|
هل هناك في أمريكا ديموقراطية ؟!
أحمد فاروق عباس
الحوار المتمدن-العدد: 8147 - 2024 / 10 / 31 - 12:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يبدو السؤال بلا معني عند كثيرين ، فكيف لأشهر ديموقراطية في العالم من يأتي اليوم ويصفها بأنها دولة – في الحقيقة – غير ديموقراطية ؟! ربما يقدم لنا التاريخ الأمريكي – القريب علي الأقل – دروسه وعبره في هذه القضية ، ومنه - وليس من أي شيء أخر – سوف نستنتج هل هناك في الولايات المتحدة ديموقراطية حقيقية أم ديموقراطية مزيفة ؟ في البداية .. هل هناك أحزاب أخري علي الساحة السياسية الأمريكية بخلاف الحزبين الرئيسيين الجمهوري والديموقراطي ؟ والأجابة نعم .. هناك أحزاب أخري بخلاف الحزبين الكبيرين الحاكمين في أمريكا . والسؤال الثاني .. وهل تحوز تلك الأحزاب الأخرى علي نفس الفرص وتقف علي أرضية متساوية مع الحزبين الكبيرين ؟ والاجابة سريعة وحاسمة لا بالتأكيد .. واذا أخذنا مثالا واحد وهو الحزب الشيوعي الأمريكي ، وهو الحزب النقيض لكل ما يمثله الحزبين الحاكمين ، علي الأقل خلال القرن العشرين كله تقريبا ، هل أخذ من الفرص ما جعله يقف علي أرضية واحدة مع الحزبين الكبيرين أم أقيمت في وجه العراقيل وحورب بكل الصور ؟ لنتفتح التاريخ الأمريكي ونري .. في 12 سبتمبر 1940 وافق مجلس النواب الامريكي " بغير معارضة " علي مشروع قانون يحظر التجنس بالجنسية الامريكية علي الشيوعيين ( ومعهم النازيين والفاشست) مع ان الاتحاد السوفييتي يقف الي جانب الحلفاء في الحرب، وكان الامر مقصود به الشيوعيين، ثم ارسل الي مجلس الشيوخ. فأمريكا سمحت بقيام حزب شيوعي فيها ولكن وضعت أمامه كافة أنواع العراقيل، ومنها مثلا محاكمة الحزب في نوفمبر ١٩٦٥ بتهمة عدم تسجيل نفسه" كمنظمة او حزب عميل للاتحاد السوفييتي " وهي تهمة مضحكة.. وكان الحزب قدم للمحاكمة عام ١٩٦٢ وتم تغريمه بمبلغ مالي.. وقد حاولت وزارة العدل الأمريكية عام ١٩٦٥ في صراعها الذي امتد مدة خمسة عشر سنة مع الحزب الشيوعي ان تضربه الضربة القاتلة باتهام الحزب عدم تسجيل نفسه كمنظمة عميلة لجهة أجنبية..
