|
المعركة الوجودية بين الحضارية الشرقية العربية والوحشية الغربية اليهودية
جورج حداد
الحوار المتمدن-العدد: 8153 - 2024 / 11 / 6 - 11:15
المحور:
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
في جميع الحروب العربية ــ "الاسرائيلية"، التي وقعت بعد قيام "دولة اسرائيل"، بما في ذلك "حرب التحريك" الاميركية في اكتوبر-تشرين الاول 1973، وحرب تموز المظفرة في لبنان في 2006، كانت المعارك تجري خارج حدود اراضي "الدولة الاسرائيلية" المعترف بها دوليا. وجاءت العملية البطولية في 7 اكتوبر-تشرين الاول 2023، التي قامت بها المقاومة الفلسطينية بقيادة "حماس" في غزة، وكسرت تلك القاعدة، وأدخلت تحولا نوعيا في نمط الحروب العربية ــ "الاسرائيلية"، إذ انها جرت ـ لاول مرة ــ داخل حدود "اسرائيل". واذا كانت "حرب تموز 2006" اللبنانية قد انهت "زمن الهزائم" العربية، ودشنت "زمن الانتصارات" على ايدي ابطال المقاومة الاسلامية بقيادة حزب الله، وعلى رأسه القائد التاريخي العربي الاوحد منذ مئات السنين الشهيد السيد حسن نصرالله، فإن "حرب اكتوبر 2023" الغزاوية ــ الفلسطينية ــ اللبنانية، المستمرة الى اليوم، زعزعت كليا الكيان "الاسرائيلي"، وطرحت على بساط البحث ليس فقط مسألة "شرعية" وجود هذا الكيان الاغتصابي الاستعماري، بل ومسألة وجوده بحد ذاته، وعدم امكانية استمرار هذا الوجود. ومن هذه النقطة المفصلية يتأكد يوما بعد يوم ان المعركة الدائرة الحالية، التي انطلقت شرارتها الاولى في العملية البطولية للمقاومة الفلسطينية في 7 اكتوبر 2023، ولا زالت مستمرة الى اليوم، وتزداد استعارا واتساعا، والتي حملت اسم "طوفان الاقصى"، ليست حربا بين الحروب العربية ــ الاسرائيلية، بل هي معركة وجودية ــ مصيرية بين محور المقاومة، بقيادة "الاممية الثورية الاسلامية الشيعية"، وشعوب الامة العربية قاطبة، والبلدان والشعوب المناضلة لاجل التحرر الانساني، من جهة، وبين النظام الامبريالي العالمي، الاميركي ــ الاوروبي الغربي ــ اليهودي، والانظمة والطوابير الخامسة العربية والاقليمية والاسلامية، المرتبطة به او "المتحالفة" معه، من الجهة الاخرى. وهذه الحرب هي قاسية وصعبة جدا وطويلة، لان الهيمنة الاستعمارية ــ الامبريالية الغربية ــ اليهودية على الشرق خصوصا، والعالم عموما، ترتبط بوجود الوضعية الجيوسياسية والجيوستراتيجية العالميةthe international, geopolitical and geostrategic conjuncture ، المستمرة، والتي اكتسبت قوة استمرار وجودها، وتجديد واعادة انتاج نفسها، في مختلف المراحل التاريخية منذ 2170 سنة، اي منذ حصار الغزاة المتوحشين الرومان لقرطاجة العظيمة، وتدميرها تدميرا كاملا في 149 ــ 146 ق.م. وهذا الواقع التاريخي يقتضي إلقاء نظرة تحليلية على الوضعية الجيوسياسية ــ الجيوستراتيجية العالمية، في خلفيتها التاريخية، كمقدمة شرطية للبحث في امكانية الانتصار على اسرائيل، وعلى النظام الامبريالي العالمي: الاميركي ــ اليهودي ــ الاوروبي الغربي، الذي يدعمها بكل قواه، عسكريا واقتصاديا وسياسيا واعلاميا و"قانونيا" و"ثقافيا". وهذا ما نحاول مقاربته في ما يلي: الحضارة والوحشية الحيوانية منذ الايام، بل منذ الساعات الاولى لحرب "طوفان الاقصى" رفع القادة الاسرائيليون امام وسائل الاعلام العالمية قاطبة، وفي الامم المتحدة، وفي الكونغرس الاميركي، شعار "الحضارة الغربية ــ اليهودية"، قائلين ان الفلسطينيين العرب (ومن ثم كل العرب) هم لا اكثر من "حيوانات"، وانه يجري التعامل معهم على هذا الاساس، على حد تعبير مجرم الحرب غالانت ــ وزير الدفاع الاسرائيلي. و"على هذا الاساس" باشر الجيش الاسرائيلي "الاكثر اخلاقية في العالم" (حسب تعبير السفاح نتنياهو)، في تنفيذ مخطط الابادة الجماعية genocide المنهجية ضد الاطفال والنساء والمدنيين العزل الفلسطينيين في غزة، بقصد اجبار الغزاويين (وغالبيتهم هم لاجئون نازحون من الاراضي الفلسطينية المحتلة في 1948) على النزوح مرة اخرى الى صحراء سيناء. ولهذه الغاية "الحضارية" فُرض الحصار ومنع الغذاء والماء والدواء والوقود والكهرباء عن غزة، ودمرت كل البنى التحتية والمستشفيات والمدارس والمرافق العامة واكثر من 75% من المباني السكنية والخدماتية، لجعل غزة غير صالحة للسكن. وكل ذلك امام الصمت المريب والمتواطئ لجميع حكومات العالم الغربي "فائق الحضارة!". وعلى خلفية هذه اللوحة التراجيدية الدموية شديدة البشاعة، سقطت كل اقنعة "الحضارة!" الاستعمارية الغربية ــ اليهودية، وقفز السفاح نتنياهو فوق اشلاء الوف والوف الاطفال والنساء والمدنيين المجوّعين، وقام بزيارة الكونغرس الاميركي (قدس اقداس "الدمقراطية!" الاميركية)، وألقى كلمة قال فيها ان "اسرائيل هي القلعة المتقدمة للحضارة الغربية!"، وانها تقاتل دفاعا عن هذه "الحضارة" ضد "الحيوانية" الفلسطينية والعربية والاسلامية والشرقية. وطلب منح "اسرائيل" الاسلحة والمساعدات كي "تنجز المهمة!"