|
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و الملكية الخاصة والدولة 13
عبدالرحيم قروي
الحوار المتمدن-العدد: 8149 - 2024 / 11 / 2 - 16:15
المحور:
الارشيف الماركسي
الحلقة 13
9ـ البربرية والحضارة لقد تتبعنا انحلال النظام العشائري في ثلاثة أمثلة كبيرة: عند اليونانيين و الرومانيين و الجرمان. لندرس الآن ختاماً الظروف الاقتصادية العامة التي قوضت التنظيم العشائري للمجتمع في الطور الأعلى من البربرية و إزالته كلياً عند ظهور الحضارة. و هنا سيكون كتاب ماركس "رأس المال" ضرورياً مثل كتاب مورغان. بقدر ما تسمح لنا مصادرنا، نستطيع القول أن العشيرة التي نشأت في الدرجة الوسطى من الوحشية و ظلت تتطور في درجتها العليا، قد بلغت أوجها في الدرجة الدنيا من البربرية. و من درجة التطور هذه، سنبدأ. و هنا، حيث ينبغي أن يكون لنا الهنود الحمر الأميركيون مثالاً، نجد النظام العشائري متطوراً تماماً. فقد انقسمت القبيلة إلى بضع عشائر و على العموم إلى اثنتين. و كل من هذه العشائر الأولية تنقسم بدورها، بقدر ما يتنامى عدد السكان، إلى بضع عشائر بنات تقوم العشيرة الأم تجاهها بدور فراترية. و القبيلة ذاتها تنقسم إلى بضع قبائل نجد في كل منها من جديد في معظم الأحوال العشائر السابقة. و يضم الاتحاد، على الأقل في بعض الأحوال، قبائل تجمع بينها قرابة الدم. إن هذا التنظيم البسيط يطابق تماماً الظروف الاجتماعية التي انبثق منها. و هو ليس غير تركيب ملازم لهذه الظروف نشأ بصورة طبيعية، و بمقدوره أن يسوي جميع النزاعات التي قد تنشب داخل المجتمع المنظم على هذا النحو. أما النزاعات مع العالم الخارجي، فإن الحرب هي التي تحلها. و قد تنتهي الحرب بإبادة القبيلة، و لكنها لا تنتهي في حال من الأحوال باستعبادها. إن عظمة النظام العشائري و محدوديته في آن واحد، إنما تقومان في أنه لا مكان فيه لأجل السيادة و الاستعباد. و داخل النظام العشائري لا يوجد أي فرق بين الحقوق و الواجبات. و لا ترد بالنسبة للهندي الأحمر مسألة ما إذا كان الاشتراك في الشؤون العامة، أو الثأر أو دفع فدية عنه حقاً أو واجباً، و هذه المسالة تبدو له خرقاء كمسألة ما إذا كان الأكل و النوم و الصيد حقاً أو واجباً. كذلك لا يمكن أن يحدث انقسام القبيلة أو العشيرة إلى طبقات مختلفة. و هذا ما يسوقنا إلى بحث الأساس الاقتصادي لهذا النظام. السكان قليلون للغاية، و نسبتهم أكثف في مكان إقامة القبيلة فقط. و حول هذا المكان، يمتد حزام عريض من الأراضي لأجل الصيد أولاً، ثم حزام حيادي واق من العابات يفصل القبيلة عن القبائل الأخرى. و تقسم العمل عفوي صرف. و هو لا يقوم إلا بين الذكور و الإناث. الرجال يحاربون و يمضون إلى الصيد البري و إلى صيد السمك، و يستحصلون على المادة الأولية لأجل الطعام و يصنعون لهذا الغرض الأدوات الضرورية. و المرأة تشتغل في البيت و تهيئ الطعام و الألبسة، إنها تطبخ و تحيك و تخيط. و كل من الرجل و المرأة سيد في ميدانه، الرجل في الغاب و المرأة في البيت. و كل منهما مالك للأدوات التي يصنعها و يستعملها: الرجل مالك للأسلحة و لوازم الصيد البري و صيد السمك، و المرأة مالكة للأدوات البيتية. و الاقتصاد البيتي تديره على أسس شيوعية بضع عائلات و أحياناً كثيرة عدد كبير من العائلات* . و ما يجري إعداده و استعماله بصورة