أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خيري فرجاني - المواطنة















المزيد.....


المواطنة


خيري فرجاني

الحوار المتمدن-العدد: 8166 - 2024 / 11 / 19 - 19:24
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


اصبحت كلمتا المواطن والمواطنة من أكثر الكلمات انتشارا في السنوات الأخيرة. ومن ثم، سوف نعرض لمفهوم المواطنة في محاولة تفكيكية لهذا المفهوم (المواطنة) وارتباطاته الفكرية والسياسية والاجتماعية، من خلال عرض وتحليل مفهوم المواطنة التي تعيشها الآن أوروبا والدول الديمقراطية بصفة عامة.
ومفهوم المواطنة ليس حديثا (كما يظن البعض) بل هو قديم يرجع إلى العصر اليوناني والرماني، وقد تطور مفهوم المواطنة بشكل مستمر، إلا انه تراجع بصورة كبيرة خاصة بعد سقوط الإمبراطورية الرمانية وحتى نهاية العصور الوسطى، وتطور مفهوم المواطنة بعد ذلك لتأثره بحدثين هامين أولهما: إعلان استقلال الولايات المتحدة في عام 1786، وثانيهما:المبادئ التي آتت بها الثورة الفرنسية في عام 1789، فكانا نقطة تحول تاريخية في مفهوم المواطنة، ولا يزال مفهوم المواطنة مفهوما إشكاليا تختلف حوله التحليلات الفلسفية والتفسيرات المعرفية، مع الأخذ في الاعتبار أن المواطنة الحديثة ليست نموذجًا مثاليًا يحتذى به إلى الأبد، فمواطن 1789 ليس كمواطن 1889 كما أنه ليس كمواطن عام 2000، والملاحظ أن ممارسات المواطنة تأخذ اليوم أشكالًا ملموسة تختلف بإختلاف البلدان الديمقراطية؛ لأن مفهوم المواطنة مفهوما حيا ومتحركا في إطار سيرورة تاريخية مستمرة.
ويرى كثير من الباحثين أن تطور المواطنة في مجتمع ما يعد مقياسا لدرجة تحديث هذا المجتمع؛ لأنها تعتمد على قيم العمومية. لذلك، هناك ارتباط وثيق بين الحداثة والمواطنة، خاصة عندما نقف عند المنجزات الفكرية السياسية للحداثة مثل: القانون الطبيعي، وحقوق الإنسان، والعقد الاجتماعي، والفصل بين السلطات، والنظام السياسي الدستوري، والمجتمع المدني، والديمقراطية. ومن ثم، فلا مجتمع مدني بدون مواطنة، ولا مواطنة بدون ديمقراطية، ولا ديمقراطية حقيقية بدون مواطنين بمعنى الكلمة يمارسون الديمقراطية وينظمون على أساسها علاقاتهم مع بعضهم البعض من جهة، وعلاقاتهم مع الدولة من جهة أخرى.
نخلص من ذلك، أن المواطنة خيار ديمقراطي اتخذته بعض المجتمعات المتحضرة الناضجة، عبر مراحل تاريخية معينة.
والسؤال الذي يطرح نفسه، ما هي المواطنة؟ وهل نستطيع أن نطبق هذا المفهوم في مجتمعاتنا التي ما زالت ولاءتها متبلورة حول العرق والجنس، والأثني والقومي والديني، مبتعدين كل البعد عن مفهوم المواطنة التي تنطوي تحت مفهوم الانتماء للدولة (للوطن) وليس لشيء آخر؟
تعريف المواطنة:
لغة: يعود أصل كلمة المواطنة ومدلولها إلى عهد الحضارة اليونانية القديمة، والكلمة مشتقة من ((Polis وكانت تعني المدينة باعتبارها بناء حقوقيا ومشاركة في شؤون المدينة، كما تستعمل كلمة المواطنة كترجمة لكلمة الفرنسية (Citoyenneté) وهي مشتقة من كلمة (Cité) وتقابلها باللغة الإنجليزية كلمة (Citizenship) المشتقة من كلمة (City) أي المدينة .