، اي مهمة القضاء على المقاومة الفلسطينية واللبنانية والعربية والاسلامية. وقد صفق له الكونغرسمانيون الاميركيون "المتحضّرون جدا"، واقفين، اكثر من 50 مرة. وبعد ذلك حضر السفاح نتنياهو اجتماعا للجمعية العمومية للامم المتحدة، ورفع امام ممثلي جميع دول العالم خرائط قال انها لـ"الشرق الاوسط الجديد" الذي تقاتل "اسرائيل" لنشر "الحضارة الغربية" فيه، مدعومة من اميركا، والذي ستقوم في قلبه "اسرائيل الكبرى من الفرات الى النيل"، كما جاء في "وعد الله" لــ"شعبه المختار!"، قبل "وعد بلفور" بألوف السنين. وهذه الديماغوجيا تقتضي تذكير المجتمع الدولي، المسمّم بثقافة "التفوق الحضاري" اليهودي ــ الغربي، بأصول الحضارة الانسانية التي انطلقت من الشرق عموما، والشرق العربي ــ الاسلامي خصوصا. الشرق: أم الحضارة وأبوها
1ــ المهد التاريخي الاول للحضارة الانسانية: ان ما نسميه اليوم "العالم العربي" او "الوطن العربي الكبير" وجواره الاقرب: بلاد فارس، واسيا الصغرى (التركية حاليا، والاغريقية ــ الارمنية تاريخيا، والتي اغتصبها الاتراك والاكراد)، واليونان، وشبه جزيرة البلقان واوروبا الشرقية، ــ هذه الرقعة الجغرافية المترابطة، الشاسعة، متعددة الشعوب والاقوام القديمة، متنوعة الطبيعة الجغرافية، التي يحدها محيطان: الاطلسي والهندي، ويقع في وسطها حوض البحر الابيض المتوسط العظيم، الذي تحتل هذه المنطقة كامل الجزء الشرقي والجنوبي منه، ــ هذه المنطقة هي المهد التاريخي الاول للحضارة الانسانية؛ وكانت، ولا زالت، اهم منطقة جغرافية، حضاريا، اتنوغرافيا، مواصلاتيا، اقتصاديا، سياسيا، وستراتيجيا، في العالم القديم، والمعاصر، في ما قبل التاريخ المكتوب، وفي التاريخ القديم، والمتوسط، والحديث والمعاصر. في الشرق اكتشف الانسان نفسه كانسان! 0 *ـ ففي هذه المنطقة فإن الانسان الاول "اكتشف نفسه كانسان"، فبطلت عادة "اكل لحوم البشر" منذ عشرات الوف السنين. تقول المرويات التاريخية، انه عثر في "مغارة انطلياس" في شمال بيروت على جرار فخارية وجدت فيها عظام هياكل بشرية "مدفونة" بشكل متقوقع كوضعية الجنين في احشاء امه. ويفسر العلماء ذلك بأنه منذ ذلك الزمن السحيق بدأ هذا "الانسان الشرقي" ("الشرق اوسطي" في القاموس الغربي المعاصر) يبجّل موتاه و"يدفنهم" بكل عناية واحترام. وهذا في حين انه في اوروبا الشمالية، مثلا، لم توجد اية مقابر لما قبل وصول المسيحية اليها، وبقيت عادة اكل لحوم البشر بما في ذلك الاموات حتى وصول المسيحية الى تلك المناطق في القرون المتوسطة المبكرة. وليس بدون مدلول تاريخي ان الفكر الديني الشرقي، المسيحي والاسلامي، مَوْضَع الجنة في عدن (الشرقية العربية). الأسس الشرقية للبناء الحضاري للعالم 0*ـ وفي هذه المنطقة اكتشف الانسان: ــــ توليد النار، وهو ما مثل ثورة في النمط الغذائي وتعدد الانواع الغذائية وامكانية التدفئة ومكافحة الحشرات والزواحف الضارة والسامة والحيوانات المفترسة، اي مثّل ثورة حقيقية في حياة الانسان الفرد ونموه الجسدي ــ العضلي والدماغي ــ العقلي، كما في حياة الجماعات البشرية؛ ــــ تطويع العالم النباتي وممارسة الزراعة وتدجين المحاصيل والاشجار؛ ــــ تطويع العالم الحيواني وتدجين الحيوانات الاليفة وتربية الماشية والطيور والاسماك؛ ــــ اختراع الدولاب الذي مثل ــ بعد توليد النار ــ ثورة مجتمعية ثانية في المواصلات والصناعات الحرفية والزراعة والبناء الخ؛ ــــ الاكتشاف المتتابع للمعادن التي نقلت المجتمع البشري من مرحلة العصر الحجري الى "العصور الحديثة!". 0*ـ وفي هذه المنطقة ابتكرت الكتابة، في البدء "الهيروغليفية" التصويرية، و"المسمارية" العددية ــ التجريدية، واخيرا "الابجدية" التصويرية ــ التجريدية ــ الرمزية ــ الصوتية؛ 0*ـ وكانت الكتابة في البداية نقشا على الحجر والصخر، ثم على طين الآجر وشويه، ثم على جلود الحيوانات المدبوغة، ثم على ورق البردى قبل اكتشاف الورق؛ 0*ـ وفي هذه المنطقة وضع "السلم الموسيقي"، واصول التراتيل والغناء، وقواعد الرقص الطقوسي ــ الديني (في البداية: الوثني، ثم الروحاني) ثم الفولكلوري والتعبيري؛ 0*ـ ووضعت ابجديات علوم الرياضيات والجبر، والفيزياء والكيمياء، والهندسة والبناء (السكني والمـُدني)، والفلك، والتوقيت الزمني، والملاحة والإبحار؛ 0*ـ وظهرت فنون الرسم والنحت، وعلوم الكلام والكتابة والشعر والادب، والمنطق والجدل، وعلم الاجتماع والسياسة؛ والجماليات والاخلاقيات؛ 0*ـ وتوج كل ذلك بظهور الفلسفة، والتفكير الميتافيزيقي (في ما وراء الطبيعة)، وظهور الاديان: اولا الاديان "المادية الطبيعية" ــ الوثنية، ثم الاديان "الماورائية" "السماوية" الروحانية. 0 *ـ وفي هذه المنطقة اكتشفت "ضرورة" تنظيم المجتمع في مؤسسة الدولة، القائمة فوق العلاقات والاعراف "الضيقة": العائلية والعشائرية والقبائلية والجهوية، وصيغت اولى القوانين والشرائع الاساسية، وأنشئ القضاء والمؤسسات العامة، ونظمت العلاقات بين الحكام والمحكومين، وبين مختلف الدول والشعوب والاقوام. 