أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صميم حسب الله - الكتابة بسكين مثلوم!! تقانة الميتامسرح في -سيرك- الاسدي















المزيد.....

الكتابة بسكين مثلوم!! تقانة الميتامسرح في -سيرك- الاسدي


صميم حسب الله
(Samem Hassaballa)


الحوار المتمدن-العدد: 8152 - 2024 / 11 / 5 - 16:15
المحور: الادب والفن
    


مدخل:
أسهمت التجارب المسرحية المعاصرة في إنتاج عديد المفاهيم والمصطلحات التي إختلفت أليات الاشتغال عليها، سواء على مستوى الترجمة أو ما تترك من أثر في الاشتغال داخل التجربة المسرحية، ويأتي مصطلح (الميتامسرح) الذي إرتبط على مستوى المرجع الفلسفي بـ (الميتافيزيقيا) بوصفه واحداً من تلك المصطلحات التي إشتبكت معانيها، فثمة مستويات متنوعة لقراءة مضمونه والتعبير عنه، إلا أننا نجد أن أقرب توصيف له هو ما ذكره الأستاذ الراحل (سامي عبد الحميد) " هو الدراما أو العرض المسرحي الذي يعكس ذات الممثل ومنزلته كفنان في المجتمع" وبمعنى آخر هو (معالجة قضايا المسرح بالمسرح)، وتحيلنا تلك التوصيفات إلى عديد النصوص المسرحية التي شكل (الميتامسرح) حضوره في بنيتها الدرامية نذكر منها مسرحية الكاتب الإيطالي لويجي بيرانديللو (ست شخصيات تبحث عن مؤلف) و مسرحية الكاتب الروسي أنطوان تشيخوف ( أغنية التم) وغيرها، وقد كشف ذلك التوصيف عن حضور المصطلح في الخطاب المسرحي نصا وعرضاً، وهو ما بدا واضحاً في العرض المسرحي (سيرك) وهو من أنتاج دائرة السينما والمسرح/ الفرقة الوطنية للتمثيل، تأليف وإخراج (جواد الاسدي)، تمثيل (شذى سالم، أحمد شرجي، علاء قحطان) إضاءة (عباس قاسم) تصميم الأزياء (زياد العذاري) التأليف الموسيقي (رياض كاظم) والذي عرض في بناية منتدى المسرح التجريبي مؤخراً.
إذ إختار المخرج المؤلف المزاوجة بين حضوره النصي وأساليب التعبير عنه التي تشكلت في العرض، وبخاصة ما تعلق منها بشخصية (كميلة) الممثلة التي تراقب شخصيات المسرح والنيران قد أحاطت بها من كل جانب، وهي تصرخ بحثاً عن هاملت، والملك لير وغيرها من الشخصيات التي أطاح بها حريق المسرح الكبير، لتظهر لنا داخل فضاء منتدى المسرح ممسكة بواحدة من شخصيات المسرح الشرقي وهي تؤدي نصها الدرامي الموجع تعبيراً عن ما آلت إليه حياة المسرح والممثلين، من جهة أخرى اتخذ مصطلح (الميتامسرح) أبعادا مختلفة في المتن الثقافي فثمة مصطلح مقارب له في الرواية (الميتارواية أو الميتاسرد) والذي بدا حاضراً هو الآخر في (سيرك الأسدي) في شخصية الكاتب الروائي (لبيد)، الذي تبنى فيه المؤلف إعادة إنتاج الشخصية الثقافية التي تحولت إلى ركام وعزلة بفعل السلطة ورغباتها المزمنة في إقصاء المثقف من المتن الاجتماعي إلى الهامش الذي ظهر عليه الروائي في العرض.

النص ومقترح المكان
يغامر المخرج المؤلف في صياغة فرضياته الإخراجية التي جاءت على نحو مغاير لما تأسس في عنوان العرض المسرحي (سيرك)، ذلك أن العنوان قد شكل علامة دالة على المكان، إلا أن تلك المغامرة التي أسس لها المخرج (جواد الأسدي) في العرض جاءت على نحو صادم، فقد عمل على تهشيم المتخيل الجمعي للـسيرك وذهب إلى تأسيس فضاء محايث تمكن فيه من التعبير حالة السيرك المدمرة.
ذلك أن المكان/ السيرك إذا كان في حالة إزدهار فإنه يسهم بإنتاج أمكنة مزدهرة تحيط به، كما هو الحال مع المسرح في المدينة وغيره من المعالم الثقافية التي تسهم في إضاءة أنوار المدينة إذا ما شكلت حضورا ثقافياً، إلا أن المخرج المؤلف إختار التأمل على نحو عكسي كشف فيه حال المدينة عن طريق الكشف عن حال السيرك والمسرح والمعالم الثقافية اليوم، قاصداً تأسيس رؤية بصرية لحديقة مجاورة للسيرك (إنها حديقة لم تعّشب، شاخت وبزّرت لا يملؤها إلا كل مخشوشن نتنت رائحته) كما وصفها (هاملت في مسرحية شكسبير)، هي حديقة تيبست أشجارها، وجردت أرضها من اللون الأخضر واستحالت أرضاً يباب، عمل المخرج على توصيفها بصرياً في مشاهد الأتربة التي حملت معها جرائم القتل للجسد الثقافي متمثلاً بالكاتب الروائي.
لم يركن المخرج المؤلف إلى تأسيس العلاقة مع المكان /السيرك، بوصفه مكاناً ماضياً يستعين به لإستدراج ذاكرة الشخصيات، بل إختار التعاطي معه بوصفه مكاناً حاضراً عمل على تغيير ملفوظه النصي ليصار إلى (مسرح السيرك) من اجل الذهاب إلى مسرحة المكان ومغادرة فضاء اللعب الذي إمتاز به السيرك والركون إلى فضاء المسرح من أجل إعادة تشكيل دائرة العلاقات النصية التي إمتازت بتدوير الشخصيات حول تشكيل مركزي احادي تمثل بحضور السلطة متمثلة بشخصية (الضابط) الغائب/ الحاضر، وذلك عن طريق بناء علاقة مع الشخصيات ( ريمون، كميليا، لبيد) يكون فيها على رأس الهرم وعلى مستويات مختلفة ، إذ تكشفت علاقة السلطة مع شخصية (كميليا) بوصفها ممثلة مسرحية، أراد الضابط السيطرة على جسدها وروحها عن طريق الخطف والترويع عبر الكشف عن حالات الإعتداء والاغتصاب لنساء المدينة القابعات في سجون السلطة اللاتي آثرن الحفاظ على أجسادهن وعفتهن، او في محاولات السلطة في استغلال الفن والشعر عن طريق إستدراج الممثلة/ كميليا ومغازلتها بالقصائد في استعادة درامية لنزوات السلطة في أزمنة مختلفة، وفي علاقة نصية أخرى إختار الضابط الحفر عميقاً بسكين مثلوم في ذكورة الكاتب الروائي/ لبيد، لتتحول حياته إلى عجز مزمن عن الحياة والكتابة، حتى صار يصف نفسه على نحو مستمر (بالكاتب العظيم) وهي محاولة لإسترجاع ذكورته المستلبة ويده التي هي أداة التعبير التي أطاحت السلطة بها، وفي علاقة دائرية مغايرة إختارت السلطة صناعة الخوف في جسد المدرب ريمون، الذي أختار المخرج المؤلف العمل على شطر الشخصية إلى نصفين أحدهما إمتلك صفة الوفاء والشجاعة وتمثل بالكلب (دودن)، الذي لم يكن حاضراً على نحو مادي بالرغم من فعله الشجاع تجاه سلطة الضابط، اما النصف الآخر فقد تمثل بشخصية ريمون الانتهازي الذي إستطاعت السلطة تحويله إلى أداة حادة لإقصاء المختلفين عنها ابتداء بالكاتب (لبيد) والممثلة (كميليا) لتتحول الحديقة إلى مقبرة .
وقد ذهب المخرج المؤلف إلى تأسيس بنية مشهدية مغايرة تنسجم من طبيعة كل شخصية، الأمر الذي كشف عن حرفية في صياغة أصوات الشخصيات التي تنوع حضورها بحسب متبنياتها السلوكية فشخصية (ريمون) كشفت منذ اللحظة الأولى عن سلوك انتهازي بدا مباشراً في بداية العرض في مشهد الاتصال إذ يقول ( لا علاقة لي بمن مات ومن تحت القصف)، والمؤلف هنا أراد الكشف عن طبيعة الشخصية منذ البداية من اجل أن لا يقع المتلقي في حالة إلتباس مع الشخصيات الأخرى بالرغم من ان الشخصيات كلها تتشارك في حالة القهر التي فرضتها سلطة الضابط عليهم، إلا ان (ريمون) إختار اللعب مع السلطة بمشهديات متنوعة كشفتها سردية الممثلة (كميليا) تعبيراً عن حالة التواطؤ التي وقع فيها (ريمون) بأحضان السلطة في مشاهد صالات القمار والسهرات الليلية مع الضابط، وكأن المخرج المؤلف أراد الكشف عن حالة التواطؤ التي دفعت (ريمون) إلى التضحية بزوجته (كميليا) من اجل الاحتفاظ بمكانته عند الضابط.