أما المواطنة بمعناها اللغوي العربي، فهي مشتقة من وطن، وهو بحسب كتاب (لسان العرب، لابن منظور) الوطن هو المنزل الذي تقيم فيه، وهو موطن الإنسان ومحله، ووطن بالمكان واوطن أقام، وأوطنه اتخذه وطنا، واوطنت الأرض ووطنتها واستوطنتها أي اتخذتها وطنا، وتوطين النفس على الشيء كالتمهيد.
المواطنة اصطلاحا:
هي صفة المواطن الذي له حقوق وعليه واجبات تفرضها طبيعة انتمائه إلى وطن، وبناء عليه فالمواطنة علاقة الفرد بدولته، علاقة يحددها الدستور والقوانين المنبثقة عنه والتي تحمل وتضمن معنى المساواة بين من يسمون مواطنين.
وللمواطنة مفهوم تاريخي شامل ومعقد له أبعاد عديدة ومتنوعة منها ما هو مادي قانوني ، ومنها ما هو ثقافي سلوكي، ومنها أيضا ما هو وسيلة أو غاية يمكن بلوغه تدريجيا، لذلك فإن نوعية المواطنة في دولة ما تتأثر بالنضج السياسي والرقي الحضاري. إذ يقصد بالمواطنة: العضوية الكاملة والمتساوية في المجتمع بما يترتب عليها من حقوق وواجبات، وهو ما يعني أن كافة أبناء الشعب الذين يعيشون فوق تراب الوطن سواسية بدون أدنى تمييز قائم على أي معايير تحكمية مثل الدين أو الجنس أو اللون أو المستوى الاقتصادي أو الانتماء السياسي أوالموقف الفكري.
المفهوم الاجتماعي للمواطنة:
يتسع معنى المواطنة ليشمل التعلق بالبلد والانتماء إلى تراثه التاريخي ولغته وعاداته وتقاليده، ويتشكَل مفهوم المواطنة في سياق حركة المجتمع وتحولاته، ومن خلال هذه الحركة تُنسج العلاقات وتتبادل المنافع وتُخلق الحاجات وتبرُز الحقوق والواجبات والمسؤوليات، ومن تفَعُل كل هده العناصر يتولد موروث مشترك من المبادئ والقيم والعادات والسلوكيات، كل ذلك يسهم في تشكيل شخصية المواطن ويمنحها خصائص تميزها عن غيرها. ومن ثم يمثل الموروث المشترك حماية وأمنا للوطن والمواطن.
فالمواطنة حقوق وواجبات، وهي أداة لبناء مواطن قادر على العيش بسلام وتسامح مع غيره على أساس المساواة وتكافؤ الفرص والعدل، بهدف المساهمة في بناء الوطن وتنميتة والحفاظ على العيش المشترك فيه، ولمفهوم المواطنة أبعاد متعددة تتكامل و تترابط في تناسق وتناغم منها البعد القانوني الذي ينظم العلاقة بين الحكام والمحكومين استنادا إلى العقد الاجتماعي الذي يوازن بين مصالح الفرد والمجتمع، والبعد الاقتصادي والاجتماعي الذي يستهدف إشباع الحاجيات المادية الأساسية للمواطنين ويحرص على توفير الحد الأدنى اللازم منها ليحفظ كرامتهم وإنسانيتهم،
والبعد الثقافي والحضاري والذي يعنى بالجوانب والنفسية والمعنوية للأفراد والجماعات على أساس احترام خصوصية الهوية الثقافية والحضارية ويرفض محاولات الاستيعاب والتهميش والتنميط.
تعريف المواطنة :
المواطنة بشكل مبسط وبدون تعقيد، هي انتماء الإنسان إلى بقعة أرض"الدولة"، (أي الإنسان الذي يستقر بشكل ثابت داخل الدولة، أو يحمل جنسيتها)، ويكون مشاركا في الحكم، ويخضع للقوانين الصادرة عنها، ويتمتع بشكل متساوي مع بقية المواطنين بمجموعة من الحقوق، ويلتزم بأداء مجموعة من الواجبات تجاه الدولة التي ينتمي لها.
