أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - خالد علي سليفاني - لا تساوم: نحو مجتمع يتبنى القيم الحقيقية














المزيد.....

لا تساوم: نحو مجتمع يتبنى القيم الحقيقية


خالد علي سليفاني
شاعر وكاتب ومترجم

(Khaled Ali Silevani)


الحوار المتمدن-العدد: 8140 - 2024 / 10 / 24 - 17:34
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


"لا تنحنِ لأحد مهما كان الأمر ضروريًا، فقد لا تواتيك الفرصة لتنهض مرة أخرى". محمد الماغوط

يواجه كل فرد في حياته الكثير من المواقف التي تتطلب اتخاذ قرارات حاسمة قد تؤثر على مساره بأكمله. من بين هذه القرارات، قد يبدو تقديم تنازل صغير أو قبول حل مؤقت خيارًا معقولًا في لحظته، لكن هذه الخطوة البسيطة قد تتحول إلى بداية سلسلة من التنازلات التي تعيد تشكيل حياة الفرد بطرق قد لا تكون مرضية أو مستدامة. لذا، يمكننا النظر إلى التنازلات ليس فقط من منظور عملي أو يومي، بل أيضًا من خلال عدسة فلسفية واجتماعية تأخذ في الاعتبار الأبعاد الوجودية لهذه الخيارات وما تتركه من تأثيرات على كينونة الإنسان ومعناه في هذا العالم.

يؤكد الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر، أحد أعمدة الفلسفة الوجودية، أن الإنسان محكوم عليه بالحرية، بمعنى أنه دائمًا في حالة اختيار، وما يختاره هو ما يحدد حقيقته. عندما يقدم الشخص على تنازل، فإنه يتخلى عن جزء من حريته، مما قد يؤدي إلى فقدان السيطرة على حياته. في النهاية، قد يجد نفسه في مكان لم يكن يخطط للوصول إليه، لأن كل خطوة على هذا الطريق هي انحراف عن مساره الأصلي. في هذا السياق، تُظهر تجارب عديدة لا تُحصى لأفراد وشخصيات بارزة في مختلف المجالات كيف أن التنازلات البسيطة التي قُدمت في البداية يمكن أن تؤدي بسرعة إلى نتائج مأساوية غير متوقعة.

على الصعيد الاجتماعي، نجد أن التنازل يُفهم غالبًا على أنه شكل من أشكال المرونة أو التكيف مع الظروف، وهو أمر قد يكون مفيدًا في بعض الأحيان. لكن هذه الفكرة تتحول إلى إشكالية عندما تكون هذه التنازلات على حساب الكرامة، الطموح، أو المبادئ الأساسية التي تشكل هوية الفرد.

"لا ترضَ بالقليل وأنت كثير" هو تعبير عن رفض التسوية والتمسك بما يراه الفرد مستحقًا له. فالحياة قائمة على المفارقات، وفي كثير من الأحيان، تكون الخيارات الأكثر صعوبة هي الخيارات التي تضمن النمو الحقيقي. كان الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه يؤمن بأن الإنسان يجب أن يتجاوز ذاته باستمرار، وأن القوة تكمن في القدرة على تحدي الذات والظروف بدلاً من الاستسلام لها. من هذا المنطلق، كل تنازل، مهما بدا صغيرًا، هو خطوة إلى الوراء في مسار تحقيق الذات. ويمكننا أن نرى هذا بوضوح في أمثلة تاريخية وأخرى حية ومعاصرة شهدناها ونشهدها ولا مجال لذكرها.
إذا نظرنا إلى الأمر من بُعد وجودي، فإن التنازلات تمثل نوعًا من الموت الرمزي أو المعنوي. في كل مرة يتنازل الإنسان عن جزء من طموحاته أو قيمه، يفقد جزءًا من ذاته. بهذا المعنى، يمكن اعتبار الحياة عبارة عن مجموعة من القرارات التي تتطلب منا إما التمسك بما نؤمن به، أو الرضا بتنازلات تجعلنا نبتعد عن هويتنا الحقيقية.
من ناحية أخرى، نجد أن الرفض الصريح للتنازلات قد يكون خيارًا محفوفًا بالتحديات، لكنه في كثير من الأحيان هو الطريق الوحيد لتحقيق النمو الحقيقي. يقدم لنا الأديب الفرنسي ألبير كامو، في روايته "الغريب" بطلًا يرفض التنازل عن حقيقته حتى في مواجهة الموت. موقف البطل في الرواية يعكس رفض التسويات والتنازلات الاجتماعية، حيث يؤكد على أهمية التمسك بالذات في عالم مليء بالمفارقات والضغوط.

تاريخيًا، يُمكننا أن نستشهد بموقف غاندى الذي رفض التنازلات في نضاله ضد الاستعمار البريطاني في الهند. كان لديه القدرة على إلهام الملايين لرفض التنازلات الصغيرة عن حريتهم، مما أدى إلى تحقيق استقلال الهند بطريقة سلمية. فموقفه يُظهر أن التمسك بالمبادئ حتى في الأوقات الصعبة يمكن أن يؤدي إلى تغييرات جذرية وإيجابية.

وقبل الختام، أود القول أن الحياة مليئة بالخيارات التي تتطلب منا تحديد الأولويات، ولكن التنازل عن القيم الجوهرية أو الطموحات الكبرى هو في كثير من الأحيان بداية لرحلة من التراجعات. لذا، يجب على الفرد أن يكون حذرًا جدًا فيما يختار التنازل عنه، لأن كل تنازل صغير قد يقود إلى سلسلة من التنازلات التي تؤثر بشكل كبير على مساره في الحياة. وكما يقول نيتشه: "ما لا يقتلنا يجعلنا أقوى"، فإن التمسك بالمزيد والسعي لتحقيق الكمال قد يكون هو الطريق نحو تحقيق الذات بشكل كامل.

وفي النهاية، عندما تجد نفسك في مكان ليس مكانك وتشعر بانهزامك داخليًا، فلا شيء بعد ذلك يعوض لك ما خسرته. لقد خسرت نفسك، وما الجدوى إذا ربحت العالم وخسرت نفسك؟! فلا شعور أسوأ من أن تكون في نفسك محتقرًا منبوذًا، فهذا يعني أن التنازلات الصغيرة التي قدمتها قد قادتك إلى عالم لا يشبهك، حيث تشعر بالانفصال عن ذاتك ومكانتك الحقيقية. لذا، لنحرص دائمًا على أن نكون في المكان الذي يستحقنا، وأن نرفض التنازلات التي قد تقودنا بعيدًا عن هويتنا الحقيقية.



#خالد_علي_سليفاني (هاشتاغ)       Khaled_Ali_Silevani#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كوردستان في التاريخ المعاصر: استكشاف الأبعاد السياسية والاجت ...
- قراءة في كتاب سياسة الحكومة العراقية في كوردستان (1975-1991) ...
- خطاب التغيير وزيف الممارسة: المثقف بين النظرية والتطبيق
- النفاق الانتخابي: ظاهرة اجتماعية تزداد تعقيداً مع اقتراب موع ...
- بين بَيْنَيْن بَيْنٌ
- طقوس بناء النصوص
- كذبة نيسان
- شاهد عيان على نوم القمر
- مقامات السليفاني- وعاظ الأمير
- عزم الكردي
- شعب العجائب
- مفاتيحُ الضباب
- عذرية الحرية
- ألا أدلكَ على شذرةِ الخُلدِ؟
- خبز عاجل...من قناة الجياع
- شذرات
- لعبة النسوة
- سفير الرواية الحسنة
- عاطفة رمليّة
- رسائل مائلة ج4


المزيد.....




- مقتل وإصابة العشرات في جنوب لبنان إثر غارات إسرائيلية، والجي ...
- مقترح مصري لوقف مؤقت لإطلاق النار في غزة ومفاوضات في الدوحة ...
- دعوات للاحتجاج في جورجيا واتهام لروسيا بتزوير الانتخابات
- من يستطيع إنهاء الحروب.. ترامب أم هاريس؟
- ترامب وهاريس في ولايتين حاسمتين قبل الانتخابات بـ 9 أيام
- صحيفة: قراصنة صينيون يتجسسون على مكالمات شخصيات سياسية أميرك ...
- إعلام إسرائيلي: نتنياهو ووزيران يرفضون مقترح مصر بشأن غزة
- ترامب في تجمع انتخابي: هاريس -دمرت الولايات المتحدة-
- بايدن يدلي بصوته في التصويت المبكر لانتخابات الرئاسة اليوم
- كوريا الشمالية: مسيّرة كورية جنوبية اخترقت أجواءنا


المزيد.....

- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج
- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - خالد علي سليفاني - لا تساوم: نحو مجتمع يتبنى القيم الحقيقية