في أواخر يوليو ١٩٦٦ أعلن ادجار هوفر ــ مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي في الولايات المتحدة ــ في تقرير نشرته كل وسائل الاعلام الأمريكية أن الحزب الشيوعي الامريكي قد أعد مؤامرة موحدة ومنظمة في امريكا في محاولة لإحداث ثورة طبقية في الولايات المتحدة.. وقال هوفر في تقريره المقدم الي اللجنة الفرعية للأمن الداخلي التابعة لمجلس الشيوخ أن معلوماته تقول أن الشيوعيين سوف يتسللون الي الانتخابات الرئاسية القادمة في نوفمبر عن طريق مرشحين غير حزبيين ومستقلين، وانهم سيقومون بحملة واسعة للتغلغل في صفوف نقابات العمال والجامعات ومنظمات الحقوق المدنية، والقيام بمظاهرات مناهضة لحرب فيتنام.. وقال هوفر ان الشيوعيين فشلوا في استمالة الزنوج ــ السود ــ في أمريكا لكنهم سيواصلون محاولات السيطرة على منظمات حقوق الانسان وتحويلها الي اماكن لتفريخ الشيوعية.. وأكد هوفر ان الشيوعيين سيبذلون جهودا كبيرة في المنظمات العمالية في شيكاغو وديترويت وكليفلاند وسانت لويس وبيتسبرج وانهم سوف يستخدمون شعار " العمال قوة رئيسية " وقال ان الحزب الشيوعي الامريكي الان في مركز أقوي وهو موال تماما للاتحاد السوفييتي، ولايزال يشكل تهديدا خطيرا للأمن الوطني الأمريكي، وان الحزب سيكون أكثر عدوانا، وسيسعي للحصول على حلفاء من غير الشيوعيين، ويأمل الحزب في " نزع السلاح المذهبي " للأمريكيين واشعارهم أن الشيوعية لا تمثل خطرا علي نظمهم الديموقراطية، وفي الوقت الذي لن يكف فيه الحزب عن تقوية نفسه مذهبيا كسلاح للثورة، وتدريب اعضائه ما يعتقدون انه " قانون التاريخ " وهو إحداث ثورة شيوعية في أمريكا.. ( والسؤال.. هل يختلف ذلك ــ حتي في اللغة المستخدمة ــ عما تفعله أي دولة من دول العالم الثالث، وليس دولة تقول انها أكبر ديموقراطيات العالم ؟! ) وقد تعرض الحزب الشيوعي الامريكي في العقود التي تلت سنة ١٩٤٥ - نهاية الحرب العالمية الثانية - الي حملات لا تتوقف من التشويه والتضييق ، فمثلا من بين ٢٣٧٠ عملا غير مشروع وجهتها لجنة التحقيق الفيدرالية عام ١٩٨٠ ضد عدد من الكتاب وبعض المنظمات وجه ١٣٨٨ منها - اكثر من نصفها - الي الحزب الشيوعي الامريكي ، والمحظورات القانونية والدستورية طالما عرقلت العمل السياسي له ، وأن تكون له قائمة للاقتراع علي كافة المستويات الانتخابية .. وبالنسبة لحق الكلام والتعبير فقد ظل الحزب الشيوعي الامريكي عقودا طويلة ممنوعا من حق استخدام الاذاعة والتلفزيون لطرح وعرض افكاره كما يفعل أي حزب أخر !! فبعد الحرب العالمية الثانية تحولت الولايات المتحدة فعليا الي دولة بوليسية ، يمتلك فيها مكتب التحقيقات الفيدرالي ملفات سياسية عن كل قائد سياسي محتمل وفعلي في أمريكا - ولا يسمح بتصعيد أي رجل سياسي في الهيئة التنفيذية او التشريعية لا يوافق عليه ذلك الجهاز العتيد - بالإضافة الي ملفات لعشرات الألاف من المواطنين الامريكيين وفي ٢١ أغسطس ١٩٤٧ شكل ترومان مجلس مراجعة الولاء في لجنة الخدمة المدنية للتحقق من كل شخص ومن أي موظف في الدولة وجهت إليه تهم أو حتي إشاعات " بعدم الولاء " للولايات المتحدة ، وقد حقق المجلس - بمساعدة محققين من مكتب التحقيقات الفيدرالي - مع عشرات الآلاف من المواطنين ، فطرد ما بين ٤٠٠ - ١٢٠٠ منهم من وظائفهم خلال عهد ترومان ، بينما استقال ما بين ١٠٠٠ - ٦٠٠٠ موظف !! وهو ما سمح بظهور وتصعيد رجل مثل مكارثي ، رفعته أعلي السلطات الأمريكية وجعلته رئيس لجنة للتحقيق والتقصي في الكونجرس ، وبعد أن اتم الجزء القذر من العمل ، طرد خارج جنة " المؤسسة " ككبش فداء عن رعاته الأصليين ، وليصبح مكارثي في السردية الامريكية المتداولة وشبه الرسمية رجلا فاسدا وسياسيا ثرثارا ومدمنا للخمر فعل فعلته تلك تحت دوافع الحقد والحسد !! وبجانب الحزب الشيوعي الأمريكي هناك احزاب أخري كثيرة في امريكا وتدخل الانتخابات ولها مرشحين ولكن لا يسمع عنها أحد ، لأن وسائل الاعلام الجماهيرية ووسائل الدعاية كلها في أيدي محددة وهذه الايدي جعلت ممارسة اللعبة السياسية الامريكية عن طريق حزبين فقط مسيطر عليهما تماما.. ومن أمثلة الاحزاب السياسية الامريكية التي لا يسمع عنها أحد: الحزب الاشتراكي وحزب الأحرار وحزب المحافظين والحزب التقدمي وحزب العمل الاشتراكي وحزب العمال.. الخ .