مشتركة هو ملكية عامة، مشتركة: البيت، البستان، الزورق. فهنا إذن، و هنا فقط، توجد بالفعل "الملكية، ثمرة العمل الشخصي" التي اختلقها الحقوقيون و الاقتصاديون في المجتمع المتحضر، و التي هي آخر مبرر حقوقي باطل لا تزال ترتكز عليه الملكية الرأسمالية المعاصرة. و لكن الناس لم يتوقفوا في كل مكان عند هذه الدرجة. ففي آسيا وجدوا حيوانات يمكن تدجينها و من ثم تربيتها بعد تدجينها. كان ينبغي اصطياد أنثى الجاموس البري، أما المدجنة، فقد كانت تلد كل سنة عجلاً ناهيك بأنها كانت تدر حليباً. إن بعضاً من أكثر القبائل تقدماً،-الآريين و الساميين، و لربما أيضاً الطورانيين- قد جعلوا من تدجين المواشي أولاً، و من تربيتها و رعايتها فيما بعد، الفرع الرئيسي من نشاطهم. و انفصلت قبائل الرعاة عن بقية البرابرة. و كان ذلك أول تقسيم اجتماعي كبير للعمل. كانت قبائل الرعاة لا تنتج أكثر من سائر البرابرة و حسب، بل كانت وسائل العيش التي تنتجها مختلفة أيضاً. فلم يكن يتوفر لها الحليب و الألبان و اللحوم بكميات أكبر بكثير و حسب، بل كانت تتوفر لها أيضاً الجلود و الصوف و شعر الماعز، و كذلك الخيوط و الأقمشة التي كان إنتاجها يزداد مع تزايد المواد الأولية. و على هذا النحو أصبح التبادل المنتظم ممكناً للمرة الأولى. أما في الأطوار السابقة من التطور، فلم يكن من الممكن أن يحدث التبادل إلا من قبيل الصدفة. إن المهارة الخاصة في صنع الأسلحة و الأدوات قد تؤول إلى تقسيم العمل لفترة من الوقت. فقد وجدت، مثلاً، في كثير من الأنحاء، بقايا ثابتة أكيدة لمشاغل كانت تصنع الأدوات الحجرية في العصر الحجري المتأخر. و كان الحرفيون الذين يرقون مهارتهم فيها يشتغلون، أغلب الظن، على حساب و في صالح الجماعة كلها، كما لا يزال يفعل ذلك الآن الحرفيون الدائمون في المشاعات العشيرية في الهند. في هذه المرحلة من التطور، لم يكن من الممكن أن يقوم التبادل إلا في قلب القبيلة، ناهيك بأنه بقي هنا أيضاً ظاهرة استثنائية. أما الآن، بعد انفصال قبائل الرعاة و تميزها، فإننا نجد، على العكس، جميع الشروط و الظروف جاهزة لأجل اللتبادل بين أعضاء مختلف القبائل، لأجل تطوره و توطده بوصفه مؤسسة دائمة. في البدء كان التبادل يجري بين قبيلة و قبيلة بوساطة شيوخ العشائر في كل قبيلة. أما عندما أخذت القطعان تصبح ملكية شخصية، فقد أخذ التبادل بين الأفراد يهيمن أكثر فأكثر، إلى أن صار أخيراً الشكل الوحيد للتبادل. و لكن الماشية كانت السلعة الرئيسية التي تتبادلها قبائل الرعاة مع جيرانها. و قد غدت الماشية بضاعة تُقَّدر بها جميع البضائع الأخرى و تُقْبَل في كل مكان بطيبة خاطر مقابل البضائع الأخرى، و بكلمة، اكتسبت الماشية وظيفة النقد و قامت بدور النقد في هذا الطور. ذلك أن الحاجة إلى بضاعة خاصة هي النقد كانت ماسة و ملحة للغاية منذ بداية تبادل البضائع بالذات. أغلب الظن أن سكان آسيا لم يعرفوا البستنة في الطور الأدنى من البربرية، و لكنها ظهرت عندهم في الطور الأوسط، لا بعده، كسابقة للزراعة. فإن المناخ في السهول الطورانية لا يسمح بالحياة الراعية بدون احتياطيات من العلف للشتاء الطويل و القاسي، و لذا كانت العناية بالمروج و زراعة الحبوب أمراً ضرورياً لا غنى عنه هنا. و الشيء نفسه يجب قوله بصدد السهوب الواقعة شمالي البحر الأسود. و لكن ما أن بدأ إنتاج الحبوب لأجل المواشي حتى أصبحت بعد فترة وجيزة طعاماً للإنسان أيضاً. و بقيت الأراضي المحروثة ملكاً للقبيلة، و كان يعهد باستغلالها إلى العشيرة في البدء، و فيما بعد، من قبل العشيرة ذاتها إلى المشاعات البيتية، و أخيراً، إلى الأفراد. و لربما كان للأفراد بعض حقوق وضع اليد عليها، و لكن لا أكثر. بين منجزات هذا الطور في حقل النشاط الصناعي، تتسم اثنتان بأهمية كبيرة جداً هي، أولاً، أداة الحياكة و ثانياً، صب الفلزات المعدنية و معالجة المعادن. و كان النحاس و القصدير، و كذلك البرونز المصبوب منهما أهم المعادن، فالبرونز أعطى أدوات نافعة و أسلحة فعالة، و لكنه لم يكن بوسعه أن يحل محل الأدوات الحجرية، فلم يكن من الممكن أن يقوم بهذه المهمة غير الحديد، و الحال، كانوا لا يعرفون بعد كيف يستخرجونه. و قد شرعوا يستعملون الذهب و الفضة لأجل الزين و الحلى، لأنهما كانا، على ما يبدو، قد كسبا قيمة أكبر من قيمة النحاس و البرونز. إن نمو الإنتاج في جميع الفروع-تربية الماواشي، الزراعة، الحرف المنزلية- قد منح قوة عمل الإنسان القدرة على إنتاج كمية من المنتوجات تزيد عما يحتاج إليه للعيش و البقاء. و زاد في الوقت نفسه كمية العمل الذي يترتب على كل من أعضاء العشيرة أو المشاعة البيتية أو العائلة المنفردة أن يبذله يومياً. و ظهرت الحاجة إلى استعمال قوة عمل جديدة. فقدمت الحرب هذه القوة: فقد طفقوا يحولون أسى الحرب إلى عبيد. و بإنماء إنتاجية العمل و بالتالي الثرو، و بتوسيع ميدان النشاط الإنتاجي، أدى أول تقسيم اجتماعي كبير للعمل، في مجمل الظروف التاريخية المعنية، إلى نشوء العبودية بصورة محتمة. و من أول تقسيم اجتماعي كبير للعمل نجم أول انقسام كبير للمجتمع إلى طبقتين، الأسياد و العبيد، المستثمِرين و المستثمَرين. كيف و متى انتقلت القطعان من ملكية القبيلة أو العشيرة إلى ملكية رؤساء العائلات؟ نحن لا نعرف حتى الآن أي شيء عن هذا. و لكنه لا بدّ أن هذا الانتقال قد وقع أساساً في هذا الطور. و مع اقتناء القطعان و غير ذلك من الثروات الجديدة، حدثت ثورة في العائلة. إن تحصيل أسباب المعيشة كان دائماً من شؤون الرجل، و كان هو الذي يصنع الوسائل اللازمة لهذا الغرض و كان هو مالكها. و كانت القطعان وسائل جديدة لتحصيل أسباب المعيشة. و كان من شأن الرجل تدجينها أولاً ثم حراستها و رعايتها ثانياً. و لهذا كانت الماشية تخصه، و كانت تخصه أيضاً البضائع و العبيد التي يحصل عليها مقابل رؤوس الماشية. و أخذت الفوائض التي توفرها الآن تربية الماشية تعود إلى الرجل. كانت المرأة تشارك في استهلاك هذه الفوائض، و لكن لم تكن لها حصة في ملكيتها. لقد كان "المتوحش"، المحارب و الصياد، يكتفي في البيت بالمرتبة الثانية بعد المرأة، أما الراعي "الوديع" فقد أحتل المرتبة الأولى متبجحاً بثورته، و أزاح المرأة إلى المرتبة الثانية. و لم يكن بوسعها أن تتذمر و تتشكى. فإن تقسيم العمل في العائلة كان قد حدد و اشترط تقسيم الملكية بين الرجل و المرأة. و قد بقي تقسيم العمل كما كان عليه، و لكنه قلب الآن كلياً العلاقات البيتية السابقة، و ذلك لسبب واحد هو أن تقسيم العمل خارج العائلة قد تغير. إن السبب نفسه الذي كان ضمن من قبل للمرأة السيادة في البيت،-أي قيامها بالأعمال المنزلية فقط-إن هذا السبب نفسه قد ضمن الآن للرجل