وفي صوت درامي مغاير جاء تعبير المخرج المؤلف عن شخصية (لبيد) الروائي المغمور، الذي تهيئ له أن قسوة السلطة عليه والإطاحة بذكورته يمكن لها ان تحوله إلى روائي رفيع المستوى، وهي حالة ازدواجية عمل المؤلف على بناءها داخل جسد الشخصية، الفكرة منها تسطيح البطولة الزائفة في شخصية المثقف العربي، الذي لا يكون حاضرا في المواقف الحقيقية، بل يركن إلى الحياد.
ولم يكن صوت الممثلة (كميليا) مشابها هو الآخر لأصوات الشخصيات، بل على العكس جاء مغايراً على نحو عميق لما فيه من تنوع في حالات الحضور الآني والذاكرة على حدٍ سواء، فضلا عن محاولات الشخصية تبني الخطاب الرافض لسلطة الضابط، ابتداء من رفضها لمحاولات إغتصابها بالقوة والترويع وليس انتهاء بمحاولات إغواءها بالشعر.
فضلا عن ذلك فقد إختلفت البنية النصية التي تشكلت على وفقها شخصيات (السيرك) على مستوى التعبير فنراها عند (ريمون) تعتمد مبدأ الحوار والصراخ والاعتماد على ردود الأفعال من اجل إعادة صياغة الموقف، وقد بدا ذلك واضحاً في المشاهد بين شخصية (ريمون – لبيد) وكذلك المشاهد بين (ريمون – كميليا) من دون ان يكون لها خصوصية الحوار مع الذات، على العكس منها تأتي شخصية (كميليا) التي إختار المخرج المؤلف لها أن تكون مفصلية في التعبير عن حالة المجتمع عامة، لتظهر في مواضع مختلفة خارج حدود (السيرك) داخل حدود (المدينة) وكأن المخرج المؤلف أراد لها ان تتمتع بمديات تعبير مغايره عن الشخصيات الأخرى فهي شخصية تحفر عميقاً في الجسد الاجتماعي المليء بالفجائع.
وقد إختار المخرج المؤلف أن تكون شخصية (لبيد) إنموذجاً لشخصية المثقف الإنعزالي الذي ليست له حياة خارج المدونات السردية التي يسطرها على الورق، حتى تحولت حياته الشخصية نفسها إلى مدونة سردية يروي فيها قصة ذكورته الهاربة، التي لم يقوى على الكشف عن سلطة القمع التي أطاحت بها، بل نراه على العكس من ذلك يسطر بطولاته السردية مع شخصياته الشبقية المفترضة على الورق في محاولة لتعويض النقص الذي أطاحت به السلطة في واقع لا يملك القدرة على مواجهته.
الإخراج ومقترح الرؤية
ذهب المخرج في قراءته الإخراجية الثالثة داخل معمار منتدى المسرح إلى تأسيس فضاء مسرحي، لا يقف بعيداً عن مقترحاته الاخراجية السابقة التي يمكن أن نطلق عليها (ثلاثية الأسدي في منتدى المسرح)، وقد تضمن العرض مقاربات في المفردات الديكورية المتشابهة والتي تأتي الطاولة والجدران المائلة (إلى الخارج) أو (إلى الداخل) في عروض سابقة في مقدمتها، وهو ما يؤكد على حرص المخرج على تبني أسلوب اخراجي يحتكم على بصمات واضحة، كما كان لغيره من المخرجين بصمات اخراجية تمثلت بعضها عند المخرج (صلاح القصب) في أمكنة مغايرة إتسمت في تكرار توظيفه لعديد المفردات التي نذكر منها ( الآلات الموسيقية، اشرطة الأفلام السينمائية ، القماش الأبيض) وغيرها، وهي حالة صحية في التأكيد على الأسلوب الاخراجي، وهو ما إنتهجه الأسدي في تجاربه المسرحية، فالمكان / المنتدى بما فيه من ارث معماري صار قريباً من روح الأسدي بما يتشكل فيه من مسافة حميمة بين الممثل والمتلقي، وهي منطقة يؤكد الأسدي فرضيات الاشتغال عليها في واحد من المقترحات التي تشير إلى أن إختيار المكان عند المخرج يعد من أساسيات تشكيل الرؤية الاخراجية.
