أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - آرام كربيت - هواجس عن اليسار ــ 357 ــ















المزيد.....



هواجس عن اليسار ــ 357 ــ


آرام كربيت

الحوار المتمدن-العدد: 8171 - 2024 / 11 / 24 - 00:47
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


آرام كرابيت
اليسار في محنة ـ آذار العام 2017
طالما اليسار في محنة، سيبقى المهمشون في محنة.
منذ منتصف القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، كان اليسار عمومًا، والماركسية خاصة ورشة فكرية، سياسية، ثقافية ومعرفية، تجتاح العالم المتقدم. وتخيف القوى المسيطرة. وتنذر بتحولات هائلة في بنية النظام الرأسمالي نفسه.
لقد ساهم المفكر كارل ماركس، وصديقه فيما بعد، فريدريك أنجلس، على تحليل بنية النظام، علاقاته، تناقضاته، نشأته وكيفية مقاومته ووضع البدائل له.
إن التناقض في بنية النظام، موضوعي، كان وما زال ومستمر، بيد أنه يدخل في حالة انتقالات وأحيانًا في تحولات عميقة.
ولهذا يحتاج الواقع إلى الفكر في كل مدة زمنية من أجل تحليل حركته الجديدة أو تحولاته، آليات عمله، وشروط وجوده وبقائه واستمراره. بمعنى أن هذه التناقضات جزء من هيكلية النظام برمته، جزء أصيل منه. يمكننا من خلاله الدخول في ممراته وفكفكته. الفكر هو المفتاح الذي يستطيع اليسار أو القوى الأخرى التي على شاكلته أن يدخلوا إلى هذا الفضاء وتعريته من أجل استنباط الحلول لعالمنا المعاصر ومستقبله.
اليسار العربي اليوم، واليسار العالمي برمته في محنة فكرية، سياسية وأخلاقية، لكون نخبه قبلت سواء عن حسن نية أم عن سوء نية الانسحاب من الميدان والاستسلام للقدر الذي يسمى الرأسمالية، عبر حجج واهية: لا يمكن تبني مواقف خارج النظام وآلياته ومنطقه، لأنه صلب.
هذا الانزواء، والقبول بالأمر الواقع، جعل اليسار هامشيًا، لا يمثل أحدًا. يعاني الشح الثقافي والمعرفي والخصاء السياسي. عاجزًا عن مواكبة التحولات العميقة التي تجتاح هذا العالم.
بل فضل أن يبقى متفرجًا على الصراع، جالسًا في المقاعد الخلفية، يراقب بخنوع ما يجري حوله، بدلًا من المشاركة الفاعلة. وخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والمنظومة التي كانت تسمى اشتراكية. واندماج الصين في النظام، وإدارة ظهرها لقضايا المهمشين وضحايا الرأسمالية في هذا العالم المتغول.
نستطيع القول إن اليسار أخذ إجازة، مسافة من التغول، والتحولات التي تحدث في هذا العالم. وترك هذا الفضاء العالمي للنظام، يشكله وفق مقاساته، ومصالحه، ورغبات الفاعلين فيه.
نقول عن فكر ما أنه مات، أو دفن، عندما يكون عاجزًا عن إنتاج مفهومات جديدة تواكب تطورات العالم. ولم تعد لديه القدرة على التحليل والدخول إلى الأماكن المعتمة لتناقضات هذا العصر الذي تحكمه قوى المال والسلطة والاحتكارات.
ربما ساهمت ثورة أكتوبر في تقاعس الفكر الماركسي عامة، واليسار خاصة، بعد وصول قوى، نخبة عاجزة إلى الحكم، ذاقت حلاوة السلطة في الاتحاد السوفياتي، واستمرأت البقاء فيه، والمتاجرة بقضية المهمشين والفقراء.
قوى هجينة، مطعمة بفكر معاصر، ماركسي، أوروبي المنشأ، في تداخل مع فكر يحمل في قعر عقله حوامل الاستبداد الشرقي الذي مثله ستالين.
لقد تمازج فكر الاستبداد الكامن في الروح الشرقية الروسية مع النهج البطريري الذي قادته ثورة أكتوبر/ تشرين الأول، بحيث حولوا روسيا إلى دولة بوليسية منخورة. أعادت إنتاج نظام القيصر بمسمى آخر.
لهذا علينا أن نتعمق أكثر في بنية هذا العقل، لنخرجه من هذا الاتكاء على المفهومات الماضوية التي تعشعش في داخله، ليدخل إلى النور. إلى الحرية. لدينا شغل كثير، علينا القيام به، ليس في المجال السياسي والفكري والمعرفي فحسب، وإنما في البناء النفسي والروحي والعاطفي.
هذا التحول أدى إلى التصحر والخواء والموت السريري للماركسية في الاتحاد السوفياتي. ليس هذا فحسب، بله أن هذه النخبة وضعت نفسها وصية على الفكر والأحزاب السياسية والفاعليات الاجتماعية في أغلب دول العالم، بما فيها فرنسا وألمانيا وإيطاليا، وغيرها من البلدان المتطورة.
ومضى هذا الفكر النخبوي المهزوم، يدجن كل من يدور في فلكه ومداره، وكل من يقترب منه. وحارب كل من خالفه أو تمرد عليه مما أدى إلى تشوهات بنيوية في الفكر المقاوم للرأسمالية.
لقد بقي هذا اليسار، يعيد إنتاج المفهومات نفسها تقريبًا منذ قيام الثورة البلشفية، بأشكال مختلفة. بل جرى نوع من التوافق بين الاتحاد السوفياتي منذ منتصف الخمسينيات مع النظام الرأسمالي على تقاسم النفوذ واحترام مصالح بعضهما وإدارة النظام العالمي معًا إلى أن انهار.
إن محنة اليسار، هروب من الصراع، وتحوله إلى فكر خدمي فحسب، إصلاحي، تابع، ليس لديه طموح. مقتنع بكسله، وضعفه، وخضوعه، يلهث وراء مصالحه الخاصة والضيقة، راضيًا بالأمر الواقع. ويتعامل مع أزمات العالم متفرجًا، لا يملك القدرة الذاتية على كشف الواقع الموضوعي. وليس لديه جهد فكري يستنبط الحلول من أجل خروج البشرية من النفق. وترك المهمشين والشرائح الاجتماعية لأقدارهم، دون غطاء أو حماية، تاركًا الميدان للقوى المتنفذة في النظام، القوى الجديدة، الفوق احتكارية، التي تملك أدوات جديدة في التحكم بهذا العالم، أن تفعل ما تريده.
إن العنف المستشري الذي نراه هذه الأيام للسيطرة على حركة الواقع، والحركات الاجتماعية الصامتة في العالم التي تعاني من التهميش والضغوط، في مراكز النظام عامة، وفي الأطراف خاصة، ستنفجر يوم من الأيام خاصة بعد سحب كثير من المكتسبات التي كانت محققة في دول المركز في فترة الحرب الباردة.
إن الثورة ضد طغيان رأس المال وفوقيته واحتقاره للمجتمع في العالم أضحت أكثر من واضحة. وتحتاج إلى العامل الذاتي: قوى الفكر والأحزاب السياسية التي تلتقط هذه “المغما” التي تغلي في أحشاء هذا العالم.
إن هذا النظام ليس كلي القدرة، أو متكامل. ولا يمكن تحطيمه أو تغييره. وكأنه مجسم كامل متكامل. ننسى أو نتناسى أن كل نظام فيه تناقضات عمودية وأفقية، وصراع ذاتي ذاتي، وذاتي وموضوعي، ويمكن تفكيك هذا التناقض وخلخلته وكشفه وتعريته. صحيح أنه يبدو من الخارج قويًا، بيد أنه هش وضعيف من داخله، وإلا ما لجأ إلى العسكرة وصرف المليارات من الدولارات على التسليح، وتفعيل الصراعات الجانبية وخلق حروب وهمية، حرب تحت باردة للإبقاء على نفسه، وصناعة عدو وهمي على مقاس مصالحه ورغباته. وإن يدل هذا على شيء، فإنما يدل على ضعفه، وأن علاقته بنفسه وبأطرافه مزعزعة يكتنفها الشك والريبة والكذب والخداع والخوف.
وإن الفكر الذي يملك أدواته وواثق من نفسه وقدراته، كالماء الهادئ الرزين، يستطيع اختراق كل البنى من داخله وخارجه ويضع الحلول. وهذه صيحة لما تبقى من اليسار أن يستيقظ وينهض. الأمر يحتاج إلى الإرادة الحرة.
هناك أزمة اجتماعية، وأزمة وطنية، وأزمة وجود، وأزمة دولة ومجتمع، وأزمة أخلاق وقيم. وأزمة فكر. الأرض في حالة عراء كامل، وفي كل مكان من هذا العالم. الأزمات تتفاقم يومًا بعد يوم، وحالة التخمر تزداد بوتيرة عالية، بينما النظام يسير بخطى حثيثة نحو دماره الذاتي داخليًا وخارجيًا وعلى مستوى البيئة والحياة.
والتغيير يبدأ من وجود النقيض وفاعليته وقدرته على الكبح، وفتح مسارات وأفاق جديدة تمس حياة الإنسان والطبيعة.
إنها دعوة للجميع أن يبحثوا عن مخارج قبل أن يبتلعنا الغول، الفوق احتكاري.


ألم يكن الاحتلال العثماني اسوأ أنواع احتلال، لماذا لا تتحدثون عنه؟
كان غزوًا وفق الشرعية الإسلامية، لهذا فإن المسلمين يرونه مثل العسل على قلوبهم.
هذه الانتقائية في الصراع قبيح جدًا، لأن المسلم في الدول العربية سلم دقنه لهذا الجلاد العثماني بكل راحة وطيبة قلب.
ينتقل المسلم لرجم الاستعمار الغربي، كمان من موقع ديني رخيص.
المحتل هو محتل، بل المحتل الغربي أقل سوءًا من العثماني بما لا يقاس.
اتمنى لو أني أرى في طول البلاد العربية أن العثمانيين بنوا جامع واحد عليه قيمة، كما فعل الرومان في استانبول في أيا صوفيا والجامع الأموي ودير صيدنايا وبقية توابعها السبعة قبل ألف وخمسمائة سنة.
ابقوا على هذه الازدواجية، حبوا حبيبكم العثماني وارجموا الغربي، لا مانع عندي، لكن عليكم أن تتعلموا أن تكونوا منصفين أمام أنفسكم.
انظروا كيف يتعامل التركي مع العربي بفوقية واحتقار وبعدين اصمتوا.
استطيع أن أكتب الكثير الكثير عن هذا، أريد أن أدق الأجراس لعلكم تعيد النظر في قراءتكم، لمصلحتكم ومصلحة مستقبل بلادنا.


سبعين سنة مواجهة مع اسرائيل، لم يغير العرب والفلسطينيين من خطابهم الخشبي قيد أنملة، القيادات مباعة بسعر برميل النفط الرخيص، سواء عرفات أو بعده، وكانوا ينطون على الحبال من أجل المكاسب المالية والمكانة لأنفسهم ولأولادهم.
وحماس اسوأ منهم، الأعمال الشخصية لقيادات حماس، وأموالهم ومطاعهم وشركاتهم الخاصة في تركيا وقطر، بمعنى، كمان قيادات حماس مباعة للخارج، يستثمرون الصراع ليتنعموا بالعصر والحداثة.
لا شيء اسمه دولة مستقلة، جميع الدول" المستقلة" كمصر والجزائر والخليج وايران وفيتنام والصين، يركضون وراء المستثمر الغربي ليطورا حياتهم. عالمنا متداخل.
كيف ستنتصر قضية ما في عصرنا إذا كانت القيادات السياسية لهذه القضية مباعة، مرهونة لهذا الجانب و ذاك؟
لنسأل انفسنا السؤال التالي:
ـ من هو الذي يدافع عن غزاة؟
الجواب: هو الدول الإسلامية والنظام العربي بإعلامه الفاسد وأمواله الفاسدة، بعلاقاته الدولية المشبوهة.
وأغلبهم مرهون للمؤسسات الغربية، وقسم كبير منها مديون للصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ووضعهم على شفى هاوية.
واقعنا مرهون لمبغى عام،

