أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاسم الفارس - رائحة الشاي الساخنة.. قراءة في نصوص رحمة يوسف















المزيد.....

رائحة الشاي الساخنة.. قراءة في نصوص رحمة يوسف


جاسم الفارس

الحوار المتمدن-العدد: 8152 - 2024 / 11 / 5 - 16:19
المحور: الادب والفن
    


تعيش رحمة يوسف في مدينه تعاني من نكبات الفكر والحروب، فتقاليدها طاغ عليها سمة المحافظة، فهي تعتز بقدمها،والتجديد فيها مظهر خارجي لا يلامس الداخل، ولهذا ازدواجية الشخصية اهم سماتها.
يعاني الذين يفهمون هذه الحقيقة وهم المثقفون الحقيقيون الذين يعيشون هموم الانسان في هذا الواقع، الانسان الحالم بالحرية والحب والعقل والجمال لا سيما المرأة المثقفة، فهي اكثر وجعا في هذا الواقع لانها اكثر وعيا بحالها في العيش والمواجهة، واكثر وعيا بالتحديات التي تواجه النساء، ولهذا كثيراً ما تلجأ رحمة الى الاحتفاظ بالرمز في الكتابة التي تمثل ملاذها الامن، هكذا عملت رحمة حين اهدت كتابها الاول رائحه شاي ساخنة الى من يجد في القراءة والكتابة عزاءً له، فجاءت نصوصها صوتاً نسائيا عذباً يعزف في القلب الحان الحب والالم والحزن والجمال.
صوت رحمة يوسف صوت نسائي يحمل عنف التحدي العذب في مدينه تحسب للمرأة كل خطوه لها، وتقرر ما يجوز لها وما لا يجوز، استطاعت ان تحدد مكانة لها في الساحة الثقافية في المدينة من خلال كتاباتها المستمرة في جرائد الموصل او المسابقات الادبية في المدينة وخارجها.
انشغلت رحمة بهموم المرأة والآمها وتطلعاتها والكشف عن أوجاعها النفسية في مجتمع يحاصرها بالجمود فلا تملك إزاء هذا الواقع الا (الأماني) و(الحلم) كما في نصها حزن عميق الذي يفوح بعطر الشعرية:
ايها الحزن الانيق
خذ بيدي، لأتوغل في اعماقي
في ازقتي وشوارعي
انا ابحث عن أرض لم يطأها قلمي بعد
ودعني أقف عند فصولي
ارسم خريطتي الزمانية
:وفي نصها قصيدة لم اكتبها بعد تحتج على واقع مرير من خلال أمنيات بسيطة لا تتحقق يروقني أن أجلس في مطعم فاخر
قرب مدفأة ذات نار طبيعية
انظر من شرفته ليلاً
الى المارة تحت المظلات
ويستمر النص في سرد الأمنيات في واقع لا يعينها على حياة الحرية والجمال، بل يذكرها الواقع :
بامراة غير متحضرة
هم يذكرونني بتلك الإمراة
غير المتحضرة في داخلي
وبتلك المدينة فوضوية القانون
التي ارمي علة تأخرها على الرجال
فأنا من الجنس اللطيف حين اكسل
اكتفي بغسل الصحون
. واعترف بانها مهمتي التي خلقت من أجلها
في خضم واقع المجتمع وصراعات الحياة تشرق روح رحمة بأشعة الحب الحقيقي، لتبدو اجمل ازهار التحدي، الحب عندها حلم يحتاج الى صبر طويل أقرب الى الاستحالة منه الى التحقق، لقد جسدت هذه القضية في نص رائع هو الثلاثون من شباط:
أعد الايام السريعة بالسنين
كاني أصعد سلماً من ثلاثين درجة
ارتقي كل أربع درجات بخطوه واحدة
اكتب اليكَ وانا في الثامن والعشرين من شباط
اريد ان التقي بك
وعليّ ان انتظر اربع سنوات
لاصل إلى التاسع والعشرين
ترى كم علي ان أنتظر حتى أصل الى الثلاثين حتى اتي اليك
و اخبرك باني احبك
يشكل الزمان في نصوص رحمة نهراً متدفقاً بالأحداث، يحمل الكثير من المعاني والدلالات الشعرية، فهو تارة اشتياق إلى ماض جميل تراه في حضور (الجدة) في المنزل، وايام الطفولة، المليئة بالبراءة، وكثيرا ما يمثل الزمان الماضي ملاذاً لرحمة، أما الزمان الحاضر فهو زمان الوجع والقسوة والدمار، يفوح برائحة الالم الذي تولده الحرب والنزوح والمعاناة، والمستقبل أيضا زمان آت غامض حالم، إنه الزمن الذي تنتظره رحمة لتمارس الحياة بحرية انثى مثقفة مسؤولة ملتزمة..
الزمان نهر التحولات التي لا تنتهي، تحولات الروح، وتحولات البيت، وتحولات المجتمع، وحين يكون الزمان لحظة سكون، جميله لا يذهب، وفرحه يدوم، ويغادر الحزن..
غربة نص يحضر فيه الزمان، يحمل حالات التحول الكثيرة تهاجر منه الأقدار:
ً كمهاجر رمته الأقدار بعيدا
عن وطنه وعن ذاته
وعن طفولته إذ يعيدها أقرانه
في ابنائهم وابناء الجيران.
ويعود خائبا بعدما انفق الثمين من وقته
متحسرا على زمن اينما التفت رأى جولة( من العاب البنات
يتحاشى أن يدعس بقدميه بياضها المقدس
وكومة خرزات (تبيل)هي كرات زجاجية ملونة يلعب بها الأولاد. براقة وعقيمة
:
مسجونه هي في زمن الكتروني
حتى هذه الكلمات اكتبها بيد مهاجرة
كانت تتحاشى يوما ان تدعس بياض الورق
الا بكلمات تليق بقدسيته
اتوق الى ان ادعك ورقه تمرداً على ذاتي
الحرة الطليقة في سجن إلكتروني
اتوق الى ان اقرا كلماتي المدعكة
والخجوله بعد ثورة غضب في سلة المهملات
كل شيء نعيشه في هذا العالم
لعبنا
ولقاءاتنا
ومشاعرنا
الا حياتنا
الزمن الساكن يحركه الحب هكذا الأمر عند رحمة :
ساكنة انا منذ سكنتني
وعند التقاء الساكنين
قلبي يتحرك
ارتبك حين القاك
مثل مؤمن بمعتقده بالوراثة
صادفته حجة منطقية تدحض معتقده فتزلزل.
بيني وبين أن ألقاك
مثل أن اتبع سيارة غادرت اشارة المرور تواً
و اتوقف انا عند عداد الثواني الأحمر
وحروف العلة نص يجمع التضاد بين سكون حروف العلة وسعة الروح التي انجبتها.