وبعد هزيمته في الانتخابات الرئاسية عام ١٩٦٤ انشأ باري جولدووتر منظمة او جمعية " المجتمع الحر" كمؤسسة للتربية السياسية، ورفض تحويل الجمعية الي حزب سياسي، ورأي انه لا فائدة ترجي من وراء ذلك، وقال ان الأمل ان يتزايد عدد الامريكيين الذين يعملون في اطار النظام الحزبي الحالي ممن يطالبون بتوفير " اختيار سياسي حقيقي " وفات جولدووتر ان المصالح التي تقف وراء الحزبين واحدة، وبالتالي فأي تغيير لابد ان يأتي من خارج هذه القوي التي تمسك بالنظام الحزبي بل بالنظام السياسي الامريكي كله..
وليأسهم من النظام السياسي والنظام الحزبي الأمريكي وامكانية التغيير الحقيقي من داخله، عقد السود والزنوج مؤتمرا لهم في فيلاديلفيا في سبتمبر ١٩٦٨، وكان عنوان المؤتمر " السلطة للزنوج " وقد قرر الزنوج والسود في المؤتمر ــ وقد بلغت وفودهم اكثر من ثلاثة الاف مشترك ــ مقاطعة الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأمريكية، واقامة دولة مستقلة لهم في امريكا اسمها " جمهورية افريقيا الجديدة " مستقلة بجيشها وكيانها السياسي.. ( استطاع النظام السياسي الأمريكي فيما بعد وبذكاء اختيار عناصر يمكن الوثوق فيها من السوق ودفعها الي مقدمة العمل السياسي وحتي منصب رئيس الجمهورية ، ولم يكن ذلك صعبا علي نظام سياسي يتمتع بناته بدهاء ومرونة عاليتين ) .. ومن ضمن صور الاحتجاج علي النظام الحزبي الأمريكي وانغلاقه وسيطرة قوي معينة عليه، ونتيجة لإقصاء مرشحهم المفضل يوجين مكارثي، عقد اكثر من ثلاثة آلاف شاب من شباب الحزب الديموقراطي مؤتمرا شعبيا في بوسطن احتجاجا علي " جو القمع " الذي المؤتمر القومي للحزب الديموقراطي، وقد دعا المؤتمر الي تكوين حزب سياسي جديد يتزعمه مكارثي، ويدخل به انتخابات الرئاسة في نوفمبر ١٩٦٨، وبرغم ذلك رفض مكارثي ـ- وهو في النهاية احد ابناء المؤسسة الأمريكية مع وجود لمسة خاصة به - الترشح تماما عن حزب جديد او حتي المشاركة فيه !!
