أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - زميلتي الكورية هان كانغ الفائزة بجائزة نوبل للآداب/1















المزيد.....

زميلتي الكورية هان كانغ الفائزة بجائزة نوبل للآداب/1


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 8162 - 2024 / 11 / 15 - 15:55
المحور: الادب والفن
    


1
نحن الآن في جامعة أيوا للمشاركة في برنامج الكتابة الدولي 1998.
وصلت كاتبة من كوريا الجنوبية اسمها كانغ هان، وهي امرأة نحيلة دائمة الحركة مثل فراشة.
إنها في الثامنة والعشرين من عمرها، تبادلنا حديثاً عابراً ثم افترقنا.
ذهبتُ إلى اجتماع الساعة الواحدة والنصف الذي انعقد في الطابق الذي نقيم فيه. لم يدم الاجتماع سوى بضع دقائق، (هكذا هي اجتماعاتنا: بضع دقائق ثم ينتهي كل شيء، وهكذا هي أغلب اللقاءات كذلك!) تمّ تذكيرنا بالندوات التي سوف نشارك فيها في الأسابيع القادمة.
غادرت الغرفة بعد الغداء. وجدت الكاتب الفيتنامي "هاي" ينتظر الحافلة أمام السكن الجامعي. هاي ينتظر ويتلفت في كل اتجاه، وثمة مجموعة من الفتيات يجلسن على درجات المبنى، بالبنطلونات القصيرة أكثر مما ينبغي، يجلسن للتدخين وللثرثرة والضحك. جاءت الحافلة ومضينا معاً، أنا وهاي، إلى مبنى كلية الفلسفة التابع لجامعة أيوا، لحضور ورشة الترجمة المقرر انعقادها في الساعة الثالثة والنصف. (هاي في الثلاثين من العمر، من سايغون، يكتب القصة القصيرة بأسلوب متميز. ستأتي أخته التي تعمل في نيويورك لزيارته بعد أسابيع، وستأتي صديقته الفيتنامية لزيارته أيضاً)
وجدت الكاتبة الكورية "كانغ هان" هناك، وثمة عدد من الكتاب الضيوف والكاتبات وبعض الطلاب والطالبات. لم يستغرق اللقاء سوى بضع دقائق، حيث تم التعارف بيننا، ثم انتهى كل شيء.
اقترحتُ على كانغ أن تذهب معي إلى مكتبة بريري لايتس لشراء بعض الكتب. ذهبنا مشياً على الأقدام، غير أننا سرنا في الاتجاه الخاطئ، سألنا بعض المواطنين الأمريكان عن المكتبة، أرشدونا إلى الطريق الصحيح. كان ذلك سبباً للتندر على جهلنا بالمكان. اشتريت بعض الكتب من بينها رواية "هوية" لميلان كونديرا. جلسنا في المقهى التابع للمكتبة. كانغ قليلة الكلام ولها ابتسامة خافتة ترتسم على وجهها باعتدال. غادرنا المقهى واتجهنا إلى موقف الحافلة، صعدنا إليها وعدنا إلى السكن الجامعي، وكان الوقت مساء.
2
في المساء، انزاح عن كاهلي حمل ثقيل. كان عليّ أن أشارك في ندوة حول "الأدب والهوية" في إحدى قاعات الجامعة، بالاشتراك مع بياتريس الألمانية، آيتي الأوغندية، وكانغ هان الكورية.
قدّمنا المداخلات أمام حشد غير كبير من الطلاب والطالبات. (كان ثمة عدد من الطلبة الفلسطينيين الدارسين في أيوا، وقد سررت لحضورهم) بعد الندوة، ذهبت صحبة كانغ وآيتي إلى مركز المدينة. شاهدنا فرقة من هنود جنوب أمريكا تعزف ألحانها في الساحة العامة. وجدنا الكاتبة التركية أرنديز التي تصغرني بعامين، تجلس على مقعد للاستماع إلى الفرقة. (تعمل طبيبة في مستشفى بمدينة استانبول، مطلقة ولها ابنة شابة. لديها نزعة نسوية، تكتب القصة القصيرة والرواية) جلسنا وتابعنا أنغام الفرقة، ثم تفرقنا كلٌّ في اتجاه: أرنديز عادت إلى السكن الجامعي، آيتي وكانغ ذهبتا للتمشي في شوارع المدينة، وأنا اتجهت إلى مكتبة بريري لايتس.
في تمام الثامنة، انعقدت ندوة في المكتبة لمناقشة كتاب حول البيئة لكاتب من أيوا، لم أفهم شيئاً مما قاله الكاتب لأنني كنت مرهقاً. جاءت آيتي وكانغ. جلستا في الصفوف الخلفية إلى أن انتهت الندوة، ثم عدنا جميعاً إلى السكن.
3
أعددت بعض الرسائل لإرسالها إلى الوطن.
أودعت الرسائل في مكتب البريد، ثم اتجهت أنا وكانغ وآيتي إلى معرض للفن التشكيلي في مركز المدينة. شاهدنا لوحات فنية ومنحوتات من خشب وحجر.
