أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عمر محمود - نزوة/ قصة قصيرة














المزيد.....

نزوة/ قصة قصيرة


عمر محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8139 - 2024 / 10 / 23 - 16:25
المحور: الادب والفن
    


نزوة

مع بداية كل شهر تراوده تلك الفكرة اللذيذة في زيارة مطعمة المفضل في منطقة المنصور وتناول وجبة كاملة من "الكباب العراقي" مع أسطول ضخم من المقبلات ومشروبه الأثير "لبن أربيل المدخن"، فيما يزداد عقله الباطن في الإلحاح عليه، بأنه يستحق هذه المكافأة وسط المجهود الذي يبذله في توفير احتياجات المنزل.

دلف هذا المكان لأول مرة في منتصف التسعينيات، حين كان طالبا في الثانوية ويعمل بذات الوقت في ورشة لإصلاح كل أنواع أجهزة التكييف، وهي مهنة مربحة في زمن كان التصليح هو السائد، وشراء الأجهزة الجديدة نوعا من الترف أو الخيال.

يتذكر عامل الصالة "كاكه شيرزاد" بابتسامته ولغته العربية الركيكة، وهو يضع أمامة 4 أسياخ من الكباب الدسم، ويتواطأ معه بسيخ إضافي من شحم الغنم المجاني، وسط مهرجان من أطباق لتبوله والحمص بطحينة والطبشي والمطاطة المشوية، بينما ترقد إلى جانب المنضدة 3 أرغفة من الخبز الحار بالسمسم.

الإحساس بالاختناق وعدم القدرة على ارتشاف قطرة واحدة من الماء، هو الذي يسيطر عليه في كل مرة ينتهي من وجبته التي حدد لها يوم الخميس موعدا من كل أسبوع، حيث يمضي بقية النهار في التسكع في شارعي الأميرات و14 رمضان، في محاولة لمساعدة معدته وأمعائه من أجل استقبال الضيف الأخير في هذه السهرة وهو قدح الدوندرمة من مرطبات الرواد.

لا يمكن مقارنة الدنانير التي كان يتقاضاها في ذلك الزمن، بالراتب الضخم الذي يحصل عليه حاليا وهو موظف في وزارة مرموقة، كما لا يمكنه مقارنة مسؤوليته شبه الخالية من أي التزامات مالية في التسعينيات، مع زوجة وأربعة أولاد ينتظرون منة قائمة لا تنتهي من الطلبات التقليدية والمستحدثة.

قبل انتهاء دوام يوم الأربعاء، انزوى وحيدا لإعداد ميزانية الشهر، وهي المهمة التي يفضل تفصيلها بدقة باستخدام الورقة والقلم وتصويرها والاحتفاظ بها في هاتفه النقال لمراجعتها لاحقا.

بدا من المصاريف الكبرى: مبالغ اشتراك المولد، والإنترنت، وأقساط المدرسين وخطوط النقل لأولاده الثلاثة، ومبلغ لا يقل عن ربع الراتب لشراء الفواكه والخضروات والخبز، والقسط قبل الأخير للثلاجة الجديدة التي دخلت بشكل مفاجئ على الحسابات، بعد العطل الذي أصاب السابقة والتي التحقت بطابور طويل من الأجهزة التي ذهبت ضحايا لتردي الكهرباء وهي من المعضلات الأبدية في العراق.

أحس بتنفسه يتسارع كلما أوغل تقطيعاً في جسد الراتب: الزوجة تحتاج مبلغاً لتغيير الستائر، والولد الأكبر يريد استبدال هاتفه الذي لم يعد يساعده في مواكبة دروسه الاونلاين_بحسب زعمه_، وهو يريد استبدال زيت السيارة وشراء زوج من الإطارات الجديدة لها.

هل انتهى فعلا من التزاماته؟ بالتأكيد لا، فهو يضع مبلغا للطوارئ، وآخر بسيط جدا لاحتياجاته الشخصية التي لا تتعدى السكائر، ومساهمة مالية مع أصدقاء العمل في شراء متطلبات الشاي والقهوة، والتي يتم إعفاؤه منها في معظم الأحيان، لأنه "صاحب مورد مالي وحيد" ضمن الزملاء.

أعاد حساباته مرة ثانية، واستقر على شعور من الفرح والانتصار وهو يتأكد من وجود فائض مالي يمكنه بالكاد من وليمة الكباب وقدح الدوندرمة، وبدا يتخيل ابتسامة "كاكه شيرزاد" ورائحة اللحم العراقي الخالص، وأغاني ياس خضر التي لا تنقطع عن جنبات مطعم أيام الشباب والبال الخالي من المسؤوليات.
قرر أن يحقق أمنيته في نفس اليوم، وقبل أن تطرأ أي مستجدات تلتهم الكنز الذي بحوزته، وأخذ يفكر بالأسباب التي سيقدمها لعدم تناول الغداء أو العودة إلى البيت حتى بعد وقت العشاء، غير أن حبل أفكاره أنقطع بواسطة زميل يقوم بمهمة جمع مبلغ مالي لزميل ثالث سيقوم بإجراء عملية جراحية عاجلة.

دفع معظم المبلغ الفائض لديه من الراتب، وابتسم بمرارة وهو يحدث نفسه بأنه ليس هناك أجمل من الغداء مع العائلة، وأن كان على حساب نزوة من الزمان الماضي، فيما كان صوته الداخلي يعتذر من كاكه شيرزاد وياس خضر ومرطبات الرواد، وغيرهم من الأشخاص والأماكن التي لم يعد لهم حيزاً في حياته، أو نصيبا من مورده المالي الوحيد.



#عمر_محمود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فاهيتا وبيبسي/ قصة قصيرة


المزيد.....




- إسرائيل لم تضرب المنشآت النووية والنفطية الإيرانية فهل هي مس ...
- طوفان الأقصى يشعل حرب السايبر
- من مدرسة قرآنية إلى مركز فن حديث.. تجديد إبداعي لمعلم تاريخي ...
- الحوارية وتعدد الأصوات.. ثورة ميخائيل باختين في عالم الرواية ...
- خامنئي يغرّد في منصة -إكس- باللغة العبرية حول -حماقة- ارتكبت ...
- نتائج الثالث متوسط 2024 الدور الثالث بالاسم والرقم الامتحاني ...
- حساب مكتب قائد الثورة الاسلامية باللغة العبرية عبر منصة إكس: ...
- حساب مكتب قائد الثورة الاسلامية باللغة العبرية عبر منصة إكس: ...
- كندة علوش تنتقد استغلال اللاجئين سينمائيا وتدعو لإنتاج أفلام ...
- قرار عاجل بشأن نجم مصري شهير تم القبض عليه في حالة تلبس! (في ...


المزيد.....

- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عمر محمود - نزوة/ قصة قصيرة