الحجاب هو الستر، لا يراه الأخر، هو العزل.
عندما يحجب الرجل عن المرأة، والمرأة تحجب عن الرجل، ممكن يودي إلى الشذوذ في البيئة المغلقة.
في السجون يكثر الشذوذ.
الحجاب هو ممارسة مضاعفة للكبت وقمع الحرية الشخصية. لا يمكن أن نبني مجتمع لديه قيم عليا كالحرية والعدالة في ظل مجتمع مكبوت على كل الصعد جوهره المنع من ممارسة حياتنا الطبيعية.
الحجاب عمره آلاف السنين، وكان مقوننًا في العصر الأشوري، ويستدعي الحجب أن يبدأ بقمع المجتمع كله ووضع قوانين للعزل بين السيد والعبد وعزل المرأة الأميرة السيدة عن الرجل الفقير، وعزل السلطة عن المجتمع. القمع أخلاقه متكاملة يبدأ من الإشارات الجنسية وينتهي إلى السجون والاملاك الخاصة.
الخلاصة جميع مؤسسات الدولة تاريخيًا وإلى اليوم اشتغلوا على القمع بداية من أشياء صغيرة ثم انتقلت إلى الأعلى.
المجتمع المشوه، الشاذ، منفصل عن بعضه، الشكل الأكثر دقة في الفصل يبدأ من الجنس لأن هذا الأخير محرك لكل التناقضات الداخلية في النفس الإنسانية، وبسبب القمع الجنسي تبدأ الأمراض النفسية تزداد وتكبر.
هذا لك وهذا لي، يبدأ من قوننة العلاقة الإنسانية وينتقل إلى قوننة الملكية، هذه زوجتي وهذا زوجك، هذا لي وهذا لك، هذه المرأة لي اتصرف بها ضمن القوانين وهذا الزوج لي الوحيد الذي أملكه.
تموت الحرية في ظل القوانين.


الحجاب عمره آلاف السنين، استخدم في حضارات كثيرة، لكني لم اقرأ أن جوهره، جوهر الحجاب هو العزل، يقود إلى الشذوذ، وإن من عومه أو تبناه كان يتمتع بهذا الذكاء الباهر لأنه يعلم إلى أين يذهب طريقه.
متى كان الإنسان يؤمن بالعفة والأخلاق الخيرة؟
دائمًا غايات المشرع عميقة وشريرة، ويريد الوصول إلى غاياته بطريقة التفافية، يسيره ويسخره كما يريد ويرغب، ولا يسبب لنفسه أي أذى، يعمل من تحت الطاولة بشكل خبيث للغاية.
الشرير والواعي، الخبيث والخير، كانا طوال التاريخ في صراع على امتلاك العالم وأخذه إلى الهدف الذي يريد.
الواعي يريد كشف أعماق دهاليز الغايات والرغبات ما يحدث في عالمنا، والشرير يريد أن يتمتع بالحياة على حساب الأخرين.


حماس بلعت القضية الفلسطينية والإسلام والعروبة.
لم يعد أحدهم يذكر القضية الفلسطينية، أصبحت نكرة، أصبح لدينا، إسرائيل ـ حماس، يهود ـ إسلام.
أصبح الصراع كما أرادت حماس وإسرائيل، حولوا الصراع إلى صراع ديني بين دينين مقيمان في العصور القديمة، أيام الغنم والماعز والحمير والجمال، كبديل عن العصر رغم أنهما يستخدمان كل مكتسبات ومنجزات العصر ويمارسانه، ويقدمان نفسيهما على أنهما دينين متصارعين، دينين لا ثالث لهما
انتقلت حماس بقدرة قادر من فكر أحادي عنصري مناقض للعصر إلى مقاومة.
ونعم المقاومة يا عرب ومسلمين، مبروك عليكما هذا الافلاس الحضاري العربي الإسلامي أن تتكئوا عليها، أيها العجزة، عجزة عن بناء واقع اجتماعي سياسي اقتصادي معاصر، والركض وراء فصيل إخواني فرض نفسه عليكم كبديل عن دين الرسول محمد.
الأخوان المسلمين دين حداثي يعزى وجوده البراغماتي إلى الإسلام الأول، لكن البحر يكذب الغطاس، الواقع يقول أنكم على صلة مع كل دول العالم، وتمارسون السياسة المعاصرة بحرفة، وتتنعمون بكل منجزات العصر.
إسلام بطقم وكرافاة، وهاتف محمول بأحدث موديل لتتابعون أعمالكم كل ما يخدم أجندتكم، وأموالكم الموجودة في البنوك الغربية، ولديكم فلل وعقارات، وأولادكم يدرسون بأرقى الجامعات.
الغرب يدرك هذا، ويدير لعبتكم، أنت وإسرائيل بكل تفان وذكاء واقتدار، والمهم والغاية أن تستمر اللعبة إلى أطول مدة ممكنة.
سننتظر تركيا إلى أن ينضج الجيل الذي بناه أردوغان على يديه بالدم والدموع، جيل إسلاموي، أخواني، ليدخل المعركة الكبيرة والفاصلة مع إيران، ويتوسع.

الحجاب في جوهره إشارات جنسية عميقة وحقيقية، أستطيع القول أنه رمز صارخ، دافع لممارسة الشذوذ والمطالبة بتحقيقها.
ربما في البنية العقلية والنفسية للمشرع كان يريد الوصول إلى هنا، إلى الشذوذ.
في الحجاب هناك عزل، أن يبقى الرجل محجوبًا عن المرأة، والمرأة محجوبة عن الرجل.
هو دافع أن يذهب الرجل إلى الرجل والمرأة إلى المرأة.
كيف سيصمت العقل والأعضاء الجنسية لهذا الخلل في الطرح ويطالب الإنسان أن يمتنع عن هذا الشعور الصادق والأمين في ذات الإنسان،
كيف ستعيش العفة في الإنسان وهناك صراخ في العقل يطالبه بتلبية غرائزه.
كيف سيستطيع المرء إقناع وعيه وعقله أن المطالب الداخلية له يمكن إسكاتها بالصمت والقمع والسيطرة؟
هل هذا ممكن؟

هل الوجود عقلاني، مصدر من مصادر المعرفة؟
هل العقل مفهوم قائم بذاته، يتحدد بالوجود؟
كما هو معروف، إن العقل الإنساني اخترق المبادئ الغامضة للحياة أو المخبئة، وأخضع كل ما كان مجهولًا لإرادته.
كيف استطاع اخضاع هذا الوجود لإرادته، واخترق المجهول؟
ما هي العلاقة الترابطية بين العقلانية والعقل؟
كما هو معلوم أن العقل ينتمي إلى المعرفة البعيدة، كيف نشأ كما تنشأ الظواهر الغامضة؟
هناك ظواهر فاعلة في حياة الإنسان ومستقلة عنه وقائمة بذاتها، كالحرية والجمال والحب، هل يمكننا القبض عليهم في المستقبل؟
ما علاقة هذه المفاهيم بالعقل؟
المفاهيم القائمة بذاتها، لماذا لا يمكن القبض عليها، لماذا نثرها الكون وتركها في صندوقه المغلق بعيدًا عن الأيدي العابثة، كالإنسان، وكيف جاء أحدهم إلى الأخر من خارجه؟
هل هناك تناغم بينهم، تواصل أو انقطاع؟
الوجود لغز يصعب فتحه بسهولة.