0 *ـ وكانت هذه المنطقة مركز التواصل والتلاقي والتفاعل بين جميع مجتمعات وحضارات العالم القديم: من "العالم الهندي" و"العالم الصيني" في الشرق الاقصى، الى بلاد فارس، الى وادي النيل وشمال افريقيا، الى كافة قبائل وشعوب افريقيا السمراء، الى اليونانيين والسلافيين في شبه جزيرة البلقان واوروبا الشرقية، والى مختلف المجتمعات اللاتينية والانغلوساكسونية والسكندينافية في اوروبا الجنوبية والغربية والشمالية. 2ــ الامة العربية: ظاهرة حضارية ــ ثقافية ومن ابرز النتاجات المجتمعية الحضارية لتلك المرحلة هو ظهور الامة العربية. ان الكثير من المؤرخين السطحيين، الشوفينيين العرب و"الاسلامويين"، يرجعون ظهور الامة العربية فقط الى الفتح العربي ــ الاسلامي. ونلخص تلك الاراء السطحية في قولين: الاول ــ القول ان الشعوب العربية المعاصرة هي امتداد لقبائل شبه الجزيرة العربية التي انتشرت مع "الفتح" في العراق، وسوريا الطبيعية، ووادي النيل، وليبيا وشمالي افريقيا. وهذا القول يعجز عن الاجابة عن السؤال: اذن اين "تبخرت" الشعوب العريقة التي كانت توجد في كل هذه المناطق، قبل "الفتح"، وكانت شعوبا متحضرة، ذات تاريخ عريق ومجتمعات ودول مرموقة، وارقى بكثير من قبائل شبه الجزيرة العربية؟ والثاني ــ القول ان ظهور الامة العربية هو نتاج لتبني "الدين الاسلامي" بوصفه "دينا عربيا"، والنبي (ص) هو نبي عربي، والقرآن الكريم ككتاب سماوي أنزل باللغة العربية. ولكن هذا القول يعجز عن تفسير الواقع المفصلي التالي: ان الشعوب العربية هي اقلية ضمن الشعوب الاسلامية، فلماذا تعربت الشعوب التي تشكلت منها الامة العربية فقط، دون سائر الشعوب والامم، والاجزاء من الشعوب والامم، التي تبنت الدين الاسلامي الحنيف على النطاق العالمي؟ كما يعجز عن ايجاد الاجابة المنطقية المقنعة عن واقع ان ملايين المواطنين "العرب" في العراق وسوريا الطبيعية ومصر قد حافظوا على ديانتهم المسيحية التي كان عليها اجدادهم قبل "الفتح" العربي ــ الاسلامي. فهل ان هؤلاء المواطنين المسيحيين من ابناء البلاد الاصليين هم "عرب"؟ ام ان لهم "قومية" او "قوميات" اخرى غير عربية؟ ام انهم هم "العرب"، والمسلمون العرب هم "مسلمون" وحسب اي غير عرب؟ كما ان هذا المفهوم السطحي "الاسلاموي" للعروبة، على الفاعدة الدينية، يفتح الباب للاعتراف بـ"القومية اليهودية" على الطريقة الدينية ــ التوراتية او العلمانية ــ الصهيونية. وفي رأينا المتواضع انه في "منطقتنا" الشرقية، التي هي قلب العالم القديم (والمعاصر!)، كان التواصل والتفاعل بين الشعوب والحضارات الاقدم في العالم: في وادي النيل وافريقيا الشمالية، وسوريا الطبيعية، وما بين النهرين، واليمن وشبه الجزيرة العربية. وهذا التواصل الحياتي والتفاعل الحضاري بالتحديد، بين هذه الشعوب، هو الذي تمخض تاريخيا عن بروز ظاهرة "الامة العربية". ولا شك ان عوامل: ـــ النسب العشائري، او الاقوامي، ـــ والانتماء العنصري، ـــ واخيرا الانتماء الديني والمذهبي... اسهمت في نشوء الامة العربية وبوتقتها وبلورتها. ولكن هذه العوامل كانت عوامل ثانوية، وهامشية جدا؛ بل انها، في مراحل تاريخية عديدة ومناطق "عربية" مختلفة، كانت ــ ولا تزال الى الان !ــ تضطلع بدور سلبي في الوحدة القومية الحضارية للامة العربية. فالامة العربية تكونت ليس كمتحد انساني عنصري او جغرافي او ديني، بل كمحصلة تاريخية للتفاعل الشامل، الحضاري والحياتي والثقافي واللغوي، بين الشعوب والاقوام واتباع مختلف الديانات، القديمة، الذين تشكلت منهم في هذه الجغرافيا الواسعة والمتنوعة والغنية، وهم: العرب الحِمْيَريون اليمنيون، والعرب المستعربة في شبه الجزيرة العربية، والعرب الاقدمون: الكنعانيون، الاراميون، الفينيقيون، السريان والاشوريون في سوريا الطبيعية والعراق، والاقباط (المصريون)، والنوبيون والسودانيون، والبربر (الامازيغ) الليبيون والمغاربيون في شمالي افريقيا. وهذه هي الميزة الاهم، والاساسية، لـ"الامة العربية"، التي هي "ظاهرة حضارية ــ ثقافية"، قبل وفوق كونها ظاهرة "عنصرية" او "جنسية" او "قومية شوفينية" او "دينية" محددة. وهذا مع التأكيد على الدور الحضاري المميز الذي اضطلع به كل من الدين الاسلامي واللغة العربية المعاصرة (لغة القرآن الكريم) في بلورة ظاهرة "الامة العربية"، والدور المميز للاديرة المسيحية القديمة والتنويريين والنهضويين المسيحيين الشرقيين العرب، في حفظ "اللغة العربية"، حينما اراد المتسلطون الاكراد الايوبيون والمماليك والطورانيون العثمانيون ومن قبلهم السلاجقة وغيرهم ومن بعدهم "الاتراك الفتيان"، وعملوا على خنق اللغة العربية وطمسها كممر اولي نحو تهميش العرب والحط من مكانتهم واستبعادهم عن السلطة في "الدولة الاسلامية" التي