بصورة محتمة السيادة في البيت. لقد فقد الآن عمل المرأة البيتي أهميته بالقياس إلى عمل الرجل المنتج، إن عمله كان كل شيء، بينما عملها مجرد ملحق تافه. و هنا أخذ يتبين أن تحرر المرأة، مساواتها في الحقوق مع الرجل، أمر غير ممكن، لا الآن و لا في المستقبل، ما دامت المرأة مقصية عن العمل المنتج الاجتماعي و مضطرة إلى الاكتفاء بالعمل البيتي الخاص. و لن يصبح تحرر المرأة أمراً ممكناً إلا متى استطاعت أن تشارك، على نطاق اجتماعي كبير، في الإنتاج و متى أصبح العمل البيتي لا يأخذ من وقتها إلا قدراً ضئيلاً. و هذا ما لم يصبح ممكناً إلا بفضل الصناعة الكبيرة العصرية التي لا تتيح عمل النساء على نطاق كبير و حسب، بل تتطلبه صراحة و تحاول أكثر فأكثر أن تجعل من العمل البيتي الخاص جزءً لا يتجزأ من الإنتاج الاجتماعي. و مع توطد سيادة الرجل الفعلية في البيت، سقطت آخر الحواجز أمام سلطته المطلقة. و هذه السلطة المطلقة وطدها و خلدها سقوط الحق الأمي، و تطبيق الحق الأبي، و الانتقال التدريجي من الزواج الثنائي إلى أحادية الزواج. و لكن هذا أحدث في الوقت نفسه ثغرة في النظام العشائري القديم: فقد غدت العائلة الفردية قوة انتصبت في وجه العشيرة مهددة. إن الخطوة التالية تقودنا إلى الطور الأعلى من البربرية، إلى مرحلة تعيش فيها جميع الشعوب المتمدنة عصرها البطولي، عصر السيف الحديدي، و كذلك عصر المحراث الحديدي و الفأس الحديدية. فقد شرع الحديد يخدم الإنسان، و هو آخر و أهم جميع أصناف المواد الأولية التي اضطلعت بدور ثوري في التاريخ و الصنف الأخير-حتى ظهور البطاطا. و قد أتاح الحديد حراثة الحقول على مساحات أكبر و استئصال رقع شاسعة من الغابات لأجل حراثة تربتها، و أعطى الحرفي أدوات تتميز بصلابة وحدة ما كان من الممكن أن يقاومهما أي حجر أو أي من المعادن المعروفة آنذاك. كل هذا لم يحدث دفعة واحدة. فأحياناً كثيرة، كان الحديد الأول لا يزال أقل صلابة من البرونز. و لهذا لم ينقرض السلاح الحجري إلا ببطء، و ليس في "نشيد هيلديبراند" و حسب، بل أيضاً في معركة هاستينغس، عام 1066، استخدمت الفؤوس الحجرية أثناء القتال (159). و لكن التقدم استمر الآن بلا مردّ، بمزيد من السرعة، و أقل من الانقطاعات. و إذا المدينة التي تضم بين أسوارها و أبراجها و شرفاتها المسننة الحجرية بيوتاً من الحجر أو الآجر، تغدو مركز القبيلة أو اتحاد القبائل، و كان ذلك تقدما هائلاً في فن البناء و لكنه كان أيضاً دليل خطر متفاقم و حاجة متعاظمة إلى الحماية. و تنامت الثروة بسرعة، و لكن بوصفها ثروة أفراد. و أخذت الحياكة و معالجة المعادن و الحرف الأخرى تنفصل و تنعزل أكثر فأكثر بعضها عن بعض، و أخذ الإنتاج يزداد تنوعاً و إتقاناً أكثر فأكثر. و علاوة على الحبوب و البقول و الفواكه، بدأت الزراعة تعطي الآن الزيت النباتي و الخمور بعد أن تعلم الناس صنعها. و هذا النشاط المتنوع الوجوه لم يبق من الممكن أن يمارسه شخص واحد بمفرده، فحدث التقسيم الكبير الثاني للعمل: فقد انفصلت الحرفة عن الزراعة. إن نمو الإنتاج و معه إنتاجية العمل بلا انقطاع قد رفع قيمة قوة عمل الإنسان، و إذا العبودية التي كانت في الطور السابق قد ظهرت للتو و حسب و كانت تتسم بطابع عرضي، تصبح الآن جزءاً مكوناً جوهرياً من النظام الاجتماعي. و لم يبق العبيد مجرد معاونين، بل