أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحيم الحلي - المنفى الطويل














المزيد.....

المنفى الطويل


رحيم الحلي

الحوار المتمدن-العدد: 8143 - 2024 / 10 / 27 - 15:56
المحور: الادب والفن
    


كنت طيب القلب، أصدق كل ما أسمع، وآمنت بشعارات الحزب الشيوعي العراقي الجميلة: "وطن حر وشعب سعيد". فقد كانت أسرتي تعاني من فقر يدمي القلب. انهارت جدران البيت مرارًا، حتى انهار البيت كله وكنا جميعًا خارج البيت فنجونا بأعجوبة. أما بيت جارنا حسين المفتي، فقد انهار على الطفلة الصغيرة التي تركتها أمها نائمة.
المهم أننا كنا نرى في شعارات البعث كلاماََ عبثياََ لايهمنا. فوالدي الحمال يكد كل النهار رغم مرضه الصدري، فلن يعالج مرضه شعار "أمة عربية واحدة"، ولا يهمني إن كانت رسالته خالدة أو منتهية الصلاحية. تذكرت ابن عمي يوسف الذي ذهب إلى الكويت وعمل حمالًا هناك، وعاد بمبلغ استطاع أن يصلح به حاله. فهذه الدولة الصغيرة تعيش بسعادة كبيرة بدون شعارات.
كنتُ أشعر بالكراهية تجاه البعثيين، فقد شاهدتُ كيف هاجموا بيت جيراننا كاظم رفيق في "عگد البعرور" ، وكيف اعتدوا على حرمة البيت وعذبوا بعض نسائه بتهمة الانتماء إلى الشيوعية. لن أنسى طيبة كاظم رفيق حين تعرفتُ إليه عن قرب في مقهى فلكة التابية. كان يجلس هناك مساء كل يوم، وكنا نذهب لمشاهدة التلفاز الذي لم يكن يملكه سوى الأثرياء. اعتقدت أن كل الشيوعيين طيبون مثل كاظم رفيق، فالرجل بسلوكه جعلني أحب الشيوعيين.
ثم وجدتُ نفسي ذات يوم أعمل في نفس الخلايا الحزبية التي يقودها أو يشرف عليها ولده حسن رفيق. لم أكن أعلم أن الشعارات هي مجرد طعم يبلعه كل الناس البسطاء، ويصدقونه ويتورطون في الانتماء الذي كلف حسن رفيق حياته، وكلفني التشرد والمطاردة والاختفاء داخل وطني. ثم قررت الهروب إلى إيران بعد أن أدركتُ أن لانجاة لي من المطاردة الا بالهروب، حينها ادخل صدام البلد في مغامرة مدمرة.
وبكل الأحوال، كانت فرصة ذهبية للهروب والخلاص من الاعتقال حين تقدمت قواتنا وعبرت نهر الكارون. لم اكن يومها حكيما فقد تورطت اكثر حين انتقدت صدام ومغامراته وظلمه علناً أمام قرابة عشرة جنود.
في جبهات القتال شاهد الجميع الظلم والتمييز الذي يمارسه صدام ، حيث كان الفقراء وحدهم هم الذين يتصدرون الصفوف الأمامية. أدركتُ أن الوقت ليس في صالحي، فلا يمكن أن لا تصل شتائمي إلى مسامع المخابرات العسكرية. فقد كان في موقفي مغامرة تفتقد للحكمة.
كنت محظوظًا حين استعجلتُ الرحيل، ونجحتُ بعد ثمان ساعات من المشي على ضفاف الكارون، مبتعدًا عن مناطق الاشتباك. ومن خلال سؤال أبناء القرى الطيبين الذين ساعدوني في الوصول إلى إيران، رغم حب بعضهم لصدام، لكنهم تعاطفوا جميعًا معي، فقد كنت شابًا لجأ إليهم خائفًا وجائعًا ومذعورًا، يتوسل اليهم مساعدته.
في إيران، استغربتْ السلطات من موقفي. اعتقدوا في البدء أنني من أنصار الأحزاب الشيعية الموالية لإيران، وحينما انتبهوا إلى أنني لا أصلي أبدًا، سألوني عن أسباب لجوئي إليهم. وعرفتُ فيما بعد أنهم جلبوا شخصًا من الحلة ليشخصني، وهو الصديق سجاد من محلة التعيس، وكنا نصلي معًا في مسجد ابن النما، لكني تركت المسجد حين جذبتني كتب لينين وماركس التي وجدتها أقرب إلى قلبي وعقلي من كتب محمد جواد مغنية وكتب الداعية المصري مصطفى محمود وغيرها.
الرجل عرفني وزكَّاني سياسياََ، لكن في إيران لم أعيش بسلامة كاملة. طلب مني البعض مشاركتهم في قتالهم ضد القوات العراقية، فقلتُ لهم إنني جئتُ من تلك القوات التي ليس فيها بعثي مهم، فكل المتواجدين هم أبناء الفقراء. فلماذا نذهب ونقاتلهم وهم مجبرون على القتال، ومعظمهم كاره لهذه الحرب ولصدام وللبعث الذي كان يوزع ثروات وطنهم على الغرباء ويحرمهم منها.
قررتُ الذهاب إلى سوريا، وكنتُ مقتنعًا بتقدمية حافظ الأسد ومنبهرًا بجبهته الوطنية التي عملها مع الشيوعيين. وفي سوريا، أدركتُ أن الأسد لا يختلف عن صدام في بطشه وظلمه وتمييزه وفساد سلطته. طلبتْ مني السلطات السورية التعاون معها، فرفضت. قرروا إبعادي إلى الحدود العراقية دون تسليم في اليد. وكان معي آخرون شملهم نفس الإجراء، لكن العراقيين الذين تحترم السلطات كلمتهم، كالشاعر الجواهري، اعترضوا على ذلك الإجراء.
بقيتُ تائهًا في الصحراء قرابة العام، وفي تلك الفترة استطعتُ الحصول على تعاطف أحد البدو الذي قبل أن أعيش في بيته بعد أن رفضني العشرات. وذات يوم، سمعتُ من احد رعاة الغنم ان أحد العراقيين يعمل راعياً مثلي عند جماعة من البدو ، حطوا رحلهم قريباً من مضارب القبيلة التي لجأت إليها. ذهبتُ إليهم وسألتُ عن العراقي الذي يعيش عندهم وتعرفتُ إليه، ففي الغربة يصبح الغرباء إخوة حقيقيون.
وفي الليل، بينما كنت غارقاً في نومي ، لم اصدق عيوني ، فقد أيقظني الحراس وطلبوا مني ومن صديقي مرافقتهم، وكانت بنادقهم مصوبة إلينا بشكل جدي. انتهت الأمور بنا في جولة بين الفروع الأمنية. ربما وصلتُ إلى ستة فروع مخيفة، بعضها ثلاث طوابق تحت الأرض لا نرى الشمس، ويجبروننا على التشمس تحت ضرب السياط.
أدركتُ أن الشعارات التي يرفعها الأسد هي ذات الشعارات التي يرفعها صدام، ويمارس نفس الظلم والقسوة بحق المعارضين. وقد قرأتُ أسماء السجناء السياسيين والعسكريين الذين حفروا أسماءهم على الجدران قبل تنفيذ أحكام الإعدام بهم. وفي دمشق، أدركت للمرة الأولى أن الشيوعيين خدعونا بشعاراتهم. لا أنكر أنهم كفلوني وزكوني أمام السلطات السورية، وأخرجوني بعد شهور من سجن كان يمكن أن يمتد بي لسنوات طويلة. بعض السجناء الذين لا يطالب بهم أحد يبقون في السجن إلى الأبد، وهنا لا أنكر فضلهم عليَّ، ولا انكر فضلهم في أنهم أسكنوني في بيت حزبي، كان يضعون فيه بعض الرز والعدس والسكر والشاي، ويعطونا مبلغاََ صغيراََ كل أسبوع. لكن في دمشق، أدركت زيف شعارات الشيوعيين حين عرفتُ مستوى الترف الذي يعيش فيه أعضاء القيادة والكادر المَرْضِيُّ عنه، وبين الشيوعيين الآخرين، والذين قرر بعضهم الانتحار بسبب العوز، حيث لم تكن المساعدات النقدية تأتي لوحدها دون مطالبة ، وقد تُرفض أحيانًا. المهم، انتحر البعض بينما عاش المَرْضِيٌّ عنهم في ترف وحبور، كل حوائجهم وغرائزهم مقضية.