كانوا هم آباءها ومؤسسيها، وتحويلهم الى مجرد "عبيد قرار" يعملون في الارض والحرف، تحت السياط، وينتزع منهم نتاج عملهم بالخراج والجزية والضرائب والرسوم. وبهذه الميزة التكوينية، "الحضارية ــ الثقافية"، قدمت "الامة العربية" للعالم اجمع النموذج المثالي، لما ينبغي ان تكون عليه العلاقات الانفتاحية فيما بين جميع شعوب وامم العالم، وفي داخل كل امة. وقد تعرضت الامة العربية لنكبة الانحطاط الحضاري بفعل عاملين سلبيين هما: الاول ــ هو الحملات العدوانية الاستعمارية الصليبية. والثاني ــ هو هيمنة الاقطاع العسكري والقوات المسلحة التابعة للاتنيات والجماعات "الاسلامية" غير العربية، المتخلفة والطائفية والعنصرية (السلاجقة والاكراد الايوبيين والمماليك والعثمانيين)، على الدولة الاسلامية. وقد استمرت مرحلة الانحطاط حتى سقوط السلطنة العثمانية في نهاية الحرب العالمية الاولى. ومهدت تلك المرحلة للسيطرة الاستعمارية الغربية الجديدة على البلاد العربية، ولاغتصاب فلسطين وانشاء الدولة "الاسرائيلية" اليهودية، الاستعمارية والعدوانية المتوحشة. الجذور التاريخية للوحشية الاستعمارية الغربية ــ اليهودية ان الجذور التاريخية للوحشية الاستعمارية الغربية ـــ اليهودية تعود الى اكثر من 1300 سنة قبل الحروب الصليبية (المسيحية الغربية الكاثوليكية) واكثر من 2150 سنة من اغتصاب فلسطين وانشاء "اسرائيل" (اليهودية)، كقوة اقتحام "غربية" متوحشة متقدمة، في قلب المنطقة الحضارية الشرقية ــ العربية الكبرى. اذ ان تلك الجذور تعود الى ما تسمى الحروب البونية (264 ــ 146ق.م)، بين روما وقرطاجة، التي انتهت بالاستباحة الكاملة والتدمير التام الوحشي لقرطاجة العظيمة، واحراقها بيتا بيتا، وتدميرها حجرا حجرا، وقتل حوالى نصف اهاليها الـ700 الف، اطفالا ونساء ورجالا وشيوخا، ذبحا وحرقا، وأسر واستعباد جميع الباقين. ان دولة قرطاجة ذات الحضارة الشرقية كانت، بدءا، اكبر واغنى واقوى وارقى من دولة روما التي طبعت "الغرب" بالوحشية الاستعمارية الغربية، التي بقيت سائدة الى اليوم. فلماذا استطاعت روما المتوحشة، الاكثر تخلفا، ان تنتصر على قرطاجة الحضارية، الارقى؟ تلك مسألة وجودية لا ينبغي تجاوزها بسطحية، بل يتوجب البحث فيها بعمق، على جميع علماء الاجتماع والتاريخ والسياسة، اللبنانيين والعرب والعالميين، الصادقين والمخلصين للعلم والمبادئ الانسانية الاساسية. ولكن هذه تبقى مسألة اخرى، ينبغي البحث فيها بشكل خاص. وما نريد تسليط الضوء عليه هنا هو التأكيد على الحضارية الشرقية ــ العربية، والوحشية الاستعمارية الغربية ــ اليهودية، التي دشنت بها دولة روما القديمة ظهورها على المسرح الجيوسياسي الدولي، والتي ورثتها عنها لاحقا جميع الدول الاستعمارية ــ الامبريالية الاوروبية الغربية (ومولودتها الاكبر: الولايات المتحدة الاميركية). ويكفي ان نعرض هنا المقارنة بين الواقعتين التاريخيتين التاليتين: الاولى ــ بعد ان اجتاز جيش البطل الكنعاني (الفينيقي) العظيم هاني بعل بركة جبال الالب العصية، ونزل في شبه الجزيرة الايطالية، دحر امامه كل القوات الرومانية التي واجهته. وكان تعداد جيش هاني بعل اقل من 50 الف مقاتل، بعد ان هلك قسم كبير من الجيش لدى اجتياز جبال الالب. وحينما اقترب هذا الجيش من مدينة روما، دب الذعر في المدينة، وتطايرت عبارة (هنيبعل على الابواب hanibal ad portas)، التي صارت الامهات الرومانيات تخوف بها ابناءهن المشاكسين. وقامت روما بالتعبئة العامة، وجندت اكثر من 100 الف مقاتل، اي ضعف عدد الجيش القرطاجي. وخرج الجيش الروماني الضخم والتقى مع الجيش القرطاجي في سهل كاناي، قريبا من روما، حيث دارت معركة طاحنة بين الجيشين. وكان ذلك سنة 216 ق.م. وبفضل قوة الشكيمة والتدريب العالي للجيش القرطاجي، والخطة العسكرية المميزة التي وضعها هاني بعل، وطبقها الجيش بنجاح (والتي لا تزال الى اليوم تدرّس في الاكاديميات العسكرية في مختلف بلدان العالم) سحق القرطاجيون الجيش الروماني الضخم الذي فقد في يوم واحد اكثر من 70 الف مقاتل بين قتيل وجريح، وأسر 20 الفا، واستطاعت الاقلية الفرار. وصارت روما بدون اي حماية، والطريق اليها مفتوحة. وتقدم قائد الفرسان في الجيش من هاني بعل وطلب منه اعطاء الامر للزحف على روما واستباحتها. ولكن هاني بعل رفض استباحة البيوت والاطفال والنساء والشيوخ والعزل في روما، وقال لقائد الفرسان "هذه مسألة تحتاج الى تفكير آخر!". واعطى الامر بالاستراحة وتقديم الطعام والشراب للجيش. ولا بد ان نذكر هنا انه كان لهاني بعل معلم ــ رفيق دائم اغريقي، رافقه في كل حروبه، علمه اللغة الاغريقية القديمة واطلعه على الفلسفة والفكر اليونانيين لسقراط وارسطو وزينون الفينيقي وغيرهم من الفلاسفة اليونانيين القدماء. وفي شبه الجزيرة الايطالية، وبعد كل انتصار على القوات الرومانية، كان هاني بعل يلتقي مع السكان الايطاليين المذعورين