أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيان دلي - أدركْتُ معنى الحياة من خلال الموت














المزيد.....

أدركْتُ معنى الحياة من خلال الموت


فيان دلي

الحوار المتمدن-العدد: 8147 - 2024 / 10 / 31 - 20:14
المحور: الادب والفن
    


هناك نوع من النضج، نضج مؤلم لا ندركه إلا عند مواجهة الموت عن قرب، عندما نختبر فقدان مَن يقرّبوننا روحاً ودماً. كثيراً ما ندّعي إيماننا بحقيقة الموت ودورة الحياة، لكننا لا نتقبّله ونفجع به عندما يزورنا فجأة، لتترك فينا التجربة آثاراً لا تُمحى.
الموت، الذي كنا نتحدث عنه كشيء بعيد، كحكاية تخصّ الآخرين، نطلق كلمات المواساة دون أن ندرك عمقها، ونظنّ بسذاجة أننا محصّنون منه، لكن عندما يلمسنا شخصياً نُصاب بالخرس والصدمة، فتبدأ رحلتنا مع النكران والرفض. ينقسم زمننا إلى «ما قبل» و«ما بعد». نكتشف أننا قبل الفقد كنا نرى العالم بعين واحدة فقط، بعين مغلفة بغشاوة من البراءة والطمأنينة. أما بعده، تتفتّح عيننا الأخرى لنرى ما كان خافياً عنّا، وندرك كم كانت رؤيتنا للعالم محدودة!! كأن غشاوة زالت فجأة، لنصبح قادرين على رؤية الألم الكامن في التفاصيل التي كانت عادية من قبل.
نسخر من أنفسنا حين نتذكّر حزننا على أشياء تافهة، أو الدموع التي ذرفناها بسبب جرح صغير. تتغيّر معايير الألم لدينا، لكن نزداد تعاطفاً مع معاناة الآخرين. ننتبه فجأة للصور المعلّقة على جدران منازل الناس. نرى فيها لحظات انتهت وذكريات بقيت أو ربما قصصاً لأرواحٍ غابت لم نكن نقرأها من قبل. نتعلّم أن أبسط التفاصيل قد تتحوّل يوماً إلى مرآة لفراغ لم يعد بإمكاننا ملؤه. لتصبح أصغر التفاصيل أشدّها ألماً، كذكرى جميلة وأغنية مفضّلة لروح غائبة... كخزانة الملابس عندما تصبح فارغة، كالكرسي الشاغر الذي بات شاهداً على الحضور المفقود، أو حتى عدد الصحون الناقصة على المائدة.
نصبح أكثر يقظة، نغوص في أعماق لم نكن ندرك وجودها، يتعمّق فهمنا لمعنى الصحّة والمرض، الحضور والغياب، معنى الشعور بالألم. فالألم أحياناً يتجاوز حدود الإحساس لقساوته، ويحوّلك إلى روح هامدة، كلّ ما تشعر به هو الفراغ. فراغ عظيم يجثم على صدرك، ظلام دامس وبرد قارس.
ثم نجد نفسنا أمام خيارين، فإما أن نغرق في الغضب، لنصبح كارهين وناقمين على الحياة وعلى كلّ يد تمتدّ لتنتشلنا من بؤسنا، أو أن نتقبّل الموت بحكمة، فندرك أن الألم هو جزء من الحياة، وأنه هو ما يمنح الفرح معناه؛ فالألم يعلّمنا الامتنان، يعلّمنا أن نحتفي بما نملك قبل أن يسلبنا الزمن إيّاه.
لكن على الرغم من ذلك قد يصبح الخوف رفيقنا الدائم. فنعيش في خوف مستمرّ، خوف من تكرار التجربة، من نسيان مَن فارقونا، من الحياة وصدماتها، من المستقبل ومفاجآته، نخاف الضحك أو الفرح، ونخاف كلّ شيء.
أما أنا، بعد ذكرى رحيله السادسة عشر، وقد تحقّق أحد مخاوفي، وامتدّ بي الزمن حتى أصبحت قد عشت في غياب مَن فقدت أكثر مما عشته في وجوده، ما زلت أرفض أن تُعلّق صورته على الجدران، ربما لأني أخشى أن يصبح مجرّد صورة أخرى، كالتي نمرّ بها دون أن نلاحظها. ومازلت بلا وعي مني أتأكّد من عدد الصحون على المائدة كلّ مرّة، فلطالما تعوّدت ذلك خوفاً أن أضيف بلا وعي صحناً هو صحنه، ومازال قلبي ينقبض وأنفاسي تضيق مع كلّ لحظة جميلة في حياتي؛ لأني أدرك أن أجمل الذكريات قد تصبح أقساها يوماً.
أنا التي اختبرت هذا النضج المكروه في عمر صغير، كنت أتمنّى لو أنني عشت حياتي كاملة على السطح، مؤمنة بجمال الحياة وبساطتها، على أن أتذوّق مرارة الفقد والخسارة. لكني في الحقيقة، تعلّمت الامتنان لما أملك، وتعلّمت أعمق معاني الوجود ، فأنا لم أفهم معنى الحياة إلا من خلال الموت.



#فيان_دلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أدركْتُ معنى الحياة من خلال الموت


المزيد.....




- توم يورك يغادر المسرح بعد مشادة مع متظاهر مؤيد للفلسطينيين ف ...
- كيف شكلت الأعمال الروائية رؤية خامنئي للديمقراطية الأميركية؟ ...
- شوف كل حصري.. تردد قناة روتانا سينما 2024 على القمر الصناعي ...
- رغم حزنه لوفاة شقيقه.. حسين فهمي يواصل التحضيرات للقاهرة الس ...
- أفلام ومسلسلات من اللي بتحبها في انتظارك.. تردد روتانا سينما ...
- فنانة مصرية شهيرة تكشف -مؤامرة بريئة- عن زواجها العرفي 10 سن ...
- بعد الجدل والنجاح.. مسلسل -الحشاشين- يعود للشاشة من خلال فيل ...
- “حـــ 168 مترجمة“ مسلسل المؤسس عثمان الموسم السادس الحلقة ال ...
- جائزة -ديسمبر- الأدبية للمغربي عبدالله الطايع
- التلفزيون البولندي يعرض مسلسلا روسيا!


المزيد.....

- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فيان دلي - أدركْتُ معنى الحياة من خلال الموت