نستخلص من هذا التعريف أن لصفة المواطن عناصر رئيسية، تتمثل في: الانتماء للأرض (الوطن)، والمشاركة فى الحكم، والمساواة فى التمتع بمجموعة من الحقوق، والالتزام بآداء مجموعة من الواجبات. ومن ثم، يمكن تحديد أهم مقومات وركائز المواطنة في أربعة عناصر رئيسية:
أولا: الإنتماء :
هو شعور الإنسان بالانتماء إلى مجموعة بشرية ما وفي بلد ما، مع وجود الاختلاف والتنوع العرقي والديني والمذهبي، مما يجعل الإنسان يتبنى خصوصيات وقيم هذه المجموعة ويندمج معها على أساس هذا التنوع. إذن العنصر الأساسي والرئيس في مفهوم المواطنة هو الانتماء، الذي لا يمكن أن يتحقق بدونه هذه القناعات، فهو أمر هام وضروري لتحقيق المواطنة. من هنا، نستنتج أن روح الديمقراطية هي المواطنة، لذلك يجب قبل التحدث عن الديمقراطية أن نعي أولا حقيقة المواطنة، التي هي القلب النابض لمفهوم الديمقراطية.
من هنا، يجب ضرورة التطرق إلى حقوق وواجبات المواطن، وبيان الحقوق الأساسية لمفهوم المواطنة في دولة الديمقراطية. نستخلص من ذلك الطرح إلى عناصر عناصر أساسية، هي: عنصر مدني، وعنصر سياسي، وعنصر اجتماعي اقتصادي.
ثانيا: التمتع بمجموعة من الحقوق:
يترتب على المواطنة في دولة الديمقراطية ثلاثة أنواع رئيسية من الحقوق التي يجب أن يتمتع بها جميع المواطنين في الدولة دونما تميز من أي نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر أو اللون أو اللغة أو الرأي أو الدين أو أي وضع آخر.
1- الحقوق المدنية:
وهي مجموعة من الحقوق تتمثل أولا في حق المواطن في الحياة، والحرية الفردية، وحرية التعبير، والاعتقاد والإيمان، وحق التملك، والحق في العدالة، ويتفرع منها ، وعدم إخضاعه لتعذيب أو معاملة سيئة أو عقوبة قاسية أو لاانسانية او الاحاطة بالكرامة، عدم إجراء أية تجربة طبية أو علمية على أي مواطن دون رضاه، وعدم استرقاق أحد، والاعتراف بحرية كل مواطن طالما لا تخالف القوانين ولا تتعارض مع حرية آخرين، وحق كل مواطن في الأمان على شخصه، وعدم اعتقاله أو توقيفه تعسفيا، وحق كل مواطن في الملكية الخاصة، وحقه في حرية التنقل، وحرية اختيار مكان إقامته داخل حدود الدولة ومغادرتها والعودة إليها، وحق كل مواطن في المساواة أمام القانون، وحقه في أن يعترف له بالشخصية القانونية، وعدم التدخل في خصوصية المواطن، او في شؤون أسرته أو بيته أو مراسلاته، ولا يتعرض لأي حملات غير قانونية تمس شرفه او سمعته، وحق كل مواطن في حماية القانون له، وحقه في حرية الفكر، والوجدان والدين واعتناق الآراء وحرية التعبير وفق النظام والقانون وحق كل طفل في اكتساب جنسيته.
2- الحقوق السياسية:
يعني الحق في المشاركة في الحياة السياسية بوصف المواطن عنصرا فاعلا في السلطة السياسية، باعتبار المواطن عضو في الجماعة السياسية يسهمون في توجيها ، وهو ما يعني أنه مواطن أصيل في بلاده وبأنه ليس فقط مُقيما يخضع لنظام معين، دون أن يشارك في صنع القرارات داخل هذا النظام. وعلى أساس هذه المشاركة يكون الانتماء إلى الوطن، ومن خلال المشاركة تأتي المساواة فلكل مواطن الحقوق نفسها وعليه الواجبات ذاتها، ويُعد هذا الوعي بالمواطنة نقطة البدء الأساسية في تشكيل نظرة الفرد إلى نفسه وإلى بلاده وإلى شركائه في صفة المواطنة.
