أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند - جدلية الثروة والفقر















المزيد.....

جدلية الثروة والفقر


أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند

الحوار المتمدن-العدد: 8147 - 2024 / 10 / 31 - 00:11
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


برابهات باتنايك

لقد مُنِحَت جائزة نوبل في الاقتصاد لهذا العام (أو جائزة البنك المركزي السويدي على وجه التحديد) لثلاثة اقتصاديين مقيمين في الولايات المتحدة لأبحاثهم حول العوامل التي تعزز أو تعوق نمو الثروة بين الأمم؛ وقد أسندوا دوراً حاسماً للمؤسسات، وزعموا أن المؤسسات الغربية مثل الديمقراطية الانتخابية مواتية للنمو. وفي الأماكن التي أدى فيها الاستعمار إلى تعزيز ما يسمونه "مؤسسات ادماجية" Inclusive Institutions كما هو الحال في المستعمرات الاستيطانية، ازدهر النمو، ولكن في أماكن أخرى من الإمبراطورية الاستعمارية حيث أنشأ الاستعمار "مؤسسات استخراجية "Extractive Institutions ، تبين أنها ضارة بالنمو.
ولقد أثار عملهما الكثير من الانتقادات. فقد زعم البعض أن حجتهما تفتقر إلى المصداقية : ذلك أن نجاح النمو في شرق آسيا يصاحبه افتقار إلى الديمقراطية على النمط الغربي، وغياب البيئة الخالية من الفساد؛ بل إن الفساد كان سمة مميزة للدول الغربية في فترة النمو المرتفع التي مرت بها. وزعم آخرون أن التباين بين مستعمرات الاستيطان والمستعمرات الأخرى يمكن أن يعزى إلى استقبال المستعمرات الأولى "لأقارب و أصحاب " السكان الغربيين كمهاجرين. كما انتقد آخرون تمجيد المؤلفين للمؤسسات الغربية وصمتهما إزاء القمع الشديد الذي أطلقه الاستعمار.
إن هدفنا هنا ليس مناقشة حجج هؤلاء المؤلفين، بل تسليط الضوء على ثغرة أساسية في تصورهم للنمو والتخلف، وهي الثغرة التي تميز تصور حتى منتقديهم، بغض النظر عن مدى صحة هؤلاء المنتقدين. وتتلخص هذه الثغرة في نظرتهم إلى الفقر باعتباره ناشئاً عن غياب التنمية بدلاً من كونه مصاحباً جدلياً للنمو نفسه. والصورة التي يعتنقونها ضمناً هي صورة سباق، حيث تتقدم بعض البلدان ذات المؤسسات الجيدة ("الادماجية") في حين تظل بلدان أخرى ذات مؤسسات سيئة ("استخراجية") متخلفة؛ وما يغفله هذا التصوير هو أن تأخر بعض البلدان عن الركب يرجع إلى تقدم البلدان الأخرى، وأن النمو الرأسمالي ينتج الفقر. وكان الراحل أندريه جوندر فرانك قد صاغ عبارة لوصف هذه الظاهرة: "تنمية التخلف"، والتي أكدت أن التخلف ليس افتقاراً إلى التنمية ، بل هو في حد ذاته شكل محدد من أشكال التنمية التي تصاحب ما ندركه عموماً باعتباره "تنمية". إن هناك غياباً كاملاً للاعتراف بهذه الجدلية بين التنمية والتخلف أو بين نمو الثروة في أحد القطبين والفقر في القطب الآخر في حجج الحائزين على جائزة البنك المركزي السويدي.
إن السبب الأساسي وراء هذه الديالكتيكية القائلة بأن نمو الثروة يصاحب نمو الفقر، ونظيره الدولي، أي أن تنمية بعض البلدان تصاحب تخلف بلدان أخرى، يكمن في الآتي: إن النمو الرأسمالي يصاحبه بالضرورة عملية تراكم بدائي لرأس المال، مما يستلزم نزع ملكية كتلة من المنتجين الصغار وبالتالي إفقارهم؛ ولكن عدد الأشخاص العاملين داخل القطاع الرأسمالي، أولئك الذين يستوعبهم القطاع الرأسمالي كعمال بشكل مباشر، لا يشكل سوى جزء ضئيل من أولئك المفقرين. إن الأعداد المطلقة لضحايا التراكم البدائي لرأس المال الذين يظلون "خارج النظام" تتزايد باستمرار مع تقدم تراكم رأس المال؛ أو إذا لم تزد أعدادهم المطلقة بل ظلت ثابتة أو انخفضت، فإن مدى الفقر بينهم يزداد. ولكن الانخفاض في كلا الأمرين، أي أعداد الفقراء الذين أفقرهم النظام ولكنهم ظلوا خارجه، ومدى فقر هؤلاء الأشخاص، أمر مستبعد لأن التراكم البدائي عملية لا تتوقف.
وهذه الظاهرة هي التي تفسر لماذا يصاحب تراكم الثروة في أحد الأقطاب نمو الفقر في القطب الآخر في نفس الوقت. ولكن إدراك هذه الظاهرة عادة ما يكون غامضاً بسبب غياب الرؤية الشاملة لعملية التراكم ككل ؛ حيث ينصب الاهتمام فقط على جزء معين منها، الأمر الذي يعطي انطباعاً خاطئاً .
في سياق الطفرة الطويلة التي شهدتها الرأسمالية، والتي امتدت من منتصف القرن التاسع عشر وحتى الحرب العالمية الأولى، عندما عززت الرأسمالية وجودها كنظام عالمي، عملت هذه الديالكتيكية بين الثروة والفقر على النحو التالي. فقد انتشرت الرأسمالية من بريطانيا إلى أوروبا القارية ثم إلى المناطق المكيفة التي كانت مستعمرات أوروبية مثل كندا والولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا وجنوب أفريقيا. وكانت آلية هذا الانتشار انتشار الصناعة إلى مناطق الاستعمار الاستيطاني، وهو ما أصبح ممكناً بفضل احتفاظ بريطانيا ليس فقط بسوقها مفتوحة أمام الواردات من هذه المناطق، بل وأيضاً بفضل تصدير رأس المال إليها لمواكبة الهجرة الجماعية من بريطانيا وبقية أوروبا إلى هذه المناطق.