والسؤال الذي طالما يتردد : لماذا لا ينشأ حزب ثالث قوي مثل الحزبين الكبيرين في امريكا، هل يحتوي كلا الحزبين كل التيارات السياسية هناك، لا بالطبع، وقد حاول جيمس برايس في أواخر القرن 19 – وهو سياسي ورجل دولة بريطاني مرموق وكاتب موهوب - في كتابه المهم " المؤسسات والنظم الامريكية.. نظرات تأملية في طبيعتها " الإجابة وكان من رأيه ، أن الطريق أمام الذين يرون ان عليهم أن يعلنوا حزبا جديدا ويقدموا برامج جديدة ويرشحوا مرشحيهم الخصوصيين امامه عقبات كبيرة، فبالإضافة الي كون هذا السبيل كثير التكاليف والاتعاب، سيؤخذ مأخذا سخيفا ــ اي سيتم تحقيره والتريقة عليه ــ ما لم تكن وجهه النظر تلك او هذا الاتجاه مهمين جدا " فبما ان حملات التمويل في يد الطبقة الرأسمالية ــ وهي من تحكم حقيقة بواسطة حزبيها الكبيرين ــ فلن يجد ذلك الحزب الجديد ما ينفق منه علي الدعاية الانتخابية هائلة التكاليف في امريكا، بالإضافة الي تجاهله تماما من الصحافة ووسائل الاعلام الجماهيرية، وكلها في يد نفس الطبقة التي تمول الحزبين وتنفق ــ بالمليارات ــ علي مرشحيهم ... وهناك تجارب لأحزاب كثيرة قامت وتلاشت بدون ان تترك اي اثر في الحياة الحزبية او السياسية الأمريكية..
ونتيجة لذلك ظهرت علي سطح الحياة السياسية الامريكية تنظيمات وتجمعات متطرفة ، حاولت بالعنف واللغة الحادة أن تصل الي شيء وأن تسمع صوتها عاليا وصاخبا في أحيان كثيرة .. وفي المائة عام الأخيرة ظهرت علي الساحة السياسية الامريكية منظمات وتجمعات مثل : جون بيرش، وكو كلوكس كلان KKK ، والحزب النازي الامريكي، وبنات الثورة الأمريكية، والحزب القومي لحقوق الولايات، والاتحاد الأمريكي لجمعيات المحافظين، والجمعية القومية لتحرير أمريكا من السيطرة اليهودية، وحزب اتحاد البيض.... الخ. وبعض هذه التجمعات مجرد لافتات ليس وراءها شيء جدي، وبعضها كان له في بعض الفترات وجود ملموس، ولهذه التجمعات مجلاتهم ووسائلهم الدعائية ومطبوعاتهم الكثيرة ، وكلها تحت سمع وبصر أجهزة الدولة الأمريكية..
وان كانت هناك نظريات أخري تقول ان كثير من هذه التجمعات الغريبة نشأت بموافقة ضمنية من السلطة ــ او هيئات ووكالات في السلطة ــ وسماحها لضبط ايقاع أمور معينة في الحياة الداخلية في أمريكا ( بعض الآراء تذهب الي ان انشاء منظمات مزيفة تطالب بأمور غير معقولة تمنع قيام تيارات حقيقية تطالب بأمور اكثر اعتدالا ومعقولية ).. نقطة أخري شديدة الأهمية وهي " المال في السياسة الأمريكية " وهو أمر في غاية الأهمية ويراه كثيرون مقتل الديموقراطية الامريكية الحقيقي، الي درجة ان وصف أحد الكتاب الأمريكيين الديموقراطية في بلاده بأنها " أفضل ديموقراطية يمكن شرائها بالمال "
