ادم عربي
كاتب وباحث
الحوار المتمدن-العدد: 8168 - 2024 / 11 / 21 - 15:25
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
بقلم : د. ادم عربي
تُعَدُّ الطائفيةُ واحدةً من أبرَزِ القضايا التي تناولها المُفَكِّرُ اللبنانيُّ مهدي عامل في كِتاباتِه الفكريَّةِ والسياسيَّةِ. ومن خلالِ منظورهِ الماركسيِّ، تناوَلَ الطائفيَّةَ بوصفِها ظاهرةً سياسيَّةً واجتماعيَّةً مرتبطةً بالهيمنةِ الطبقيَّةِ وآليَّاتِ السيطرةِ الرأسماليَّةِ في المُجتمعاتِ ذاتِ البِنيةِ المُتعدِّدةِ طائفياً.
يرى مهدي عامل أنَّ الطائفيَّةَ ليست مجردَ انتماءٍ دينيٍّ أو ثقافيٍّ، بل هي علاقةٌ اجتماعيَّةٌ وسياسيَّةٌ مرتبطةٌ بالبِنيةِ الاقتصاديَّةِ للمُجتمع. الطائفيَّةُ، في نظرِهِ، ليست حالةً مُستقلَّةً بذاتِها، بل تُستخدَمُ كأداةٍ من قِبَلِ الطبقاتِ المُهيمِنةِ لتفتيتِ الوعيِ الطبقيِّ ومنعِ تشكُّلِ حركةٍ ثوريَّةٍ جماعيَّةٍ.
في كتابهِ نقد الفكر اليوميِّ، يُشيرُ مهدي عامل إلى أنَّ الطائفيَّةَ تُصنَعُ وتُدارُ من قِبَلِ القوى الطبقيَّةِ المُسيطِرَةِ في المُجتمع. فالطوائفُ تُوظَّفُ كأداةٍ لإضعافِ الطبقاتِ الشعبيَّةِ وتفكيكِ تضامُنِها عبر خَلقِ ولاءاتٍ فرعيَّةٍ تتعارضُ معَ الوَلاءِ الطبقيِّ. وبذلك، تُسهِمُ الطائفيَّةُ في استمرارِ النظامِ الرأسماليِّ واستقرارِ هياكِلِهِ.
أمثلةٌ من الواقعِ اللبنانيِّ
استشهدَ مهدي عامل بالنموذجِ اللبنانيِّ كأرضٍ خصبةٍ لدراسةِ الطائفيَّةِ. ففي لبنانَ، تُستثمَرُ الطائفيَّةُ لإنتاجِ نظامٍ سياسيٍّ قائمٍ على المُحاصَصَةِ، حيثُ يتمُّ توزيعُ السُّلطةِ بناءً على الانتماءاتِ الطائفيَّةِ بدلاً من الكفاءةِ أو البرامجِ السياسيَّةِ. يرى مهدي عامل أنَّ هذا النظامَ الطائفيَّ يعكسُ بنيةً اقتصاديَّةً تقومُ على حمايةِ مصالحِ الطبقاتِ البُرجوازيَّةِ المُسيطرةِ التي تستخدمُ الخطابَ الطائفيَّ للتغطيةِ على الصراعِ الطبقيِّ.
ولعلَّ الحربَ الأهليَّةَ اللبنانيَّةَ (1975-1990)، حيث أُعيدَ إنتاجُ الانقساماتِ الطائفيَّةِ لتُصبِحَ المُحرِّكَ الأساسيَّ للصِّراع، على الرغمِ من أنَّ جذورَه الحقيقيَّةَ كانت مُرتبطةً بتناقضاتٍ اجتماعيَّةٍ واقتصاديَّةٍ عميقةٍ. في هذا السِّياقِ، يرى مهدي عامل أنَّ الصراعَ الطائفيَّ كان وسيلةً لإخفاءِ التناقُضِ الطبقيِّ بين البُرجوازيَّةِ والطبقاتِ الشعبيَّةِ.
ربَطَ مهدي عامل الطائفيَّةَ بالاستعمارِ، حيث يرى أنَّ الاستعمارَ يُعزِّزُ الانقساماتِ الطائفيَّةَ في المُجتمعاتِ المُستعمَرَةِ لإضعافِ قدرتِها على مُقاومةِ الهيمنةِ الخارجيَّةِ. فالنظامُ الطائفيُّ في دُوَلٍ مثل لبنانَ لم يَنشَأ بصورةٍ تلقائيَّةٍ، بل كان جُزءاً من استراتيجيَّةٍ استعماريَّةٍ تهدفُ إلى إدامةِ السيطرةِ من خلالِ تقسيمِ المُجتمعاتِ.
الانتقاداتُ المُوجَّهَةُ إلى تحليلِهِ
رغمَ تحليلِهِ العميقِ، تعرَّضَ مهدي عامل لانتقاداتٍ من بعضِ المُفكِّرين، وخاصَّةً الماركسيِّين، الذين رأوا أنَّ تحليلَهُ يُغفِلُ الديناميَّاتِ الثقافيَّةَ والاجتماعيَّةَ التي تجعلُ من الطائفيَّةِ أكثرَ من مجردِ أداةٍ سياسيَّةٍ في مُجتمعٍ غيرِ مُتطوِّرٍ. إلا أنَّ مهدي عامل أكَّدَ أنَّ تجاوزَ الطائفيَّةِ يتطلَّبُ إعادةَ بناءِ الوعيِ الطبقيِّ وتطويرَ حركةٍ سياسيَّةٍ تنطلقُ من مصالحِ الطبقاتِ الشعبيَّةِ وليس من الانتماءاتِ الطائفيَّةِ.