اختار المخرج اللعب على كسر المتوقع في مخيال التلقي، فذهب لإختيار عنوان يتيح للمتلقي تشكيل تصور عن الرؤى الاخراجية التي يمكن لها أن تكون حاضرة في التشكيل البصري للعرض المسرحي، إلا ان لعبة المخرج داخل مقترح (السيرك) بدت مغايرة عن تصورات التلقي، فقد ذهب المخرج إلى إقصاء اللعبة والدخول إلى مقترح الرؤية الحادة التي لا تعتمد في تشكلها على جماليات الشكل والسينوغرافيا، بل على العكس نجد ان المخرج أختار توظيف إلى الحد الأدنى من العناصر البصرية التي يعتمدها الإخراج المعاصر، وتعتمد فكرة الإخراج في هذا العرض على مفردات أساسية يتم توظيفها على نحو مشهدي داخل فضاء العرض، فالطاولة التي يعتمدها المخرج في أغلب عروضه تمتلك القدرة على التحول إلى منصة للبوح، ومنبراً للثورة في مواضع أخرى، فضلا عن كونها تمثل حالة للعزلة التي يبحث عنها كاتب مغمور، بالرغم من أن الكراسي البلاستيكية التي رافقت حضور الطاولة لم تكن تنتمي إلى بيئة العرض، إذ بدت غير منسجمة مع تصورات المخرج للمقترح المكاني الذي بدا أن تأثير الحرائق التي طالت السيرك قد وصلت إلى أشجاره وطاولته التي إصطبغت بلون الجدران المتفحمة.
وفي إشارة دالة إلى المكان/الحديقة إختار المخرج تغيير معمارية المكان/المنتدى، وتحويل فضاءه المعماري إلى حديقة جرداء إلا من شجيرات لا روح فيها، تتوزع على جانبيه جدران متفحمة في إشارة إلى مقولة النص بأن (الجانب الجنوبي من السيرك قد إحترق)، وهي علامة لفظية دالة على ما في الجنوب اللبناني من ويلات وموت للأبرياء، وهي إنتباهة نابهة لكل ما يحدث في البلاد العربية التي تتعرض للألم والفجيعة.
من جهة أخرى فإن اعتماد المخرج على إنتاج توصيفات علامية سمعية وبصرية أسهمت على نحو واضح في خلق معادلات صورية نذكر منها ، علامة الرباط الأحمر الذي يرتديه المثقف ( لبيد) في إحالة إلى انتماءه السياسي اليساري وإن لم يتم التأكيد على ذلك على المستوى النصي، إلا أن تعضيد تلك العلامة البصرية بمشهد قتل المثقف عن طريق تغطيته بقطعة كبيرة من القماش الأحمر دلالة على قتل ثقافة اليسار كلها، ذلك أن شكل العلامة وحجمها يؤديان إلى إنتاج معان مختلفة، فضلا عن ذلك فإن توظيف المؤثرات السمعية المتنوعة لا سيما ما تعلق منها بالتعبير عن حالة الكلب (دودن) جاءت على نحو واضح ومؤثر أسهم بخلق علاقة سمعية مع (دودن) تم تعضيدها في مشهد مقتل الكلب الذي إشترك فيه الفعل البصري مع العلامة السمعية، فضلا عن حالة الهياج التي تمثلت بمشهد هجوم المجموعة التي جسدت شخصيات (الكلاب) ارادت الثأر لمقتل (الكلب دودن) من القاتل(ريمون) في واحد من المشاهد المؤثرة على مستوى التشكيل البصري.
حدود الألم في الأداء التمثيلي
ليس جديداً أن يتمثل إشتغال المخرج (جواد الأسدي) على تأسيس علاقة مع الممثل، فهي سمة صارت تشكل أسلوباً في عمله المسرحي، كما هو الحال في تعاطيه مع إعادة تدوير مفرداته الديكورية في عروضه المسرحية لتظهر على نحو مغاير في كل تجربة مسرحية.