بعد المعرض، ذهبنا إلى سوبرماركت لشراء ساعات منبهة. اشتريت ساعة بأربعة دولارات. رجعنا إلى السكن الجامعي ونحن نشعر بأننا عدنا تلاميذ صغاراً يؤوبون إلى بيوتهم بعد انتهاء اليوم المدرسي. (كانغ أكدت لي ذلك غير مرة، قالت، يتلبسها إحساس بأنها عادت طفلة صغيرة تذهب كل يوم إلى المدرسة!)
لم ترن الساعة في الصباح، (سأعيدها إلى البائعة وأشتري ساعة أخرى أفضل منها) لكنني نهضت في الثامنة والربع.
ذهبت للتسوق مع عدد من الزملاء والزميلات. ذهبنا في سيارة فورد. نتحدث الانجليزية بلكنات متباينة، ذكّرتني ببرنامج تلفزيوني كوميدي شاهدته في زمن مضى، اسمه "مدرسة اللغات". اشتريت فواكه وخضروات ولحوماً، وزجاجة عصير.
قبل أن أتناول طعام الغداء، قرأت مدة ساعة في كتاب للمخرج السويدي إنغمار بيرغمان.
4
تهيأت للذهاب إلى ورشة الترجمة. وجدت ورقة تمّ قذفها من تحت الباب. إنها قصيدة كتبتها كانغ باللغة الكورية، ثم ترجمتها إلى اللغة الإنجليزية لكي أتمكن من قراءتها. (عرفت فيما بعد أنها جاءت ودقت على باب غرفتي ولم أسمعها، قذفت القصيدة من تحت الباب، ثم ذهبت إلى ورشة الترجمة)
ركبت الحافلة ووصلت الجامعة في الوقت المحدد: الثانية والنصف بعد الظهر. التقيت الطالبة التي تعرف العربية وسوف تساعدني في الترجمة، اسمها إليزابيث، لها صوت ناعم خافت إلى حد ما، يغلف الخجل كلامها وحركاتها، ويمكن اكتشاف ذلك من اللحظة الأولى. اكتشفتُ كذلك (ما دمت معنياً بالاكتشافات إلى هذا الحد) أنها لا تعرف سوى القليل جداً من اللغة العربية، على رغم أنها تلقت دروساً فيها مدة عام، غير أنها، لقلة الاستعمال، أوشكت على نسيانها.
عدت إلى السكن الجامعي، ولم أطق البقاء في الغرفة. غادرت السكن من جديد لحضور ندوة في مكتبة بريري لايتس. وجدت الكاتب الفيتنامي هاي والكاتب البورمي مينت، يتأهبان للذهاب إلى المكان نفسه، ذهبنا معاً سيراً على الأقدام
5
وجدت ورقة تحت باب غرفتي. إنها من كانغ، فيها ترجمة إلى اللغة الكورية لواحدة من قصصي القصيرة جداً عنوانها "رحلة". قرعتُ باب غرفتها في الثانية عشرة ظهراً، وجدتها ما زالت هناك، اتفقت معها على الذهاب إلى معرض الفنون في الساعة الثانية.
المعرض لا يبعد كثيراً من السكن الجامعي، والطقس صيفي حار. في المعرض لوحات فنية لرسامين أمريكان ولرسامين من بلدان أخرى، فيه تماثيل من إفريقيا وأمريكا اللاتينية. أعجبتني لوحات رسام وشاعر أمريكي هو: والدين كين، فيها تجريد محبب، رسمها في الأربعينيات والخمسينيات من القرن العشرين، ثم يبدو أنه انتحر، إذ لم يعثر أحد على جثته.
غادرنا المبنى الكبير. كنا متعبين من كثرة التجوال في صالات المعرض. استلقيت على الحشائش الخضراء في الفسحة المحاذية للنهر طلباً لشيء من الراحة، اكتفت كانغ بالجلوس إلى جواري، كانت هادئة ينمّ كلامها عن طيبة مفرطة.
ثرثرنا بما فيه الكفاية، ثم انطلقنا إلى مكتبة بريري لايتس. تركتُ كانغ تبحث عن كتاب للرحلات الداخلية في مدن أمريكا، وذهبتُ إلى محطة الحافلات. حجزتُ مقعداً للسفر إلى شيكاغو في الساعة الحادية عشرة من صباح الأحد، ثم عدت إلى المكتبة. وجدت كانغ ما زالت تبحث عن كتب، توقفتْ عن البحث وصعدت معي إلى المقهى التابع للمكتبة، شربنا شاياً ثم ذهبنا مسرعين إلى قاعة السينما التابعة للجامعة.
شاهدنا فيلماً يدلل على أن المصير الإنساني هش مربك!
الحافلات لا تعمل هذا اليوم في اتجاه السكن الجامعي بسبب العطلة. تهنا في الطريق، ثم اهتدينا إليها بعد استفسارات. الشوارع هنا متشابهة، وكذلك البيوت.
ودعت كانغ عند باب غرفتها، غير أنها طلبت مني الورقة التي ترجمتْ فيها قصتي، كي تعمل عليها أثناء غيابي. جاءت معي إلى غرفتي، قرأت لي القصة باللغة الكورية. شعرتُ بأن إيقاع الكلمات سلس، وبدت كما لو أنها تقرأ شعراً. أخذت الورقة وغادرتْ غرفتي بعد دقائق.
تمددت على السرير أتابع برنامجاً يبثه التلفاز عن التعذيب في بلدان العالم الثالث، غفوت أثناء ذلك. نهضت من غفوتي في حوالي الواحدة بعد منتصف الليل. هيأت حقيبتي للسفر، ثم حاولت النوم من جديد.
يتبع...2