تلك الحروف الساكنة على الورق
لا يعرف كتابها كيف خرجت
وهي ممتدة
وسع الروح التي انجبتها
وسع علتنا السرمدية
وفي نص شجرة مقارنة بين زمنين:
يفتش في ماضي جده
فتح البوم الصور
مسح الغبار عن صورته الأولى
المعتقة بالأسود والأبيض ، و مهشمة الحواف
كان الجد بجانب زوجته
ياكلان من شجرة ويبتسمان
فابتسم متجاهلا الصورة التالية
ينظر الى تلك الشجرة المعمرة
وهي خضراء يانعة
أكل منها بشراهة ثم زرع بذورها
حتى صار لكل حفيد شجرة
ولم يكتف الأحفاد ببذور شجرتهم
بل سطا كل على جنة الآخر
فظهرت سوءاتهم اشد ظهورها
وهبطوا أقبح هبوطهم
ولم يفتش احد في الماضي
وينظر إلى الصورة التالية
تمتاز نصوص رحمة بالرمزية التي تشكل قناعاً شعرياً يعكس اشواقها واحلامها ورغائبها وتحدياتها.
وكذلك اهتمت رحمه بتراث المدينة وثقافتها الشعبية من خلال جدتها التي تشكل محوراً ثقافياً يعكس ما كانت عليه المدينة:
ليتني كنت جدتي تشرق مع شمس الأيام
لا هم لها سوى أن تنجب عددا من الأولاد
ترضي بها من حولها
ولا يثقل ظهرها سوى العجين الذي تخبزه وحبل غسيلها
وتقضي فراغها بالنظر من نافذتها المطلة على الحوش لتحادث الله
وتؤكد على أهمية الأنوثة للمرأة، فسحق الانوثة سحق الجمال والحيوية كما في قصيدتها سأكون أنثى
اريد ان ابكي وأن اصرخ
وان اقول للعالم انت ظالم
سابكي واصرخ واتكلم
لأكون أنثى فحسب
ويتألق هذا الحس الأنثوي في نصوص كثيرة مثل (حقيقة بلا مكياج) و(ناقصو قلب) و
(لا تدخين ولا بكاء).
والميزة الأخرى التي تسم نصوصها هي (التناص) مع احداث قرآنية منها على سبيل المثال للحصر (ثاني اثنين) تعالج قضية البحث عن وطن، فيجلس التائه في غار مظلم وموحش يراقب العنكبوت الذي ينسج شبكته خيطاً خيطا، والحمامه تضع عوداً على عتبته:
كل يبني وطنه وحده
في كل غار ثاني اثنين إذ يقول لقلبه لا تحزن
ان الله معنا
وهكذا في نصها خلايا الروح
ان رائحة الشاي الساخنة بداية جميلة وراقية في مسيرة رحمة الأدبية و ترتقي أكثر مع التوسع في ادراك التجربة الشعرية ومستلزماتها .. وقد برز هذا الإدراك في وعيها للكتابة وعلاقتها بالكلمة التي زينت غلافها الاخير بنص يختصر عمق هذا الوعي
ليست حروفي
انها شطاياي
اجتمعت لتحيا مجدداً
فكان هذا الكتاب