أثناء الحرب العالمية الثانية، شكل الجنرال ديغول دولة فرنسا الحرة، وحاز على اعتراف بريطانيا، ثم الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في وقتها.
أغلب الشعوب التي كانت في ظل الاستعمار الفرنسي أو انتدابه، كانوا يحاربون هذا المستعمر الفرنسي، وكمان البريطاني.
طاف ديغول على جميع المستعمرات، والتقى بزعماء المعارضة، وخيرهم بين البقاء مع فرنسا أو الانفصال عنها، وطالبهم الانتظار حتى انتهاء الحرب.
وكان إجماع جميع الدول المحتلة، أنهم يرغبون بالانفصال عنها، أي أنهم فضلوا الاستقلال على البقاء مع فرنسا.
أخذت سوريا ولبنان استقلالهما بعد الحرب، وهكذا أغلب الدول الأفريقي وغيرهم.
وفي بداية الستينات تقريبًا، لم يبق إلا القليل لم يستقل.
برأي أن الدول المستقلة لم تكن مهيأة على كل المستويات، لقيادة نفسها بعيدًا عن مراكز النظام، لا سياسيًا ولا اجتماعيًا ولا اقتصاديًا، ولا وجوديًا.
خلال مدة قصيرة من الاستقلال، بدأت الانقلابات العسكرية تعم أغلب الدول المستقلة، وبدأت رائحة العفونة والفساد والمحسوبية والطائفية والمناطقية والمذهبية والقبلية تبرز على السطح.
وعشعش النهب والسرقة والاختلاس في أعلى أجهزة الدولة الحديثة، إلى أن وصلنا إلى ما نحن عليه هذا اليوم.
الشعوب التي أرادت الاستقلال، استقلت عمليًا، رأت نفسها بعد حين، عارية، جوع وفقر وذل وقهر، وفساد، والثروة في يد القلة في أعلى رأس الهرم السياسي وجماعته.
هذا الجماعة، إذا قاومتها، قتلت أو سجنت.
وبدأ الناس بالنزوح واللجوء نحو المستعمر القديم، تبكي عند قدميه، تترجاه أن يقبلها كعبد في بيته.
والناس الموجودين في بيلاروسيا شاهد على الذل والهزيمة والقهر، أنهم يفترشون العراء والجوع والبرد والموت، بله يفضلونه على الرجوع إلى أوطانهم.
كلمة استقلال وحرية، كلمة ساحرة جذابة، بيد أنها على أرض الواقع هي فخ قاتل، قتلت شعوب وأوطان، وحياة ملايين الناس.
اليوم نجرد أنفسنا من اللوم والغلط، ونضعه على الأخر، لم أر أحدهم حمل المسؤولية لنفسه.
من أسكت صوت الثورة السورية، هل تقاعس الناس من النزول إلى الشارع؟ هل استطاع النظام بكل جبروته اسكاتها؟
الذي أغلق الباب على الناس وارجعهم إلى بيوتهم، لم يكن النظام، كانت المعارضة.
من الذي اسكت الشارع في مصر وتونس، وغيرهما، أليست المعارضة؟
ومن طلب التخلص من القذافي، ورقص لقتله، ألسنا جميعًا؟
نريد القول، المعارضة والنظام، كلاهما غير مهيئان لقيادة الدولة.



متى سنتخلص من عقدة الاضطهاد؟
لدينا شعور عام أن الآخر يتربص بنا، يريد النيل منّا قبل أن يعرفنا أو نعرفه.
حتى في ظل القانون السويدي الذي لا يفرق بين عربي وأعجمي، نشعر أنه يعمل ضدنا في المحاكم قبل بدء المحكمة وحيثياتها، وبالرغم من نزاهة القضاء فيها.
هل لديكم وصفة للخروج من هذا النفق من أجل أنفسنا ومستقبلنا، من أجل أن نتصالح مع الحياة؟
يقولون إذا اعترف المريض بفوبيا الخوف من الآخر المختلف أو بعقدة الاضطهاد أو بجنون العظمة أو بجنون الارتياب أو بالوسواس القهري فأنه يكون قد خطا نصف العتبة نحو الشفاء.
هل نستطيع أن نعترف أننا مرضى؟
أنا استطيع أن اعترف.

لا يمكن البحث عن الذات في الذات، هذا محال.
الذات أغنية، حمامة أو عصفور حر طليق، هكذا ولدت، أنها جزء من هذا الكون المترامي الأطراف.
لا تسألها من أين أتت وكيف جاءت، ستحرد وتحزن وتهرب منك إلى الضياع.
ذاتك ليست منك، أنها ذات متعالية، اعطاها لك المجهول، وهذا الأخير لا انتماء له، وأنت ذات متعالية، لا انتماء لك، جاءت إليك من خارجك، ولا منة لها عليك وليس المطلوب منك أن تشكرها.
إن بذرة الحياة تسير على الجميع، كالتراب الذي يغذي كل البذور التي تحته، لأن فيه نبتة الحياة.
عش حياتك كما تراها وتحبها، فلا روحانيات خارج ذاتك، ولا وجود للجفاف، كل شيء منك وفيك.
كل من حاول أن يقبض على الذات انتهى إلى المجهول، إلى الغيبيات، وهذه الأخيرة عالم من التوهان والتيه والضياع.
هؤلاء اليقينيون من الخارج، خارجهم، لا يملكون المفاتيح التي تؤهلهم في البحث عن دواخلهم.


