أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد ماجلوار - الأوروبيون طبقاً لهنري جيمس















المزيد.....

الأوروبيون طبقاً لهنري جيمس


أحمد ماجلوار
كاتب

(Magloire)


الحوار المتمدن-العدد: 8157 - 2024 / 11 / 10 - 22:29
المحور: الادب والفن
    


من مصر جذب حبي وانتباهي ولهفتي، الكتاب المتجهون شمالاً عبر المتوسط، طه حسين، توفيق الحكيم، حسين فوزي، ثروت عكاشة، لويس عوض. ومن أمريكا، نال احترمي واهتمامي ودراستي الكتاب المتجهون شرقاً عبر الأطلنطي، بول أوستر، هيمنجواي، هنري ميللر.
واما من روسيا، فلم يعجبني سوي اولئك الذين هاجروا غرباً إلي داخل القارة العجوز، نابوكوف و تورجينييف.
إذن، هي أوروبا !! أوروبا هي "المرسي" علي رأي الفيلسوف الفرنسي "برونو لاتور".
فبينما دار الأدب المصري التقليدي حول موضوعات شرف الفقر. والأمريكي حول المغامرة. والروسي حول إنسانية أو لا إنسانية القدر. ظل الأدب الأوروبي وحيداً وحصرياً حول موضوع "الأسلوب".
و يالها من كلمة. شائهة المعني في اللغة العربية. لا تكاد تجد لها تفصيلاً أو دراسة، إلا ربما لدي طه حسين حين يتحدث عن "الرفعة" .
إلا إنها واحدة من أخطر الكلمات في اللغة الإنجليزية. ستايل. إنها واحدة من تلك الكلمات النادرة التي تطوي بداخلها كل معاني الجمال والإرتقاء.
هنري جيمس، إن لم يكن أكثر الأمريكيين قاطبة أوروبية، فهو إذن محض أوروبي بحت، بحكم الجنسية الإنجليزية التي نالها في آخر سنة من حياته، بعد فترات إقامتة الطويلة في أوروبا. وبذلك يكون واحداً من قلائل في ذلك النادي الفكري الأدبي الذي جمع بين ضفتيّ الأطلنطي.
وفي رائعته الصغيرة "الاوروبيون" قدم هنري جيمس تحقيقاً قصيراً لفن الأسلوب الشخصي، او بمعني آخر : درس قصير في السلوك. أو "الإيتيكيت".
هناك فكرة في النقد الأدبي رائدها أستاذ جامعة كولومبيا اليهودي فريدرك دوبي -وهو متخصص في هنري جيمس بالمناسبة- تقصد إلي العناية بالأعمال الهامشية للكتاب المهمين، ليس أعمالهم الرئيسية أو "العظيمة" أو الناجحة، بل الأعمال الأخري، الأقل في كل شئ، تلك الروايات الأولي، أو الأخيرة أحياناً، أو المجموعات القصصية المنسية، او المسرحيات القديمة.
هذه الأعمال الأقل تعرضاً للضوء بطبيعة الحال، تحوي ما يشحذ نزعة النقاد المشتعلة إلي الأستخراج.
و "الأوروبيون" ليست ضمن أعمال هنري جيمس العظيمة او المعروفة في كل مكان، مثل صورة بورتريه لسيدة، أو جناحيّ اليمامة، إلخ. إنها هامش يمكن اعتباره هامش تجريبي. إنها رواية لم تحظ بأي نجاح تقريباً. ولم يشر إليها أحد في أي مكان، كما يحدث عادة بحسب العادات وطبائع الأمور.
لهذا كانت لقراءتها واكتشاف موضوعها وقع المفاجأة السار.
إنها، كلها، حملة توكيد و استنفار واستعراض لأسلوبية أوروبا، ولوقع تلك الأسلوبية العالية علي الحياة الرعوية الأمريكية.
إنها ذلك الأنفجار الذي يحدثه وصول شخص رفيع المقام إلي مجتمع تقليدي مغلق.
لرجل المال الأمريكي، مجري الأصل، الفيلسوف، جورج صورص، فكرة تصنيفية بالغة التجريد عن المجتمعات البشرية، وهي انه هناك مجتمعات مفتوحة، واخري مغلقة.
ليس لدي احد من شك ان "أوروبا" هي اكثر المجتمعات المفتوحة انفتاحاً. "اوروبا" حيث تهب رياح الحرية.
اختار جيمس أن تكون محور روايته شخصية البارونة المدام مونستير، القادمة من اوروبا، شخصية من الطبقة الراقية. لكنها اختار أيضاً ان يضع لها جذوراً امريكية عادية، وأن يجعلها بارونة فقط بالزواج المرغنطي من أمير أوروبي.
وهذه إشارة انك لا تحتاج ان تولد أميراً لكي تمتلك أسلوباً.
إن كل ما تقوله البارونة مثير!
عندما قال لها أخيها : يا أختي العزيزة، السكان فاتنون!
قالت سائلة : بأي أسلوب؟
إنها واضحة، صريحة، جادة، حاسمة، ساخرة، تلك السخرية العالية.
إنها تسأل العائلة بابتسامة جميلة: هل أنا محقة في القدوم إليكم ؟
إنها تحقيق لفكرة انه عندما تفتح فمك للحديث، فأنه ليس فقط لديك شئ ما لتقوله، وإنما "كيف" تقوله. هذه هي رسالة الرواية.
كانت جرترود، الفتاة الريفية، منهمكة في دراسة مسألة كيف ان يوجينيا – المدام مونستير- رغم عدم اهتمامها وقلة انتباها، استطاعت ان تتحلي بذلك الأسلوب الفاتن. كان ذلك هو الأسلوب الذي تمنت جرترود أن تتحلي به، فقررت أن تطوره.
يمكن لكل إنسان ان يخلق لنفسه اسلوباً. هذا ما تود الرواية أن تقوله.
والأسلوبية لا تعني أن تكون بعيداً عن صعاب الحياة، وإلا كانت فكراً حصرياً علي الواحد في المائة والملكيات، وإنما هي نبل احتمالك لهذه المصاعب وعدم تركها لتتغلب عليك.
إنها الرأس فوق خط الأمواج دائماً. رفعة ان تسير وانت تحمل ندبة. ليس فقط المسير ولكن.. الأزدهار. نعم، هذا ممكن.
كل حين لا بد وان تلسع البارونة برقة جملة أسلوبية ساطعة. حيث لا إثارة في الكلام العادي بطبيعة الحال. فهي مثلاً تقول لأحد أقاربهم من أرستقراطيي الريف: مهنة الراحة المفرطة!
أو حين قال لها : اننا جميعاً معجبون جداً بك.
فردت قائلة: ليس هذا سبباً. أنا أيضاً محط الإعجاب في أوروبا.
تهتم يوجينيا بكل تفاصيل الجمال، وتقدر كل جميل. انظر ماذا فعلت بمنزل الضيافة في ضيعة أقاربها حين مكثت فيه.
خلق الجمال. الإصرار علي الجمال.
اكتب هذه السطور، بينما يتجسد أمامي دون كيشوت ذاته. رجل أحمق ممسك بسيف، ويحارب شجرة. الشجرة في جزيرة طريق عريضة خضراء. إنه يطقع فروعها، يجذبها للأرض ثم يضربها بسيفه ضرباً عشوائياً مؤسفاً. صوت ارتطام السيف بخشب الشجرة العتيق.
أحاول التفاهم معه فأكتشف انه يتبع السطة البلدية، وانه يري في تقليم الشجرة بهذه الطريقة المتوحشة الجائرة فائدة ودفع ضرر.
أرجوه أن يرحم الشجرة وألا يقتلها تماماً.
"إنها لا زالت تتنفس" كما قال جو بيشي في فيلم "كازينو". لماذا نفعل هذا بأنفسنا ؟
لا يفعل بنا أحد ذلك، وإنما نفعله بأنفسنا.
كم اتمني لو يقرأ كل إنسان في مصر هذه الرواية.
هل توجد رواية مصرية عن الأسلوب والسلوك؟
هناك في مصر تراثاً عظيماً للأسلوبية، ربما ليس مكتوباً بالكامل، لم يستخرج بعد، ولم تكتشفه الأجيال الجديدة بعد. وأكرر دائماً، اننا في مصر، غير كل البلدان الأخري، الزاهرة منها والمعتمة، المنغلقة والمفتوحة، راقدون علي كنز. فمتي نقرر استخراج هذا الكنز. ومتي نقرر استعماله.
هذا هو السؤال.
وحين نتكلم عن الأوروبيون من وجهة نظر هنري جيمس، فإن ما نتكلم عنه حقاً، بعطف، وحب، وإشفاق، هم المصريون. فإن أوروبا، بكل ما في الكلمة، وما وراء الكلمة من معان، هي مصر.



