|
زميلتي الكورية التي فازت بجائزة نوبل للآداب2024/محمود شقير3
محمود شقير
الحوار المتمدن-العدد: 8168 - 2024 / 11 / 21 - 18:51
المحور:
الادب والفن
16 مضى على وجودي في الولايات المتحدة شهر ونصف الشهر تقريباً. استيقظت في التاسعة من صباح الأحد. ذهبنا إلى رحلة جرى الحديث عنها قبل يومين إلى ضواحي أيوا. غادرنا إلى منطقة أمانا، (سبع قرى سكانها من أصل ألماني، هاجروا إليها أواخر القرن التاسع عشر) مضت بنا السيارة مدّة نصف ساعة بعيداً من أيوا. كانت السهول الخضراء تمتد على جانبي الشارع، والبيوت الأنيقة تنتشر هنا وهناك، وثمة قطعان من البقر تسرح في حقول فسيحة. المشاركون في الرحلة: كانغ الكورية، آيتي الأوغندية، بياتريس الألمانية، برناردو البرازيلي، أوبي مينت من بورما، وأنا. تناولنا طعام الفطور في مطعم في إحدى القرى، كان الطعام لذيذاً. وكنا نتبادل المزاح والتعليقات الساخرة بين الحين والآخر. أمضينا وقتاً ممتعاً في قرى تعيش حياتها في أحضان طبيعة غنية مدهشة، ثم عدنا إلى أيوا، نحمل في أعماقنا هدوء الريف وانبساطه المريح. عدنا إلى السكن الجامعي. ثمة طالبات يتجولن في الطابق الأرضي، وثمة طلبة. السكن عامر بالحركة والنشاط كشأنه في أغلب الأوقات. هنا حياة كاملة مفتوحة على احتمالات شتى. 17 لعبنا البلياردو مدة ساعة تقريباً: أنا وكانغ ضد أندرياش وآيتي. تفرح كانغ كلما أحرزنا نجاحاً ضد الفريق الآخر، تضرب كفّيها بكفيّ تعبيراً عن الظفر، كان هذا الأمر باعثاً على كثير من مشاعر البراءة والابتهاج. غيرَ أننا هُزمنا، أنا وكانغ، ثم افترقنا ونحن نشعر للمرة العاشرة أننا عدنا تلاميذ صغاراً، يصخبون ويفرحون ويغضبون ويحزنون. وكنت ما زلت واقعاً تحت تأثير هذا الإحساس وأنا خارج للتسوق. الطالبة الجامعية كينزي هي التي تقود سيارة الفورد هذه المرة. أخذتنا أنا وكانغ وأندرياش وهاي إلى بلدة كورال فيلي، حيث المجمّع التجاري الضخم هناك. تسكّعنا وقتاً غير قليل في أرجاء المجمع، اشتريت هدايا للعائلة، عدنا إلى السكن الجامعي، تناولت طعام الغداء، ثم خرجت إلى مركز المدينة. في مكتبة المدينة، قرأت بعض القصص القصيرة المنشورة في كتاب، ثم ذهبت إلى محل للحلاقة، قامت فتاة سوداء اسمها كورين بحلاقة شعري. سألتني: ما اسمك؟ أجبتها عن سؤالها. قالت: مهمود! كيف تريد لشعرك أن يكون؟ قلت: قصّريه ما استطعت. سألتني عن بلدي، أخبرتها. قالت إنها تعرف القدس من الكتاب المقدّس. لم أتحاور معها بعد ذلك، لأنها سرعان ما انتهت من عملها الذي أدّته بإتقان.
18 نمت في ساعة متأخرة من الليل. في الصباح، صباح السبت، كان الطقس ماطراً. شعرت بالحزن بسبب تجهّم السماء. قرّرت البقاء في غرفتي حتى يتوقف هطول المطر. هاتفتني كانغ، سألتْ ما إذا كان بوسعها أن تزورني، رحّبتُ بذلك. قالت إنّ مزاجها سيء، وهي تشعر بالكآبة بسبب الطقس. قالت إنها لم تتناول الطعام في غرفتها لأنها لا تشعر برغبة في ذلك. قدّمت لها جبناً وبيضاً وعسلاً وخبزاً وفواكه، أكلتْ بشهية، وتصرفتْ ببراءة وتلقائية، ما ضاعف من تقديري لها. بعد ساعتين عادت إلى غرفتها، وهي تشكرني على معاملتي المهذّبة لها. في السابعة مساء هاتفتني كانغ، اقترحتْ أن نذهب لحضور فيلم "ماري جين لم تعد عذراء" تحمستُ للفكرة، كنت راغباً في مشاهدة الفيلم مرة ثانية. توقف هطول المطر، أمسى الطقس أفضل مما كان عليه طوال النهار. ركبنا الحافلة، هبطنا منها بالقرب من مباني الجامعة، مشينا في اتجاه سينما "بيجو". أخبرنا قاطع التذاكر أن جهاز الصوت في قاعة السينما ليس على ما يرام، ما يعني عدم عرض الفيلم هذه الليلة. (يحدث هذا في بلد التكنولوجيا المتقدمة!) تنغّصنا قليلاً. ذهبنا إلى مكتبة تبيع الكتب المستعملة، اشتريت ثلاثة كتب، منها رواية لجويس كارول أوتس. اشترت كانغ كتاباً عن فلسفة "زن" اليابانية وأهدته لي. 19 في المقهى التابع لمكتبة بريري لايتس، شربنا أنا وكانغ شاياً، وتحدّثنا في قضايا الأدب والحياة وعادات الشعوب. (ثمة ثقافة عريقة وتاريخ مديد للشعب الكوري. لم أكن أعرف عن ذلك شيئاً يُذكر) جاء الكاتب البرازيلي برناردو، حيّانا، أخبرنا أنه كان في مدينة "دي موين" التي تعتبر عاصمة لولاية أيوا. (برناردو شخص مختلف. أمضى أغلب وقته في التجوال الدائب في أيوا وفي غيرها من المدن الأمريكية. لم يشارك إلا في ندوة واحدة من ندوات البرنامج، حينما قرأ بعض قصصه القصيرة في مكتبة بريري لايتس. أحضر معه يومها رسوماً تجريدية، لا علاقة مباشرة لها بقصصه، عرضها على حامل خشبي بالقرب منه، للسخرية من تقليعات الإثارة والإبهار ذات المنحى التسويقي، التي تعمد إليها بعض الجهات الإعلامية والثقافية في أمريكا)
