كمال جبار
الحوار المتمدن-العدد: 8153 - 2024 / 11 / 6 - 02:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
منذ الصباح الباكرفتحت مراكز الإقتراع اليوم أبوابها في الولايات و المدن الأمريكية لإنتخاب الرئيس ال47 للولايات المتحدة الأمريكية, وسط إنقسام مجتمعي كبير بسبب أجواء و خطابات إنعدام الثقة بين مرشحي الحزبين الديمقراطي والجمهوري لحد التشكيك المسبق بنتائج الانتخابات وتعيين ألاف المحاميين في خطوة إستباقية لتقديم الطعون والمطالبة بإعادة العد والفرز, و وسط حراسات مشددة على منزل السيدة هارس و على البيت الأبيص و مبنى الكونغرنس و على مراكز الإقتراع و إنتشار كثيف للحرس الوطني و الشرطة المحلية في العاصمة واشنطن تفادياُ لتكرار فوضى أحداث 6 كانون الثاني 2020.
وفق المصادر الرسمية لهيئة الانتخابات, أدلى 75 مليون ناخب بأصواتهم عبر أليات الأنتخاب المبكر و سيدلي اليوم 144 مليون بأصواتهم في هذه الإنتخابات المفصلية التي يتابعها بقلق كل دول العالم كُلُ وفق مصالحه, إنتخابات ستفرض نتائجها على العالم وعلى العراق إما بإستمرار سياسة مسك العصا من الوسط للرؤساء أوباما و بايدن في حال فوز السيدة هارس أو العودة الى سياسة الوعيد والقوة و الحسم السريع في حال فوز السيد ترمب.
أين حاضر و مستقبل العراق على جدول أولويات الرئيس الجديد للبيت الأبيض؟ الإجابة على هذا السوأل بصراحة مبنية على حقائق و وقائع عشناها منذ 2003 و لليوم, إجابة لن ترضي كثيرين ومنهم القابضين على مقدرات الحكم في العراق.
لو فازت السيدة هارس, بإختصار شديد, ستواصل فرض سياسة الرئيسين أوباما و بايدن في إبقاء العراق الحكومة المكبلة اليدين و المنقوصة السيادة و المخترقة الحدود و البقرة الحلوب لكل بلدان الجوار. في الأسابيع الأولى لرئاسة السيد أوباما, طلبت من صديق وأستاذ أمريكي محب للعراق خدم برتبة مقدم في الجيش الامريكي في العراق 2004-2005. في أواخر 2008 أختاره أوباما ضمن فريق مستشاريه وعين لاحقاً وزيراً مثل أوباما في الكثير من المحافل الدولية, طلبت منه أن يستثمر وجوده في منصبه الحساس لتوفير قناعات للرئيس أوباما الذي إنتقد كثيراً السياسات الغبية للرئيس بوش في شن الحرب على العراق و تداعيات الحرب التي كلفت العراق و العراقيين أرواحاً و أموالاً و خراباً و دماراً في كل مجالات الحياة, إقناع الرئيس أوباما بأن يضع إيقاف نزيف العراق و العراقيين ضمن أولويات سياسته الخارجية لما فيها مصلحة العراق و أمريكا. وعدني الصديق المستشار خيراً و كان متحمساً لفكرة توظيف قدرات البلدين عبر قرارات رئاسية سريعة التنفيذ تمكن العراقيين من وضع العراق على الطريق الصحيح لديمقراطية حقيقية و دولة مدنية واعدة. بعد أشهر قليلة إلتقينا. بأسف و بألم و غضب قال " في إجتماع المستشارين مع الرئيس أوباما قدمت له مطالعة عن ضرورات وضع العراق على جدول أولوليات الرئيس و البدء الفوري بإصلاح الفوضى و الخراب الموجود في العراق بسبب سياسات الرئيس بوش. بعد حديث مطول بالموضوع أوباما إتفق مع مستشارين أخرين قالوا بالحرف الواحد (الرئيس بوش غطى العراق بالغائط, أي محاولة لإصلاح العراق يعني التورط في هذا الغائط, مما سيؤثر سلباً على فرص إنتخابك في الدورة الثانية... مع الاسف الشديد لم تجدي محاولاتي لإقناع الرئيس أوباما بخصوص العمل سوية لإنقاذ العراق). هكذا و بكل بساطة, لم يرتقي العراق إلى حتى جدول أعمال أوباما ناهيك عن جدول أولويات رئاسته. و هذا تماماً ما ستفعله السيدة هارس كرئيسة تمثل مصالح الحزب الديمقراطي و تواصل تنفيذ تعليمات أساتذتها السيدين أوباما و بايدن, بالإضافة إلى إحتمال تكرارها تجربة أفغانستان و الأمر بالانسحاب الكامل من العراق و تركه تحت رحمة بنادق ميليشيات مأجورة لبلدان الجوار وصفها رئيس الوزراء السيد السوداني بالميليشيات و العصابات الخارجة عن القانون.
لو فاز السيد ترمب, بإختصار شديد, سيحرص على أن يبقى قريباً جداً من ناخبيه الشعبويين في الغالب الذين وعدهم بتطبيق شعار حملته "لنصنع أمريكا عظيمة, من جديد", هذا الشعار الذي لا مكان فيه للعراق إلا إذا أراد العراقيين ذلك عبر أليات كثيرة متوفرة في العراق لكنها غير مفعلة لأسباب تتحمل مسؤوليتها كل حكومات و برلمانات و أحزاب ما بعد 2003. الرئيس ترمب, رجل أعمال و ليس رجل سياسة, في 2016 إشترى ولاء الجمهوريين و إشترى البيت الأبيض و ها هو يعيد الكرة. هو بارع في لغة الأرقام و يمقت دهاء و مكر رجالات السياسة, و من جديد سيحكم بشرعية الناخبين و بذراع البنتاغون العسكرية وبقرارات مدعومة من الكونغرس. السياسة الخارجية للسيد ترمب بما يتعلق بالعراق و الشرق الأوسط واضحة المعالم و قابلة للتطبيق إذا توفرت الإرادة الوطنية الحقيقية لدى العراقيين حكومة و أحزاب حاكمة وأحزاب معارضة و شعباً مع الأسف إرتضى الغالبية منه بالسكوت و اللامبالاة.
خلال ال 20 سنة الماضية بدراية أو بدون دراية فرضت أمريكا سياسية الفوضى الخلاقة التي دمرت العراق والمنطقة ومهدت لصعود قوى أقليمية غيرعربية (إيران تركيا إسرائيل). ألم يكن من الأجدر بأمريكا إعادة تجربة خطة مارشال التي إتبعتها في ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية ليصبح العراق الأن في مصاف الدول المتقدمة في المنطقة؟ إجترار مأسي و خسائر الماضي لن تجدي نفعاً. أمريكا إعترفت بغزوها للعراق وبغلط سياساتها فيه منذ 2003, و هذا كل ما سنحصل عليه, لا أكثر في الوقت الحاضر. الأن الصين هي العدو الرئيسي لأمريكا و الغول الأقتصادي الذي سينهي عاجلاً أم أجلاً تسليح الدولار الأمريكي. تهديدات دول بريكس بما فيها الصين و روسيا و الهند و البرازيل و ما تملكه من مقومات إقتصادية و عسكرية و ثقل سياسي هي من أولويات الحاكم الجديد في البيت الابيض. بأسف أقول, العراق لن يرتقي الى أولويات الادارة الامريكية الجديدة إلا إذا:
- تركت الاحزاب الحاكمة سياسة المحاصصة المقيتة و الفاشلة في إدارة مؤسسات الدولة , و تخلت عن الحكم عبر تغليب المذهب و الطائفة و القومية و العشيرة و الولاء الحزبي, وحرصت على توظيف الكفاءات و إستثمار كل الطاقات البشرية الخلاقة في إعادة بناء علمي مدروس لكل مؤسسات الدولة الصناعية و الزراعية و التجارية و النفطية و التعليمية و الصحية .
- تركت كل أحزاب المعارضة التقليدية (اليسار و الوسط و اللبراليين و الاحزاب الفتية التي خرجت من رحم إنتفاضة تشرين) إختلافاتها و خلافاتها جانباً و توحدت في معارضة قوية فاعلة في مراقبة إداء الحكومة و في صنع قرارات سياسية تصب في صالح العراق و العراقيين. معارضة تعترف بفشلها المزمن بعدم الوصول للسلطة رغم الفرص الكثيرة التي توفرت لها. معارضة تقر بدهاء أحزاب الاسلام السياسي و الاحزاب القومية للوصول الى سدة الحكم في العراق و تسعى جاهدة لدراسة تجربة تلك الاحزاب لتوظيفها في الوصول إلى مراكز صنع القرار في العراق.
- متى ما قررت الاحزاب الحاكمة و الاحزاب المعارضة وعامة العراقيين تقديم العراق على الدين و الطائفة و القومية والمذهب و العشيرة, و على العمل سوية على ولادة الأمة العراقية, أمة المواطن العراقي المتساوي الحقوق و الضامن لحق العيش الكريم لجميع العراقيين.
فقط بتوفيرهذه المقومات يستطيع العراق أن ينفض عنه غبار التراجع و التخلف و الضعف الذي يعيشه اليوم, ويستطيع أن يوفر قناعات لإدارة ترمب بضرورات الشراكة وفق مصالح تخدم البلدين. في ظل تزايد الديون الامريكية بعشرات الترليونات, موارد و خيرات العراق النفطية و غير النفطية أرقام السيد ترمب يفهم قوتها ويعرف حاجة أمريكا الملحة لتوظيفها. المطلوب من اللاعب العراقي أن يسرع الى توحيد الصفوف و يتقن فن إقناع إدارة ترمب ضرورات الدخول في شراكة فاعلة تخدم البلدين. بدون توفير هذه المقومات, سيمر قطار الانتخابات الامريكية بدون أن يعيرالرئيس الجديد للبيت الأبيض أي إهتمام لمعاناة العراقيين و نزيف العراق. "ويل للعراقيين الذين عن عراقهم ساهون", و الله من وراء القصد.
بغداد 5 تشرين الثاني 2024
#كمال_جبار (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