أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد كشكولي - في ذكرى بازوليني














المزيد.....


في ذكرى بازوليني


حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)


الحوار المتمدن-العدد: 8149 - 2024 / 11 / 2 - 13:28
المحور: الادب والفن
    




في الثاني من نوفمبر تحل ذكرى رحيل المخرج السينمائي الإيطالي باولو بازوليني الذي غاب عن عالمنا عام 1975. كان بازوليني رمزاً لفن سينمائي يمزج بين الشعرية وأدوات السينما، واستطاع أن يترك بصمة مميزة تتجاوز الشاشة إلى مجالات أخرى كالشعر والنثر، والفكر الفلسفي، وكتابة السيناريو. شكلت أفكاره المضيئة محوراً لأعماله السينمائية التي كانت تحفز العقول وتلامس المشاعر، وكان فيلمه الأخير "سالو" أو "120 يوماً في سدوم" عملاً جريئاً واجه كل المحظورات بصدق وصراحة لافتين، ما جعله يدفع حياته ثمناً لهذا التحدي. تناول بازوليني في هذا الفيلم الجانب الخفي من السلطة، كاشفاً الأوجه القاتمة للسياسي الخانع، والعسكري، ورجل الدين المتحالف مع السلطة. في هذه المناسبة المؤلمة، نوجه تحية إجلال لروح باولو بازوليني الفنية والإنسانية. فقدانه كان خسارة كبرى ليس فقط للسينما، بل للثقافة الإنسانية عموماً. لم يكن مجرد مخرج عادي، بل كان فناناً متعدد المواهب وشاعراً ومفكراً وثائراً في آن واحد. أعماله التي حملت بصمات استثنائية في مسيرة السينما العالمية، وبالأخص الإيطالية، تظل شاهداً على شجاعته في تجاوز حدود السينما التقليدية واستكشاف أعماق الوجدان الإنساني عبر عدسة أفلامه.
لا يزال لغز مقتل بازوليني يشكل تحديًا غامضًا يثير التساؤلات لدى المحققين والنقاد على حد سواء. يبقى السؤال مفتوحًا: هل كانت وفاته مجرد حادث عشوائي أم أنها جاءت نتيجة لعملية اغتيال مدبرة بعناية؟ هذا الجدل يفتح الباب أمام احتمالات متعددة، مثل أن يكون الدافع انتقامًا شخصيًا نابعًا من خلافات أو مشاعر حقد، أو أن الحادث ربما كان جزءًا من لعبة تصفية حسابات سياسية أكثر تعقيدًا مما قد يبدو للوهلة الأولى. ومع ذلك، تظل الإجابات عن هذه التساؤلات بعيدة المنال وغير مؤكدة حتى الآن. رغم مرور سنوات طويلة على رحيله، تحافظ أفكار وأعمال بازوليني على حضور قوي في الوعي الجمعي. فقد كان رمزًا بارزًا للمقاومة والتحدي، وشخصية تمثل الفن الحر الذي يرفض الرضوخ لأي رقابة أو قيود تفرضها السلطة. إسهاماته الثقافية تشهد على روح إبداعية متمردة جعلت منه شخصية خالدة في عالم الفكر والفن.
بازوليني يقدم دروساً ملهمة في الشجاعة لمواجهة السلطة بثبات وجرأة، مشجعاً على التعبير عن الحقيقة رغم مرارتها. كما يعلمنا أهمية التمرد على القواعد السائدة، داعياً للإبداع وتجاوز الحدود التقليدية. يعكس بازوليني مفهوم الحرية الفنية كأداة للتعبير والتأثير المجتمعي ولإحداث تغيير إيجابي. يحمل باولو بازوليني قيمة ثقافية وفنية فريدة، حيث تخطت أعماله حدود الفن لتتناول قضايا اجتماعية وسياسية عميقة. مقارنة بجيل اليوم، كان بازوليني نموذجاً للفنان الملتزم بقضايا أساسية، على عكس تيار فني مشغول بالذات. لم تكن أعماله للترفيه فقط، بل ناقشت قضايا السلطة والدين والجنس بجرأة، كاسرة حواجز اجتماعية. كرّس نفسه للدفاع عن الفقراء والمهمشين، ليظل رمزاً للحركة الفنية والاجتماعية الثورية.

أصبحت النظرة إلى الفن لدى الكثيرين مقتصرة على كونه وسيلة لتحقيق الشهرة والمال، في حين كان يُفترض أن يبقى وسيلة سامية للتعبير عن الذات وأداة للتأثير الإيجابي في المجتمع. هذا التحول دفع العديد من الفنانين إلى الابتعاد عن المخاطرة والابتكار، مفضلين الطرق الأسهل والأكثر بساطة. وما يبعث على القلق هو أن كثيرًا من إنتاجات الفن المعاصر باتت تفتقر إلى ارتباطها بقضايا المجتمع الجوهرية، فأصبحت منفصلة عن مشاعر وهموم الناس، وكأنها تعيش في عزلة مكتفية بذاتها، مكرسة مفهوم الفن لأجل الفن فقط. الشاعر والمخرج الإيطالي بازوليني أضاء على الدور الأساسي للفن كأداة فعالة للتغيير. بالنسبة له، لم يكن الفن مجرد وسيلة للترفيه، بل قوة محورية قادرة على تحقيق تحولات جذرية في النسيج الاجتماعي. عبر أعماله، حثّ الفنانين على التحلي بالشجاعة لمواجهة السلطة، مشددًا على ضرورة قول الحقيقة مهما كانت مؤلمة أو محرجة. دعا بازوليني إلى استخدام الفن للدفاع عن حقوق الإنسان وتعزيز العدالة الاجتماعية، مؤكدًا أن الفن يمكن أن يكون منبرًا للتوعية ووسيلة لإيصال القيم الإنسانية النبيلة.


