خالد خليل
الحوار المتمدن-العدد: 8151 - 2024 / 11 / 4 - 18:13
المحور:
الادب والفن
في قريةٍ صغيرة تقع على ضفاف النهر، عاش أخوان، سعد وليلى. سعد كان الأكبر، شاباً يافعاً هادئاً، عيناه تسبحان في بحرٍ من التأمل العميق. أما ليلى، فقد كانت مثل نسمة صباحٍ في ربيعٍ هادئ؛ تملأ البيت حيوية وتعلق الزهور في شعرها الأسود الطويل.
كبر الأخوان معاً، يلعبان ويضحكان على ضفاف النهر، غير أن شيئاً غامضاً بدأ يتسرب بينهما ببطء. لقد بدأ سعد يشعر بثقلٍ لا يفسره، كأن ظلاً ثقيلاً يثبّته في مكانه، بينما ليلى تسير خفيفة، كأنها طائرٌ لا يعرف معنى القيود. كان ينظر إليها وهي تركض نحو النهر تضحك، فيشعر بشيءٍ يكاد يخنقه.
في أحد الأيام، بينما كانا يجلسان على ضفة النهر، نظرت ليلى إلى سعد وسألته بابتسامة: "لماذا لا تضحك يا سعد؟" ردّ وهو يشرد بعيدًا: "لا أدري، ربما نسيت كيف أفعل."
ثم بصوتٍ خافت، بالكاد يسمعه، قال: "أشعر وكأنك تأخذين كل ضوء العالم وتتركين لي الظلام."
نظرت ليلى إليه بدهشة، ولم تفهم كلماته.
في تلك الليلة، وبينما كانت ليلى تغط في نومٍ عميق، قرر سعد أن يذهب للنهر وحده. جلس على ضفافه، وراح يحدق في الماء، يسائل نفسه، محاولًا فهم الثقل الذي يشعر به. وفجأة، رأى انعكاس وجهه في الماء يتلاشى ليحلّ محله ظلٌّ كثيف، يغمره ويغوص عميقًا في الماء.
في اليوم التالي، استيقظت ليلى ولم تجد سعد. بحثت عنه في كل مكان، ثم هرعت إلى النهر، قلبها يرتجف، كأنها تشعر بشيءٍ مروع. هناك، رأت أثراً لقدميه يقود إلى النهر ويتوقف على ضفافه.
مضت الأيام، واستمر أهل القرية في ترديد الحكايات عن "ظلّ سعد"، الذي يُرى أحيانًا يطفو فوق الماء ليلاً، ويقترب من النهر قبل أن يتلاشى في الهواء.
أما ليلى، فلم تتحدث عن سعد بعد ذلك أبدًا. لكنها لم تتوقف عن زيارة النهر كل مساء، تحدق في الماء، وكأنها تبحث عن ظلّه، وتنتظر شيئاً لا تعرف ماهيته.
وفي ليلةٍ مقمرة، وقفت ليلى قرب النهر، شعرت بشيء يلامس كتفها برفق. التفتت ولم تجد أحداً، لكنها شعرت وكأن ظلاً دافئاً يعانقها، وابتسامة خفية ترتسم على شفتيها.
ومع الوقت، بدأ سكان القرية يلاحظون أن ليلى لم تعد تركض ضاحكة كما كانت. أصبح نورها خافتًا، كأنها تخفي ظلًّا ما في قلبها.
#خالد_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