وتقول ارقام الانفاق علي الانتخابات الرئاسية في أمريكا الكثير، وبرغم ان الارقام الرسمية اقل كثيرا عن الارقام الحقيقية فإن الارقام ــ برغم ذلك ــ تعطي مؤشرا قويا علي صنع الرئيس في أمريكا، او بمعني أدق " شراء " الرئيس "، فقد بلغت الارقام الرسمية للإنفاق في الانتخابات الرئاسية عام ١٩٥٢ مبلغ ٢٣ مليون دولار ــ اما الرقم الحقيقي فقد وصل الي ١٤٠ مليون دولار ــ وبلغت " الارقام الرسمية " لانتخابات عام ١٩٥٦ مبلغ ٣٠ مليون دولار، وفي سنة ١٩٦٠ بلغت الارقام ٣٢ مليون دولار، وهي ارقام اقل كثيرا مما تنفقه القوة المتنفذة علي صنع وشراء الرئيس في أمريكا.. وتذهب مصادر أخري موثوقة ان انتخابات سنة ١٩٥٦ بلغت تكاليفها الاجمالية ١٥٠ مليون دولار، وأن اجمالي الانفاق في انتخابات ١٩٦٠ بلغ ١٧٥ مليون دولار، نحو ٢٠٠ مليون سنة ١٩٦٤، وهي أرقام هائلة بمقاييس ذلك الزمان .. ومن أجل الترشح لموقع الرئاسة عام ٢٠٠٨ كان يتحتم علي كل مرشح جمع ما يزيد علي ١٠٠ مليون دولار لكي يبدأ حملة جدية ولكي يصبح منافسا حقيقيا، أي قبل التفكير في الترشح يجب ان يبدأ اولا في حملة أولية لجمع المال، وهذه الحملات لجمع الاموال هي من سيقرر من هم المرشحون ومن الذين سيراهم الناخبون.. وبرغم قيود جمع المال للحملات الانتخابية ( التي تحدد مبلغ٢٣٠٠ دولار لكل فرد) لكن لدي فلبعض رجال الاعمال النافذين وكذلك الشركات والمؤسسات الكبيرة وسائلها لتخطي تلك العقبات الشكلية، فقطب الاعلام الملياردير الاسرائيلي حاييم سابان قدم وحده ١٣ مليون دولار عام ٢٠٠٨ وتحجز مؤسسات المال والأعمال الامريكية الكبيرة ــ مثل سيتي جروب وكريدت سويس و يو بي اس أمريكاز، وميريل لنش، ومورجان ستانلي، وليمان براذرز وغيرهم ــ مكانا متقدما وثابتا في قوائم المتبرعين لكل انتخابات... وقد أصبح المرشحون يستخدمون الطائرات الخاصة ــ مع فريقهم ومساعديهم وخبراء الحملات الانتخابية ــ في تنقلاتهم عبر " القارة " الأمريكية، وشراء اوقات الذروة علي وسائل الاعلام ــ الراديو والتلفزيون ــ وشراء مساحات كبيرة في كبري الصحف القومية والمحلية، كما ينظم المرشح من ٦٠٠ الي ١٠٠٠ حفل عشاء، ويلقي نحو ٢٥٠٠ خطبة وكلمة في مختلف التجمعات وعلي كافة وسائل الاعلام، تحتاج الي مجموعة كبيرة من كاتبي الخطب.. وهي مهنة مهمة في أمريكا ولها رجالها المتميزين وروادها.. وقائمة المهن التي يحتاج اليها مرشحي الرئاسة الأمريكية طويلة، منها على سبيل المثال مدرب الالقاء التليفزيوني، الملقن، خبير المكياج، صانعو الاشاعات علي الخصوم ومروجوها المحترفين، المتخصص في اضفاء صورة الثقة والقوة علي المرشح... ثم مجموعات من الخبراء والمتخصصين في كل شيء تقريبا..
وعادة ما يجنح اصحاب الثروات الي التقدم الي الملعب السياسي بأنفسهم وليس وراء وكلاء، عمدة نيويورك الملياردير مايكل بلومبرغ، وفي عام ٢٠٠٨ كان هناك ٤٠ من اصل ١٠٠ من أعضاء مجلس الشيوخ و ١٢٣ من اصل ٤٣٥ من أعضاء مجلس النواب من اصحاب الملايين..
وللطبقة الرأسمالية وسائل اخري للتأثير في السياسة، وخلق مجموعات الضغط ــ اللوبي ــ والانفاق عليها احد هذه الوسائل، فمجموعة من كبري شركات الصيدلة انفقت ٦٠٠ مليون دولار علي لوبيات الضغط من يناير ٢٠٠٥ الي يونيو ٢٠٠٧، وانفقت شركات النفط الخمس الاولي ٢٠٠ مليون دولار خلال سبع سنوات فقط ( من ١٩٩٨ الي ٢٠٠٥ ).. ويمكن للشركات والافراد تمرير الأموال من تحت الطاولة للمسئولين وأصحاب القرارات السياسية، أو استخدام الاموال في التغطية الاعلامية وتشكيل الرأي العام.. ونظام تمويل الحملات الانتخابية في أمريكا لا يمكن وصفه الا بالمفسد ، حيث يجعل السياسيين يعتمدون اولا علي المتبرعين وثانيا - وبشكل ثانوي - علي الناخبين ، وهو ما يعطي أفضلية خاصة لأصحاب الشركات والمؤسسات الكبيرة ، ويعتبر الحاجز المالي للوصول الي أبرز منصب في الولايات المتحدة عاليا جدا لدرجة أنه من غير الوارد أن يتمكن أحد من تخطيه دون حلفاء أثرياء جدا ونافذين .. وليس فقط تمويل الحملات الانتخابية بل تقدم المؤسسات الرأسمالية الكبيرة خدمات مادية للمرشحين وأسرهم ، فشركة إنفو يو أس آي التكنولوجية وفرت سفريات الي دول اوربية والبحر الكاريبي والمكسيك لكل من لبيل كلينتون وزوجته هيلاري كما قدمت الشركة عقدا استشاريا بقيمة ٣،٣ مليون دولار الي بيل كلينتون وهبة كبيرة لمكتبته ، بالإضافة الي التبرع الدائم لمؤسسة كلينتون الخيرية ، وتبرعات متواصلة للحزب الديموقراطي ولخملات هيلاري كلينتون للترشح للكونجرس او للرئاسة .. وتضم الشركات الكبرى التي وقفت وراء جورج بوش الابن - تمويلا ودعما ومساعدة - شركة إنرون للطاقة وشركة إنرون القانونية وشركة إنرون للمحاسبة ومورجان ستانلي وميريل لنش وجولدمان ساكس وليمان براذرز وسيتي جروب وبرايس ووترهاوس كوبرز ... الخ . وقد انفقت حملة نيكسون عام ١٩٦٨ - وبموجب حساباتها نفسها - مبلغ ٣٦,٥ مليون دولار ، وكان ذلك المبلغ أكبر رقم في تاريخ المنافسات الرئاسية حتي ذلك الوقت ، وكان كثير منها غير قانوني ، منها مثلا - وهو ما أمكن كشفه فيما بعد بسبب نزاع قضائي - التبرع الذي قدمه رئيس شركة فيليبس للبترول وقدره خمسون ألف دولار ، وقد سلمه - كما ذكر بنفسه - الي نيكسون شخصيا في شقته في نيويورك ، وكان هذا التبرع - ومبلغ أخر ضعفه في انتخابات ١٩٧٢ - مخالفا للقانون الذي يمنع تبرع الشركات ، وقبل نيكسون شيكا بمبلغ مائة ألف دولار من صاحب كازينو جزيرة الفردوس ، وهو مكان مشبوه ، يرتاده بعض الاثرياء ولاعبي القمار ورجال المافيا ، وقسم نيكسون - للتمويه - المبلغ الي ٣٤ شيكا شخصيا وامر بإيصالها الي ٣٤ لجنة انتخابية مختلفة ، وكان ذلك تلاعبا كلاسيكيا بالقانون ، فقد نص القانون علي الا تزيد التبرعات الفردية للجان الانتخابات المحلية عن خمسة آلاف دولار .. ويأتي