خارج روما، ويقول لهم: انا ما جئت لاستعبدكم، بل جئت لاحرركم من العبودية لروما. وطوال السنوات اللاحقة ظل جيش هاني بعل يطوف حول روما دون ان يقتحمها، لدفعها نحو الاستسلام "السلمي" وهو ما لم يحدث. وبمرور الوقت احتاج الجيش الى المؤن وتعزيز عديده، فأرسل هاني بعل اخاه "صدر بعل" الى قرطاجة لطلب المساعدة من مجلس الشيوخ القرطاجي. ولكن للاسف كان يسيطر على مجلس الشيوخ "الحزب الارستقراطي" بزعامة عائلة حنون، الذي كان يعارض الحرب مع روما، ويرى ان روما لا تشكل خطرا على قرطاجة، ويتهم "الحزب الشعبي" بقيادة عائلة بركة بأنه "يستفز" روما ويجر قرطاجة الى حرب "غير مبررة" معها. وقد رفض مجلس الشيوخ القرطاجي تقديم اي مساعدة لجيش هاني بعل، بحجة خيانية معهَّرة، قالوا فيها: ليتحمل هنيبعل مسؤولية "حربه"، وانه اذا كان ينتصر فهو لا يحتاج الى المساعدة، واذا لم يكن ينتصر فهو لا يستحق المساعدة!!! (وهو اشبه اليوم بموقف الانظمة العربية المطبّعة مع اسرائيل، والقطاع المعادي للمقاومة في لبنان بحجة "السيادة اللبنانية" و"سياسة النأي بالنفس" و"الحياد"). وفي البعد التاريخي كان هذا الموقف لمجلس الشيوخ الارستقراطي القرطاجي بمثابة حكم بالموت على قرطاجة، بمن فيها افراد عائلات الحزب الارستقراطي الذين تحول رجالهم ونساؤهم الى عبيد وجواري عند الرومانيين، كما جميع الاسرى القرطاجيين. والثانية ــ انه بعد هزيمة الجيش القرطاجي بقيادة هاني بعل في معركة زاما (على الحدود التونسية ــ الجزائرية الحالية) في 202 ق.م، وقَّعت قرطاجة مع روما اتفاقية صلح مذلة، فُرض فيها عليها دفع "تعويضات حرب" هائلة لعشرات السنين. وكان في اعتقاد القيادة الرومانية ان قرطاجة لن تقوى على دفع تلك التعويضات مما يسمح لروما باحتلال قرطاجة احتلالا مباشرا واستعباد اهلها. ولكن لم تكد تمضي 50 سنة حتى تمكنت قرطاجة من دفع جميع التعويضات المفروضة عليها، قبل اوانها، وطلبت رفع القيود عنها. وكان في قرطاجة حينذاك حزبان: ـــ الحزب الشعبي المعارض لروما والداعي للاستعداد من جديد للحرب. ـــ والحزب الارستقراطي الداعي للتعاون مع روما، بعد دفع "التعويضات". وقد لفتت سرعة قرطاجة في ايفاء "التعويضات" المفروضة عليها انتباه السيناتور الروماني العجوز "كاتون الكبير"، فسافر الى قرطاجة في 150 ق.م للاطلاع على احوالها، فوجدها تتطور اقتصاديا بسرعة كبيرة، تتفوق فيها على روما. فحمل معه كيسا من ثمار التين النضرة والشهية، وعاد من قرطاجة الى روما، وطلب اجتماع اعضاء مجلس الشيوخ (السيناتورات) الروماني، وطرح امامهم ثمار التين القرطاجية، سائلا اياهم: هل توجد في روما ثمار بهذه الجودة والنضارة والشهية؟ فإجابوا بالنفي. فطلب منهم الموافقة على مشروع قرار لخصه بعبارته الشهيرة: "قرطاجة يجب ان تدمر Delenda est Carthago". وبعد ان وافق مجلس الشيوخ على القرار (انها "الدمقراطية الغربية!" لمن يهمه الامر) تم تجهيز الجيش الروماني وارساله الى افريقيا الشمالية للقضاء على قرطاجة. وفرض الجيش الروماني الحصار على قرطاجة لمدة ثلاث سنوات كاملة (149 ــ 146 ق.م) بمعاونة المملكة البربرية (الامازيغية) المجاورة، التي كانت، منذ معركة زاما، قد تخلت عن تحالفها التاريخي مع قرطاجة، وانضمت الى روما، على امل الحصول على مكاسب والتوسع على حساب قرطاجة. وبعد ثلاث سنوات من الحصار الشديد والتجويع، بدأ الهجوم الروماني الاخير لاقتحام قرطاجة، التي قاومت ببسالة الغزاة الرومان. وتقول المرويات ان القرطاجيين جهزوا 30 سفينة في المرفأ وجمعوا النساء والاطفال لترحيلهم الى مدينة صور. وكان الجنرال الروماني "سكيبيون" يقف على مرتفع يراقب سير الهجوم. فتقدم قائد المقاومة القرطاجية "صدر بعل" قبالته، وانحنى باحترام انحناءة المحارب، ووضع سيفه على الارض، وطلب الرحمة للاطفال والنساء والسماح لهم بالخروج، والابحار الى مدينة صور، مقابل فتح ابواب قرطاجة بدون قتال. ولكن "سكيبيون" رفض الطلب، واجاب "صدر بعل" بقرار "السينات" مجلس الشيوخ (السيناتورات) الروماني: "قرطاجة يجب ان تدمر Delenda est Carthago". وامر "سكيبيون" باحراق السفن، وشن الهجوم الاخير الذي دام 17 يوما بلياليها، تم فيها احراق قرطاجة وتدميرها بيتا بيتا وحجرا حجرا، وابادة حوالى نصف عدد سكانها الـ700 الف وأسر واستعباد الاخرين، وتحويل قرطاجة الى مقاطعة رومانية. وبعد ذلك تحول الرومان الى البربر (الامازيغ)، وقوضوا مملكتهم واستعبدوهم، لا بل انهم "كافأوهم" على تعاونهم معهم، بأن جعلوا كلمة "بربري" تعني "الهمجي" و"المتوحش"، ولم يفعلوا ذلك حتى مع اعدائهم القرطاجيين (الكنعانيين، الفينيقيين)، لان الرومان كانوا يعلمون تمام العلم ان هؤلاء الاعداء هم اكثر رقيا وتحضرا منهم انفسهم بالرغم من تفوق قوتهم عسكريا ووضعهم السيادي سياسيا. وان ما جرى في عملية تدمير قرطاجة من فظائع تقشعر لها الابدان، في 146 ق.