|
نافذة على النِّضال والثَّبات الرَّفيق عصام التَّلّ.. مناضل شيوعيّ صلب ومثقَّف عضويّ حقيقيّ..
سالم قبيلات
الحوار المتمدن-العدد: 8140 - 2024 / 10 / 24 - 13:30
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
نافذة على النِّضال والثَّبات الرَّفيق عصام التَّلّ.. مناضل شيوعيّ صلب ومثقَّف عضويّ حقيقيّ..
سالم قبيلات نستعرض، من خلال هذه النافذة، تجربة مناضل ومفكر شيوعي، كان يتمتع بعزيمة صلبة، ورؤية تقدمية تجاه الحياة والمجتمع، والتزام ثابت بالنضال الثوري للطبقة العاملة، وقد أسهم بشكل فعّال في نشر مناخ من الفكر الثوري اليقظ؛ وكان يجمع، في ممارسته النضالية، بين النضال من أجل القضية الوطنية الأردنية وبين النضال من أجل القضايا القومية والأممية.
وُلد الرفيق عصام نجيب التل في مدينة إربد في العام 1943، في عائلة أردنية عريقة، كان العديد من أبنائها ذوي ميول سياسية يسارية، مما ساهم في تشكيل أفكاره الثورية مبكراً.
درس في الجامعة الأردنية، وتخرج فيها ببكالوريوس في تخصص اللغة الإنجليزية. ثم بدأ مسيرته المهنية في التلفزيون الأردني، في القسم الإنجليزي؛ وبعد ذلك، عمل محرراً في صحيفة الجوردن تايمز.
والرفيق عصام أديب وباحث مرموق، وله العديد من الكتابات الأدبية والسياسية، كما أنَّ له أكثر من كتاب من تأليفه أو من ترجمته؛ ومن بينها "تاريخ الفن والعالم القديم" وكتابه حول "التجربة السياسية"، وكان عضواً في رابطة الكتاب الأردنيين، وقد شغل عضوية الهيئة الإدارية للرابطة لأكثر من دورة، كما كان أيضاً عضواً فاعلًا في الجمعية الفلسفية الأردنية، وعضواً مؤسساً في المنتدى الاشتراكي الأردني.
برز، في المجال الإعلامي، كصحفي جيد، متمكن من أدوات التعبير؛ لغته دقيقة ومنقحة، خالية من الثرثرة والصيغ البلاغية المبتذلة، ويقدم مواضيعه بحرفية عالية ومستوى فني رفيع.
وقد امتاز بامتلاكه ثقافة واسعة ورفيعة، وعمقاً في التفكير؛ الأمر الذي مكنه من أن يتناول في كتاباته أكثر المسائل النظرية عمقًا وتجريداً وتعقيداً بطريقة سلسة وبسيطة.
وقد ظلت كتابته تنتصر دائماً لحقوق الكادحين ومصالحهم، وتنافح عن الثقافة الوطنية الديمقراطية، وعن الصحافة التقدمية التي كان أحد روادها، وتحارب كل أشكال الفكر الغيبي الظلامي وسدنته.
والرفيق عصام كان من القلة التي ينطبق عليها مفهوم غرامشي عن "المثقف العضوي"؛ فقد تميز بمكانته المرموقة كمفكر شيوعي ملتزم، ومناضل ثوري صلب؛ وارتبطت حياته كلها تقريباً بمشروع التحرر الوطني، وبالنضال من أجل إنجاز المهام التاريخية الموكلة لحزب الطبقة العاملة.
وقد عُرف بجمعه بين النقد اللاذع للأخطاء والانحرافات وبين نظرته المتفائلة إلى المستقبل، كما عُرف بجرأته على مواجهة المواقف الصعبة، وتجذر روح التمرد لديه، وحبه للحرية، وتحكيمه للعقل العلمي في تفكيره ونظراته.