آرام كرابيت
المرأة في رواية "بجعات برية"
تعد الروائية، يونغ تشانغ، من الكاتبات النادرات اللائي شَّرحن وعرّين واقع بلادهن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، عبر توثيق دقيق لمرحلة مهمة من تاريخه.
لقد وضعت هذه بصمتها على تاريخ الصين المعاصر، الممتد من بداية القرن العشرين إلى الثلث الأخير منه؛ حيث انطلقت في عملها الأدبي التوثيقي من موقع حقيقي لبلدها، فقد عاصرت أهم الأحداث التي مرت بها بلادها في مرحلة انتقالية عمودية؛ من واقع اجتماعي سياسي، إلى أخر مغاير له بالكامل، تجعلنا نشعر بأننا أمام مرآة عاكسة حقيقية لما حدث -ويحدث- في بلد عملاق مثل الصين.
في هذا هذه الرواية الضخمة، التي تمتد على مساحة ستمئة وخمس وثلاثين صفحة، رسمت واقع المرأة؛ حياتها، استلابها، قهرها…، بلغة بسيطة وسهلة، ومن دون أي تزويق للكلمات أو الأحداث.
ولدت يونغ من أبوين يُعَدّان من قادة الحزب الشيوعي، في أقليم سيشوان في الصين، عام 1952، وانتمت إلى الحرس الأحمر في بداية يفاعتها. عملت في” فلاحة الأرض، وطبيبة مشاءة حافية، وعاملة فولاذ وصلب، ثم طالبة تدرس اللغة الإنكليزية؛ إلى أن غدت مساعدة أستاذ في جامعة سيشوان. أكملت دراستها في جامعة “يورك” في المملكة المتحدة، ونالت درجة الدكتوراه في اللسانيات”.
بجعات برية رواية صادمة، تخدش نرجسية الذات الواعية، وتهز وجدانها وحياتها؛ إذ تحفز المرء على اكتشاف سوداوية الواقع، من خلال الرصد والإسقاط؛ لتتحول الكلمات إلى إبر مدببة، تنغرز في جسد وروح القارئ، وتحاصر أنفاسه من كل جانب، فتجعله يدخل حالة دوار وتساؤل صادم ومفتوح:
ـــ هل يعقل أن يستطيع الواقع أن يُخرج من ذاته كل هذا القيء والخراب والتفسخ؟
تتعامل يونغ مع حقائق الواقع بسهولة ويسر، من خلال معرفة مسبقة، وبتجرد وتجريد عاليين، بمعزل عن عواطفها ومشاعرها الشخصية. تكتفي برصد الواقع، وتتركه يخرج -بموضوعية- تعكس ما فعلته الحياة في الذات والمجتمع من تشوهات كبيرة.
نظام الجواري كان معمولًا به في الصين، قبل اندلاع الثورة، في بلد يعج بالفوضى والاضطراب السياسي، وغياب “الأمن والأمان، واعتباطية العدالة، والقسوة المتماسكة والمتقلبة، على حد سواء”.
عندما نقرأ مثل هذا النص، نشعر أن القراءة، كالكتابة تمنح النفس الإنسانية فائضًا من الثقة والعجز، في آن واحد، وشعورًا بالاضطراب واليأس والانفعال الزائد، أحيانًا كثيرة، عندما يقبض الكاتب على حيوات مجتمع ما، ويعريه أمامنا عبر الكتابة والمعرفة؛ عندئذ يقبض على الدهشة والإثارة المنفلتة من عقالها، ونذهب معه من الخيال إلى الخيال، عبر السؤال الساخر والمؤلم:
كيف يمكن لفتاة أن تعيش حياتها دون اسم؟ أو أن تبقى مجرد رقم، كما جاء في النص؟ أو يُحجَر على قدميها طوال سنوات طفولتها ومراهقتها؛ إلى حين بلوغها، فـ “تربط منذ نعومة أظفارها بقطعة قماش أبيض، طولها عشرين قدمًا، باستثناء الأصبع الكبير، ثم يوضع حجر كبير فوقه لسحق قوس القدمين، من أجل أن تصبح مثيرة للرجال عندما تكبر، وتدوم هذه العملية سنوات طويلة، تشعر الفتاة خلالها بألم فائض، وعندما يُرخى الرباط موقتًا في أثناء الليل، كان يمكن للمرء أن يرى طبقة من لحم متعفن، تنبعث منه رائحة كريهة”
إن المدخل إلى عملية ترتيب الزواج كان يتم عبر فحص القدمين؛ فكلما كانت صغيرة، كلما كانت مدعاة للاعتداد والفخر، وفرصة لا تتفوت للزواج. ويعد الحب عارًا وعيبًا، يجلب الخزي على العائلة. وعملية الزواج تُعقد وفق مواصفات لها علاقة بالتراتبية الاجتماعية والمكانة؛ وهي واجب اجتماعي من أجل استمرار السلالة.
أسر صينية كثيرة ترى في زواج أبنتهم فرصة لتحسين رتبتهم الاجتماعية، خاصة إذا كان الزوج ميسورًا، في واقع شديد الاحترام للمقامات الاجتماعية، كطبقة العسكر أو الشرطة أو الموظفين في الحكومة. ويعد الزواج صفقة رابحة، تباع فيها الفتاة – في عمر صغير- دون أن تُسأل، فالأب من يقرر، وباسم الزواج تتحول البنت إلى جارية في منزل أو قصر الزوج.