م، دشن الطابع الوحشي لعلاقة "روما القديمة"، ومن بعدها جميع ورثتها من دول الكتلة الاستعمارية ــ الامبريالية "الغربية"، بشعوب الشرق المظلومة. وكل تلك الفظائع يعاد ارتكابها اليوم في غزة ولبنان، امام سمع وبصر "الشرعية الدولية" والمؤسسات "الدمقراطية!"، "الحقوقية!" و"الدينية!"، الغربية، التي تدعي زورا وبهتانا انها تتمسك بمعايير الحضارة! وابشع ما في هذه الجرائم الكبرى ضد الانسانية انه يتم فيها تصوير الضحايا بأنهم "المتوحشون" اعداء الحضارة، و"المجرمين المتوحشين" بأنهم "حراس الحضارة!". قرطاجة لن تهزم مرة ثانية منذ هزيمة قرطاجة، وتدميرها بوحشية، واستعباد اهلها العظام، في 146 ق.م، سادت "الوحشية الرومانية" على العالم، ولا سيما على العلاقات بين الغرب الاستعماري والشرق المظلوم. والعالم اليوم يعيش مرحلة كسر واسقاط هذا النظام العالمي الاستعبادي الوحشي "الروماني"، وبناء نظام عالمي جديد، حضاري حقا وصدقا، متحرر من الوحشية "الرومانية". والان تُبعث "المقاومة القرطاجية" من ظلمات تاريخ "المرحلة الرومانية"، كما بعث السيد المسيح من ظلمات القبر، وتخوض معركة المصير الوجودي مع المعسكر الامبريالي الغربي ــ اليهودي، بقيادة الوحش الاميركي، وفصيلته المتقدمة: اسرائيل. والسؤال التاريخي هو: من سينتصر في هذه المعركة المصيرية بين الحضارية الشرقية ــ العربية والوحشية الغربية ــ اليهودية، السائدة منذ 2170 سنة؟ لا بد من التأكيد اولا ان الظروف التاريخية الراهنة، وبفضل نضال الشعوب لاجل التحرر، كما بفضل التطور الثقافي والعلمي، اصبحت تختلف 180 درجة عما كانت عليه ايام الهزيمة السابقة لقرطاجة. فحينها قاتلت قرطاجة لوحدها، وافتدت بنفسها الانسانية جمعاء، كما افتدى السيد المسيح بني البشر، بعد 146 سنة، على ايدي الجلادين انفسهم: الرومان (الاستعماريين الاوروبيين والغربيين) واليهود، خونة الشرق، تجار العبيد واليوضاسيين الانذال. اما اليوم فالى جانب "المقاومة القرطاجية" الجديدة تقف شعوب ودول عملاقة كايران وروسيا والصين، ودول وشعوب حرة ككوريا الشمالية وكوبا وفينزويلا، ومئات الملايين من الجماهير الشعبية في العالم، الطامحة الى التحرر من ربقة الامبريالية الغربية ــ اليهودية. وبناء لهذه المعطيات المقرِّرة، فإنه لم يعد بامكان الامبريالية الغربية ــ اليهودية ان تنتصر؛ لان كل انتصار امبريالي غربي ــ يهودي جديد يعني ظهور "مقاومة قرطاجية" جديدة. كما لم يعد بامكان "المقاومة القرطاجية" ان تنهزم؛ لان هزيمة اي "مقاومة" في اي بلد، يعني ظهور "مقاومات جديدة" في البلد ذاته وفي غيره من البلدان على مدى العالم. وستكون اولى بوادر انهزام الكتلة الامبريالية الغربية ــ اليهودية: تفكك وانهيار دولة "اسرائيل"، المتشكلة من تجميعة عصابات من القتلة والمجرمين واللصوص والمرتزقة شذاذ الافاق الذين جاؤوا الى فلسطين للنهب والسلب والكسب الرخيص والحياة الرغيدة فوق اشلاء الاطفال والنساء والابرياء، وهم يتغطّون ظاهريا بالاردية والقلنسوات الدينية، ولكنهم في حقيقتهم وجوهرهم يمسحون اقفيتهم وقذاراتهم بيهواهم ونبوءات واوراق توراتهم وتلمودهم. وحينما يجد هؤلاء السفلة ان "اسرائيلهم" لم تعد "ارض ميعادهم"، بل مقبرة لهم هم وعائلاتهم وكبارهم وصغارهم ونساؤهم ورجالهم، فإنهم "سيعيدون حساباتهم" ويبحثون عن السلامة حيث يستطيعون. وبعد اسرائيل ستنهار ايضا الدولة الاميركية العظمى، المتشكلة من اشتات من المغامرين والمهاجرين واللاجئين، لان اليهود هم الذين يشكلون "الهيكل الحديدي" لجسم الدولة الاميركية، ومتى انهارت "اليهودية الاصلية" على الارض العربية، ستنهار حتما "اليهودية الاميركية" وتأخذ معها الى الجحيم "الدولة الاميركية". ولمن يشكك في امكانية انهيار "الدولة العظمى" الاميركية، نقول ان هذا الانهيار هو حتمي، ربطا بالمعركة المصيرية بين "اسرائيل" والمقاومة الشعبية الفلسطينية واللبنانية والعربية والاسلامية، وذلك لسببين تكوينيين هما: الاول ــ هو السبب السكاني (الديموغرافي): فالولايات المتحدة الاميركية ليست امة تكونت تاريخيا، حضاريا واقتصاديا ولغويا ومجتمعيا. بل هي تأسست على ايدي عصابات من القراصنة وقطاع الطرق واللصوص والمجرمين والمغامرين الذين "اكتشفوا" ارضا معزولة عن العالم القديم، فهاجروا اليها وقاموا بابادة سكانها الاصليين المسالمين، واغتصبوا ارضهم، واقاموا فوق جماجمهم الولايات المتحدة الاميركية. ولتبرير جريمتهم الفظيعة ضد الانسانية وضعوا في قيادة الدولة الاميركية الجديدة العصابة المسماة "الديانة اليهودية" التي خانت السيد المسيح وتآمرت لقتله مع الغزاة الرومان للشرق المظلوم. وادعت القيادة اليهودية للدولة الاميركية الجديدة، ان الارض الاميركية هي "ارض الميعاد" الموعودة في التوراة، وان الهنود الحمر هم الكنعانيون الذين دعا "يهوه" (الله اليهودي) الى ابادتهم والاستيلاء على ارضهم. وبالتالي، وحسب التعاليم اليهودية الاميركية والمسيحية التهودة