|
من دفتر اليوميات/ محمود شقير15
محمود شقير
الحوار المتمدن-العدد: 8149 - 2024 / 11 / 2 - 16:13
المحور:
الادب والفن
الخميس 5 / 6 / 1997 في مثل هذا اليوم، قبل ثلاثين عاماً، وقعت الهزيمة المرة. الساعة الآن التاسعة والنصف ليلاً. أنا أجلس في البيت وأتذكر أننا كنا في مثل هذه الساعة قبل ثلاثين عاماً، قد غادرنا بيتنا، كما فعلنا العام 1948 ، والتجأنا إلى بيوت أقاربنا التي تقع في الجزء الشرقي البعيد من قرية السواحرة الغربية. أمضينا أياماً قاسية، ثم استمر مسلسل الهزيمة حتى يومنا هذا. هذا اليوم، هاتفت الناقد محمود أمين العالم. كان مريضاً في بيته في القاهرة. تمنيت له الشفاء العاجل، ثم تحدثنا عن الجوائز التي سوف تمنحها الوزارة لبعض المبدعين الفلسطينيين (هو عضو في اللجنة التي تقرأ الآن مجموعة من النتاجات الروائية والقصصية والنقدية). أخبرني أنه سوف ينتهي قريباً من قراءة النصوص المعنية. يوم أمس، كنت في إجازة. اصطحبت ابنتي أمينة إلى مستشفى هداسا في عين كارم، لإجراء فحص لها، له علاقة بمرض ضمور العضلات. وعدها الأطباء بأنهم سيدققون في المعلومات التي لديهم، لعلهم يستطيعون تحديد المرض بدقة، ولمعرفة ما إذا كان يمكن وصف بعض الأدوية التي تعيق استفحال المرض. كنت متألماً لما يجري لأمينة وهي بعدُ شابة في عمر الورود.
الجمعة 13 / 6 / 1997 خلال الأسبوع الماضي، شاهدت عدداً من الأفلام العربية المدعومة من فرنسا: السيدة (من تونس). سلاماً يا ابن العم (مرزاق علواش- الجزائر). مارسيدس (يسري نصر الله- مصر). كان يا ما كان (جوسلين صعب- بيروت). الجبل (حنا إلياس- فلسطيني/ الناصرة)، علاوة على فيلم وثائقي من بيروت لرندة الشهال، وفيلم وثائقي فرنسي مهم عن حياة الحشرات (ميكرو كوزموس). أعجبني فيلم علواش لما فيه من سلاسة وتتبع لحياة المهاجرين العرب في باريس. أعجبني كذلك أسلوب المخرج يسري نصر الله، حيث هناك لمحات من أسلوب يوسف شاهين: الحكاية المركبة متناثرة الأجزاء. كسر التواتر الرتيب في عملية السرد. قبل أيام زرت بشير البرغوثي في بيته، بعد أن عاد من عمان التي قضى فيها عدة أسابيع للعلاج. حالته الآن مستقرة، لكنه ما زال يعاني من آثار الشلل الذي أصاب خده الأيسر ويده اليسرى وساقه. أرجو له الشفاء من هذا المرض الذي ألم به. الطقس في الخارج لطيف جداً. وثمة رياح صيفية تهب دون توقف. الساعة تقترب من الواحدة ليلاً. المزاج عادي. سأقرأ بعض الوقت في مذكرات بهجت أبو غربية، ثم أنام.
الاثنين 16 / 6 / 1997 هاتفت محمود درويش وهنأته بمناسبة حصوله على أعلى وسام فرنسي أثناء مشاركته في الربيع الفلسطيني في فرنسا. شكرني على التهنئة ثم سألني عن الكتاب الذي أكتبه عن القدس. أخبرته بأنني ما زلت أشتغل عليه، ثم طلب مني أن أواصل الكتابة لمجلة الكرمل، فوعدته خيراً. أمضيت فترة ما بعد الدوام في مكتبي بالوزارة، ولم أغادره إلى البيت إلا في الثامنة مساء. أعددت بعض المواد الأدبية للعدد 11 من دفاتر ثقافية. ثم قرأت قصصاً ومقالات في بعض المجلات الثقافية القادمة من مصر. بعد انفصال مديرية الفنون عن مديرية الآداب في الوزارة، بدأت أشعر أن مهماتي أصبحت أقل إرهاقاً، وسأحاول استثمار وقتي في القراءة والكتابة. الطقس حار هذه الليلة. ثمة ريح خفيفة ساخنة في الخارج. سأقرأ بعض الوقت في التوراة بعد طول انقطاع.
الجمعة 20 / 6 / 1997 انشغلت بالرسم بعض الوقت. أنجزت رسوماً بالألوان الزيتية. الحفيد محمود ما زال غير قادر على النطق السليم، غير أنه يتحسن ببطء. وقف بالقرب مني وأنا أمارس الرسم. قال بلغة غير واضحة إنه يريد أن يتفرج، فأبديت موافقة على ذلك. وحينما توقفت عن الرسم وبدأت الكتابة على الكمبيوتر، قال إنه يريد أن يتفرج، فسمحت له بذلك، غير أن رغبته في المشاغبة استبدت به فتسبب لي بإزعاج غير قليل. طلبت منه أن يغادر الغرفة. رفض في بداية الأمر، ثم انصاع إلى ذلك حينما لاحظ أنني مستاء منه. أغلقت باب الغرفة وانهمكت في الكتابة. في المساء صعدت إلى سطح البيت. تأملت القمر وهو بدر مكتمل. تأملت القدس وسورها الذي يبدو واضحاً تحت الأضواء المسلطة عليه. خطرت ببالي أطماع الإسرائيليين في مدينتنا الوادعة، فشعرت بالأسى، ثم عدت إلى غرفتي لقراءة ما انكسر علي من صحف الأسبوع الأخير. الساعة الآن الثانية إلا الربع ليلاً. ثمة سكون ثقيل في الخارج.
الجمعة 27 / 6 / 1997 لم أغادر البيت. قرأت عدة ساعات وانتهيت من صحف ومجلات كانت مكدسة بالقرب من سريري. كان المفروض أن أواصل الكتابة في "ظل آخر للمدينة". غير أنني انشغلت في متابعة عرض موسيقي راقص بثه التلفاز. قبل يومين، ذهبت ضمن وفد من حزب الشعب لحضور افتتاح المؤتمر الثالث والعشرين للحزب الشيوعي الإسرائيلي في حيفا. أعضاء الوفد هم: نعيم الأشهب، فؤاد رزق، حنا عميرة، غسان الخطيب، طاهر الشلودي وأنا. وكان ثمة وفود من تنظيمات فلسطينية أخرى. قرأت "مجتمع يثرب" لخليل عبد الكريم (كاتب مصري من حزب التجمع وهو شيخ متحرر مستنير)، يُظهر فيه استناداً إلى مقتطفات ووقائع من التراث، كيف أن السلوك البشري لا يستجيب في كل شيء لتعاليم الدين الجديد، ويورد قصصاً وأحداثاً تقع في زمن الرسول والخلفاء فيها مخالفة صريحة لتعاليم الدين يقوم بها أشخاص داخلون في دين الإسلام. هذه الليلة قرأت بضع صفحات في التوراة. بعد قليل، سأقرأ بضع صفحات في كتاب "التهجير في ذاكرة الطفولة". المزاج عادي، والفرح قليل والهموم كثيرة.
الأحد 13 / 7 / 1997 غادرت الوزارة بعد انتهاء الدوام واتجهت إلى القدس. كنت اتفقت مع جمال غوشة على الذهاب معاً إلى اعتصام المثقفين في جبل أبو غنيم. ذهبنا إلى الاعتصام، وكان معنا مصطفى الكرد وسليمان منصور. بقينا في الاعتصام حوالي ساعة ونصف ساعة، وكان في خيمة الاعتصام حوالي مائة شخص أو أكثر قليلاً. ألقيتْ كلمات وقصائد. شعرت بالاستياء من التهالك الذي يبديه بعض الأشخاص على إلقاء كلمات. معنويات الناس هذه الأيام هابطة بسبب الإحباط وشدة القمع وسوء الأحوال المعيشية، وضعف الثقة في السلطة الوطنية الفلسطينية بسبب بعض الممارسات السلبية. يوم أمس، اقترح يحيى يخلف أن نقوم معاً بجولة على بعض مؤسسات القدس الثقافية. زرنا المسرح الوطني ومركز الواسطي. كنا ندرك أهمية تطوير الحياة الثقافية في القدس بسبب ما تتعرض له القدس من إجراءات إسرائيلية لتهويدها. عاد يحيى يخلف إلى رام الله، وأنا ذهبت إلى متحف قلعة داود بالقرب من باب الخليل في البلدة القديمة. في المتحف عملية تزوير كاملة لتاريخ القدس. استفزني المعرض، ولمعت في ذهني فكرة: أن أخصص ما تبقى من عمري للكتابة عن القدس وحسب. في المساء، ذهبت إلى "قبور السلاطين" بالقرب من المسرح الوطني، لحضور حفل غنائي للمطرب التونسي لطفي بشناق. كانت زوجته الفرنسية وابنه الفتى يجلسان على مقربة مني. غنى ساعتين دون تعب. لديه حنجرة قوية وصوت شديد الغنى. كانت الساحة تغص بالناس (حوالي 800 شخص).