شرعوا يسوقونهم بالعشرات إلى العمل في الحقول و في المشاغل. و مع انقسام الإنتاج إلى فرعين رئيسيين كبيرين، هما الزراعة و الحرفة، يظهر الإنتاج من أجل التبادل مباشرة، أي الإنتاج البضاعي، و معه تظهر التجارة، لا داخل القبيلة و على حدودها و حسب، بل أيضاً مع البلدان الواقعة ما وراء البحار، و لكن كل هذا بشكل لا يزل بعد بدائياً. و أخذت المعادن الثمينة تصبح البضاعة المهيمنة و الشاملة أي النقود، و لكنهم لم يشرعوا بعد بسك هذه النقود، بل كانوا يكتفون بتبادلها حسب وزنها. و إلى جانب الفرق بين الأحرار و العبيد، يظهر الفرق بين الأغنياء و الفقراء، فالتقسيم الجديد للعمل يرافقه انقسام جديد للمجتمع إلى طبقات. و فوارق الملكية بين مختلف رؤساء العائلات تفجر المشاعة البيتية الشيوعية القديمة حيثما ظلت قائمة، و مع هذه المشاعة تزول حراثة الأرض بصورة مشتركة بوسائلها. و توضع الأراضي الصالحة للزراعة تحت تصرف العائلات الفردية لكي تستغلها، أولا لفترة من الوقت، و فيما بعد إلى الأبد. إن انتقال هذه الأراضي إلى الملكية الخاصة الكاملة يتحقق تدريجياً و في آن واحد مع الانتقال من الزواج الثنائي إلى أحادية الزواج. و تصبح العائلة الفردية الوحدة الاقتصادية في المجتمع. إن تزايد كثافة السكان يجبر على المزيد من التلاحم سواء في الداخل أو في وجه العالم الخارجي. و في كل مكان، يغدو اتحاد القبائل التي تجمع بينها رابطة القربى أمراً ضرورياً لا غنى عنه، و سرعان ما يغدو من الضروري أيضاً اندماجها فيما بينها و بالتالي دمج مختلف أراضيها القبلية في أرض واحدة مشتركة للشعب بأسره. و يغدو زعيم الشعب العسكري-rex,basileus,thiudans (الركس، الباسيليوس، الثيودانس) موظفاً ضرورياً، دائماً. و تظهر الجمعية الشعبية حيث لم يكن لها وجود بعد. القائد العسكري، المجلس، الجمعية الشعبية،-تلك هي هيئات المجتمع العشائري الذي تطور و صار ديموقرايطة عسكرية. عسكرية لأن الحرب و التنظيم لأجل الحرب أصبحا الآن وظيفتين دائمتين منتظمتين في حياة الشعب. و ثروات الجيران تثير الجشع و الطمع عند الشعوب التي يبدو أن الحصول على الثروات غدا واحداً من أهم أهدافها في الحياة. إنها بربرية: فالنهب يبدو لها أسهل و حتى أشرف من العمل البنّاء. و الحرب التي كانوا لا يخوضون غمارها من قبل إلا لأجل الثار من الاعتداءات، أو لأجل توسيع رقعة الأراضي التي لم تعد تكفي، إنما يخوضون غمارها الآن مع أجل النهب و حسب، و تصبح حرفة دائمة. و ليس عبثاً ترتفع الأسوار الرهيبة حول المدن المحصنة الجديدة، ففي خنادقها يفتح مدفن النظام العشائري شدقيه، و أبراجها تتطاول نحو الحضارة. و الأمر نفسه يحدث في داخل المجتمع. فإن حروب النهب تعزز سلطة القائد العسكري الأعلى و كذلك سلطة القادة العسكريين الخاضعين له. و انتخاب أسلافهم بحكم العادة من العائلات ذاتها يغدو شيئاً فشيئاً، و لا سيما منذ توطد الحق الأبوي، سلطة وراثية و توضع أسس السلطة الملكية الوراثية و أسس الأريستقراطية الوراثية. و هكذا تنفصل هيئات النظام العشائري تدريجياً عن جذورها في الشعب، في العشيرة، في الفراترية، في القبيلة، و يتحول النظام العشاري كله إلى نقيضه: فمن تنظيم للقبائل لأجل تصريف شؤونها بحرية يتحول إلى تنظيم لأجل نهب الجيران و اضطهادهم، و تبعاً لذلك تتحول هيئاته من أدوات لإدارة