ولا تكون صفة المواطنة إلا لمن يكون طبقا للدستور والقانون له الحق في المشاركة في حكم بلاده، من خلال مؤسسات الحكم السياسية والقانونية والدستورية. أما الأفراد الذين يجبرون على الانصياع للأوامر الصادرة إليهم دون أن يسهموا بشكل ما في إعدادها أو إصدارها، لا ينطبق عليهم وصف المواطنة حتى وإن تمتعوا بالحقوق المدنية فهؤلاء لا يتمتعون بحق المواطنة.
وتتمثل هذه الحقوق في حق الانتخاب والترشح في المجالس النيابية والمحلية المحلية، والحق في تكوين الأحزاب، وحق المواطن في الإنضمام للأحزاب والتنظيمات والحركات السياسية، والنقابات (كعمل سياسي)، والحق في التجمع السلمي، وحق التظاهر والاحتجاج السلمي، ومحاولة التأثير على القرار السياسي، وشكل اتخاذه من خلال الحصول على المعلومات ضمن ما يتيحه القانون، والحق في تقلد الوظائف العامة في الدولة من خلال تكافؤ الفرص دون تمييز لعرق أو لدين..إلخ.
3- الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية:
تعني المواطنة من المنظور الاقتصادي الاجتماعي، إشباع الحاجات الأساسية للأفراد، بحيث لا تشغلهم هموم الذات عن أمور الصالح العام، يعني تمتع المواطن بخدمات الرفاهية الاجتماعية وإشباع حقوقه الاقتصادية، والتي تتضمن التعليم، وحسن الرعاية الصحية، وتتمثل الحقوق الاقتصادية أساسا بحق كل مواطن في العمل، والحق في العمل في ظروف منصفة، والحرية النقابية من حيث إنشاء النقابات والانضمام إليها والحق في الإضراب، وتتمثل الحقوق الاجتماعية بحق كل مواطن بحد أدنى من الرفاه الاجتماعي والاقتصادي، وتوفير الحماية الاجتماعية، والحق في الرعاية الصحية، والحق في الغذاء الكافي، والحق في التامين الاجتماعي، والحق في المسكن، والحق في المساعدة، والحق في التنمية، والحق في بيئة نظيفة، والحق في الخدمات الكافية لكل مواطن، وتتمثل الحقوق الثقافية بحق كل مواطن بالتعليم والثقافة.
على سبيل المثال لا الحصر. ولهذا يُقال عن كل كائن بشري أنه يتمتع بالمواطنة، إذا كان يتمتع بخصائص اجتماعية معينة، لها معناها السياسي المعتد به قانوناً، مثل الحقوق والواجبات، والالتزامات، والحرية في اتخاذ القرارات، التي تمثل شأناً يتصل بمصلحته الخاصة، وفي المشاركة في المصالح العامة، وكذلك المشاركة في المجتمع المدني. ويُصطلح على تسمية هذه المواطنة "بالمواطنة الأساسية أو الفعلية"، وذلك في مقابل التمتع بالمواطنة الرسمية،
ثالثا: الواجبات التي تقع على عاتق المواطن
تعتبر الواجبات المترتبة على المواطن نتيجة منطقية وامر مقبولا في ظل
نظام ديمقراطي حقيقي، يوفر الحقوق والحريات للمواطينن بشكل متساوي وبدون تميز، وفي الحقيقة حينما نتحدث عن المواطنة، كنظام حقوق وواجبات، فإننا نعني أن حقوق المواطنين هي واجبات على الدولة، وفي ذات الوقت فإن حقوق الدولة هي واجبات على المواطنين، كاحترام النظام العام والحفاظ على الممتلكات العمومية والدفاع عن الوطن والتكافل والوحدة مع المواطنين والمساهمة في بناء وازدهار الوطن.