عُدنا إلى السكن الجامعي مشياً على الأقدام. قالت كانغ إن زوجها وعدها بالقدوم في زيارة إلى الولايات المتحدة لقضاء بعض الوقت معها. (زوجها أستاذ جامعي شاب وهو ناقد أدبي) (أما آيتي فهي غير متزوجة. لها صديق في أوغندا، ميسور الحال، يكبرها في السن كثيراً، تفكر بالزواج منه، تقوم بمهاتفته باستمرار. فيما بعد، سأعرف عبر المراسلات على الإنترنت، أنهما لم يتزوجا، وأن كل شيء بينهما انتهى إلى غير رجعة!) 20 . في الطائرة المتجهة إلى هيوستن، قرأت قليلاً في رواية "عربسك" لأنطون شمّاس ثم نمت ما يقارب نصف ساعة. وصلت مطار انتركونتننتال. انتظرت أمام بوابة المطار حتى جاء باسل السلحوت، ابن أختي، أخذني في سيارته إلى فندق هيلتون. استغرقتنا الطريق من المطار إلى الفندق حوالي ساعة. هاتفني صديقي محمد السلحوت بعد وصولي إلى الفندق بقليل، اتفقنا على اللقاء في السابعة مساء. جاء محمد ومعه باسل، غادرنا الفندق، وذهبنا إلى العشاء في مطعم. تشعّب بنا الحديث وضحكنا كما لم نضحك من قبل. أمضيتُ في هيوستن ثلاثة أيام، ثم انتهى بي التجوال في مدينة نيويورك، في حي مانهاتن بالذات. أقمت في فندق رقم 31 (ليس للفندق سوى هذا الاسم!)، وسط مانهاتن تقريباً. سكن أندرياش المجري في الغرفة المجاورة لي. كنت على موعد مع أرنديز التي هاتفتني في المساء بعد أن تركتُ لها رقم هاتفي. (تقيم في شقة لصديقة لها في مانهاتن) اقترحتْ أن نذهب في رحلة بحرية لزيارة تمثال الحرية. وجدت كانغ تنتظر في ردهة الفندق الضيقة. قالت إن أرنديز أخبرتها بالموعد بيننا، قالت إنها وصلت مساء أمس إلى نيويورك، واتجهت إلى الفندق الذي كان يتعيّن عليها أن تقيم فيه مقابل 25 دولاراً لليلة الواحدة. قالت إنها فوجئت بتخصيص سرير لها في غرفة سوية مع أربعة رجال، قالت إن أحدهم كان يجلس في السرير، يبتسم لها وهو نصف عارٍ. قالت إنها احتجّت على هذا الترتيب الغريب، فلم يأبه لها صاحب الفندق بحجّة عدم وجود أماكن شاغرة لديه! هاتفتْ أرنديز، وكانت قد أعطتها رقم هاتفها قبل مغادرة أيوا. ركبتْ سيارة تاكسي وذهبت إلى الشقّة التي تقيم فيها أرنديز. يتبع...4
#محمود_شقير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
زميلتي الكورية القائزة يجائزة نوبل للآداب2024 / محمود شقير/2
-
زميلتي الكورية هان كانغ الفائزة بجائزة نوبل للآداب/1
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير16
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير15
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير14
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير13
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير12
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير11
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير10
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير9
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير8
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير7
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير6
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير5
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير4
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير3
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير2
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير1
-
محمود شقير في ابنة خالتي كوندوليزا: تزامن ما لا يتزامن/ د. ا
...
-
أدب الناشئة ودوره في تعزيز الرواية التاريخية والهوية الفلسطي
...
المزيد.....
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
-
بيع لوحة -إمبراطورية الضوء- السريالية بمبلغ قياسي!
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|