#أحمد_ماجلوار (هاشتاغ)       Magloire#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مع السلامة: في رثاء بول أوستر
- (مدار السرطان دائماً وأبداً): إعادة زيارة هنري ميللر
- (Pnin) البروفيسور المتأخر: مقدمة إلي حياة نابوكوف وأدبه.
- ملاحظة علي حياة د.اليكس جورج العامة وكتابه عِش جيداً كل يوم
- إدوارد لويس


المزيد.....




- مصر.. الشاب المصفوع من قبل عمرو دياب يعلق على قرار إحالة -ال ...
- مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 26 مترجمة بجودة hd قصة عشق
- -نيويورك بوست-: تأجيل إصدار الحكم بحق ترامب في تهم صمت الممث ...
- مصر.. إحالة الفنان عمرو دياب إلى المحاكمة العاجلة
- الروائي الفائز بكتارا يوسف حسين: الكتابة تصف ما لا تكشفه الص ...
- الموسيقى تواجه أصوات الحرب في غزة
- بسبب المرسوم 54.. عمران: رقابة السلطة تكبل الكاريكاتير في تو ...
- أشبه بالأفلام.. هروب 43 قردًا من منشأة أبحاث والشرطة تحاول ا ...
- 50 دولة تشارك في المهرجان السينمائي الطلابي الدولي الـ44 في ...
- فرح قاسم: فيلم -نحن في الداخل- وثائقي شخصي عن الحب والوداع ب ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد ماجلوار - الأوروبيون طبقاً لهنري جيمس