الاثنين 14 / 7 / 1997 أوصلت أمينة إلى مستشفى المقاصد، ثم اتجهت إلى مقر الوزارة. صرّفت بعض القضايا الملحة. تصفحت جريدة الجيروساليم بوست. زرت زملاء العمل في مكاتبهم، ومكثت هناك وقتاً تبادلنا أثناءه الملاحظات حول العمل. وبين الحين والآخر كان ثمة مزاح وضحك وتعليقات على موضوعات خارج السياق. بعد الدوام، تناولت مع عدد آخر من الزملاء طعام الغداء في مطعم زعرور برام الله على شرف المغني التونسي لطفي بشناق وفرقته، بدعوة من وزارة الثقافة. كان لطفي بشناق مستمتعاً بزيارة فلسطين وبالغناء لناسها الذين أحبوه وأحبهم. في المساء ذهبنا في سيارة خالد، أنا وخالد وعصام ومحمد اسماعيل، للسلام على شفيع السلحوت بمناسبة خروجه من السجن الإسرائيلي. حدثنا شفيع عن أحوال المعتقلات والسجون وعن الظروف السيئة فيها. عاد الشباب إلى البيت في السيارة، وعدت أنا ماشياً على قدمي لممارسة رياضة المشي. مررت في الطريق بمكان اسمه "صف القلاع" وهو المكان الذي كانت تقام فيه مباريات كرة القدم قبل خمس وأربعين سنة. الآن تنهض فوق المكان عمارة لم تكتمل بعد. مررت بالطريق التي تحاذي كرم علي بشارة. كان الكرم عامراً بأشجار التين والعنب. الآن لا أشجار تين ولا عنب. لم يعد الكرم كرماً. ثمة قطعة أرض بور. الاهتمام بالزراعة يتراجع إلى الخلف. منذ خمس وعشرين سنة لم أطأ هذه الطريق. شعرت بمتعة التذكر وأنا أجتازها. هذا اليوم، لم أقرأ سوى الصحف اليومية ولم أكتب شيئاً. أيامي تضيع سدى، وأنا مستاء من ذلك. يتبع...16
#محمود_شقير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير14
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير13
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير12
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير11
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير10
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير9
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير8
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير7
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير6
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير5
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير4
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير3
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير2
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير1
-
محمود شقير في ابنة خالتي كوندوليزا: تزامن ما لا يتزامن/ د. ا
...
-
أدب الناشئة ودوره في تعزيز الرواية التاريخية والهوية الفلسطي
...
-
توفيق زياد في ذكراه الثلاثين
-
رشيد ونفيسة/ ست قصص قصيرة جدا
-
تأملات على هامش الصراع
-
الأدب بوصفه تعبيرًا عن الجرح
المزيد.....
-
الاعلان 1 مسلسل قيامة عثمان الموسم السادس الحلقة 169 كاملة م
...
-
تدوينة باللغة العربية لنادي نيوكاسل بعد فوزه على أرسنال تثير
...
-
مهرجان نيقوسيا يستضيف فيلم -أنا بيسان من غزة.. وما زلت على ق
...
-
هل باستطاعة القرود طبع أعمال شكسبير الأدبية؟
-
ترامب أم هاريس؟..من يحظى بدعم أكبر من المشاهير وهل تؤثر -لاي
...
-
معركة طوفان الأقصى.. كتابٌ يزخر بالتحليلات السياسية والاسترا
...
-
“إلــعب واتعلــم” استقبل الآنـ تردد قناة عمو يزيد 2024 على ن
...
-
هولندا.. تفجير متحف للفنون الجميلة وسرقة لوحتين لرسام شهير
-
بعد 156 عاما.. إثيوبيا تستعيد تحفة تاريخية تراثية من بريطاني
...
-
-القوة ليست في القوة، القوة في الحب-.. موسكو تستضيف -قراءات
...
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|