يبقى فكرُ مهدي عامل حول الطائفيَّةِ مرجعاً مُهمّاً لفهمِ الظاهرةِ في سياقاتِها السياسيَّةِ والاجتماعيَّةِ والاقتصاديَّةِ. فهو يُنبِّهُنا إلى خطورةِ استخدامِ الطائفيَّةِ كأداةٍ للهيمنةِ، ويَدعونا إلى مُواجهةِ هذهِ الظاهرةِ من خلالِ تعزيزِ الوعيِ الطبقيِّ والعملِ على بناءِ نظامٍ سياسيٍّ واقتصاديٍّ يَضمَنُ العدالةَ والمُساواةَ.
الماركسيُّون، رغمَ توافقِهِم العامِّ على نقدِ الطائفيَّةِ كظاهرةٍ تُعيقُ بناءَ مُجتمعٍ طبقيٍّ مُتماسكٍ، يَختلِفون أحياناً في تحليلِهِم لها وكيفيَّةِ التعاملِ معها. يمكنُ تلخيصُ أبرزِ المآخذِ التي يُوجِّهها بعضُ الماركسيِّين إلى فكرةِ الطائفيَّةِ أو إلى طريقةِ تفسيرِها داخلَ الفكرِ الماركسيِّ، خاصَّةً كما تناولَها مُفكِّرون مثل مهدي عامل، على النحوِ التالي:
بعضُ الماركسيِّين يرون أنَّ تفسيرَ الطائفيَّةِ حصراً على أنَّها انعكاسٌ للبِنيةِ الطبقيَّةِ أو أداةٌ بيدِ الطبقةِ الحاكمةِ تبسيطٌ مُفرِطٌ يُغفِلُ الديناميَّاتِ الثقافيَّةَ والتاريخيَّةَ التي تجعلُ للطائفيَّةِ وجوداً "مُستقلاً" نسبياً عن الصِّراعِ الطبقيِّ.
يُنتقَدُ مهدي عامل على تجاهلِهِ للتأثيراتِ الثقافيَّةِ والدينيَّةِ التي تُشكِّلُ الطائفيَّةَ كظاهرةٍ.
بعضُ التحليلاتِ تتجاهلُ الدوافعَ النفسيَّةَ والاجتماعيَّةَ التي تجعلُ الناسَ ينجذِبون إلى الانتماءاتِ الطائفيَّةِ.
يُطالِبُ بعضُ المُفكِّرين بإستراتيجيَّاتٍ أوسعَ تُراعي تعقيداتِ الهويَّةِ بدلاً من الافتراضِ أنَّ تجاوزَ الطائفيَّةِ يَحدُثُ بمُجردِ "تثقيفِ الجماهير".
يُشيرون إلى أنَّ رفضَ الطائفيَّةِ بشكلٍ قاطعٍ قد يُغفِلُ الإمكانيَّاتِ التحرُّريَّةَ الكامنةَ في الدينِ أو في بعضِ الحركاتِ الطائفيَّةِ.ويشيرون إلى أمثلة مثل لاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية، حيث لعب الدين دوراً تقدمياً في مقاومة الاستغلال الطبقي.
إنَّ المآخذَ على فكرةِ الطائفيَّةِ في الفكرِ الماركسيِّ تُشيرُ إلى الحاجةِ إلى مُقاربةٍ مُتعدِّدةِ الأبعادِ تتجاوزُ التفسيرَ الطبقيَّ البحتَ. الجمعُ بين التحليلِ الطبقيِّ والبُعدِ الثقافيِّ والاجتماعيِّ والتاريخيِّ يُمكنُ أن يُساعِدَ في تقديمِ رؤيةٍ أعمقَ للطائفيَّةِ كظاهرةٍ مُعقَّدةٍ، مع الأخذِ بعينِ الاعتبارِ السِّياقاتِ المحليَّةِ والدوليَّةِ التي تُعيدُ إنتاجَها.
أخيرا ، الرأي الماركسي المنطقي يعتبر الطائفية نتاجاً اجتماعياً-اقتصادياً مُوجهاً لخدمة المصالح الطبقية، ويرى أن الحل يكمن في تجاوز الانقسامات الطائفية عبر تعزيز الوعي الطبقي والعمل على تغيير البنى الاقتصادية والاجتماعية التي تُعيد إنتاج الطائفية ، فالأهم هو توفير الظروف التي لا تُعيد انتاج الطائفة.
وعطفاً على ما ذُكر فلا بدَّ من المعرفة العلمية لتشكيل الطوائف ، فالطوائف تتشكل لأسباب رجعية يُمكن رصدها كما يلي :
1. فروق عرقية بين مجموعات بشرية تعيش في نفس الأرض. كل عرق يعتبر نفسه الأرقى و الأحق بالهيمنة.
2. فروق دينية، أساسها الرجعية الدينية، بين مجموعات بشرية تعيش في نفس الأرض. و الدين متميِّز بالتفرقة، لأن كل فرقة دينية تعتبر نفسها شعب الله المختار!
كيف تزول الطائفية:
1. عندما تتقارب الأفكار و الشعوب مع حركة تطور الحضارة، فتختفي الفوارق الفكرية.
2. عندما يعي جميع البشر أن البداية كانت قبل 300 ألف سنة بجنس واحد إسمه الـ "هومو سَـيـپـيَنز". في سلسلة التطور البشري
3. عندما تضمحل الأديان و تتلاشي المثالية لتحل محلها المادية، فيدرك البشر زيف الأفكار الدِينية الرجعية.
#ادم_عربي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