وقد بدا حضور الممثلين في عرض (سيرك) متبايناً بحسب طبيعة الشخصيات من جهة وقدرات الممثلين الادائية من جهة أخرى، إذ استطاع (الاسدي) إعادة عشبة خلود الأداء إلى الممثلة القديرة ( شذى سالم) في واحدة من تجاربها الادائية المثيرة للأهتمام على المستوى الحسي والجمالي، وبخاصة ما تكشف في الشخصية التي جسدتها وهي شخصية (كميلة) تلك الممثلة المسحورة بالمسرح والوجع، إمتزج أداء الممثلة بشخصيات ثلاث فهي(كميلة) الممثلة التي عشقت الخشبة وعشقها الجمهور، وهي شخصية فيها الشيء الكثير من شخصية (ميخايلوفا) في مسرحية (تقاسيم على العنبر)، التي حولها الأسدي في عرض (تقاسيم على الحياة) إلى شخصية (ميخايلوف) الممثل المجروح من حال المسرح والتي جسدها ببراعة الممثل (أياد الطائي)، وما هي إلا امتداد لتلك الشخصيات المسرحية المكسورة في مجتمعات لا تقيم وزناً واعتباراً للفن المسرحي؛ وقد إستطاعت الممثلة الفنانة (شذى سالم) الإمساك بتحولات الشخصية في مواضع مختلفة فنجدها تعبر عن ألم المرأة التي يراد كسر عفتها فتظهر متشحة بالسواد في طقس جنائزي مثير، وهي تصيح ألماً (لماذا تركت الحصان وحيداً يا أبي) ، وفي حالة الفجيعة والمرارة والالم من احتراق المسرح بما فيه من ذكريات وجمال، جسدته بأداء عميق وموجع تعبيراً عن حالنا المجروح، وهي الممثلة العاشقة لحياة رحلت عنها بما فيها من ذكريات مع عاشقها (الكاتب لبيد) في لحظات من البوح والألم إلى ما آلت إليه حياته وحياتها، وهي الشخصية المفجوعة بصرخات الأطفال وعربات السكك الحديد المتفجرة وهي تصرخ (أن لا قطارات ستنقلكم الليلة) ، أداء من باطن الروح تعبيراً عن ألم الفقد، إستطاعت فيه أن تمسك خيوط الشخصية المتشعبة عبر اداء متنوع كنا نفتقده منذ زمن.
ويأتي الممثل (علاء قحطان) على الطرف الآخر وهو يجسد شخصية الزوج (ريمون) بما فيها من سلوك إنتهازي يكشف لنا فيه عن مرجعيات ذلك السلوك الذي تبناه الممثل منذ اللحظات الأولى للعرض كما أشرنا لذلك سابقاً، إلا انه إختار الصراخ والضربات العنيفة على الطاولة في لحظات استفزازية سعياً وراء إحداث صدمة في الآخر، وقد أعاد إلينا فكرة البحث في أعماق الشخصية وصولا إلى الكشف عن مصادر الألم والتردد والخوف، الذي أسهم في إنتاج هذه الشخصية بمستوى من الأداء المركب كان الممثل يدفعنا للبحث عن هذا النموذج المتواطئ في الجسد الاجتماعي.
وتأتي شخصية (لبيد) التي جسدها الممثل (أحمد شرجي) بمواصفات الشخصية الملتبسة فهو كاتب تبدو عليه ملامح الأنكسار في بعض مناطق الأداء، إلا أن الممثل ظل ينتمي إلى ما يمكن ان نطلق عليه (الأداء المحايد) الذي لم يتمكن فيه من تشكيل موقف واضح من الشخصية، بما فيها من تحولات وإنكسارات، حتى أن موضوع علاقته بالسلطة وتعذيبه وإقصاء ذكورته ظل بلا ملامح على مستوى الأداء، بل إختار الممثل الحياد في الخوف والالم والتعبير عن الحب، وهي سلوكيات ادائية كانت بها حاجة إلى بعض التبني على مستوى الإنكسار الجسدي ،أو المنطوق الصوتي، سيما وأن الشخصية حملت الكثير من التحولات، من جهة أخرى نجد أن حضور القفاز الأسود في يد الممثل، والذي لم يكن حاضرا منذ بداية العرض، بل تم الكشف عنه في المشاهد الأخيرة، بمعنى أن ثمة تحول حصل للشخصية، إلا أن الممثل ظل ممسكاً بسلوكه الادائي الذي تبناه منذ بداية العرض، وصولا إلى لحظة الكشف عن حالة التعذيب والعجز الجنسي، وهي حالة ادائية ربما كان يراد بإخفائها الوصول إلى نهاية الألم بأداء محايد.
كما ان حضور المجموعة من طلبة الفنون في (معهد واكاديمية الفنون الجميلة) يشكل إضافة جمالية للتجربة، وهي فرصة في الوقت نفسه لهم للتعرف على التجارب الاخراجية، آمل أن يستمروا في المشاركة في مثل هكذا اعمال مسرحية.
الأزياء والاضاءة والموسيقى ومؤثراتها
نفتقد كثيراً توافر العناصر التقنية المساندة للعرض المسرحي على مستوى تصميم الأزياء الذي تبناه المصمم (زياد العذاري) والذي بدت لمساته التصميمة حاضرة في أزياء الممثلين التي غادرنا معها توظيف الملابس المستعملة، من جهة أخرى فإن الإضاءة التي وفرها (عباس قاسم) جاءت على وفق متطلبات الشكل الاخراجي الذي أراده المخرج بما فيها من وضوح وجمالية، ونأتي إلى الحلقة الموؤدة في المسرح العراقي (التأليف الموسيقي والمؤثرات السمعية) والتي أعاد لها الحياة (المخرج والممثل) ومؤلف الموسيقى (رياض كاظم) والتي حققت أثرها في جسد السيرك المسرحي في مواضع مختلفة من العرض، آمل أن يستمر في صناعة الابداع السمعي في المسرح العراقي.



#صميم_حسب_الله (هاشتاغ)       Samem_Hassaballa#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فرضيات الاشتغال الدراماتورجي في العرض المسرحي (خوف سائل)
- التجريب لم يـــكن اخـــــــتيارا..!
- العرض المسرحي ( GPS) تقانة الإخراج في مسرح الممثل
- مسرحية(خلاف) المهيمن السردي في فرضيات المخرج المؤلف
- -حرب العشر دقائق- التباس المضامين في الازمنة
- فرانكفونية الخطاب في مسرحية (YES GODOT)
- مسرح الكارثة .. أو ما بعدها؟
- مسرحية -حنين حار-: ذاكرة حاضرة ومستقبل ملتبس ؟
- نبوءة الدم.. وخرافة اليقين في مسرحية (مكبث)
- مسرحية (فُلانة): الهيمنة الذكورية في منتدى المسرح
- تقاسيم -جواد الاسدي- في منتدى المسرح ( قراءة من داخل التجربة ...
- ثنائية (الوعي – العزلة) في تجربة المخرج المسرحي فاضل خليل
- الخطاب المعرفي في المسرح إنتاج أم إستهلاك؟
- مسرحية ( رائحة حرب) الهيمنة التقنية وجماليات الإطاحة بالرؤية ...
- -سينما- الفضاء الميت !
- -وقت ضايع- في رحلة البحث عن المدهش البصري!
- حوار مع المخرج المسرحي : د.جواد الأسدي البروفة مع الممثلات ا ...
- -حلم الغفيلة - لم ينضج بعد !
- مسرحية - سرداب- الزمن ذاكرة المستقبل
- مسرحية -يا رب- : المقدس بين سلطة الدين وسلطة العقل !


المزيد.....




- -لون الرمان- وغيره.. أفلام سوفيتية وروسية في برنامج الدورة ا ...
- -حوريات- لكمال داود تفوز بجائزة -غونكور- المرموقة
- دعمت كلينتون سابقا وهاريس حاليا.. هل أصبحت الفنانة بيونسيه ف ...
- هل يمكن العيش بلا أيديولوجيا؟.. الصادق الفقيه: مفتاح الاستقر ...
- نعاه كاظم الساهر.. كوينسي جونز ترك بصمته على مغنين عرب أيضا ...
- صحيفة -شارلي إبيدو- تسخر من ترامب وهاريس بـ-كاريكاتير- (صورة ...
- منح الكاتب الفرنسي من أصل جزائري كمال داود جائزة غونكور عن ر ...
- “يعرض الآن” مسلسل صلاح الدين الايوبي الحلقة 31 مترجمة على قن ...
- شاهد.. النجم البريطاني يسقط في فجوة على المسرح أثناء حفل موس ...
- منى زكي: تجسيد أم كلثوم تجربة غيّرت حياتي


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صميم حسب الله - الكتابة بسكين مثلوم!! تقانة الميتامسرح في -سيرك- الاسدي