الشعب إلى هيئات مستقلة للسيطرة و الاستبداد موجهة ضد شعبها بالذات. و لكنه لم يكن من الممكن أن يحدث هذا يوماً لو لم يفرق الطمع الشديد بالثروة أعضاء العشيرة إلى أغنياء و فقراء، لو "لم تحول فوارق الملكية داخل العشيرة الواحدة وحدة المصالح إلى تناحر بين أعضاء العشيرة"(ماركس)(160)، و لو لم يكن قد بدأ انتشار العبودية يحمل على اعتبار تحصيل أسباب العيش بالعمل الشخصي أمراً جديراً بالعبد و حسب، و أشد خزياً من النهب. يتبع
#عبدالرحيم_قروي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و ال
...
-
بين احتقان الشارع ومسؤولية المناضل الثوري
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و ال
...
-
بين -الخصوصية- كمغالطة تحريفية و-التحليل الملموس للواقع المل
...
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و ال
...
-
في الحياة ما يستحق 17
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و ال
...
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و ال
...
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و ال
...
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و ال
...
-
في الحياة ما يستحق 15
-
في الحياة ما يستحق الذكرى 16
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و ال
...
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و ال
...
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و ال
...
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و ال
...
-
1من أجل ثقافة جماهيرية بديلة - فريدريك أنجلز-أصل العائلة و ا
...
-
فيسبوكيات 5
-
في الحياة ما يستحق الذكرى 15
-
مسؤولية المثقف في التطور الحضاري
المزيد.....
-
وسائل إعلام إسرائيلية: مسيّرة حزب الله حلقت في الشمال مدة 17
...
-
صفارات الإنذار تدوي في -بات شلومو- بمحيط قيسارية خشية تسلل ط
...
-
صفارات الإنذار تدوي في -بنيامينا- شرقي قيساريا خشية تسلل طائ
...
-
صفارات الإنذار تدوي في -زخرون يعقوب- شمال قيساريا خشية تسلل
...
-
الجبهة الديمقراطية: في الذكرى الـ 107 لوعد بلفور المشؤوم
-
ينظم حزب التقدم والاشتراكية جامعته السنوية حول موضوع : السيا
...
-
تأجيل مهرجان طريق الشعب التاسع حتى إشعار آخر
-
الذكرى السابعة بعد المئة للوعد المشؤوم من ديفيد لويد جورج إل
...
-
الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (إ.م.ش) تدعو للمشاركة الوازنة
...
-
النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 576
المزيد.....
-
مقدمة في -المخطوطات الرياضية- لكارل ماركس
/ حسين علوان حسين
-
العصبوية والوسطية والأممية الرابعة
/ ليون تروتسكي
-
تحليل كلارا زيتكن للفاشية (نص الخطاب)*
/ رشيد غويلب
-
مَفْهُومُ الصِراعِ فِي الفسلفة المارْكِسِيَّةِ: إِضاءَةِ نَق
...
/ علي أسعد وطفة
-
من أجل ثقافة جماهيرية بديلة 5 :ماركس في عيون لينين
/ عبدالرحيم قروي
-
علم الاجتماع الماركسي: من المادية الجدلية إلى المادية التاري
...
/ علي أسعد وطفة
-
إجتماع تأبيني عمالي في الولايات المتحدة حدادًا على كارل مارك
...
/ دلير زنكنة
-
عاشت غرّة ماي
/ جوزيف ستالين
-
ثلاثة مفاهيم للثورة
/ ليون تروتسكي
-
النقد الموسَّع لنظرية نمط الإنتاج
/ محمد عادل زكى
المزيد.....
|