بعد المال في وسائل التأثير وسائل الدعاية والاعلان، كما تستخدم الرأسمالية الحاكمة في الولايات المتحدة بجانب المال - وهو سلاحها الرئيسي - والاعلام وهو سلاحها الثاني اسلحة أخري ثبت مرارا فعاليتها وتأثيرها الكبير ، مثل الشخصيات العامة ، ممثلو السينما والمغنيين ولاعبو الكرة ونجوم برامج التلفزيون ... الي آخره. ( تستغل الحملات الانتخابية للمرشحين الفنانين وممثلي وممثلات السينما الأمريكية، ويمكن أن يقال أن نحو ٩٠ ٪ من العاملين في السينما يتم تجنيدهم في الحملات الانتخابية للحزبين ) ويستخدم الدين ايضا بكثافة في السياسة الامريكية الداخلية ، فرجال الدين البروتستانت والكاثوليك وكنائسهم كثيرا ما يستخدموا في المعارك الانتخابية الامريكية ، وهم ايضا ضمن الاتجاه السائد في الحياة السياسية وليسوا ضمن الهوامش .. وقبل كل ذلك وبعده توجد السيطرة السرية الناعمة من أجهزة العمل السري الأمريكي علي السياسة الداخلية الأمريكية , فتضع تلك الأجهزة الرئيس تحت سمعها وعين الساهرة دوما ، وتتجسس وكالة المخابرات المركزية الأمريكية على الرؤساء وعلى زوجاتهم بصورة تقليدية ، فقد كشف ويليز أدامز ــ وهو من عملاء CIA اثناء الحرب العالمية الثانية ــ بأن الأوامر صدرت اليه عام ١٩٤٣ بتسجيل المكالمات التليفونية الخاصة بألينور روزفلت زوجة الرئيس فرانكلين روزفلت. وفي بعض الأحيان تتصرف أجهزة القوة في الدولة الامريكية بمفردها ولا تكلف نفسها عناء أخذ رأي ساكن البيت الأبيض، وفي بعض الأحيان تخطره بأمر ما بصورة اجمالية خالية من أية تفصيلات مهمة !! ففي نوفمبر ١٩٦٥ نشرت نيويورك تايمز ان امريكا زودت ألمانيا الغربية بأسلحة نووية، وان الاشراف الامريكي على تلك الأسلحة كان في اغلب الأوقات اشرافا أسميا وليس حقيقيا، وان وزارة الدفاع الأمريكية لا تبلغ الرئيس ــ وكان ليندون جونسون وقتها ــ بكل ما تتخذه من اجراءات.. وقالت الصحيفة : انه في الوقت الذي يتم فيه ابلاغ الرئيس الامريكي بصورة عامة عن هذا الوضع ــ تقصد وضع الاسلحة النووية ــ فإنه في أوقات معينة لا يحاط هو ولا غيره من كبار صانعي السياسة الأمريكية علما بالتدابير المحددة التي تتخذها وزارة الدفاع الأمريكية في هذا الشأن.. وفي نوفمبر ١٩٦٥ طالب اثنين من أعضاء مجلس الشيوخ الامريكي ــ يوجين مكارثي وواين موربس ــ التحقيق في طبيعة عمل المخابرات المركزية الأمريكية، ومعرفة حقيقة الدور الذي تقوم به تلك الحكومة غير الرسمية في الولايات المتحدة، وقد ظهر وقتها ان الكونجرس الامريكي لم يكن يعرف شيئا عن نشاط ١٤ ألف موظف يعملون في المخابرات منذ انشاءها منذ ٢٠ عاما، وان الكونجرس ظل طوال ٩ سنوات ــ منذ ١٩٥٦ ــ يتقدم بعدد من الطلبات لتشكيل لجنة تختص بنشاط المخابرات، وفي كل مرة كانت تلك المحاولات تفشل !! وقال عضوا