ومن أهم هذه الواجبات: واجب دفع الضرائب للدولة، واجب إطاعة القوانين، واجب الدفاع عن الدولة
رابعا: مبدأ المشاركة:
وتعرف أيضا بالمشاركة في الفضاء العام وتتمثل في المشاركة في العملية السياسية مثل: الانتخاب والترشيح، والمشاركة في كل ما يهم تدبير ومصير شئون الوطن.
ومن ثم فهي تعني مشاركة الفرد في أمور وطنه، وكل ما يشعره بالانتماء إليه، بالإضافة إلى التفاف الناس حول مصالح وغايات مشتركة، بما يؤسس للتعاون والتكامل والعمل الجماعي المشترك. من هذا المنطلق نستطيع أن نتعمق في مفهوم المواطنة، وما يترتب عليها من أسس (حقوق وواجبات).
الفرق بين الوطنية والمواطنة:
للشخص دورا هام ورئيس في إطار الجماعة السياسية لممارسة صفة المواطنة، والتمسك بها، والدفاع عنها؛ وحينما تنجح الجماعة في استخلاص حقوق الوطن والمواطن، تظهر اللحظة الدستورية؛ فتتحول الأرض إلى وطن، والإنسان، الذي يحيا عليها ويشارك في صياغة حياتها، إلى مواطن. وعلى ذلك فالوطن هو ما يؤسس فكرة المواطن، ثم من بعدها فكرة المواطنة. فالمواطنة في حقيقتها التامة ــ الجماعة الوطنية التي تستكمل التعبير عن شخصيتها وإرادتها بالدولة الواحدة المستقلة. والمواطن في حقيقته التامة هو الفرد بوصفه عضواً بالفعل في دولة وطنية. وهنا يجب التمييز بين الوطنية والمواطنة.
1- الوطنية: هي ظاهرة نفسية اجتماعية مركبة، قوامها حُب الوطن أرضاً وأهلاً، والسعي إلى خدمة مصالحه. أو بعبارة أخرى: ظاهرة نفسية فردية وجماعية، تدور على التعلق بالجماعة الوطنية وأرضها ومصلحتها وتراثها والاندماج في مصيرها.
2- المواطنة: هي ظاهرة مركبة محورها الفرد، من حيث هو عضو مشارك في الجماعة الوطنية، وفي الدولة التي هي دولتها. وهذا الفرد وهو بهذه الصفة خاضع لنظام محدد من الحقوق والواجبات. وبعبارة أخرى: الوطنية والمواطنة وجهان متباينان من وجوه الارتباط بالجماعة الوطنية، ووجودها السياسي.
الفرق بين المواطنة والوطنية:
المواطنة تعنى الإنتماء إلى مجتمع واحد يضمه بشكل عام رابط إجتماعي وسياسي وثقافي موحد في دولة معينة. وتبعاً لنظرية جان جاك روسو المواطن له حقوق إنسانية يجب أن تقدم إليه وهو في نفس الوقت يحمل مجموعة من المسؤوليات الاجتماعية التي يلزم عليه تأديتها. وفي القانون يدل مصطلح المواطنة على وجود صلة بين الفرد والدولة، وبموجب القانون الدولي المواطنة هي مرادفة لمصطلح الجنسية، على الرغم من أنه قد يكون لهما معان مختلفة وفقا للقانون الوطني. والشخص الذي لا يملك المواطنة في أي دولة هو عديم الجنسية .
والوطنية تأتي بمعنى حب الوطن في إشارة واضحة إلى مشاعر الحب والارتباط بالوطن وما ينبثق عنها من استجابات عاطفية، أما المواطنة فهي صفة المواطن والتي تحدد حقوقه وواجباته الوطنية ويعرف الفرد حقوقه ويؤدي واجباته عن طريق التربية الوطنية، وتتميز المواطنة بنوع خاص من ولاء المواطن لوطنه وخدمته في أوقات السلم والحرب والتعاون مع المواطنين الآخرين عن طريق العمل المؤسساتي والفردي الرسمي والتطوعي في تحقيق الأهداف التي يصبو لها الجميع وتوحد من أجلها الجهود وترسم الخطط وتوضع الموازنات.