وقد قُدِّر حجم الهجرة الأوروبية بما لا يقل عن خمسين مليون نسمة بين نهاية الحرب النابليونية والحرب العالمية الأولى. وقد حرم أولئك الذين هاجروا السكان المحليين من أراضيهم؛ أما أولئك الذين لم يموتوا في القتال، أو من الأمراض الجديدة التي تعرضوا لها الآن، فقد تم حشرهم في "محميات". وكانت الهجرة من بريطانيا وحدها ضخمة إلى الحد الذي جعل التقديرات تشير إلى أن ما يقرب من نصف الزيادة الطبيعية في عدد سكان بريطانيا كل عام قد غادر شواطئها إلى "العالم الجديد" خلال هذه الفترة.
وبما أن السوق البريطانية كانت مفتوحة أمام الصادرات الأولية والصناعية من هذه البلدان الصناعية الجديدة التي استقرت فيها بريطانيا، فضلاً عن أن بريطانيا كانت تصدر رأس المال أيضاً إلى هذه البلدان ذاتها، فقد تراكمت لديها عجزات كبيرة في ميزان المدفوعات في مقابل هذه البلدان. فضلاً عن ذلك، كان الفائض في واردات بريطانيا من هذه المناطق ليتسبب في بعض التراجع الصناعي في الاقتصاد البريطاني، الأمر الذي أدى إلى خلق البطالة وتوليد الضغوط لحماية السوق البريطانية من السلع المستوردة. وقد تم تجنب هذا لأن السلع البريطانية، بما في ذلك قبل كل شيء المنسوجات القطنية التي قادت الثورة الصناعية، والتي كانت تُنتَج بما يتجاوز بكثير احتياجات السوق المحلية البريطانية، كانت تُصدَّر إلى مستعمراتها الاستوائية؛ ويشير إريك هوبسباوم إلى بيع بريطانيا بشكل متزايد في المستعمرات (الاستوائية) ما لم تتمكن من بيعه في الداخل، باعتباره "هروباً إلى المستعمرات". وقد تسببت هذه الصادرات بدورها في إزالة الصناعة في هذه المستعمرات حيث فقد الحرفيون والصناع التقليديون، وخاصة الغزالون والنساجون، أعمالهم وأُلقوا في الأرض مما تسبب في زيادة الإيجارات وانخفاض الأجور وزيادة الفقر الجماعي.
كان عجز ميزان المدفوعات البريطانية في مواجهة "الدول الصناعية الجديدة" في تلك الفترة مغطاة بشكل كبير من خلال عنصرين كسبتهما من المستعمرات الاستوائية: الأول هو الصادرات الصناعية إلى هذه المستعمرات المشار إليها أعلاه. والثاني هو استنزاف الثروة أو التحويلات في اتجاه واحد من هذه المستعمرات إلى بريطانيا: فقد استنزفت بريطانيا كل الفوائض السنوية من صادرات دول مثل الهند دون أي مقابل، وساعدت في سداد العجز البريطاني في مواجهة مستعمراتها الاستيطانية وغيرها من "الدول الصناعية الجديدة".
ولقد نجح هذا النظام لأن هذه المستعمرات الاستوائية كانت تتمتع بفوائض في صادراتها من السلع في مقابل القارة الأوروبية، والعالم الجديد، فضلاً عن اليابان. وكان الفائض الهائل الذي حققته الهند من صادراتها من السلع إلى هذه البلدان، والذي كان ثاني أكبر فائض في العالم لعقود عديدة، ناشئاً عن قدرتها على توريد السلع الأساسية التي تحتاجها هذه البلدان لتصنيعها. وكانت بريطانيا تستحوذ على هذه الفوائض من الصادرات مجاناً بالكامل لسداد عجزها في مواجهة "العالم الجديد". وكان هذا مجاناً لأن بريطانيا "دفعت" للفلاحين ثمن سلعهم التي يصدرونها من الضرائب التي تفرضها عليهم؛ ولعل هذا كان المصدر الأكثر أهمية لتوليد الفقر في المستعمرات الاستوائية.
ولقد كان نمو الثروة في المستعمرات الاستيطانية وغيرها خلال ما أسماه هوبسباوم "القرن التاسع عشر الطويل" (الذي امتد حتى الحرب العالمية الأولى) في مقابل نمو الفقر، بما في ذلك المجاعات الدورية، في المستعمرات الاستوائية التي كانت مستعمرات غزو (على النقيض من مستعمرات الاستيطان). وحتى لا يظن المرء أن بلداناً مثل الهند كانت دوماً فقيرة كما كانت في وقت الاستقلال، فإن تقديرات شيرين موسوي، المؤرخة الاقتصادية، تستحق الاستشهاد بها هنا. فهي تقدر دخل الفرد في الهند المغولية من أرقام الإيرادات التي قدمها أبو الفضل لعام 1575 وتقارنها برقم دخل الفرد الذي قدمه إس. سوبرامونيان للهند بأكملها لعام 1910، وتجد أن الأخير أقل من الأول من حيث القيمة الحقيقية.
لقد أصبح انتشار الرأسمالية الصناعية في القرن التاسع عشر الطويل ممكناً بفضل امتصاص جزء من الفوائض من المستعمرات الاستوائية؛ وكان الوصول إلى الأسواق الذي وفرته بريطانيا لـ"الصناع الجدد" بمثابة نظير لتعدي بريطانيا على أسواق مستعمراتها الاستوائية. وكان كل من هذين الأمرين جزءاً من عملية التراكم البدائي لرأس المال التي أنتجت فقراً جماعياً حديثاً في هذه المستعمرات؛ ولكن المستفيدين من هذا التراكم البدائي لرأس المال كانوا المناطق المكيفة التي استوطنها الأوروبيون والتي شهدت زيادة هائلة في ثرواتها. وعلى هذا فإن تراكم الثروة وتراكم الفقر كانا مرتبطين جدلياً. ولكن الاقتصاد البرجوازي لم يعترف بهذه الحقيقة أبداً.

