عناق الألم: مشهد من ذاكرة الجرح قراءة في نصّ : بدايةُ حُلُم – للشاعرة : هناء مرشد – سوريا . بقلم : كريم عبدالله – العراق .

كريم عبدالله

الحوار المتمدن-العدد: 8145 - 2024 / 10 / 29 - 09:57
المحور: الادب والفن
    

عناق الألم: مشهد من ذاكرة الجرح
قراءة في نصّ : بدايةُ حُلُم – للشاعرة : هناء مرشد – سوريا .
بقلم : كريم عبدالله – العراق .
مقدمة
تُعتبر الشاعرة هناء مرشد من الأسماء البارزة في المشهد الشعري السوري، حيث تعكس كتاباتها تجارب شخصية وجماعية عميقة تعكس الألم والحنين. في نصها / بداية حُلُم /، تتناول موضوعات الألم والذكريات، مستخدمةً لغة غنية بالاستعارات والتشبيهات.

قراءة النص
يبدأ النص بصور قوية تصور حالة من / العقارة / مع الألم، مما يُبرز الشغف والمعاناة التي يعيشها الشاعران. استخدام الكأس كرمز للألم يُعطي انطباعًا عن التكرار والديمومة في المعاناة، حيث يتناولان "آخر صلوات الوجع" وكأن الألم يتجدد باستمرار.

تتسم لغة مرشد بالتجسيد، حيث تجعل من الألم شخصية حاضرة تتفاعل مع الشاعرين. يُظهر تعبير / يتلوَان آخِرَ صَلواتِ الوجع / عمق الإيمان أو الإقرار بالألم، وكأنهما يتقبلان معاناتهما بشجاعة.

الرمزية
تتضمن النصوص أيضًا رموزًا دالة على الأمل رغم المعاناة. الشمس، على الرغم من برودتها، تمثل الأمل والخلاص، حيث تأتي لتغازلهما. لكن، يُظهر الشاعران جدارًا نفسيًا يحجب النور عنهما، مما يُعبر عن انغلاقهما على تجربتهما الموجعة.

التوتر بين الأمل واليأس
يظهر التوتر بين الأمل واليأس من خلال مشهد / ضيوفاً على مَوائِدِ الجوع /، حيث يُبرز البقاء في حالة من الانتظار دون تحقيق أي تقدّم. يُعبر ذلك عن شعور الفقد والحنين للماضي، حيث كان هناك نوع من الوفرة أو السعادة التي فقدت.

الأسلوب والتقنيات
تستخدم مرشد تقنيات صوتية وجمالية فعّالة، مثل التكرار والمقابلة. تتكرر بعض الكلمات لتعميق الإحساس بالألم، كما أن استخدام اللغة الشعرية المفعمة بالعواطف يجعل النص قادرًا على لمس القلوب.

أنّ الأبداع الحقيقي في النصوص الشعرية هو أن تحتمل أكثر من تأويل , وتتعدد القراءات حولها , مما يفتح افقاً شاسعاً من الجمال يرافق المتلقي وهو يتأمل نسيجها الشعري .
واليكم الان هذه القراءة الفلسفية لهذا النصّ المتخم بالرموز والشيفرات :
تتناول الشاعرة هناء مرشد في نصها / بداية حُلُم / قضايا الوجود والمعاناة والذكريات من منظور فلسفي عميق. من خلال استكشاف الألم كحالة وجودية، تطرح الشاعرة تساؤلات حول معنى الحياة وما يرافقها من تجارب مؤلمة.

الألم كحقيقة وجودية
يعتبر الألم من المحاور الرئيسية في النص، حيث يُظهر الشاعران وكأنهما في حوار مع الألم نفسه. يقول الشاعران إنهما / يُعاقِرانِ الألمَ كأساَ تِلوَ الأُخرى / ، مما يُعبر عن وجودهما ضمن تجربة مشتركة تُبرز الحقيقة القاسية للوجود. في هذا السياق، يمكننا أن نستحضر أفكار الفلاسفة مثل نيتشه، الذي اعتبر أن الألم جزء لا يتجزأ من الحياة الإنسانية، وأن مواجهة الألم يمكن أن تؤدي إلى نمو الشخصية.

الذاكرة والوجود
تُبرز الشاعرة دور الذاكرة كعنصر مكون للهوية. فعندما يقول الشاعران إنهما / يَبكيان كُلما عَبَرَتِ الذِكرى / ، يتجلى كيف تشكل الذكريات تجاربهم الحالية وتُعزز من شعورهم بالألم. هنا، يمكن الربط بفلسفة هيدجر حول الوجود، حيث يعتبر أن الذاكرة تُشكل جوهر الكينونة. إن الألم المرافق للذكريات يشير إلى كيفية تأثير الماضي على الحاضر، مما يعكس تعقيد الوجود البشري.

الأمل في مواجهة اليأس
تظهر في النص أيضًا صورة الأمل، ممثلةً في ضوء الشمس الباردة التي / تُغازِلُهُم / . هنا، يتجلى الصراع بين الأمل واليأس، وهو صراع فلسفي عميق. تُظهر الشاعرة كيف أن الأمل يمكن أن يكون موجودًا حتى في أوقات المعاناة. في هذا الصدد، يمكن استحضار أفكار كيركغارد حول الإيمان، حيث يُعتبر الأمل بمثابة فعل وجودي يتطلب الشجاعة في مواجهة المعاناة.

الضياع والانتماء
تعبّر الشاعرة عن شعور الضياع من خلال عبارة / ضيوفاً على مَوائِدِ الجوع / . هنا، يُعبر الجوع عن فقدان الانتماء والرغبة في تحقيق الذات. إن كونهم / زواراً لم يُلقِ أحداً عليهم التحية / يعكس شعور العزلة الذي يعاني منه الأفراد في سياقات الأزمات. يمكننا الربط هنا بفلسفة سارتر حول العزلة والوجود، حيث تعتبر تجربة العزلة جزءًا من شرط الإنسان.

خاتمة
في / بداية حُلُم /، تتناول هناء مرشد قضايا فلسفية عميقة تتعلق بالوجود والألم والذكريات والأمل. النص يطرح تساؤلات عن طبيعة الوجود الإنساني وكيفية التعايش مع الألم، مما يجعله عملاً شعريًا يحمل بعدًا فلسفيًا غنيًا. تتداخل المشاعر والأفكار، مما يُعزز من قدرة النص على اللمس والتأثير، ويجعل القارئ يعيد التفكير في معاني الألم والأمل في الحياة.
النصّ :
بدايةُ حُلُم
كانا يُعاقِرانِ الألمَ
كأساَ تِلوَ الأُخرى
يتلُوانِ آخِرَ صَلواتِ الوجعْ
ويُرَتِلانِ الجَسَدَ ترتيلا
يَبكيانِ كُلما عَبَرَتِ الذِكرى
يَحجِبانِ عنْ أعْيُنِهُمُ النورَ
حينَ تُغازِلُهُم شَمسَ الشِتاءِ البارِدة
لِتستَرِقَ خيطاً مِن نورٍ وتُرسِلهُ لَهُم
عَبرَ تصدُعاتِ جُدرانهم القديمة
لِيُدرِكانِ كُلما زارَهُم الدِفْ ء
أنَّهُم مازالوا على قَيّدِ الألمْ
ضُيوفاً على مَوائِدِ الجوع
زواراً لم يُلقِ أحداَ عليهُمُ التحية
بقلمي :هناء مرشد

#كريم_عبدالله (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات