحدى آياته الكبرى قال تعالى: ( يقلب الليل و النهار إنّ في ذلك لعبرة لأولى الأبصار )( ) فهذا الإمتداد العظيم في الزمان والمكان يحمل في طيّاته دافعية الإنسان وحمله على التفكير في آيات الله والتي من خلالها سيتم له الغلبة على الطبيعة بالكشف عن الوسائل التي تجعل هذه الغلبة حقيقة واقعه"( ) .
فإذا لم ينهض الإنسان إلى العمل ، ولم يبعث ما في أعماق كيانه من غِنى ، وأصبحت روحه جامدة جمود الحجر، وهو إلى حضيض المادة الميتة ، فحركة هذا الوجود من حول الإنسان هي مدعاة إلى تحريك مواطن الإدراك عنده ليعمل فيها فكره أولاً قال تعالى : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)( ). (‏أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا ‏ ‏) (‏ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا )( ). ( ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم أن في ذلك لآيات للعالمين )( ).
فكل هذا التصريح و التلميح لابد أن يكون له انعكاس على هذا المستخلف في الارض لتثير فيه فطرة التفاعل بالتفكر ، فلفت الإنسان إلى التفكير ليس مظهراً من مظاهر وجوده الإنساني فحسب بل ليؤدي دوره الحضاري في هذا الوجود .
و لقد جعل الله الإنسان خليفة في الأرض و حمّله الأمانة الكبرى من أجل أن يحقق مسؤوليته من خلال التفكير ، ويقوم بالتكاليف التي فرضت عليه ضمناً عند قبوله تلك الأمانة قال تعالى: ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا )( ).
إذاًّ فعمارة الأرض واستخلاف الإنسان مبني على إعمال العقل في الوحي الإلهي لتكون النتيجة تسخير هذا الكون للعقل وتنصبه ملكاّ عليه، قال تعالى: ( أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ )( )وقال تعالى :( وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ )( ).
إذاً فقد قدر على الإنسان أن يشارك في أعماق رغباته الكون الذي يحيط به ، و أن يكيّف مصير نفسه ومصير العالم كذلك ،تارة بتهيئة نفسه لقوى الكون ، وتارة أخرى ببذل ما في وسعه لتسخير هذه القوى لأغراضه ومراميه.وفي هذا المنهج من التغيير النقدي في سياق الوحي الإلهي بأن يكون الله في عون المرء شريطة أن يبدأ بتغيير ما في نفسه، قال تعالى: ( أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )( )
ويتوقف الأمر كذلك على إحكام الإنسان العلاقة بينه وبين الحقيقة التي يواجهها، وهذه العلاقة تنشئها المعرفة، وهي الإدراك الحسّي الذي يكمله الإدراك العقلي قال تعالى: ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آَدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (33)( ).
فهذه الآيات إشارة إلى إن الإنسان موهوب بالملكة التي تجعل له القدرة على وضع تصور لها ، وتكوين هذه التصورات معناه إدراكها وفهمها. فالمعرفة الإنسانية إذاً معرفه قائمه على الإدراكية، وبفضل هذه المعرفة الإدراكية يدرك الإنسان ما هو قابل للملاحظة من الحقيقة .
والأمر الجدير بالتنويه أيضاً أن الوحي يؤكد على أن الملاحظة هي جانب من جوانب الحقيقة .ولا شك أن أول ما يستهدفه القرآن من هذه الملاحظات التأملية للطبيعة هو أنها تبعث في نفس الإنسان الشعور بما تعد الطبيعة آية عليه. ولكن ما ينبغي الالتفات إليه هو الاتجاه التجريبي العام للقرآن، حيث كوّن في إتباعه شعوراً بتقدير الواقع وجعل منهم آخر الأمر واضعي أساس العلم الحديث . وإنه لأمر عظيم حقاً أن يوقظ القرآن تلك الروح التجريبية في عصر كان يرفض عالم المرئيات بوصفه قليل العناء في بحث الإنسان( )
و أخيراً فإن القرآن يرى أن العالم له غايات جدّية ، فتطوراته المتغيرة تحمل حياتنا على التفكر و التفاعل بصوره جديدة ، والجهد العقلي الذي نبذله للتغلب على ما يقيمه العالم من عقبات في سبيلنا يشحذ بصيرتنا فيهيئنا للتعمق فيما دق من نواحي التجربة الحضارية الإنسانية ، فضلاً عن أنه يمد في آفاق الحياة ويزيدها خصباً و غنى . واتصال عقولنا بغمرة الأشياء الحادثة هو الذي يدربنا على النظر العقلي في عالم المجردات. و أن الحقيقة تستقر في نفس مظاهرها و إنّ كائناً كالإنسان يعيش في بيئة كؤود لا يسعه أن يتجاهل عالم المرئيات .والقرآن يبصرنا بحقيقة التغيّر العظيمة، والتي لا يتسنى لنا بغير تقديرها و السيطرة عليها بناء حضارة قوية الدعائم . ولقد أخفقت ثقافات أوروبا وآسيا بل ثقافات العالم القديم كله لأنها تناولت الحقيقة بالنظر العقلي المجرد ثم اتجهت منه إلى العالم الخارجي، وليس من الممكن أن تقام على النظر المجرد وحده حضارة يكتب لها البقاء.

د/ محمد القطاونة
[email protected]



#محمد_القطاونة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المنهج الشكي في مواجهة اليقين
- اولويات النقد الفكري
- الإسلام وعالمية الأبستمولوجيا التشاركية للمعرفة
- اشكالية الدين والدولة
- حرية الفن الإسلامي من التجسيد الوثني والقيد الكهنوتي
- الفن في الفكر الاسلامي
- قراءات نصية: الوحي في النصرانية وظهور الهرمنيوطقيا
- القراءات الحداثوية للنص المقدس ج1
- الاحتجاجي اليوناني والاحتجاج المقدس


المزيد.....




- ثبت تردد قناة طيور الجنة الجديد على النايل سات وعرب سات
- تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 Toyor Aljanah نايل سات وعرب ...
- اللواء باقري: القوة البحرية هي المحرك الأساس للوحدة بين ايرا ...
- الإمارات تكشف هوية مرتكبي جريمة قتل الحاخام اليهودي
- المقاومة الإسلامية تستهدف المقر الإداري لقيادة لواء غولاني
- أبرزهم القرضاوي وغنيم ونجل مرسي.. تفاصيل قرار السيسي بشأن ال ...
- كلمة قائد الثورة الاسلامية آية الله السيد علي خامنئي بمناسبة ...
- قائد الثورة الاسلامية: التعبئة لا تقتصر على البعد العسكري رغ ...
- قائد الثورة الاسلامية: ركيزتان اساسيتان للتعبئة هما الايمان ...
- قائد الثورة الاسلامية: كل خصوصيات التعبئة تعود الى هاتين الر ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد القطاونة - العقل في محراب الوحي لإبراز دورة الحضاري