شروط المواطنة ومقوماتها الأساسية
ثمة شروط ومقومات أساسية لا غنى عنها في اكتمال وجود المواطنة، لعل أهمها ما يلي:
1- اكتمال بناء الدولة الديمقراطية:
يعد اكتمال بناء (نمو) الدولة الديمقراطية بُعدا أساسيا من أبعاد نمو المواطنة، ويتحدد نمو الدولة الديمقراطية بامتلاكها لثقافة المشاركة والمساواة أمام القانون، وعلى هذا النحو، فإن الدولة الاستبدادية لا تتيح الفرصة الكاملة لنمو المواطنة؛ لأنها تحرم قطاعا كاملا من البشر من حقهم في المشاركة، أو أن الدولة ذاتها قد تسقط فريسة حكم القلة التي تسيطر عليها وتحرم بقية الأفراد من حقوقهم في المشاركة، أو الحصول على نصيبهم من الموارد. الأمر الذي يدفعهم (بداهة) إلى التخلي عن القيام بواجباتهم والتزاماتهم الأساسية، وهو ما يعني بالضرورة تقلص مواطنتهم بسبب عدم حصولهم على جملة الحقوق والالتزامات الأساسية، وهذا يوضح أن ثمة رابطة عضوية بين اكتمال نمو الدولة الديمقراطية واقترابها من النموذج المثالي للدولة الحديثة، والمجتمع القوي المتماسك، وبين اكتمال المواطنة في مستوياتها غير الناقصة.
ومن ثم، تعتبر الديموقراطية هي الحاضنة الأولى لمبدأ المواطنة، وفي هذا الإطار تعني الديموقراطية التأكيد على أن الشعب هو مصدر السلطات، إضافة إلى التأكيد على مبدأ المساواة السياسية والقانونية بين المواطنين، بصرف النظر عن الدين أو العُرف أو المذهب أو الجنس.
2- تمتع المواطنين بكافة الحقوق والامتيازات:
الحقوق السياسية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية. والثقافية. وهذا يعني قيام عقد اجتماعي يؤكد على أن المواطنة في الأمة، هي مصدر كل الحقوق والواجبات، وأيضاً مصدراً لرفض أي تحيز فيما يتعلق بالحقوق والواجبات وفق أي معيار، سواء الجنس أو الدين أو العرق أو الثروة أو اللغة أو الثقافة. في نطاق ذلك، فإنه من الضروري تأكيد التلازم بين الحقوق والواجبات القانونية والسياسية، والحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وذلك حتى تتحقق الديموقراطية الكاملة. وفي هذا الإطار يتطلب التأكيد على المواطنة التأكيد على المساواة والعدل الاجتماعي، فيما يتعلق بتوزيع الفرص الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبطبيعة الحال السياسية.
3- الفرد أحد المكونات الأساسية للمواطنة:
عد الفرد البالغ العاقل أحد المكونات الأساسية للمواطنة، وذلك بوصف أن هذا الفرد يخضع لعملية التنشئة الاجتماعية والثقافية والسياسية، التي تقوم بها مؤسسات المجتمع المختلفة، بإشراف الدولة وسيطرتها. وتساعد عملية التنشئة ــ في حالة اكتمالها ــ الفرد على أن يستوعب أهداف الجماعة وتراثها، ويعبّر عن مصالحها، ويتعايش مع الجماعة، دون أن يذوب في إطارها.
4- إشباع الحاجات الأساسية للأفراد.