فيلم سالو أو 120 يومًا في سدوم يُعتبر صدى قويًا لجرأة المخرج بازوليني وشجاعته في مواجهة الأعراف الاجتماعية والسياسية السائدة. هذا العمل السينمائي المثير للجدل يتخطى كونه مجرد فيلم ليصبح بمثابة بيان سياسي فريد يعبر عن رؤية نقدية عميقة للسلطة وتجلياتها الفاسدة. من خلال سرد سوداوي وسخرية قاتمة، يسلط الفيلم الضوء على الوجه القاسي للسلطة المطلقة وما تمارسه من استغلال مدمر للإنسانية. يتناول الفيلم بجرأة قضايا حساسة مثل الفساد والقمع والتحكم بالعقول، حيث يكشف كيفية استخدام السلطة لتحالفاتها مع الدين والمؤسسات العسكرية من أجل فرض سيطرتها وتشكيل العقول لخدمة مصالحها الخاصة. يُظهر العمل كيف تتحول هذه القوى إلى مصدر للعنف والكراهية، محولة الإنسان إلى أداة خاضعة لسيادتها. بازوليني يعبر في هذا الفيلم عن نقده الجريء للطبقة الحاكمة وأساليبها الوحشية، متعمقًا في طبيعة النفس البشرية وإظهار قسوتها عندما تُستغل بشكل ممنهج. الفيلم يشكل دعوة صريحة لمقاومة الظلم والاستبداد، مع إبراز أهمية الكفاح من أجل الحرية والعدالة ورفض القمع بكل أشكاله.



#حميد_كشكولي (هاشتاغ)       Hamid_Kashkoli#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفكرة اللينينية عن الامبريالية اليوم
- المهاجرون الذين لا يمكن الاستغناء عنهم في أمريكا
- كيف ساهمت جائزة نوبل للسلام في التغطية على الإبادة الجماعية ...
- الشعر والالتزام في ستينيات القرن الماضي والعصر الرقمي
- ألبرت أينشتاين لم يحصل على جائزة نوبل عن نظرية النسبية
- لعنة الحدود
- دور شبكات التواصل الاجتماعي في الحركات الاجتماعية والتحولات ...
- نزعة نتنياهو العسكرية الخطيرة
- لماذا لا نجد في عصرنا الحالي كتّابًا عباقرة مثل شكسبير، وبلز ...
- الدين والتدين والنقد الديني
- النمو الاقتصادي مرتبط بالسياسة الخارجية
- كل ارض ساحة حرب، وكل يوم قتل ودمار
- ماركيز وافتتاحية رواية -المسخ- لفرانز كافكا
- مقارنة بين روسيا وأمريكا: الأمن القومي مقابل أمن النظام
- ماذا يجري في ألمانيا؟
- دبلوماسية النظام الإيراني الاقتصادية مع الجيران - خسارة على ...
- المناظرة الانتخابية في الولايات المتحدة: حقائق وراء -المسرح ...
- القوة الخفية للأدب
- طالبان تحظر أصوات النساء
- لماذا نشأ الشعر قبل النثر؟


المزيد.....




- مشاركة عربية في مسابقة ثقافة الشارع والرياضة الشعبية في روسي ...
- شاهد.. -موسى كليم الله- يتألق في مهرجان فجر السينمائي الـ43 ...
- اكتشاف جديد تحت لوحة الرسام الإيطالي تيتسيان!
- ميل غيبسون صانع الأفلام المثير للجدل يعود بـ-مخاطر الطيران- ...
- 80 ساعة من السرد المتواصل.. مهرجان الحكاية بمراكش يدخل موسوع ...
- بعد إثارته الجدل في حفل الغرامي.. كاني ويست يكشف عن إصابته ب ...
- مهندس تونسي يهجر التدريس الأكاديمي لإحياء صناعة البلاط الأند ...
- كواليس -مدهشة- لأداء عبلة كامل ومحمد هنيدي بفيلم الرسوم المت ...
- إحياء المعالم الأثرية في الموصل يعيد للمدينة -هويتها-
- هاريسون فورد سعيد بالجزء الـ5 من فيلم -إنديانا جونز- رغم ضعف ...


المزيد.....

- مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111 / مصطفى رمضاني
- جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- رضاب سام / سجاد حسن عواد
- اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110 / وردة عطابي - إشراق عماري
- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد كشكولي - في ذكرى بازوليني