المصدر
ديمقراطية الشعب
صحيفة الحزب الشيوعي الهندي الماركسي



#أحزاب_اليسار_و_الشيوعية_في_الهند (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في ذكرى لينين: الكهرباء والمنطق والعلم
- الإمبريالية والسعي إلى التوسع
- السيد حسن نصر الله: الرجل الذي هزم إسرائيل
- إسرائيل تدفع غرب آسيا إلى مرجل
- الحزب الشيوعي الهندي يدين الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان
- أقيموا فعاليات في يوم 7 أكتوبر: أنهوا الحرب في غزة وتضامنوا ...
- حول فوز اليساري أنورا ديساناياكي في الانتخابات الرئاسية في س ...
- رسائل تعزية بوفاة الرفيق سيتارام ياتشوري
- الحزب الشيوعي الهندي (الماركسي) :تكريم عام لسيتارام يتشوري
- بيانات بمناسبة وفاة سكرتير عام الحزب الشيوعي الهندي الماركسي ...
- تصاعد التوترات الطائفية في ولاية آسام
- حول الهجمات على الاقلية الهندوسية في بنجلاديش
- احزاب اليسار تدعو الى احتجاجات وطنية ضد المجازر الاسرائيلية ...
- يعرب الحزب الشيوعي الهندي عن قلقه بشأن الاحتجاجات الطلابية ا ...
- فلسطين: التحرير الوطني ليس قضية دينية
- نطالب بسحب الدعاوى الجنائية ضد التضامن الفلسطيني
- ندين بشدة الاعتداءات الطائفية الإجرامية ضد المسلمين
- بيان المكتب السياسي للحزب الشيوعي الهندي (الماركسي)
- الحزب الشيوعي الهندي (الماركسي): نتائج الانتخابات انتكاسة لح ...
- الخداع مقابل الإنسانية


المزيد.....




- -جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال ...
- مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش ...
- ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف ...
- ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
- حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك ...
- الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر ...
- البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
- الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
- -أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك ...
- ملكة و-زير رجال-!


المزيد.....

- قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند / زهير الخويلدي
- مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م ... / دلير زنكنة
- عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب ... / اسحق قومي
- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند - جدلية الثروة والفقر