أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد رباص - جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء الواحد والخمسون)














المزيد.....

جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء الواحد والخمسون)


أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)


الحوار المتمدن-العدد: 8165 - 2024 / 11 / 18 - 23:10
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


توخيا لتلخيص "فينومينولوجيا الروح"، يقول سيريل أرنو إن هيجل يقترح في المقدمة الشهيرة لكتابه هذا تعريفا جديدا للحقيقة، وهو ما يخالف ما كان مقبولا تقليديا: الحقيقة هي الكل. ماذا يعني ذلك؟ عندما نصادف نظريتين متعارضتين، نميل إلى البحث عن أي منهما هي الصحيحة، مستبعدين احتمال أن تكون كلتاهما صحيحتبن. نحن بطبيعة الحال نحترم مبدأ عدم التناقض، كما عرّفه أرسطو في كتابه عن "الميتافيزيقا": “من المستحيل أن تنتمي نفس السمة ولا تنتمي في نفس الوقت إلى نفس الذات وتحت نفس العلاقة”.
هكذا يعتبر الجمع بين المذاهب المتعارضة بمثابة تناقض لا يطاق ويجب حله في أسرع وقت ممكن، من خلال تحديد أي منهما هو الصحيح. ومن ناحية أخرى، فإن الرأي العام لديه مفهوم أبدي للحقيقة: إذا كانت الفكرة صحيحة، فلأنها كانت كذلك إلى الأبد. النموذج الرياضي 2+2=4 هو مثال رئيسي. هذه هي الحقيقة التي ستكون صحيحة دائما.
ليس هناك زمنية للحقيقة، أي ليس هناك تطور تدريجي، وهو ما يعني أنه في لحظة معينة قد تكون فكرة ما غير لائقة، وغير قابلة للتطبيق، وكاذبة، ثم "في مرحلة معينة من التاريخ تصبح صحيحة"، قبل أن يعفو، مرة أخرى، عليها الزمن. والواقع، كما يقول الكاتب، أن الرأي العام لا ينظر إلى تنوع الأنساق الفلسفية على أنه تطور تدريجي للحقيقة بحيث لا يرى في ذلك التنوع التناقض الوحيد.
هذا هو النموذج بالتحديد الذي يرفضه هيجل، في لفتة افتتاحية وثورية. فهو يقدم الصيرورة (أو حتى: الزمانية والتاريخ) والتناقض في قلب مفهوم الحقيقة، من خلال تعريفه ككل. الحقيقة لا تُعطى منذ البداية، بل تشهد "تطورا تدريجيا" تتخذ خلاله شكلا معينا؛ ومن ثم يمكننا القول أنه في هذه اللحظة من تطورها، ستكون بعض النظريات صحيحة والبعض الآخر خاطئًا. عندها ستتخذ الحقيقة أشكالًا أخرى، وستصبح النظريات بالية وغير كافية في هذه المرحلة الجديدة من التطور، وبالتالي كاذبة. وستصبح نظرية أخرى هي حقيقة هذه اللحظة من التاريخ، قبل أن تفسح المجال للأخريات، إلخ...
لذلك، إذا كانت هناك حقيقة كونية، فإنها لا يمكن أن تكون إلا الكل نفسه، أي مجموعة الأشكال المتعاقبة المختلفة التي تتخذها الحقيقة في صيرورتها، وليس واحدا منها على وجه الخصوص. ولذلك فإننا نفهم بشكل أفضل لماذا يؤكد هيجل أن الحقيقة هي الكل.
استخدم فيلسوفنا استعارة معبرة بشكل خاص لتوضيح هذه الفكرة: النبات أيضا يمر بتطور تدريجي. في البداية كان برعمًا بسيطًا، ثم ازهر: نرى برعما يظهر، ثم تتفتح الزهرة وتنتج ثمرة. الآن سيكون من السخافة أن نرى تناقضا بين البرعم والزهرة، أو بين الزهرة والثمرة، وأن نعتقد أنهما يتناقضان، وأنه يجب علينا تحديد أي من الثلاثة يمثل حقيقة النبات. هي ثلاثة أشكال متتالية يتخذها النبات أثناء نموه، وليس لأحدها حقيقة أكثر من غيره، أو كل واحد منها يمثل حقيقة النبات في لحظة مختلفة:
"يختفي البرعم في انفجار الإزهار، ويمكن القول أن الزهرة تدحض البرعم. وكذلك عند ظهور الثمرة، يتم إدانة الزهرة باعتبارها وجودا-هنا كاذبا للنبات، وتحل الثمرة مكان الزهرة على أنها حقيقتها. هذه الأشكال ليست متميزة فحسب، بل كل منها يقمع الآخر، لأنها غير متوافقة بشكل متبادل. لكن في الوقت نفسه، تجعل منها طبيعتها السائلة لحظات الوحدة العضوية التي لا تتنافر فيها فحسب، بل يكون فيها أحدهما ضروريًا مثل الآخر، وهذه الضرورة المتساوية وحدها تشكل حياة الكل.
كذلك فإن الأنساق الفلسفية المختلفة (الشكية، الرواقية، النقد الكانطي، الخ..) لا تمثل الحقيقة، بل لحظة من تطورها، والتي ازدهرت في لحظة معينة (مثلا اليونان ثم روما بالنسبة للرواقية) قبل أن تفسح المجال أمام أنساق فلسفية أخرى، أكثر تكيفا مع العالم الجديد الذي ظهر للتو (العالم اليهودي، العالم المسيحي، إلخ..).
وهكذا فإن ما ندركه بسهولة عن الزهرة (ليس هناك تناقض بين أشكالها المختلفة)، لا نتصوره بشكل طبيعي في مجال الفلسفة: واقعة أن هناك عدة نظريات فلسفية تطرح مشكلة، وكونها تصل إلى استنتاجات متعارضة يبدو غير مقبول، ونحن نحاول حل هذه المشكلة، هذا التناقض، من خلال إثبات النظرية التي نفضلها، ودحض النظرية الأخرى:
"بينما يكون، من ناحية، التناقض المجلوب إلى نسق فلسفي معتادا على ألا يتصور نفسه بهذه الطريقة، ومن ناحية أخرى، لا يعرف بصفة عامة الوعي الذي يفهم ذلك النسق كيف يحرر هذا التناقض من أحاديته أو يحتفظ به مخترقا بها، ولا كيف يعترف في شكل ما يبدو متعارضًا ومتناقضًا مع نفسه بعدد كبير من اللحظات الضرورية بشكل متبادلة.
لا ينبغي لنا إذن أن نعتبر التناقض فضيحة، بل يجب أن نتلقاه كخاصية أساسية للحقيقة، التي يتم تصورها ككل في طور التكوين، وتنتقل من شكل متوال إلى آخر، ولكل منها شرعيته في وقت معين. من خلال اقتراح إعادة التعريف هذه، يحقق هيجل هذه البادرة الثورية: يدخل التاريخ في تعريف الحقيقة ذاته. إن نموذج الحقيقة الرياضية، الخالد لأنه صالح طوال الوقت، لم يعد مناسيا. ما هي عواقب هذا الإقحام للزمان في قلب الحقيقة؟ هذا ما سنعرفه في الفقرات الموالية.
(يتبع)
نفس المرجع



#أحمد_رباص (هاشتاغ)       Ahmed_Rabass#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المحمدية: فيدرالية اليسار الديمقراطي يطالب بإقالة رئيس المجل ...
- عيد الاستقلال: مسيرة مستمرة لتحقيق سيادة وتنمية المغرب
- الكتابة والعزلة في كنف الصمت
- جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء ...
- بيان مشترك لهيئات سياسية ومدنية في اوربا الغربية حول أحداث ا ...
- جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء ...
- المغرب-الجزاىر: ماذا تتضمن الوثائق الحدودية التي وعد ماكرون ...
- من العبث أن يرجو العرب المعاصرون لأنفسهم نهوضا مالم يتخلصوا ...
- جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء ...
- فرانسوا هولاند : سيأتي يوم يتولى فيه اليمين المتطرف السلطة ف ...
- كيف قيمت المندوبية السامية للتخطيط على عهد الحليمي مخرجات مخ ...
- من أجل استعادة سياق غيبه المهدوي: جدلية القاعدة والقانون
- من أجل استعادة سياق غيبه المهدوي: جدلية القاعدة والقانون (2/ ...
- جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء ...
- الإشتراكي الموحد يستنكر وصم الرئيس الفرنسي للمقاومة الفلسطين ...
- خطوات المغرب على الدرب الطويل المؤدي إلى التحول الاقتصادي (2 ...
- شذرات من سجل مفتوح
- خطوات المغرب على الدرب الطويل المؤدي إلى التحول الاقتصادي (2 ...
- المغرب: أزمة كليات الطب و الصيدلة وطب الأسنان: مقترح وزاري ج ...
- جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء ...


المزيد.....




- ماذا نعرف عن اعترافات بعض المرشحين لمناصب رئيسية في إدارة تر ...
- مسؤول أمريكي يوضح حقيقة الاتفاق على مقترح لوقف إطلاق النار ب ...
- إعلام لبناني: إصابات بغارة إسرائيلية من دون إنذار على منطقة ...
- غضب في روسيا بسبب -التصعيد الخطير- المرتبط بصواريخ أمريكية ب ...
- المبعوث الأميركي يلتقي البرهان في أول زيارة للسودان
- -مشكلة- في الطيران البريطاني تزعج المسافرين
- زعماء مجموعة العشرين.. -قلق بالغ بشأن الوضع الكارثي في غزة- ...
- مشاهد من غزة.. عائلات تكافح للحصول على الخبز
- لفتة قبل الوداع.. بايدن يمنح الدول الفقيرة 4 مليار دولار
- رسائل مهمة.. لقاء بين كيم جونغ أون ووزير روسي


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - أحمد رباص - جولة للبحث عن مفهومي الحقيقة والحرية في قارة الفلسفة (الجزء الواحد والخمسون)