لقد كان ثورياً حقيقياً لا يساوم، وكان يرى أنه لا يمكن تحرير البشرية، والانتقال بها إلى الطور الإنساني الأرقى، إلا باقتلاع النظام الرأسمالي من جذوره. وفي الوقت نفسه، كان إنساناً، عملياً وقائداً ميدانياً، يدرك أهمية التغييرات البسيطة، والتحسينات التراكمية، في حياة الناس، ويناضل من أجل تحقيقها. وكان يدعو إلى طرح برنامج نضالي يومي للجماهير، لتحقيق مطالبها المعيشية؛ فمن وجهة نظره، هذا الأمر ضروري ليس فقط لتحسين حياة الجماهير، بل أيضاً لتسهيل نضال الطبقة العاملة في سبيل الاشتراكية.
وإن إحدى السمات المميزة لرؤية الرفيق عصام الثاقبة ونمط تفكيره الثوري، كانت في تسليطه الضوء على الطبيعة الوظيفية للنظام السياسي في الأردن وأثر طابعة الوظيفي في دوره الإقليمي.
وفي حوار سابق لي مع الرفيق أحمد جرادات، أشار إلى أنَّ الرفيق عصام انتسب إلى الحزب الشيوعي الأردني في العام 1973، مؤكداً أن انتسابه إلى الحزب جاء استمراراً لنشاطه السياسي السابق. ففي العام 1970، أنشأ عدد من الناشطين السياسيين من محافظة إربد تنظيماً سياسياً سرياً حمل اسم "الحركة الوطنية الديمقراطية"، كتنظيم ثوري يساري، وكان من بين مؤسسيه الرفيق أحمد جرادات، والرفيق عصام التل. وقد شكل هذا التنظيم فيما بعد النواة الأولى لتأسيس اتحاد الشباب الديمقراطي الأردني في العام 1973، من خلال عملية اندماج جرت بين تنظيم الحركة الوطنية الديمقراطية وبين تنظيم الشباب في الحزب الشيوعي الأردني وعدد من الشباب الديمقراطيين المقربين من الحزب.
ويذكر أنَّ اتحاد الشباب الديمقراطي تطور، بسرعة وثبات، ليصبح إحدى المنظمات البارزة على المستويين المحلي والإقليمي والدولي؛ حيث لعبت جهود الرفيقين عصام التل، وأحمد جرادات، دوراً بارزاً وحاسماً في تبوء الاتحاد مكانة مرموقة على المستويين الإقليمي والدولي.
وكتب الرفيق سعود قبيلات، في مقال له بعنوان "في رثاء هندي أحمر" نشره على مدونته في العام 2019، يصف الرفيق عصام قائلاً: "الرفيق عصام التلّ إنسان فذ وعقل كبير وعميق. إنه عقل حيوي ديالكتيكي ينفر من المواضعات البليدة والأفكار النمطية المستهلكة والمقاربات السطحية الجاهزة. كان مناضلاً صلباً وشجاعاً، وثورياً جذرياً، ووطنياً وأممياً حقيقياً. لم تفتر عزيمته مع توالي السنين، حتى في أقسى الظروف وأصعب الأحوال."
وأضاف، قائلاً: "من ناحية أخرى، كان عصام إنساناً مرهفاً، مقبلاً على الحياة، وذوّاقاً جيداً لجمالياتها، وشغوفاً بمختلف أنواع الفنون الراقية. وكانت لديه قدرة مثيرة للإعجاب على استخلاص أرقى المعاني الإنسانية وأعمق القيم الفكرية من الأعمال الإبداعية المميزة."
وبخصوص أسلوب الرفيق عصام في الكتابة، كتب قبيلات قائلاً: "عصام، يدخل مواضيعه مباشرة، متجنباً التمهيدات النمطية غير الضرورية، ليعبّر في كل جملة، بل وفي كل كلمة، عن فكرة ذكية ولامعة. وعندما تقرأ له شيئاً، تشعر أن كلماته منتقاة بعناية شديدة، وليس فيها ما هو مجاني. ورغم أنه لم يكتب الكثير من النصوص الأدبية، إلا أن القليل الذي كتبه كان مميزاً جداً، ويبقى راسخاً في ذهن قارئه طويلاً."