فإن القتلة الذين ابادوا الهنود الحمر هم "شعب الله المختار" بقيادة العصابة الدينية اليهودية بكهانها ومتموليها. وهكذا شكل اليهود الهيكل الحديدي، الذي يمسك، دينيا وايديولوجيا و"ثقافيا" وماليا وسكانيا (ديموغرافيا)، شرازم المكونات السكانية لجسم الدولة الاميركية، التي تتشكل من اشتات من اللاجئين والمهاجرين من كل اصقاع الارض، والذين لا رابط لهم مع الدولة الاميركية الا عبر الرابط اليهودي (سكانيا) والرابط المصلحي الانتفاعي (حياتيا). فاذا تفككت وانفرطت "اسرائيل" (الدولة اليهودية الاساسية) في فلسطين، من المؤكد ان ينفرط الهيكل الحديدي اليهودي الذي يمسك بالمكونات السكانة للدولة الاميركية، ومن ثم ينفرط عقد الدولة الاميركية بكليتها، ويختلط الحابل بالنابل في اميركا، ذات الـ9.834.000 كلم مربع، اكثر بالف مرة من اختلاط الحابل بالنابل في لبنان الـ10.452 كلم مربع زائد مساحة ارض مركز البيال التي سرقتها من الدولة اللبنانية شركة المرحوم رفيق الحريري بذريعة ردم مزبلة النورماندي السابقة للتخلص من روائحها الكريهة. الثاني ــ والسبب التكويني الثاني لحتمية انهيار الدولة الاميركية، هو السبب المالي: ـــ فالدولة الاميركية هي دولة بلطجة دولية، تنشر اساطيلها ومطاراتها الحربية وقواعدها العسكرية في كل ارجاء المعمورة، لتهديد وضرب و"تأديب" كل دولة وشعب "معارض"، يتم اتهامه بالارهاب ومعاداة السامية ومعاداة "الدمقراطية". وكل ذلك يكلف الوف مليارات الدولارات. ـــ كما ان هذه الدولة المتوحشة تنظم الانقلابات العسكرية السوداء، و"الثورات الملونة" و"الربيعات"، "الدمقراطية" و"الداعشية"، والاغتيالات السياسية الكبرى، كاغتيال جون كينيدي الكاثوليكي في اميركا، ثم اغتيال شقيقه روبرت، ومحاولة اغتيال البابا يوحنا بولس الثاني، واغتيال رفيق الحريري في لبنان بسبب انفتاحه على اوروبا وابتعاده النسبي عن الدولة الاميركية، وتنظيم الحروب الاقليمية والحروب الهجينة، وشن العدوانات الفظيعة (كما ضد صربيا في 1999) ثم ضد افغانستان ثم ضد العراق وغيرها وغيرها، مما يكلف ايضا الوف والوف مليارات الدولارات. فمن اين كانت الدولة الاميركية ولا تزال تأتي بكل هذه الاموال الفلكية؟ ـــ انها كانت ولا تزال تأتي بالاموال من النظام المالي الاميركي المفروض على العالم، عبر نظام المدفوعات العالمي (SWIFT)، ومنظمة التجارة الدولية، والبنك الدولي، وصندوق النفد الدولي، التي تسيطر عليها كلها الدولة الاميركية. فحينما يقدم البنك الدولي، مثلا، قرضا بملايين الدولارات لاي دولة في العالم، فإن تلك الدولة تكون ملزمة بأن تبيع منتوجاتها الواقعية وخاماتها الطبيعية الملموسة لاجل ايفاء ذلك القرض. ولكن ما هو ذلك القرض الدولي بحد ذاته؟ ـــ انه بضعة صناديق من الاوراق المطبوعة كدولارات! تقدمها الدولة الاميركية للبنك الدولي، الذي يحولها الى قروض يحصل بموجبها على منتوجات حقيقية وليست صورية ووهمية وورقية. ان خلاصة النظام المالي الذي تفرضه اميركا على شعوب العالم هو ما يلي: تطبع اميركا كمية من ورق المائة دولار (مثلا). ولا تكلفها هذه الورقة سوى بضعة سنتيمات. ولكن ورقة المائة دولار حين تنزل الى "السوق" تشتري خبزا ولحما وزيتا وحبوبا وخضروات وفواكه تكفي عائلة متوسطة العدد والنفقات لعدة ايام. وتقول الاحصاءات الاميركية الرسمية ذاتها ان حصة الانتاج الاميركي الخاص من مجمل الاقتصاد الاميركي، تبلغ 18% فقط. اما الـ82% فتأتي من الاقتصاد الوهمي الاميركي، اي من طبع العملة الورقية وفرضها بالخزعبلات المالية وبالقوة المسلحة على بلدان العالم. وهذا يعني ان الدولة الاميركية وجيوشها هي عالة على شعوب العالم. وان الشعب الاميركي ذاته (موضوعيا، بقصد او بغير قصد، وعن وعي او غير وعي) هو مجموعة من حشرات البق التي "تعيش" على مص دماء سائر شعوب العالم وتتنعم على حسابها. واذا اعترض على هذا النظام "الحضاري" الاميركي ــ اليهودي، اي مثقف ثوري شريف ونصير للعدالة الاجتماعية والمبادئ الانسانية، مثل تشي غيفارا، فإن الدولة الاميركية تشتري جيش دولة بكامله لمطاردته ومحاصرته واسره وقتله، حتى وهو اسير جريح وعاجز عن الحركة. اما اذا اعترض على هذا النظام الرأسمالي ــ الامبريالي الغربي ــ اليهودي المتوحش، مناضل وطني متفان وزاهد، مثل ابن الفقراء والمظلومين، والد الشهيد وابو الشهداء، قديس عصره، الناسك الشهيد السيد حسن نصرالله، فإن آلة الموت الاميركية ــ اليهودية "تتحاور حضاريا!" معه، بتوجيه سرب من طائرات الــF-35 الاميركية، لرميه بـ85 قنبلة ارتجاجية اميركية من وزن الـ2000 ليبره (بالمعيار الانغلو ــ ساكسوني) اي 907 كلغ بالمعيار الفرنسي. والايام والليالي لن تمحو صورة القادة الاميركيين واليهود وهم يعبّرون امام وسائل الاعلام عن اغتباطهم باغتيال السيد حسن نصرالله رحمه الله. ولكن دورة الزمن التاريخي لم تعد تسير كما تريد عصابات المليارديرية الاميركيين، اليهود