الكونجرس ان تجارب الوكالة في المجال الدولي اوضحت انها لم تكن تخضع لأي نوع من الرقابة الفعلية من الرئيس الامريكي وحكومته، ويشهد على ذلك ما قامت به Cia من اعمال في جمهورية الدومنيكان وفيتنام وكوبا ومناطق اخري حول العالم.. والأن نرجع الي السؤال الذي بدأنا به المقال .. هل هناك – حقا – في أمريكا ديموقراطية ؟! ومنذ أكثر من ٢٠٠ عاما مضت قال جون أدامز ، وهو الرئيس الثاني للولايات المتحدة " ان الديموقراطية لا تدوم أبدا ، وسرعان ما تتبدد ، وتستنفد وتقتل نفسها ، ولم تكن هناك علي الاطلاق ديموقراطية حتي الآن لم تنتحر " ويبدو ان كلمات جون آدمز لا تنطبق علي شيء اكثر من انطباقها علي الديموقراطية الامريكية .. أما السؤال الذي بدأنا به الحديث فالجواب عليه متروك للقارئ .. يفكر ويستوعب ويقرر ..
#أحمد_فاروق_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السيد حسن نصر الله ...
-
أيام حزينة ...
-
لماذا تطيع ألمانيا أمريكا وهي مرغمة.. وبدون كلمة اعتراض؟!!
-
هل نحن ضد من يقاوم الاحتلال الإسرائيلي؟!!
-
وضع غريب آن له أن ينتهي ؟!
-
كورسك ... لماذا وكيف غزا الجيش الأوكراني الاراضي الروسية ؟!
-
ساعات مع أسمهان ...
-
جارية القصر ...
-
العصر الامريكي ...
-
هنيئا لكم ...
-
هل كان ما قبل ثورة 23 يوليو 1952 حكما مدنيا ؟! وهل كان في مص
...
-
هل كانت هناك ديموقراطية في مصر قبل 23 يوليو 1952 ؟!
-
لماذا يتعرض ترامب للاغتيال؟!
-
انتخابات فرنسا وبريطانيا ... وانتخابات مصر
-
العالم المرعب الذي نوشك ان ندخل اليه ...
-
لماذا ايدنا عبد الفتاح السيسي بالامس ... ولماذا نؤيده حتي ال
...
-
هذا الشعب لم يجد من يحنو عليه ...
-
هل مصر بلد يحارب الكفاءات ؟!!
-
التكتيك الذى لا يخيب أبدا !!
-
التيارات المغامرة في السياسة العربية
المزيد.....
-
الاجتماع الأول للتحالف الدولي يواصل أعماله في الرياض بمشاركة
...
-
الصحة اللبنانية: مقتل 166 طفلا بنيران إسرائيلية خلال عام
-
خلاف جديد بين أوكرانيا وبولندا
-
يوميات الأراضي الفلسطينية تحت النيران الإسرائيلية/ 31.10.202
...
-
-واشنطن بوست-: انتقادات لإدارة بايدن بسبب استخدام إسرائيل لل
...
-
هجوم صاروخي روسي على خاركيف يودي بحياة طفل ويصيب العشرات
-
وزير الخارجية الروسي: المعاهدة -الشاملة- مع إيران ستشمل الدف
...
-
محمد نبيل بنعبد الله يعزي في وفاة الاستاذ المناضل و المقاوم
...
-
لعنة الإصابات تلاحق مانشستر سيتي وغوارديولا يصف الوضع بالصعب
...
-
الدفاع الروسية: الخسائر الأوكرانية على محور كورسك بلغت 300 ج
...
المزيد.....
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
-
الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ
/ ليندة زهير
-
لا تُعارضْ
/ ياسر يونس
المزيد.....
|