هاني الملاذي
الحوار المتمدن-العدد: 1779 - 2006 / 12 / 29 - 11:25
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد أكثر من عام على توقف المحادثات السداسية على خلفية فرض واشنطن عقوبات مالية على بيونغ يانغ، استهل كيم كي غوان المندوب الكوري الديمقراطي، استئناف المحادثات مجدداً بالمطالبة برفع جميع العقوبات المفروضة على بلاده، وتزويدها بمفاعل نووي للطاقة، كشرطين اساسيين للتخلي عن البرنامج النووي. بعد أن كانت واشنطن قد قررت قبل أكثر من سنة فرض عقوبات ترجمت بتجميد نحو 24 مليون دولار مودعة في حسابات كورية ديمقراطية في مصرف بانكو دلتا إيجا في ماكاو «الصين» معيدة الى الأذهان العقوبات الاقتصادية الشاملة التي كانت الولايات المتحدة قد فرضتها بشكل احادي على كوريا الديمقراطية منذ عام 1950.
وباستعراض تفصيلات تطورات أزمة البرنامج النووي الكوري، قد لا نستبعد ان يكون خيار الضغط كسيناريو وحيد استخدمته واشنطن من خلال العباءة الدولية، هو وحده الذي دفع بيونغ يانغ الى الاستمرار في تطوير برنامجها النووي، وصولاً الى إجراء تجربتها النووية الأولى وربما قيامها مستقبلاً بتكرار التجربة، كما تهدد وتلوح!
ونذكر حين اتهم مندوب كوريا الديمقراطية لدى الأمم المتحدة باك جيل يون مجلس الأمن بعيد قرار العقوبات، بالقيام بعمل مثل عمل العصابات، موضحاً انه إذا زادت الولايات المتحدة الضغط على جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية فإنها ستواصل اتخاذ اجراءات مضادة مادية، معتبرة ذلك إعلان حرب.
إذاً لم تسفر سنوات طويلة من التهديد والوعيد والاهانات من واشنطن، عن عمل شيء يردع الكوريين عن التحدي، ولعل نظام كوريا الديمقراطية قد شعر كثيراً بالحاجة الى سلاح نووي بوصفه دفاع اللحظة الأخيرة، آخذاً على محمل الجد التهديدات الآتية من واشنطن، وحتمية تفادي مصير يوغسلافيا وأفغانستان والعراق، فكان أن انسحبت كوريا الديمقراطية في كانون الثاني 2003 من معاهدة حظر الانتشار وكثفت جهودها لانتاج وسائل الردع النووية ثم ما لبثت في 9/10/2006، ومع احتفالها بذكرى تولي الرئيس كيم يونغ إيل لرئاسة حزب العمال الكوري عام 1997، ما لبثت ان فاجأت العالم بإجراء أول تجاربها على بعد 350 كم في بونغجيري شمال شرق بيونغ يانغ، وفاجأت كل الذين اعتبروا ان بإمكانهم فرض شروطهم عبر اللجوء الى التلويح بالعقوبات الاقتصادية والخيارات العسكرية او حتى المباشرة بها.
منذ إجراء التجربة النووية في كوريا الديمقراطية صدرت العشرات من المقترحات والتلويحات والتحليلات، عما يمكن عمله او القيام به بسبب هذا التحدي، لكن ندر منها بشكل ملحوظ اي جواب على التساؤل المشروع والمنطقي: لماذا هذا التحدي الكوري للولايات المتحدة والعالم بامتلاك هذا السلاح؟.
نعم قد تكون القنبلة، رمزاً لتحدي الكوريين لأعدائهم والعالم أجمع، وقد تشكل بالنسبة لهم أبعد من ذلك، قد تكون من أجل بقائهم، ألم يصرح كي غوان مؤخرا بأن المطالب الكورية إن لم تتحقق فإن بلاده ستعزز من قدراتها الدفاعية النووية؟!.
الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون كان قد تمكن في تعامله مع الملف من توقيع اتفاقية عام 1994، والتي تم إثرها تجميد البرنامج النووي لكوريا الديمقراطية، وبناء على هذه الاتفاقية تم تشييد محطة كهروذرية في كوريا الديمقراطية تحت رعاية واشنطن ومراقبة المفتشين الدوليين، غير أن وصول بوش الى السلطة حوّل السياسة الأميركية من الرهان على إلغاء البرنامج النووي الكوري الديمقراطي الى الرهان على كسر شوكتها!.
من إندونيسيا وكوريا وأفغانستان، في أقاصي الشرق إلى فنزويلا وبوليفيا وكوبا في أقاصي الغرب وما بينها، تستمر الادانات، الهتافات، التظاهرات، ضد عصبة الجمهوريين الجدد وما تحمله سياساتهم من خراب ودمار وتهديد للأمن والسلم الدوليين. بينما تستمر الادارة الأميركية في إطلاق ذات العبارة، وذات التهديدات ، الدول «المارقة» وتخص كوريا وإيران بالموضوع النووي في انتقائية مثيرة، وحرص مفضوح، على تطبيق شرعة الأمم المتحدة، على «المارقين» دون غيرهم؟!
ولعل كل ما كانت تطمح إليه كوريا الديمقراطية كان ببساطة ـ واقتبس العبارة من الـ«انترناشيونال هيرالد تريبيون» ـ هو القليل من الاحترام!
واشنطن صنفت كوريا الديمقراطية عام 2002 على أنها عضو في «محور الشر» وتندفع بشهية لتطبيق القرار 1718 الخاص ببرنامجها النووي وتذهب الى حد اعتبار العقوبات التي فرضها مجلس الأمن الدولي على بيونغ يانغ، درساً للايرانيين لتعليق برنامجهم للتسلح النووي فهل ستستمر بلغة التهديد؟
إن أي فرد لديه معرفة بسياسة النظام في كوريا الديمقراطية وطريقة اداء زعيمها، يلمس إحساساً بنزعة قومية لا تضاهى، فالعداء وروح التحدي للولايات المتحدة هو الأكثر تجذراً في هذه الأيام واحتمالات الفشل في إقناع الزعيم كيم يونغ إيل بالتخلي عن سلاحه النووي تتضاءل....
وربما لن يعود باستطاعة الأميركيين ضبط الأمور، والاستمرار في منع حلفائهم في طوكيو وسيئول من دخول سباق التسلح النووي ومع عجزهم في ذات الوقت ـ كما يبدو ـ عن حسم الأمور عسكرياً، سيفضي هذا السناريو الى بقاء الوضع على ما هو عليه، والقبول مرة أخرى بوافدين جدد الى نادي السلاح النووي. بالأمس الهند وباكستان والآن كوريا الديمقراطية وفي الطريق ربما إيران والبرازيل وجنوب إفريقيا واليابان وكوريا الجنوبية وغيرها.
وعلى هذا الحال قد تذهب المفاوضات مع بيونغ يانغ، لاحقاً في منحى اقناعها وإغرائها بالتوقف ـ فقط ـ عن إنتاج المزيد!!
#هاني_الملاذي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