|
التيارات العدمية
سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي
(Saoud Salem)
الحوار المتمدن-العدد: 8140 - 2024 / 10 / 24 - 00:19
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
٢٥٥ أركيولوجيا العدم العدمية الثورية ٣ التيارات العدمية المختلفة
منذ القرن التاسع عشر، شملت العدمية مجموعة من المواقف في مختلف مجالات الإنتاج الفكري، من االفلسفة إلى الأدب والسياسة والأخلاق إلخ. كل واحد من هذه المواقف، حسب الموسوعة البريطانية، "أنكر وجود حقائق أو قيم أخلاقية حقيقية، ورفض إمكانية المعرفة أو التواصل، وأكد على اللامعنى المطلق أو اللاهدف للحياة أو الكون". ونظرا لتشابك وتمدد الإنتاج الفكري منذ بارمينيدس حتى اليوم فقد قام العديد من المؤرخين بفرز وتنظيم كل هذه المعطيات المتشابكة لتوضيح صورة العدمية كفكرة تتخلل أغلب مجالات المعرفة والنشاط الإنساني عموما، أي النظري والعملي. ١ - فهناك ما يسمى بالعدمية الفيزيائية أوالكونية وهي الموقف القائل بأن الواقع الكوني هو ظاهرة غير مفهومة كليًا أو إلى حد كبير، وكل المحاولات العلمية لتفسيره لم تؤد إلا إلى بناء نمادج شبيهة بالخيال العلمي وبالأساطير الدينية القديمة. فالكون الفيزيائي غير معقول وغير منطقي ولا يوفر أي أساس للأهداف والمبادئ الإنسانية. بل قد يعتبر الكون معاديًا أو غير مبالٍ للإنسانية بشكل واضح، بمعنى عدم ضرورة الكون نهائيا، وكان يمكن ألا يكون. وهو ما رأيناه عند معاينة نظرية نشوء الكون ونظرية النسبية العامة ونظرية الكوانتا. ٢ - أما العدمية الإبستيمولوجية أو المعرفية فهي شكل من أشكال الشك الفلسفي الذي بموجبه لا توجد معرفة يقينية، أو، إذا كانت موجودة، فهي بعيدة المنال بالنسبة للبشر. ويمكن الرجوع هنا إلى بارمينيدس الذي درسناه سابقا، والبعض يجعل ديكارت وهيوم من أقطاب هذه العدمية الإرتيابية. ٣ - العدمية الوجودية هي الموقف القائل بأن الحياة عرضية مطلقة ليس لها معنى أو قيمة جوهرية، فالإنسان حرية مطلقة وهو من يحدد مشروعه وأهدافه. نستكشف انعدام معنى الحياة إلى حد كبير في المدرسة الفلسفية الوجودية، حيث يمكن للمرء أن يخلق معناه أو هدفه الشخصي في الحياة. وفي الاستخدام الشائع تشير "العدمية" الآن بشكل واسع إلى أشكال العدمية الوجودية. ٤ - العدمية الميتافيزيقية هي الموقف القائل بأن الأشياء الملموسة والبنيات المادية قد لا توجد في العالم الممكن، أو أنه حتى لو كانت هناك عوالم محتملة تحتوي على بعض الأشياء الملموسة، فهناك على الأقل عالم يحتوي على أشياء مجردة فقط. ٥ - العدمية الميتافيزيقية المتطرفة، والتي تسمى أحيانًا العدمية الأنطولوجية، هي الموقف القائل بأنه لا يوجد شيء في الواقع على الإطلاق. وهي "شكل متطرف من الشكوكية الذي ينكر الوجود كله". يمكن العثور على شك مماثل فيما يتعلق بالعالم الملموس في الذاتوية. ومع ذلك، على الرغم من حقيقة أن كلا وجهتي النظر تنكران يقين الوجود الحقيقي للأشياء، فإن العدمي ينكر وجود الذات، في حين يؤكد الذاتاني وجوده. يعتبر كلا الموقفين من أشكال مناهضة الواقعية. التوحد ( Autism) كما يُعرف باسم الذاتوية أو اضطراب التوحد الكلاسيكي. (ويَستخدم بعض الكتّاب كلمة «توحد أو ذاتوية» عند الإشارة إلى مجموعة من اضطرابات طيف التوحد أو مختلف اضطرابات النمو المتفشية، هو اضطراب النمو العصبي الذي يتصف بضعف التفاعل الاجتماعي والتواصل اللفظي وغير اللفظي وأنماط سلوكية مقيدة ومتكررة. ٦ - العدمية الميرولوجية (وتسمى أيضًا العدمية التركيبية) هي الأطروحة الميتافيزيقية القائلة بعدم وجود أشياء ذات أجزاء، أي عدم وجود أشياء مركبة composite material objects. فالبساطة الميرولوجية، أو الأشياء التي لا تحتوي على أي أجزاء مناسبة، هي الأشياء المادية الوحيدة الموجودة. هؤلاء العدميون الذين يرفضون وجود أشياء مادية مركبة، لا توجد في نظرهم سوى أجسام مادية بسيطة أساسية مرتبة في أنماط مكانية مختلفة. تشير خبرتنا الإدراكية اليومية إلى أننا محاطون بأشياء ماكروفيزيائية تتكون من أشياء أخرى أصغر حجمًا كأجزاء خاصة بها. على سبيل المثال، يبدو أن هناك أشياء مثل الكراسي على سبيل المثال، والتي تبدو وكأنها مكونة من أشياء أخرى مختلفة، مثل أرجل الكرسي، وسطح مستو للجلوس والمسند للظهر، وربما المسامير أو البراغي التي تربط هذه القطع معًا. تبدو هذه الأشياء الأخيرة، بدورها، مكونة من أشياء أصغر حجمًا، وهكذا دواليك إلى ما لا نهاية، حيث تصبح أجزاء المادة غير مرئية بالعين المجردة. في الواقع، يبدو أن كل شيء مادي مفترض تكون قدراتنا الإدراكية قادرة على تمثيله يتكون من أجزاء أصغر ثم أصغر. تدرس هذه الظاهرة في الفلسفة والمنطق الرياضي تحت إسم علم الأجزاء mereology أو الميرولوجيا، وهي، كالعادة، مشتقة من الكلمة اليونانية μέρος ميروس بمعنى: جزء، وهو العلم الذي يهتم بدراسة الكل والأجزاء التابعة له ضمن النطاق الرياضي الفلسفي. ففي حين أن نظرية المجموعات تأسست على العلاقة العضوية بين مجموعة وعناصرها، فإن علم الأجزاء يؤكد على العلاقة التفرعية من المكونات الفردية، والتي من منظور نظري للمجموعة هو أقرب إلى مبدأ الاحتواء بين المجموعات. على سبيل المثال، على الرغم من المظاهر التي تشير إلى العكس، لا توجد أشياء كالطاولة أو الكرسي أو السرير.. لا توجد سوى أجسام مادية بسيطة أساسية مرتبة مكانيًا ومترابطة سببيًا بطريقة تجعل القدرات الإدراكية مثل قدراتنا الإدراكية تتمتع بتجارب إدراكية تشبه الطاولة أو الكرسي. غالبًا ما يختصر العدميون ادعاءات مثل هذه على النحو التالي: هناك ظواهر فيزيائية بسيطة أساسية مرتبة على شكل جدول. زعم تيد سايدر في مقال نُشر عام 2013 أنه ينبغي لنا أن نفكر في التركيب باعتباره ترتيبًا. ووفقًا لسايدر، عندما نقول "هناك جدول"، فإننا نعني أن هناك ظواهر بسيطة مرتبة على شكل جدول. ٧ - العدمية الأخلاقية هو موقف الأخلاقيات الفوقية القائل بأنه لا توجد أخلاق أو أخلاقيات على الإطلاق؛ ولذلك، لا يوجد أي عمل أفضل أخلاقيا من أي عمل آخر. تختلف العدمية الأخلاقية عن كل من النسبية الأخلاقية والتعبيرية من حيث أنها لا تعترف بالقيم المبنية اجتماعيًا كأخلاق شخصية أو ثقافية. قد يختلف أيضًا عن المواقف الأخلاقية الأخرى داخل العدمية، فبدلاً من القول بعدم وجود أخلاق، ترى أنه إذا كانت موجودة، فهي بناء بشري وبالتالي مصطنعة، حيث يكون أي معنى وكل المعانى نسبية لمختلف النتائج المحتملة. وجهة نظر علمية بديلة هي أن العدمية الأخلاقية هي أخلاق في حد ذاتها. ٨ - العدمية السلبية والفعالة والتي تعادل أيضًا التشاؤم الفلسفي، تشير إلى نهجين للفكر العدمي؛ العدمية السلبية ترى أن العدمية غاية في حد ذاتها، في حين تحاول العدمية الفعالة تجاوزها. بالنسبة لنيتشه، فإن العدمية السلبية تلخص أيضًا “إرادة اللا شيء” والحالة الحديثة من الاستسلام أو عدم الوعي تجاه ما يعتبر انحلال القيم العليا الذي أحدثه القرن التاسع عشر. ٩ - العدمية السياسية هو الموقف الذي لا يحمل أي أهداف سياسية على الإطلاق، باستثناء التدمير الكامل لجميع المؤسسات السياسيةالقائمة، إلى جانب المبادئ والقيم والمؤسسات الاجتماعية التي تدعمها. على الرغم من ارتباطها في كثير من الأحيان باللاسلطوية، إلا أنها تختلف عن الأناركية من حيث أنها لا تقدم أي طريقة للتنظيم الاجتماعي ولا تهتم إطلاقا بما يمكن أن ينتج عن نفي وهدم للبنية السياسية الحالية. ١٠ - العدمية الإستيطيقية أو الجمالية، وهي تيار نقدي يرفض مباديء تاريخ الفن الأوروبي، ويدعم فكرة عدم وجود معايير لتقييم العمل الفني أو الأدبي، وبالتالي إلغاء فكرة الأعمال الكبرى والموهبة والعبقرية الأدبية أو الفنية، فكل الإنتاج الفني الإنساني، منذ كهوف شوفي Chauvet ولاسكو Lascaux وألتاميرا Altamira ورسومات تاسيلي حتى أعمال ليوناردو دافنشي وميكيل آنجيلو، والأعمال المعاصرة لفريدا كالو أو جوجان أو بيكاسو كلها لها نفس القيمة الفنية، وكذلك فيما يخص الأدب، منذ الأوديسة وألف ليلة ولية، حتى فلوبير وهوجو ودوستوييفسكي وهولدرلين وبوشكين وبيسوا ورامبو وفيرلين وبيكيت ويونيسكو والمئات غيرهم، كل هذه الأعمال لها نفس القيمة الجمالية، ومن المستحيل إقامة أي نوع من التراتب القائم على معايير عقلية أو علمية، وهذه القيمة تقترب من الصفر واللاشيء، فلو لم توجد كل هذه الأعمال فإن ذلك لن يغير أي شيء على الإطلاق ولن يجعل الحياة أكثر أو أقل إحتمالا بالنسبة لملايين البشر. وهناك العديد من "العدميات" الأخرى يمكن أن تكمل هذه القائمة العشوائية، والتي في حقيقة الأمر لا تساعدنا كثيرا في إدراك هذا التيار الذي دخل كل مجالات الحياة. ولذلك سنركز على العدمية السياسية، بإعتبارها التيار الأساسي والذي أنتج كل ما ذكرناه سابقا من تيارات فرعية طوال فترة تطور العدمية. يتبع
#سعود_سالم (هاشتاغ)
Saoud_Salem#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بوادر العدمية
-
أصول العدمية
-
العدم الوجودي
-
لماذا الكون ؟
-
حدوث أم أزلية الكون
-
دموع البحر
-
مسرحية ماكرون ونتنياهو
-
نظرية كل شيء
-
الشعب الذي يرفض أن يموت
-
لماذا لا نزحف على إسرائيل ؟
-
المادة العجيبة
-
عن العرب والإسلام والتخلف
-
ما هي المادة ؟
-
لماذا العبور
-
أزمة الفيزياء النظرية
-
عالم الذرة وعالم المجرات
-
نهاية العالم بين الجحيم والجليد
-
الأدلة على نظرية Big Bang
-
مراحل الإنفجار الكبير
-
الثانية الأولى من الإنفجار الكوني
المزيد.....
-
عزلة وخبز مهلوس.. صور لجزيرة في إيطاليا لا يعيش فيها سوى 100
...
-
زلزال بقوة 5.6 درجة يضرب بحيرة البايكال الروسية
-
فولودين: محاولة اغتيال بوتين جريمة خطيرة والتفكير بها سبب لح
...
-
الزعيم الكوري الشمالي يدعو لتعزيز ترسانة بلاده النووية
-
الجيش الروسي يدمر أكثر من مئة مسيرة أوكرانية فوق مناطق روسية
...
-
بدأوا بتحضير الشعب الأوكراني للهزيمة
-
مذبحة أثناء صلاة العشاء..
-
بعد إزالة صورته من البنتاغون.. تحرك جديد ضد الجنرال ميلي
-
مفتاح النجاح الدراسي والصحة النفسية للأطفال
-
حيل الولايات المتحدة
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|