#محمود_شقير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير16
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير15
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير14
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير13
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير12
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير11
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير10
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير9
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير8
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير7
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير6
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير5
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير4
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير3
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير2
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير1
- محمود شقير في ابنة خالتي كوندوليزا: تزامن ما لا يتزامن/ د. ا ...
- أدب الناشئة ودوره في تعزيز الرواية التاريخية والهوية الفلسطي ...
- توفيق زياد في ذكراه الثلاثين
- رشيد ونفيسة/ ست قصص قصيرة جدا


المزيد.....




- صدر حديثًا كتاب -سيرة الأزبكية- للدكتور وائل إبراهيم الدسوقي ...
- كونان أوبراين يستعد لتقديم حفل توزيع جوائز الأوسكار الـ97
- سامانثا هارفي الفائزة بجائزة بوكر تروي رحلتها الأدبية إلى ال ...
- الاستلزام الحواري.. أحد أبرز معالم النظرية التداولية
- بين الأنقاض شابة من غزة تنتزع حق النازحات في التعليم والمرح ...
- رحلة مؤلف -الخبز الحافي- الذي صدمت واقعيته الأدب العربي
- الممثلة التونسية درة: -وين صرنا- يسلط الضوء على الإبادة المس ...
- أغنية -عمي تبون- لمغني الراب الجزائري لطفي دوبل كانون تثير ا ...
- -أسد الصحراء- وإحياء إرث مصطفى العقاد في ندوة بمهرجان القاهر ...
- مسلسل silo الموسم الثاني الحلقة الأولى 1 مترجمة بجودة عالية. ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - زميلتي الكورية هان كانغ الفائزة بجائزة نوبل للآداب/1