#جاسم_الفارس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يسرى الحسيني ..سيرة شعرية
- قراءة اولية في فكر علي محمد اليوسف الفلسفي
- الحرية والامل في نصوص فلونا عبد الوهاب ( عمى مؤقت)
- الامل والحرية في (عمى مؤقت) للأديبة فلونا عبد الوهاب.
- تحولات ( فالح الخضير) في ازمنة الحرب. قراءة في رواية (السير ...
- قراءة في ادب محمد سامي عبد الكريم -رؤية في الخصائص العامة
- التكامل بين الثقافة والاقتصاد ضرورة حضارية
- الإنسان والتاريخ في (حارس المنارة). رواية الأديب فخري أمين
- عن التنوير والتنويرين
- وقفةعلى عتبات الظما للشاعر ماجد الحسيني
- نشوة التحول الحضاري - قراءة في فلسفة داريوش شايغان
- العراق الذي نستحقه
- النهضة والثقافة والتاريخ -قراءة في مشروع مالك بن نبي الحضاري
- قراءة في كتاب (جدلية نهج التنمية البشرية المستدامة ..منابع ا ...


المزيد.....




- -لون الرمان- وغيره.. أفلام سوفيتية وروسية في برنامج الدورة ا ...
- -حوريات- لكمال داود تفوز بجائزة -غونكور- المرموقة
- دعمت كلينتون سابقا وهاريس حاليا.. هل أصبحت الفنانة بيونسيه ف ...
- هل يمكن العيش بلا أيديولوجيا؟.. الصادق الفقيه: مفتاح الاستقر ...
- نعاه كاظم الساهر.. كوينسي جونز ترك بصمته على مغنين عرب أيضا ...
- صحيفة -شارلي إبيدو- تسخر من ترامب وهاريس بـ-كاريكاتير- (صورة ...
- منح الكاتب الفرنسي من أصل جزائري كمال داود جائزة غونكور عن ر ...
- “يعرض الآن” مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 31 مترجمة على قن ...
- شاهد.. النجم البريطاني يسقط في فجوة على المسرح أثناء حفل موس ...
- منى زكي: تجسيد أم كلثوم تجربة غيّرت حياتي


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - جاسم الفارس - رائحة الشاي الساخنة.. قراءة في نصوص رحمة يوسف