والبروتستانت والماسونيين والنورانيين Illuminati. وها ان مجموعة دول منظمة "بريكس" ومنظمة "شانغهاي" تتقدم بخطى حثيثة نحو التعاون فيما بينها، والعمل لازاحة النظام المالي الاميركي (SWIFT والدولار والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي الخ). ومتى سقط النظام المالي الاميركي، فإن الاقتصاد الاميركي القائم على نهب شعوب العالم سينهار حتما. والدولة الاميركية، هي عاجزة عن شن حرب نووية لانها ستكون هي ضحيتها الاولى لان "الدب" الروسي لا يمزح، والغواصات النووية الروسية، حاملة بضع الصواريخ النووية، "تنام" في قاع المحيطات في طوق محكم حول اميركا وعلى بعد 200 ميل لا اكثر، عن الساحل الاميركي. وكل اميرال غواصة نووية روسية معه صلاحية "التصرف"، بدون انتظار اوامر موسكو، لدى سماعه نبأ اي ضربة توجهها اميركا او الناتو لروسيا. فمتى سقط النظام المالي الاميركي، وتبخر تماما "الحلم الاميركي"، فإن عشرات ملايين "الاميركيين" سيعودون الى بلدانهم الاصلية، وستضطر الدولة الاميركية اولا لاستهلاك كل الاحتياط الستراتيجي لديها من الاغذية، ثم ستبيع كل اسلحتها، النووية والصاروخية والكلاسيكية، ثم تبيع موجوداتها ومصانعها وتكنولوجياتها الخ، ثم سترسل شبانها للعمل في كل ارجاء العالم اي عمل كان وبأي اجر كان، كما سترسل فتياتها للعمل كخادمات في المنازل، وفي البارات والنوادي الليلية، وفي صناعة الترفيه الجنسي. وبعد كل ذلك، وحينما لا يبقى لدى الاميركيين ما يأكلونه سيعودون الى عصر الكانيبالية CANIBALISM(اكل لحوم البشر) ويبدأون يقتلون ويأكلون بعضهم بعضا. واول المأكولين سيكون اليهود لانهم "وجبة مقدسة" من الأطهار والأخيار، بوصفهم ""شعب الله المختار!". ــــــــــــــــــــــــــــــــ *كاتب لبناني مستقل
#جورج_حداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اليهودية الصهيونية والمارونية الصليبية: توأمان تاريخيان
-
اليهودية، الصهيونية واسرائيل.. على المشرحة
-
العنصرية الوحشية الاسرائيلية والواقع العربي
-
الدولة اليهودية ودولة المارونية السياسية الى مزبلة التاريخ
-
الجذور التاريخية للعلاقات بين المارونية المرتدة والبابوية وا
...
-
اللاوطنية -الكيانية- للمارونية السياسية
-
حق تقرير المصير لشعوب الشرق على الطريقة الاورو ــ اميركية
-
الطابور الخامس وأكذوبة الوفاق الوطني في الكيان اللبناني المص
...
-
نظام رأسمالية الدولة الروسي بمواجهة النظام الرأسمالي الامبري
...
-
مقدرات الانتصار الحتمي لروسيا في الحرب الاقتصادية ــ الاجتما
...
-
العوامل غير السماوية لنشوء وزوال الطغمة المالية اليهودية ودي
...
-
هل تستغني الامبريالية الاميركية ــ اليهودية عن اسرائيل؟
-
طريق النصر... حرب استنزاف شعبية طويلة الامد
-
لبنان لن يكون للطابور الخامس عميل الامبريالية والصهيونية وال
...
-
غزة اولى ضحايا المشروع الاميركي: طريق الهند ــ الشرق الاوسط
...
-
الازمة الوجودية للنظام الطائفي العميل للكيان اللبناني
-
روسيا الوطنية والاورثوذوكسية تحوّل المسار الجيوسياسي للتاريخ
...
-
القيادة الوطنية الروسية تحدد مسارات الحرب العالمية في اوكران
...
-
روسيا الوطنية تتصدى تاريخيا لنزعة الهيمنة الدولية للامبريالي
...
-
توطئة اولية لفهم روسيا القومية والارثوذكسية
المزيد.....
-
مشهد يحبس الأنفاس.. مغامر يتسلق جدارًا صخريًا حادًا بسويسرا
...
-
وسط التصعيد الأوكراني والتحذير من الرد الروسي.. ترامب يختار
...
-
انخفاض أعدادها ينذر بالخطر.. الزرافة في قائمة الأنواع مهددة
...
-
هوكستين في تل أبيب.. هل بات وقف إطلاق النار قريبا في لبنان؟
...
-
حرس الحدود السعودي يحبط محاولة تهريب نحو طن حشيش و103 أطنان
...
-
زاخاروفا: الغرب يريد تصعيد النزاع على جثث الأوكرانيين
-
صاروخ روسي يدمر جسرا عائما للقوات الأوكرانية على محور كراسني
...
-
عشرات القتلى في قصف إسرائيلي -عنيف- على شمال غزة، ووزير الدف
...
-
الشيوخ الأمريكي يرفض بأغلبية ساحقة وقف مبيعات أسلحة لإسرائيل
...
-
غلق أشهر مطعم في مصر
المزيد.....
-
علاقة السيد - التابع مع الغرب
/ مازن كم الماز
-
روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي
...
/ أشرف إبراهيم زيدان
-
روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس
...
/ أشرف إبراهيم زيدان
-
انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي
/ فاروق الصيّاحي
-
بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح
/ محمد علي مقلد
-
حرب التحرير في البانيا
/ محمد شيخو
-
التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء
/ خالد الكزولي
-
عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر
/ أحمد القصير
-
الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي
/ معز الراجحي
-
البلشفية وقضايا الثورة الصينية
/ ستالين
المزيد.....
|