ويسعى الأب -عبر الزواج- إلى حماية وضعه، باعتماده على رجل قوي؛ ليحقق فرصة لحياة هانئة، في ظل رجال أقوياء، كان يُطلَق عليهم لقب أسياد الحرب، في الربع الأول من القرن العشرين، وفي بلد يعج بالصراعات الداخلية والمحسوبيات والولاءات المتقلبة والزعامات، ومحاولاتهم الاستفادة القصوى من الفراغ السياسي، في مكان لا وجود فيه لدولة مركزية، أو مرجع وطني. وكل واحد من أسياد الحرب له فصيله المسلح وعصابته، من أجل الاستحواذ على السلطة والمال والجاه والمكانة، في منطقة محددة أو إقليم محدد.
إن سقوط إمبراطورية المانشو؛ نتيجة تآكل الدولة بتقادم الزمن، وعدم قدرتها على إعادة إنتاج نفسها في المعادلة الإقليمية والداخلية، في تلك المنطقة من العالم، أفسح المجال لليابان القوية؛ كي تقتحم المجال الصيني، وتحتل منشوريا، في نهاية القرن التاسع عشر، وإخماد ثورة الملّاكين الوطنيين، وتدخل ثمانية جيوش خارجية، وتنشر الفوضى وحالة الضياع في عموم هذا البلد؛ ما تسبب في انهيار المؤسسات القديمة والتقليدية، وترك حالة من الفراغ في القوة والسلطة والسيطرة والأخلاق؛ فلا أخلاق دون قوة قابضة على السلطة، لها مؤسسات ترعاها أو تشد من إزرها.
إن المقاربة التي تقدمها لنا يونغ تشانغ عن الواقع عميقة جدًا، تكاد أن تعكس وتطابق بين القول وما يجري على أرض الواقع. ندخل معها -عبر الكلمات والسطور- في دهشة ما بعدها دهشة، وفي أحيان كثيرة في صدام، يجعلنا نفقد توازننا النفسي، ونشعر بأنها تقتحم ذاكراتنا العربية، وما يحدث فيها اليوم من تطابق، دون أن تشير إشارة مباشرة إلينا.
ندخل في مقارنة قاسية بيننا وبينهم. نُصدَم بمدى التشابه في التخلف والانتماء إلى العلاقات الأبوية الفوقية، ونتعرف -من خلالها- على الصين القريبة والصراعات التي كانت قائمة في داخلها، قبل أن يُسقط الزعيم الوطني، صن يات صن، إمبراطورية المانشو، ويعلن الجمهورية عام 1913، مؤسسًا حزب الكومنتانغ القومي الذي أفرز زعيمًا أخر، اسمه شيان كاي شيك.
تنطلق الروائية في اسقاطاتها الفنية على الواقع الاجتماعي الاقتصادي السياسي الصيني، من خلال عائلتها، وما جرى لها من آلام ومحن، وتأثير ذلك على حياتها ومستقبلها ومستقبل الناس في وطنها. في كل حقبة سياسية يتغير شكل التراتبية الاجتماعية؛ فتتغير العادات والتقاليد والأخلاق ونفوس الناس وحيواتهم؛ ففي فترة المانشو -كما ترصدها المؤلفة- تختلف هذه التراتبية اختلافًا كليًا، على الرغم من ترسبات كثيرة، عن التراتبية بعد قيام الجهورية، أو في أثناء دخول الدولة في صراع مسلح مع اليابان، أو في أثناء قيام الحرب العالمية الثانية، أو بعد قيام الثورة، بقيادة ماو تسي تونغ.
ونتعرف -من خلال الرواية- على البعد الديني في المجتمع، وعدد الأديان والمعابد، وحدود ومدن وأنهار وجبال ووديان الصين، وعلاقات الناس، ومنظومة القيم والجمال والبشاعة.
إن الإبداع ليس له حدود، سواء أكان تأمليًا، أم رصدًا أمينًا للمكان والأحوال، أم عبر السيرة الذاتية والوطنية، أم باستخدام مفاهيم وأفكار، ومقارنتها بين السابق واللاحق، وربطهما ببعضهما بعضًا.
الثورة التي قادها ماو تسي تونغ خلخلت البنية الاجتماعية التقليدية، بيد أنه كرس نظام الاستبداد، ولم يخرج عنه، ربما أعطى امتيازات كبيرة للمرأة، بتحريرها من القيود القديمة، لكنه لم يخرج من رداء العلاقات الأبوية البطريركية، بل كرس نفسه أبًا وربًّا على الدولة والمجتمع، وإمبراطورًا جديدًا برداء أحمر.
“بجعات برية” رواية مملوءة بالآلام والقهر، تضعنا أمام أسئلة لا شفاء منها، أسئلة إشكالية عميقة:
كيف يُصنع واقع المقهورين؟ وكيف يمكن تجاوزه، وتجاوز خيباته، وما السبيل إلى ذلك؟