#رحيم_الحلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في الذكرى الخامسة لرحيل الأديبة السويدية سارة دانيوس
- جائزة نوبل في الأدب لعام 2024 تُمنح للروائية الكورية الجنوبي ...
- النملة التي اصبحت فراشة
- رحلة في مركب القاص مهدي عيسى الصقر
- الذكرى العشرين لرحيل الملحن كمال السيد
- رضيّة قصة قصيرة كتابة رحيم الحلي
- الفنان فاروق هلال نقيب الفنانين الأسبق هل تأخر في العودة إلى ...
- اذا كان هذا
- المستنقع الاسن قصة قصيرة كتبها رحيم الحلي
- ذياب كزار ابو سرحان الشاعر الغائب كتابة رحيم الحلي
- بيت النداف قصة قصيرة كتبها رحيم الحلي
- القمر والصحراء وزائر الليل قصة قصيرة
- قصة وردة كتابة رحيم الحلي
- قصة قصيرة / الغجر يسرقون الماعون
- الحصار قصة كتبها رحيم الحلي
- صياد الجوائز / قصة قصيرة كتابة رحيم الحلي
- الحصان
- قصة العربة
- ناظم الغزالي السفير الاول للاغنية العراقية / رحيم الحلي
- الفنان جعفر حسن .. ستون عام من العطاء


المزيد.....




- صمدت في جباليا.. استشهاد الفنانة التشكيلية الفلسطينية محاسن ...
- شاهد.. فيلم وثائقي جديد يعرض صورًا لم تُنشر من قبل للأمير وي ...
- -الأندلسيات الأطلسية- في دورة جديدة -مليئة بالوعود- بالصويرة ...
- افتتاح مهرجان -سيمفونية الثقافات- في بطرسبورغ
- طوفان الرواية ورواية الطوفان.. عن معركة السردية بين المقاومة ...
- البدء بعرض مسلسل -الجريمة والعقاب- على منصة إلكترونية روسية ...
- -إكس- تُغلق حساب قائد الثورة باللغة العبرية
- مسلسل تل الرياح الموسم الثاني الحلقة 148 مترجمة قصة عشق
- المغرب: فيلم -عصابات- يتوج بالجائزة الكبرى في المهرجان الوطن ...
- نخبة من نجوم الدراما العربية في عمل درامي ضخم في المغرب (فيد ...


المزيد.....

- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رحيم الحلي - المنفى الطويل