يُعد إشباع الحاجات الأساسية للبشر، في أبعادها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، أحد المقومات الرئيسية للمواطنة. وفي هذا الإطار تواجه المواطنة أزمة إذا تخلت الدولة عن القيام بالتزاماتها المتعلقة بتهيئة البيئة الملائمة لتحقيق الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية للبشر. ومن الطبيعي أن يؤدي عدم إشباع الحاجات الأساسية للبشر إلى ظواهر عديدة، تُشير في مجملها إلى تآكل الإحساس بالمواطنة. وتبدأ هذه الظواهر بالانسحاب من القيام بالواجبات، مادامت الحقوق قد تآكلت مروراً بعدم الإسهام أو المشاركة الفعالة على كافة الأصعدة، وحتى الهروب من المجتمع، والبحث عن مواطنة جديدة، أو التمرد على الدولة والخروج عليها، والاحتماء بجماعات وسيطة، أو أقل من الدولة. وتؤدي كل هذه الظواهر إلى تآكل المواطنة، بسبب تآكل إشباع الحاجات الأساسية.
كيف يتحقق مفهوم المواطنة
من الأهمية بمكان الإشارة إلى عدم امكانية تحقيق مفهوم المواطنة إلا من خلال ارساء مجموعة من القيم، لعل أهمها: قيمة المساواة والحرية والمشاركة والمسئولية الاجتماعية.
1- المساواة: تتمثل قيمة المساواة بين المواطنين في البلد من خلال حصول الجميع بشكل متساوٍ على حق التعليم، والعمل، والجنسية، والمثول أمام القانون والقضاء، واللجوء إلى القانون والقضاء لمواجهة موظفي الحكومة،
2- الحرية: تنعكس قيمة الحرية في الحصول على حق حرية الاعتقاد الديني، وبالتالي حرية ممارسة الشعائر التي تتناسب مع هذا الاعتقاد، بالإضافة إلى حرية التنقل، والتعبير عن الآراء حول مشاكل الوطن والحلول الممكنة، وهذا بالطبع يشمل حرية تأيدي أو معارضة موقف أو قضية أو سياسة معينة حتى لو كانت لا تتوافق مع الحكومة، وحرية الاحتجاج حتى لو كان هذا الاحتجاج موجها ضد الحكومة، وحرية المشاركة في المؤتمرات أو اللقاءات ذات الطابع الاجتماعي أو السياسي.
3- المشاركة: تتضمن قيمة المشاركة في تنظيم حملات سلمية من شأنها الضغط على جهة ما لتغيير قرار ما أو سياسة ما، وهنا لا بد من التأكيد على المنهج السلمي الذي يتمثل في المظاهرات والاحتجاجات والإضراب دون عنف أو تخريب، كما تشمل قيمة المشاركة التصويت في الانتخابات العامة بكافة أشكالها، وتأسيس أو الاشتراك في الأحزاب السياسية أو الجمعيات أو أي تنظيمات أخرى تعمل لخدمة المجتمع، والترشيح في الانتخابات العامة بكافة أشكالها.
4- المسؤولية الاجتماعية: تكمن قيمة المسؤولية الاجتماعية في دفع الضرائب، بالاضافة إلى أداء الخدمة العسكرية، واحترام القانون، واحترام الآخرين بما في ذلك حرياتهم وخصوصياتهم.
أهمية التربية على المواطنة:
تتجلى أهمية التربية على المواطنة في كونها ترسّخ الهوية الحضارية بمختلف روافدها في وجدان المواطن، كما ترسخ حب الوطن والتمسك بمقدساته وتعزيز الرغبة في خدمته، وتقوية قيم التسامح والتطوع والتعاون والتكافل الاجتماعي وقبول الآخر على اختلافه، كما تعتبر المواطنة حاضنة للهوية وللخصوصيات الحضارية تستلهم خصوصياتها من محيطها الإقليمي والدولي عن طريق الانفتاح على كل الأوطان، والاطلاع على تجارب الآخرين، فالانغلاق يؤدي إلى الجمود والاضمحلال والاندماج والتلاقح المتزن يؤدي إلى التطور والازدهار، والمواطنة الصحيحة تمكن الإنسان من آليات التنمية الذاتية والانفتاح على المحيط الخارجي، فالمواطنة التي نريدها لا ينبغي أن تختزل في مجرد المظهر الشكلي من خلال البطاقة الشخصية أو جواز السفر، وإنما يجب أن تُجسد في حب الوطن والغيرة عليه والاعتزاز بالانتماء إليه والمشاركة الفعالة في مختلف الاستحقاقات الوطنية، من انتماء وحقوق وواجبات.
ومن أهم مزايا التربية على المواطنة أنها تعيد التوازن بين ما هو محلي وما هو عالمي وكوني للتخفيف من وطأة قيم العولمة وما ترتب عنها من انهيار للحدود بين الثقافات المحلية والعالمية وما صاحب ذلك من أثار قد يرى البعض أنها سلبية. وذلك للمحافظة على الهوية الوطنية والخصوصية الثقافية بشكل يضمن الانتماء الذاتي والحضاري للمواطن.
وجدير بالذكر، أن ممارسة المواطنة ليست مرهونة بالرشد القانوني والوعي السياسي الذي يخول المشاركة في الحياة السياسية خاصة العمليات الانتخابية بل إن لكل مرحلة، بدءًا من السنوات الأولى للطفل، أشكال وصيغ متعددة لشكل ممارسة المواطنة من قبيل غرس ووضع قيم وتصورات عملية حول السلوكيات اليومية التي تنمي الوطنية مع كل فئة عمرية من شان كل ذلك أن يحدث مع مرور الزمن وتضافر جهود أطراف أخرى، ذلك التراكم الذي يغرس قيم المواطنة في الفكر والوجدان ويجعل بلورتها وتفعيلها أمرا طبيعيا ودائما مستمر.



#خيري_فرجاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حقوق الإنسان من خلال المواثيق والعهود الدولية الحديثة
- أثر الجيل الرابع من الحروب على اقتصاديات الدول
- دور منظمات المجتمع المدنى في عملية التحول الديمقراطى في مصر
- جدلية العلاقة بين الدين والفن
- دور التنمية الاقتصادية في تحقيق الرفاهية والاستقرار:
- الار هاب الفكرى (الأسباب.. النتائج.. الحل)
- التنظيم الخاص والاغتيالات السياسية في منهج الإخوان:
- مبدأ الفصل بين السلطات
- الإسلام السياسي وديمقراطية الاجتثاث:
- جدلية العلاقة بين الدين والتنوير
- مفهوم الفردانية في الفكر السياسي الحديث
- الليبرالية في مواجهة الأصولية
- محمود عساف مؤسس مخابرات الإخوان:
- أهمية توطين صناعة السفن في مصر:
- الأطر المحددة لبنية النظام العربي
- أهم التحديات التي تواجه المنطقة العربية
- استراتيجية استشراف المستقبل العربي في ظل التحديات الراهنة
- العلاقة بين صولية الدينية والرأسمالية الطفيلية:
- أهمية الوحدة العربية في ظل التحديات الراهنة:
- صورة الله في المخيال الأصولي:


المزيد.....




- وسط تصاعد العنف والتهديدات... أطباء بلا حدود تعلق عملياتها ف ...
- جنوب لبنان.. معارك بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله في الخيام  ...
- -مؤامرة التسميم-: الكشف عن تفاصيل خطة اغتيال الرئيس البرازيل ...
- ممثل أمريكي يرفض الترويج لـ-ستاربكس- خلال حدث برعايتها (فيدي ...
- -بلومبرغ-: ترامب قد يبدأ المفاوضات مع روسيا مع الأخذ في الاع ...
- هوكستين: لن أتحدث علنا عن نتيجة المفاوضات وسأتوجه إلى إسرائي ...
- مدير مشفى كمال عدوان: نناشد العالم نعاني من حصار مطبق والمشه ...
- الروس على رأس القائمة.. ارتفاع عدد السياح في مصر
- ضربة صاروخية تستهدف فرقة تكتيكية للقوات الأوكرانية في مقاطعة ...
- الدفاع الروسية: تصفية مجموعة قوات أوكرانية محاصرة في كورسك


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - خيري فرجاني - المواطنة