آرام كرابيت
إعادة هيكلة الدولة
بانتهاء الحرب الباردة، انتهى الصراع التناحري بين الأقطاب الدولية، وبهذا يدخل النظام الرأسمالي مرحلة جديدة، في توسعه، في مناطق توابعه. بمعنى، يتم التوسع عبر تسوية سياسية خطيرة:
أن تعمل الدول التابعة على إخضاع نفسها بنفسها عسكرياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً لشروط ومصالح المركز المتقدم مقابل بقاء وتعاون النخب السياسية والمالية والاقتصادية في التوابع وفق الشروط الكاملة التي يمليها عليه المركز..
عملت القوى التي قادت حركات التحرر الوطني في البلدان المتخلفة بعد وصولها إلى الحكم على إعادة إنتاج نفسها عدة مرات خلال صيرورتها في الحكم سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، لإنتاج واقع اجتماعي سياسي اقتصادي على مقاس المركز. بمعنى جرى إعادة إنتاج هذه البلدان لتتحول إلى وليمة ناضجة من أجل هضمها والتوسع فيها إلى أبعد مدى.
منذ أن تشكل النظام الدولي في العام 1945 تحددت آلية وحركة كل دولة وفق إعادة هيكلة نظامها السياسي والاجتماعي والاقتصادي والعسكري ضمن الإطار العام للنظام الدولي وفي ظل التراتبية السياسية والاقتصادية والعسكرية على مستوى العالم، ومكانة كل دولة عبر تنفيذ الشروط والوصايا المطلوب منها.
بعد أحداث 11 أيلول العام 2001 جرى تحول عميق على المستوى العمودي والأفقي في المنظومة الرأسمالية يمكن تسميتها بالزمن الإمبراطوري، وفيها يتم إعادة هيكلة الدول بطريقة وسلوك مختلف عما كان عليه في السابق. بمعنى يجري اليوم بخطى حثيثة إعادة هيكلة الدولة في العالم لتتناغم وتستمر على مقاس المفهوم الجديد وفي ظل الشروط الجديدة، اسمه محاربة الإرهاب، لتكون كل الدول مستعدة لتنفيذه.
يعمل النظام الإمبراطوري على اشراك دول العالم كلها وفق مسارين اثنين:
أن تعمل كل الدولة على تآكل ذاتها بذاتها أو نفسها بنفسها، وتقدم نفسها للإمبراطورية كقربان أو عربون حسن نوايا عن خضوعها والتزامها بكل المتطلبات الضرورية لاستمرار النظام الدولي الجديد، الإمبراطورية، والانخراط في مشاريعها البعيدة والطويلة الأجل من جهة، وتهميش القوى الداخلية وتعميق الانقسام الاجتماعي الداخلي وفتح المجال بشكل كبير من أجل الإسراع في الاندماج الكامل في النظام.
إن إعادة الهيكلة من موقع المهمش والضعيف يدفعها أن تكون جاهزة لتقبل حمولات النظام وثقله. إنها صيرورة طويلة لن تتوقف أو يغيب سحرها، لأن العوامل الدافعة للعلاقة بين المركز وتوابعه بنيوية وحيوية لعدم قدرة الدول المهمشة على الرفض. أي أن التابع يبحث عن الاحتماء والحاجة لغطاء يبقيه على قدميه.
إن نظام الهيمنة، خفي، يجعل الكثير من الدول خائفة وبحاجة إلى مساندة. وأن تتوسل البحث عن الخلاص أو الغطاء السياسي ليمنحها الأمان أو الشرعية السياسية مثل دول الطوائف في الأندلس.
إن النظام الإمبراطوري توسعي قائم على تأجيج النزاعات والصراعات وفق صيرورة التهميش والتآكل.
ومن جهة ثانية، نشأ النظام الإمبراطوري من الخوف، من استدعاء مفهوم خفي وكاذب، الإرهاب، مما دفع دولاً كثيرة إلى استدعاء النظام والتأسيس لمشروع جديد دون أن تطالب أية دولة بمرجعية قانونية أو حقوقية كمتكئ أو سند للدخول إلى حضيرته.
إن المعايير السياسية للإمبراطورية الرأسمالية ما زال غير محدد المعالم السياسية والقانونية على مستوى العالم. ولم نقبض فكرياً على أساليبها وممارستها، بيد أننا نلتقط بعض السلوكيات القائمة حالياً.
إننا نرى ونلمس أن مركز القرار الإمبراطوري يعتمد في توسعه على المراكز الإقليمية أو البيئة الإقليمية في تنفيذ مهامه السياسية والاستراتيجية كإيران وتركيا وروسيا والسعودية في المدى المنظور، وأذرعه الصغيرة جداً كالنظام الحاكم في سوريا واليمن والعراق، وإلى حد ما ليبيا وأفغانستان. إنه يسير مثل الوشيعة المغناطيسية لجعل التيار يجري مسافة كبيرة في مساحة صغيرة، فيخلق مجالاً كهرومغناطيسي. وكلما كبر عدد اللفات أي الأسلاك المعدنية اللولبية كلما زاد المجال الكهرومغناطيسي.
تتعامل الإمبراطورية مع البيئات الإقليمية كل واحدة على حدا وفق دوائر إهليلجية أو على شكل الوشيعة حتى تتوسع وتمتد إلى ما لا نهاية. ما تعمل على تجنيد قوى هامشية عبر دعمها بالمال والسلاح والخبرة اللوجستية لتشتغل على خدمة الإمبراطورية كحرق الأرض والتراث الإنساني أمام توغلها وتقدمها في المدن والريف وتمزيق حيوات الناس وتاريخهم وجغرافيتهم وحدودهم الوطنية والقومية إلى أن يتم تآكل المجتمع كله تحت ضرباتهم على المستوى الأخلاقي والقيمي والإنساني وتمزيق البنيات الأخلاقية والوطنية والعودة بالبشر إلى زمن الكهوف والانقطاع الحضاري.
إن ما تفعله الإمبراطورية هي تدمير البيئات الاجتماعية من أجل عدم العودة إلى قيم العدالة والحرية والحق.
والإعلان عن موت الإنسان ونهايته.
أهم عمل لإعادة الهيكلة أن تكيف كل دولة نفسها أمنياً، بحيث تكون على أتم الجاهزية لتلبية متطلبات البناء الإمبراطوري الأمني القائم، ومستعدة لتنفيذ مهمات أمنية في خارج حدودها وفي حدودها الداخلية. أي أن تعيد إنتاج جيش وجهاز أمني مخابراتي مرن جداً ليكون أكثر راديكالية وأسرع استجابة وأكثر فاعلية وحركة في مواجهة متطلبات النظام الامني الإمبراطوري الذي يعيش على فوهة بركان في غياب أي بعد أخلاقي أو إنساني أو حقوقي. وفي غياب الرؤية عما ستتمخض عنه النتائج على المدى الطويل.
إن التكيف يعطي للنخب الحاكمة والدولة حصانة خاصة إذا نفذت ما يطلب منها دون مسائلة قانونية أو حقوقية أو وطنية، ويدعمها، مقابل العمل على تنفيذ المهام المؤكل إليها. لهذا ترصد أغلب الدول موازنة كبيرة جداً لإعادة إنتاج دول أمنية عمودية خاضعة للمشروع.
نستطيع القول إن الدولة التقليدية ماتت إلى الأبد بمواصفاتها التي كانت عليها.
إننا أمام دول ناشئة لن يكون لها التزام أخلاقي وحقوقي وقانوني أمام المجتمع. المسألة ليس أكثر من وقت حتى تتعرى البشرية وطاقمها الحاكم من ورق التوت. بمعنى، انتهى زمن الدولة الوطنية والاجتماعية أو في طريقه إلى الانتهاء.
إن ما يحدث خطير جداً سيجرف مجتمعات كاملة أمامه ويحرق دولاً كان لها دور في تحسين الشروط الاجتماعية والاقتصادية لمجتمعاتها.
أما اليوم فإننا أمام عدو جديد خفي يدمر دون أن نراه ونلمسه.


افرغت الثورة السورية من محتواها بالكامل. اليوم ستتم المفاضلة بين السيء والأسوأ.
كلاهما, السلطة والمعارضة أسرى الحسابات الخارجية, يعملان دون اخلاق أو وازع من ضمير على تقديم المزيد من الخضوع للخارج من أجل نيل الرضا عنهم, من أجل السلطة. السلطة حاف, لا غير.
اما دمائنا, آلامنا, عذابات شعبنا لا أحد يأخذها بعين الاعتبار أو يحسب لها أية قيمة.
السلطة تنظر إلى الضحايا في جانبها على أنهم وقودًا يجب أن يقدموها لها من أجل بقاءها واستمرارها. والجانب الأخر يركض لاهثاً من أجل قطعة الكعكة في السلطة فوق الجانب الأخر منا.
وروسيا والولايات المتحدة وايران والخليج يتفاوضون الأن على ضحايانا, وكل طرف يريد أن يكرس لنفسه نفوذا في بلادنا. ويطوروا علاقتهم على أكمل وجه.
عندما يكون ممثلوا القضية سيئين, فعليها السلام.

هناك علاقة مركبة, موضوعية, بين أصحاب المال والسلطة والنفوذ, الإسلامي والمسيحي واليهودي وبقية الشلة المركبة على مدار العالم. لهم شركاتهم المشتركة, أموالهم, أملاكهم. ولا يهمهم دين أو إيمان أو أخلاق أو قيم. أو مجتمع, سواء عربي أو إسلامي أو مسيحي أو يهودي, أو الجني الأرزق, إلا بما يحقق لهم مصالحهم
وهذه العلاقة الحيوية, قائمة موضوعيًا, وستبقى. ليس الأن, وإنما منذ فجر التاريخ.

المشكلة, ان الكثير يظن ان البلدان الديمقراطية سهلة المنال. ويمكن اختراقها بسهولة.
والكثير, لا يعرفون ما معنى الديمقراطية, ولا معنى الدولة, الحكومة, السلطة. عقلية همج. لا يعرفون ان الديمقراطية برقع يمكن ان تنزعه السلطة في اي وقت, وتتحول الى ديكتاتورية شرسة, وتفرم كل من يقف في طريقها. ويمكن تعمل ابادات حول ذلك. اللعب مع الغشيم كارثة.

الدولة المثالية التي ينشدها الكثير من الحالمين الواهمين:
هل هي دولة خالية من العسكر, الشرطة, القوانين الجائرة, المخابرات, مؤسسات.
هؤلاء الذين يخرجون في الشوارع الأوروبية, يريدون دولة الخلافة, ممكن يوضحوا لنا ولأنفسهم, ما هي مقاسات هذه الدولة المنشودة, بشان نستفيد. هل هي يوتوبيا؟ شيء عصي على الفهم؟
هناك آلاف الكتب تناولت موضوع الدولة, السلطة, الطرق الناجعة لقيادة المجتمعات. هل هناك دراسة جادة لمفهوم دولة الخلافة؟
ثم, عندما تنزلون إلى الشوارع برخصة قانونية:
كيف سمحوا لكم أن تحملوا اعلامكم, شعارات دولتكم الميمونة, دون أن يمسكم أي سؤال. هل سألتم أنفسكم, هل هذا بريء؟ وإلى أين سيأخذنا تهوركم؟


كانت مدينة رأس العين صغيرة نسبيًا, عدد سكانها في ذلك الوقت حوالي عشرين ألف نسمة. يقطنها الأرمن والعرب والسريان والأكراد والشيشان, والاشوريين.
كان بيتنا بجوار قصر محمد اسماعيل باشا وعلى مسافة قصيرة لا تتجاوز العشرين مترا كان بيت عبد الرزاق باشا. ولم نكن نبعد عن سكة القطار وحدود تركيا سوى مائتي متر. في أغلب الليالي كنا نسمع صوت إطلاق الرصاص, بين قطاع الحدود ورجال الدرك التركي.
كان أولاد الباشات اصدقائي, ومن عمري, تمو ومعمو وقيس ومحمد ومحمود وغيرهم.
كثيرة هي المرات التي كنا نلعب كرة القدم بجانب بيتنا, ونتسوق معًا أو نشتري الساندويشات من كشك أبو جمعة.
منذ ان خرجنا من المدينة في 2 ديسمبر العام 1970 لم أعد إليها.

ننسى العوائق الذاتية التي تلجم تقدمنا، كالاستبداد الثقافي والسياسي والديني، وسلطة البيئة الاجتماعية القاهرة، استعلاء الرجل على المراة والأولاد، التراتبية في العائلة، التراتبية في علاقة الدين بالمجتمع.
العلاقات جميعها فوقية وبدنا حلم لنتخطى الواقع
نتهم الغرب في لجم تحررنا، بيد أننا نسى سلطة الدين الإسلامي في كبح حركة المجتمع وارتقاءه.
من أين نبدأ، وكيف؟



#آرام_كربيت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هواجس تتعلق بعالمنا 356
- هواجس عن عالمنا القائم اليوم 355
- هواجس عن نهر الخابور 354
- هواجس تاريخية ــ 353 ــ
- هواجس عن الدولة 352
- هواجس تتعلق بالرواية ــ 351 ــ
- هواجس وقلق 350
- هواجس فكرية وسياسية 349
- هواجس وطنية 348
- هواجس تتعلق بالقيامة ــ 347 ــ
- هواجس عامة 346
- هواجس القوة 345
- هواجس اجتماعية ــ 344 ــ
- هواجس فكرية ــ 343 ــ
- هواجس اجتماعية فكرية سياسية أدبية ــ 342 ــ
- هواجس أدبية 341
- هواجس عامة 340
- هواجس سياسة وأدب ودين ــ 339 ــ
- هواجس أدبية وإنسانية ــ 338 ــ
- هواجس في الأدب والسياسة والفكر 337


المزيد.....




- -لا خطوط حمراء-.. فرنسا تسمح لأوكرانيا بإطلاق صواريخها بعيدة ...
- الإمارات ترسل 4 قوافل جديدة من المساعدات إلى غزة
- الأمين العام لحلف شمال الأطلسي روته يلتقي الرئيس المنتخب ترا ...
- رداً على -تهديدات إسرائيلية-.. الخارجية العراقية توجه رسالة ...
- ماذا وراء الغارات الإسرائيلية العنيفة في لبنان؟
- زيلينسكي: الحرب مع روسيا قد تنتهي في هذا الموعد وأنتظر مقترح ...
- الإمارات.. بيان من وزارة الداخلية بعد إعلان مكتب نتنياهو فقد ...
- طهران: نخصب اليورانيوم بنسبة 60% وزدنا السرعة والقدرة
- موسكو.. اللبنانيون يحيون ذكرى الاستقلال
- بيان رباعي يرحب بقرار الوكالة الذرية بشأن إيران


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - آرام كربيت - هواجس عن اليسار ــ 357 ــ