وعن المصاعب التي واجهها الرفيق عصام بسبب آرائه ومواقفه، كتب قبيلات يقول: "لقد حورب عصام طويلاً في رزقه، بسبب آرائه ومواقفه الوطنية الشجاعة؛ مما اضطره لتلقي رزقه بطرق عسيرة وشحيحة المردود، لكنها كريمة. ورغم ذلك، ظل يقول ويكتب ما في رأسه بصراحة ووضوح، من دون أن يحسب حساباً لما قد يلحق به من أذى نتيجة مواقفه المبدئية."
وكتب الرفيق المهندس جورج حدادين، في ذكرى وفاة الرفيق عصام، مقالاً، تحت عنوان "الثابت على المبدأ"، قال فيه: "خاض عصام التل معارك الحياة مدافعاً عن الكادحين والمضطهدين والمحرومين والمعذبين. ومع ثلة من أبناء جيله، آمن بالغد الأفضل وعمل على أن يكون هذا الغد أجمل. عاش مراحل صعود وهبوط النضال الوطني الأردني والعربي والعالمي، وواجه الصراع مع هيمنة المركز الرأسمالي العالمي على مقدرات هذه الأمة، بالإضافة إلى الصراع مع الأحلاف المفروضة على المنطقة."
وأشار حدادين إلى أن الرفيق عصام، شهد مرحلة تراجع حركة التحرر العربي وانهيار المعسكر الاشتراكي، لكنه لم يحبط أو ييأس، بل زادته هذه الظروف تصميماً وعزماً؛ وأنه حتى في لحظات مرضه، كان الهم الوطني على رأس أولوياته، وفي مقدمة أحاديثه واهتماماته؛ وظل يؤمن بأن الظلم لن يدوم، وأن الطغاة مصيرهم إلى زوال. وكان يرى أن المنظومة الرأسمالية الفاسدة، التي تضع "أولوية ربح رأس المال فوق قيمة البشر"، ستؤول إلى الانحطاط، وأن نضال الطبقة الكادحة، سيؤدي لا محالة إلى ظهور منظومة اجتماعية جديدة، تحافظ على القيم الإنسانية النبيلة وتفتح آفاقًا جديدة أمام الإنسان.
وختم حدادين قائلاً: "كان عصام يكن الحقد والاحتقار لقوى التبعية في الحكم والسوق وفي صفوف النخب، التي تبيع نفسها للطغمة المالية العالمية، وتضع مصالح هذه الطغمة فوق مصالح وطنها ومجتمعها. وبالمقابل، كان يكن الاحترام لكل المناضلين الذين يسعون من أجل حياة خالية من الظلم والاضطهاد، ويدعم حق أوطانهم في الاستقلال الناجز."
الرفيق عصام كان مفكراً ومناضلاً أردنياً جريئاً، عمل دائماً على تطوير معارفه النظرية وأفكاره بشكل متواصل، وقدم أفكاراً جديدة تستحق الاحترام. ولقد عبر دائماً عن حمية وطنية صادقة نحو التحرر والنهوض، وظل ثابتاً في نضاله ضد سياسات القمع والاستبداد، وفي رفضه لسياسات التبعية ومنظومتها. وكان يؤمن بأن التحرر الوطني إذا لم يقترن بتحرر اجتماعي فإنه لن يدوم، بل سينتكس لا محالة، ممهداً الطريق لعودة قوى التبعية المحافظة.
وكان الرفيق عصام يتابع الأزمات السياسية والتنظيمية المتوالية في الحزب بغيرة وحرص، ويدقق فيها، ويشير إلى مكامن الخلل التي أنتجتها، ويقدم تصورات جريئة وأفكاراً جديدةً لحلها. كما أنه لم يخفِ اعتراضه، كلما لزم ذلك، على بعض المواقف السياسية والتصورات الفكرية التي كانت تصدر عن قيادة الحزب الشيوعي الأردني، ويقترح البدائل.
ولقد ظل الرفيق عصام، طوال حياته، ثابتاً على موقفه في معاداة الإمبريالية والصهيونية وتوابعها، ومناهضة التطبيع مع العدو الصهيوني وكل مشاريع الاستسلام، والانحياز للمقاومة في مواجهة غطرسة العدو الصهيوني، ونصرة الفقراء وحقوقهم وكراماتهم، ورفض الاستغلال والقهر والاستبداد والفساد.
وفي ختام هذه النافذة، نعبر عن التقدير والاحترام الكبيرين، للدور الرائد للرفيق عصام التل الذي غادرنا في خريف العام 2019، ونعده بأننا سنظل محافظين على القيم النبيلة التي ناضل من أجلها، مهما تطلب ذلك من تضحيات؛ وستبقى بصمة فكره التقدمي بارزة وملهمة، ومسيرته السياسية شعلة مضيئة لا تنطفئ، وذكراه خالدة في العقول والقلوب.
#سالم_قبيلات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرَّفيق سامي الصَّوالحة.. أخلاق رفيعة.. وهِمَّة عالية.. وشَ
...
-
الرَّفيق عيسى خشَّان.. كان مناضلاً شيوعيَّاً عُمَّاليَّاً به
...
-
ما الَّذي كان يريده المناضل نبيل قبلاني من الرَّفيق حيدر الز
...
-
الرَّفيق فايز بجَّالي.. عاش حياته بكبرياء وإرادة قويَّة.. ور
...
-
الرَّفيقة أوجيني حدَّاد.. إنسانة نبيلة.. وثوريَّة مثابرة وجس
...
-
نافذة على النِّضال والثَّبات الرَّفيق الدّكتور سامي النَّحَّ
...
-
الرَّفيق خالد أبو شميس: شيوعيّ مبدئيّ وإنسان راق..
-
نافذة على النِّضال والثَّبات بطاقة جماعية- 1 نسيم وهيام الطو
...
-
الرفيق عبد الله السِّرياني: مناضلٌ مِنْ مادبا أبعده الاحتلال
...
-
الرَّفيق أحمد جرادات.. ستِّ اعتقالات تكلِّل جبينه وتضحيات أخ
...
-
عدنان الأسمر.. قَهَرَ الظَّلامَ بنور عقله.. وواجه الاستبدادَ
...
-
نافذة على الثبات والنضال «أبو موسى» وأثره الجميل الرَّاسخ في
...
-
خالد الذكر عماد القسوس.. مناضل ومثقف ثوري ملتزم
-
البطاقة الثانية: الرفيق فايز السحيمات.. شغف كفاحي وروح ثورية
...
-
الرَّفيق نبيل الجعنيني.. نموذج كفاحي مميَّز..
-
إطلاق مبادرة -نافذة على النضال والثبات-
-
لا لسياسات الاقصاء والاعدام الاقتصادي
-
هل من هزة لكبير الطغاة
-
اصلاحات الاردن غرق في التفاصيل
-
الثورات الشعبية توقظ الحماس في النفوس
المزيد.....
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
-
شولتس أم بيستوريوس ـ من سيكون مرشح -الاشتراكي- للمستشارية؟
-
الأكراد يواصلون التظاهر في ألمانيا للمطالبة بالإفراج عن أوجل
...
-
العدد 580 من جريدة النهج الديمقراطي
-
الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد تُعلِن استعدادها
...
-
روسيا تعيد دفن رفات أكثر من 700 ضحية قتلوا في معسكر اعتقال ن
...
-
بيان المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي
-
بلاغ صحفي حول الاجتماع الدوري للمكتب السياسي لحزب التقدم وال
...
-
لحظة القبض على مواطن ألماني متورط بتفجير محطة غاز في كالينين
...
-
الأمن الروسي يعتقل مواطنا ألمانيا قام بتفجير محطة لتوزيع الغ
...
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|