موسيقى الصمت: حين يتحوّل الحزن إلى صوت

كريم عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 8165 - 2024 / 11 / 18 - 11:54
المحور: الادب والفن
    

موسيقى الصمت: حين يتحوّل الحزن إلى صوت
قراءة سيميائة في نصّ الشاعرة : فوزية سليمان – سوريا .
بقلم : كريم عبدالله – العراق .
النصّ :
عندما تصبح الدموع صوت الريح
وأنا المنسية خلف الفصول
زبد شعري لا يعرف الهدوء
وكروم الأرض يوقظها الصهيل
أركض في البراري
ألمس.. أتذوق.. أتنفسك
مثل الهواء
أعرفك أعمق من الجلد
وأعمق من اللمس
ألتقي بك حيث تتعثر الكلمات
وتصبح الدموع صوتاً
أبتسم ... استرد ظلي
فيلملم القمر أسرّته
وينام في سرير شجوني .
مقدمة :
موسيقى الصمت: حين يتحوّل الحزن إلى صوت
هذا العنوان يجسد التوتر بين الدموع والصمت، وبين الصمت الذي يشير إلى الحزن الداخلي والتحوّل إلى الصوت الذي ينبثق من المعاناة. في النصّ، تتحول الدموع إلى / صوت الريح/، مما يعكس كيف أن المشاعر العميقة تتحوّل إلى رموز محسوسة، وكأن الألم والحزن يصبح لهما صوت يمكن سماعه في هدوء الريح. كما أن الإشارة إلى / الدموع / و/ الريح / و/ الصهيل/ تلعب دوراً في خلق صور رمزية تشير إلى الصراع الداخلي بين الوجود والحضور الغائب.
التركيز على /الظلال/ و/القمر/ و/الشجون/ يساهم في تقديم إحساس بالاستبطان والعمق الرمزي، حيث يتلاعب النصّ بالصور الحسية لتعبّر عن مشاعر الاغتراب والحزن الذي يتجاوز الكلمات.
القراءة :
في هذا النص، تتداخل الرموز والمعاني لتخلق صورة شاعرية معقدة عن الحزن والتحول الداخلي. بدايةً، يفتتح النص بصورة الدموع التي تتحوّل إلى / صوت الريح /، وهو رمز مزدوج يحمل دلالات عميقة عن كيفية تحوّل الألم والحزن إلى لغة غير مرئية، لكن يمكن الشعور بها من خلال أصدائها، كما الريح التي لا تُرى ولكن تُحس. / الدموع / هنا تفقد وظيفتها التقليدية كعلامة للبكاء لتتحول إلى نوع من التعبير الصوتي المجرد، مما يعكس تحولًا شعوريًا عميقًا.
/ المنسية خلف الفصول/ هو تعبير يعكس الاغتراب والابتعاد عن الزمن، وكأن الشاعرة قد فقدت موقعها في دورة الحياة الطبيعية، فالفصول، وهي رموز للزمن والوجود، تقف أمامها وكأنها حواجز، فتُظهر الذات الشاعرة في حالة من العزلة والانفصال عن مجريات العالم الخارجي.
أما / زبد شعري لا يعرف الهدوء/ فهنا يقدّم النص صورة لكتابة الشعر كحالة من الاضطراب الدائم، كأن الشعر في حد ذاته هو محاولة مستمرة للبحث عن توازن في وسط اضطراب المشاعر. وكأن الشاعرة ترى في إبداعها، ما هو أكثر من مجرد كلام أو أفكار، بل هو زبد عاطفي يتناثر بلا استقرار.
/ وكروم الأرض يوقظها الصهيل / يعكس نوعًا من الاستيقاظ الحيوي في الطبيعة، حيث أن الصهيل (صوت الخيول) يرمز إلى النشاط والطاقة، ما يضيف عمقًا لهذا الارتباط بين الذات البشرية والعناصر الطبيعية. قد تشير / كروم الأرض / إلى الجذور، والعلاقة العميقة بالجذور الذاتية والمكانية، مما يعزز فكرة البحث عن الهوية والانتماء.
/ أركض في البراري... ألمس.. أتذوق.. أتنفسك /: يعزز هذا المقطع فكرة السعي المحموم وراء الوجود العاطفي، حيث تصير الحواس جميعها في حالة من الاندماج والاتصال العميق مع الآخر أو مع الذات المفقودة. تأتي الحواس لتشكل جزءًا من الوعي الأعمق، فالشاعرة لا تكتفي بالرؤية أو اللمس، بل تلامس الوجود بشتى الطرق الحسية.
/ أعرفك أعمق من الجلد وأعمق من اللمس /: هذه الجملة تقترح أن المعرفة تتجاوز الحواس الجسدية المباشرة، فالعلاقة بين الشاعرة والآخر تتعدى الملموس إلى ما هو أعمق، ربما إلى البُعد الروحي أو الوجداني، حيث تصبح المعرفة وجودية وحسية في آن واحد.
/ ألتقي بك حيث تتعثر الكلمات /: هنا، الكلمات تصبح كائنات حية لها القدرة على التحرك والتأثير. / تتعثر/ ربما تعني أن الكلمات تكتسب شعورًا أو حياة خاصة بها، فتتغير كما تتغير العواطف. هذه الصورة تشير إلى العلاقة الديناميكية بين اللغة والتجربة الحية.
وفي الختام، / ويصبح القمر أسرّته /، حيث يتخذ القمر دور الراعي الذي/ يلملم / شجون الشاعرة، ما يعكس فكرة التصالح مع الحزن وتقبله من خلال هذا / الحارس / الليلي الذي يأتي ليحتوي هذا الهم.

الرمزية السيميائية للنص تتجاوز مجرد التعبير عن الألم، إذ يُظهر النص كيف أن الأحاسيس العميقة تتحول إلى صور وأصوات وإيماءات طبيعية، ما يسمح للمشاعر أن تتحول إلى لغة جديدة.

#كريم_عبدالله (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات