|
قراءة تحليلية في جماليات القصة القصيرة : اللعنة..- للكاتبة : ليلى المرّاني – العراق . بقلم : كريم عبدالله – العراق .
كريم عبدالله
الحوار المتمدن-العدد: 8140 - 2024 / 10 / 24 - 23:33
المحور:
الادب والفن
قراءة تحليلية في جماليات القصة القصيرة : اللعنة..- للكاتبة : ليلى المرّاني – العراق . بقلم : كريم عبدالله – العراق . تُعدّ القصة القصيرة "اللعنة" للكاتبة العراقية ليلى المرّاني واحدة من النصوص الأدبية المليئة بالرمزية والدلالات العميقة التي تعكس واقع الحياة المعقد والمأساوي في العراق، خصوصًا في ظل الحروب والصراعات المستمرة.
1. الشخصيات والتفاعل بينهم تدور القصة حول مجموعة من الأصدقاء، ولكن الشخصية المركزية هي "ماهر"، الذي يمثل الضحية في صراع داخلي ومعاناة نفسية عميقة. من خلال الحوار بين الأصدقاء، يتضح تأثير الحرب على حياتهم ومشاعرهم. يبرز اللقاء بين الأصدقاء كمساحة لتذكر الأحداث المؤلمة، مما يشير إلى كيفية تأثير الماضي على الحاضر.
2. الزمن والمكان يتناول النص زمنًا غير محدد ولكنه يستحضر ذكريات مؤلمة من ماضي الشخصيات، حيث تتقاطع تجاربهم الفردية مع سياق الحرب. المكان، المقهى، يمثل مساحة للذكريات وللحديث عن الألم، مما يعزز الشعور بالحنين والضياع.
3. السرد والتقنية تستخدم المرّاني تقنية السرد المتقطع، حيث تفتح القصة بأحاديث الأصدقاء، ثم تنتقل إلى سرد قصة "ماهر" بشكل تفصيلي. هذا الانتقال يسهم في خلق حالة من التوتر والتشويق، حيث يشعر القارئ بالتطلع لمعرفة ما حدث لـ"ماهر" وكيف أثرت الحرب على نفسيته.
4. الثيمات المركزية تتناول القصة عدة ثيمات رئيسية، منها:
العنف والحرب: يتمثل ذلك في تجربة "ماهر" في المعركة، واللحظات الفاصلة التي تحدد مصيره ومصير من حوله. الذاكرة والحنين: تتجلى الذكريات كجزء أساسي من القصة، حيث يحمل كل شخصية عبء ذكرياتها المؤلمة. الصراع الداخلي: يعكس سلوك "ماهر" صراعه مع نفسه ومع ذاكرتِه المليئة بالآلام. 5. الرمزية والدلالات تحتوي القصة على رموز متعددة، مثل الماء الذي يُعتبر رمزًا للحياة، ولكنه في سياق القصة يحمل دلالات من الألم، حيث يُذكّر "ماهر" بذكرياته المأساوية. كذلك، يمثل الطعام (الأحذية) الذي يطلب من الرجل تناوله رمز الجوع والقسوة.
6. الأسلوب تعتمد المرّاني على لغة قوية ومؤثرة، حيث تتنقل بين الألفاظ الحادة والعاطفية. تعكس جملها القصيرة والمكثفة شعور الشخصيات باليأس والغضب، مما يعزز من تأثير النص العاطفي على القارئ.
خلاصة تقدم "اللعنة" للكاتبة ليلى المرّاني تجربة أدبية عميقة ومؤلمة، تعكس تفاصيل حياة شخصيات مكلومة في واقع مرير. من خلال استراتيجيات السرد، والأسلوب الفني، والرموز الغنية، تساهم القصة في إلقاء الضوء على مأساة الإنسان في زمن الحروب، مما يجعلها نصًا يستحق القراءة والتحليل.
اللعنة.. - قصة قصيرة ليلى المرّاني - العراق
قبل أيام التقيت بصديقي واثق بعد انقطاع طويل، أخذنا الحديث إلى تلك الأيام التي كنا نجتمع فيها مرّةً في الأسبوع، خمسة أصدقاء لم نفترق إلاّ حين شتّتنا الحروب وما تلاها من ظروف صعبة، فهاجر من هاجر، وانزوى ببيته من لم يعد يجد طعمًا للحياة. — هل تعلم بأن ماهر أصيب بالعمى؟ — ماهر؟ كيف؟ هو لا يزال شابّا. — لا أعلم، ولكنك تعرف بأنه هاجر إلى إحدى الدول الأورپية، أختي تعيش في المدينة التي فيها ماهر، ومنها سمعت بالخبر. وماهر له حكاية أغرب من الخيال، حاولت نسيانها، ولكنها قفزت الآن شاخصةً من دهاليز ذاكرتي بكلّ تفاصيلها، حينها كرهت ماهر وتجنّبته. حكى لنا تلك القصة البشعة ونحن في المقهى الذي نلتقي فيه، كان يحكيها بشيء من الانتشاء والسخرية.. وربما الألم! تحضرني الآن صورته، شابّ طويل القامة، لا يعيبه شيء سوى رمشة سريعة في عينيه بين الفينة والفينة، وقيل بأنه ورثها عن أبيه. ساقوه إلى الحرب بعد تخرّجه من كليّة الهندسة، وكذا آلاف الشباب الآخرين. يتكلّم بسرعة بحيث يبتلع نصف كلماته، ولكنه هذه المرّة أخذ يتحدّث ببطء وهو يوزّع نظراته علينا وقد ازدادت عيناه سرعةً في الرمش. — هل أحكي لكم قصةً أغرب من الخيال حدثت معي؟ اشرأبّت الأعناق، وصاح أحدهم بجذل: أحبّ القصص الغريبة، هيّا يا ماهر. اعتدل بجلسته، وضع ساقًا على ساق وسحب نفسًا عميقًا، نافخًا أوداجه. نظرتُ إليه مستغربًا ومتسائلاً، " ماذا في جعبته، ولماذا هذا المزيج من الاعتداد والسخرية وشيء من الألم الذي اكتسح قسمات وجهه. — حين هروبنا من المعركة في تلك الحرب اللعينة… تنحنح وسحب نفَسًا عميقًا، وبصوت جعله يبدو عميقًا ومؤثّرا، واصل حديثه. — كانت طائرات العدو تلاحقنا، أشعلت السماء والأرض بقذائفها، كنا نركض بعشوائية، لا نعرف الاتجاه وإلى أين سيقودنا الطريق، المهم أن نهرب من ذلك الجحيم، نرى مَن يسقطون جرّاء القصف أو من الجوع والعطش والتعب.. جثث تمشي من دون رؤوس، جثث كثيرة على جانبَي الطريق.. صمت فجأةً، ابتلع ريقه ودمعت عيناه.. وسادنا صمت ثقيل. استعجله أحدنا، وكان شديد التأثّر، فقد فقدَ أخاه في تلك الحرب غير المتكافئة. — لا أدري كم يومًا سرت، بل زحفت في طريق لا أعرف أين سيأخذني. الجوع والعطش ولهيب الصيف الحارق، كلّها توحّدت؛ فأفقدتني قدرتي على مواصلة الهرب.. تحجّرت ساقاي؛ فخلعت ( بسطالي ) الثقيل و.. توقّف عن الحديث، أخذ نفسًا عميقا من سيكارته ورشفةً من قهوته.. وزّع نظراته التي شابها الحزن على أرجاء المقهى وكأنه يبحث عن شيء فقده. فجأةً لمعت عيناه وشابهما حزن عميق. — وأنا ألهث من العطش والتعب، لاح لي من بعيد شبح رجل، ركضت نحوه بكلّ ما تبقّى لي من طاقة، رجلٌ مسنّ يرتدي زيّ أهل الجنوب؛ فأدركت بأنني دخلت أرض الوطن. سقطت أرضًا فاقدًا الوعي قرب الرجل، وكلّ ما نطقت به،" ماء.. ماء " ساعدني كي أستقيم وناولني قربة الماء التي يحملها،" لا تشرب كثيراً، فقط بلّل شفتيك أولاً كي لا تُصاب بالعمى. " كانت يداي ترتجفان وأنا غير مصدّق بأنني سأشرب ماءً، صببت قليلاً منه على رأسي ووجهي، سألت الرجل، " أين نحن؟ " " في مدينة ( ن ) الجنوبية " سكت ثانيةً، وغرق في عالمه المجهول.. طال صمته، فصاح أحدنا: أكمل يا ماهر، ماذا حدث بعد ذلك؟ — هل أنتم على استعداد لسماع الجزء الأكثر غرابةً من القصة؟ — نعم.. نعم أجبنا بصوتٍ واحد — حسناً، نظرت إلى الرجل بحقدٍ مفاجئ، وكأنني أرى أمامي أحد قادتنا العسكريين الذين فرّوا من المعركة بسياراتهم العسكريّة دون أن ينذرونا.. تركونا لقدرنا نركض كالفئران مذعورين تحت قصف الطائرات. صحت بالرجل بكلّ ما بقي لديّ من قوّة، " اخلع نعليك " ، " لماذا؟ "، " أريدك أن تأكلهما "، نظر إليّ غير مصدّق، وأظنّه اعتقد بأنني أمزح معه، صرخت بكلّ قوّتي ورذاذ الماء ممتزجًا بلعابي يتطاير بوجهه، " كُلْ نعليك وإلاّ قتلتك. "، وأشهرت بندقيتي بوجهه.. ارتعب، ولكنه بقي متردّدا غير مستوعب ماذا أقول. صوّبت فوّهة البندقية إلى رأسه وعيناي تقدحان حقدًا وشراسة.. فجأةً سكت، خرج من المقهى، ثم عاد بعد أن تنفّس بعمق، وبصق عدّة مرّات. — خاف الرجل.. وهنا أصبح صوته غليظًا، مشوّهًا كصوت غراب يبكي! — نعم، ارتعب الرجل، تناول أحد نعليه وقضم منه قطعةً صغيرة، حاول أن يبتلعها؛ فلم يستطع، ولكنه ارتجف حين سمع صوت البندقية وأنا أشدّ على زنادها، " اقتلني يا ولدي.. اقتلني "، " ليس قبل أن تأكل نعليك " ابتلع القطعة، ثم قطعة أخرى، وأخرى.. واستفرغ ما في جوفه… حين انتهى فجّرت رأسه بكلّ ما في بندقيّتي من رصاص.. مسحت وجهي بدمه، وجثوت أمام جسده.. وبكيت.
#كريم_عبدالله (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة وجودية في : مشاعر الوجود والغياب وتأملات عميقة في معنى
...
-
الرمزية، اللغة، و الموضوعات الرئيسية في قصيدة : من أغاني الش
...
-
قراءة تحليلية في نصّ الشاعرة : ليلى غبرا – سوريا- أنا وأنت .
...
-
قراءة في قصة -ذاكرة من ألم- (الجزء الثاني) للشاعرة : فاتن حس
...
-
قراءة وتحليل في قصة الكاتبة – ليلى المرّاني - جرحٌ في أمومتي
...
-
الوجود و الموت في قصيدة : جنائزُنا تبكي علينا – للشاعر : وعد
...
-
سيّدةُ الخوف المتوحشة
-
سيّدةُ المعجزات
-
ما بين الألم والأمل قراءة معمّقة في نصّ : يقرصني الوجع – للش
...
-
سيّدةُ البحر
-
سيّدةُ أزهار الكون كاميليا
-
سيّدةُ الانتظار
-
قراءة في نصّ الشاعرة : رشا السيد أحمد - وأمرّ بالأيام –ألمان
...
-
سيّدةُ الحبّ الخالد
-
الضعف الإنساني والأمل في قصيدة : ليلة ليلاء – للشاعرة : جميل
...
-
الموسيقى الشعرية في قصيدة : أحتدُّ غيظاً لأجل الحياة – للشاع
...
-
قراءات نفسية في قصائد سردية تعبيرية بقلم : كريم عبدالله – ال
...
-
قراءة برغماتية في قصيدة الشاعرة : رحمة عناب - رنَّةُ الوداع
...
-
قراءة صوفية لقصيدة الشاعرة : رحمة عناب - مَنْ يأخذني اليكَ .
...
-
قراءة فلسفية لقصيدة الشاعرة : رحمة عناب - كتبتكَ مخاضاً شهيّ
...
المزيد.....
-
-طفولة بلا مطر-: المولود الأدبي الأول للأكاديمي المغربي إدري
...
-
القبض على مغني الراب التونسي سمارا بتهمة ترويج المخدرات
-
فيديو تحرش -بترجمة فورية-.. سائحة صينية توثق تعرضها للتحرش ف
...
-
خلفيات سياسية وراء اعتراضات السيخ على فيلم -الطوارئ-
-
*محمد الشرقي يشهد حفل توزيع جوائز النسخة السادسة من مسابقة ا
...
-
-كأنك يا أبو زيد ما غزيت-.. فنانون سجلوا حضورهم في دمشق وغاد
...
-
أطفالهم لا يتحدثون العربية.. سوريون عائدون من تركيا يواجهون
...
-
بين القنابل والكتب.. آثار الحرب على الطلاب اللبنانيين
-
بعد جماهير بايرن ميونخ.. هجوم جديد على الخليفي بـ-اللغة العر
...
-
دراسة: الأطفال يتعلمون اللغة في وقت أبكر مما كنا نعتقد
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|