محمود شقير
الحوار المتمدن-العدد: 8139 - 2024 / 10 / 23 - 16:16
المحور:
الادب والفن
الاثنين 4 / 3 / 1997
ذهبت إلى الدوام في المواصلات العامة. وجدت سيارتي في المكان الذي تركتها فيه يوم أمس قريباً من بيت محمد البطراوي. ركبتها واتجهت إلى مقر الوزارة. عملت مدة ساعتين ثم هاتفت محمود درويش وذهبت لزيارته في مكتبه في مركز خليل السكاكيني. تحدثنا في أمور شتى. رن جرس الهاتف. رفع محمود سماعة الهاتف، ثم ناولني السماعة وكانت سكرتيرة مكتب الوزير تطلبني لحضور اجتماع طارئ.
عدت إلى الوزارة، ودخلت مكتب الوزير، وكان هناك عدد من الزملاء المسؤولين في الوزارة. تحدث الوزير في عدد من القضايا التي تهم عمل الوزارة وأنشطتها. أسهمنا بدورنا في تقديم مقترحات وملاحظات حول العمل.
بعد انتهاء الاجتماع وخروج الزملاء، بقيت في مكتب الوزير، وطرحت عليه موضوع المقالة التي أثارت أزمة. بدا الوزير متفهماً لموقفي بصفة كوني رئيس تحرير المجلة، خصوصاً حينما أخبرته بأنني قطعت على نفسي وعداً لكاتب المقالة بنشر مقالته. قال الوزير: افعل ما تراه مناسباً.
شكرته على تفهمه لموقفي، ثم غادرت مكتبه وأنا مرتاح الضمير.
السبت 15 / 3 / 1997
أنا الآن في السادسة والخمسين من عمري، واليوم هو عيد ميلادي. قال الوالد: كنت أشتغل في مدينة غزة حينما ولدت. وقالت الوالدة: عمك عايد هو أول من جاء لكي يبارك لي بولادتك.
ولم أتمكن من مواصلة النوم في الصباح. رنّ جرس الهاتف في الخامسة والنصف. إنه ابني أمين. ردّت عليه أمه. قال إن غادة على وشك الولادة. نقلها ابني خالد في سيارتي إلى مستشفى المقاصد. في الثامنة ولدت غادة طفلها الثاني. أسماه أبوه وأمه: أسامة. فرحت لأنه ولد في الخامس عشر من آذار، اليوم نفسه الذي ولدت فيه. أصبح لي اليوم سبعة أحفاد.
ولم أحتفل بعيد ميلادي كالعادة. كتبت في المساء مقالة لدفاتر ثقافية. والساعة الآن تقترب من الثانية عشرة والنصف ليلاً. ثمة مطر في الخارج. سأقرأ ساعة ثم أنام.
الخميس 27 / 3 / 1997
تعبت طوال الأيام الخمسة الماضية. انهمكت في المؤتمر الثقافي الأول الذي انعقد في جامعة بير زيت بمبادرة من اتحاد الكتاب الفلسطينيين. شارك فيه كتاب أجانب من ست وثلاثين دولة. أجرت معي الإذاعة الفلسطينية مقابلة على الهاتف حول المؤتمر. تحدثت عن نتائجه الإيجابية، وكيف أنه كان فرصة لنا لفضح ممارسات حكام إسرائيل ضد شعبنا.
هاتفني وزير التربية والتعليم ياسر عمرو، وهنأني على الحديث الذي أجرته معي الإذاعة، وقال إنه استمع إليه وأعجب بما قلت، ففرحت لذلك وشكرته.
كنت عضواً في اللجنة التحضيرية للمؤتمر. دعوت الشاعر النرويجي كنوت أوديجارد وزوجته إلى سهرة في مقهى العجمي في البلدة القديمة برام الله. كنت تعرفت على كنوت حينما شاركت في مهرجان أدبي في بلدة مولدي في النرويج صيف العام 1996 ، ودعاني مع عدد آخر من الكتاب إلى بيته.
في ليلة سابقة، دعوت عدداً من الكتاب القادمين من الأردن ومن وراء الخط الأخضر إلى سهرة في المقهى نفسه. استمعنا إلى الغناء وغنينا وسهرنا سهرة ممتعة.
الجمعة 28 / 3 / 1997
أمضيت سبع ساعات وأنا أقرأ مقالات سياسية وفكرية وثقافية في صحف ومجلات مكدسة لدي منذ أشهر، ولم أتممها كلها، وسوف أعود إلى ما تبقى منها في وقت لاحق.
الساعة الآن تقترب من الواحدة والنصف ليلاً. قبل ساعة اغتسلت، وبعد قليل أقرأ نصف ساعة في التوراة. منذ أشهر وأنا أعيد قراءة التوراة. الهدوء يخيم في البيت وفي الخارج. الطقس ليس شديد البرودة. انتهت موجة البرد التي فوجئنا بها طوال هذا الشهر. منذ زمن لم أمارس هواية الرسم. المزاج عادي. الصحة جيدة. ثمة كتب كثيرة لم أقرأها بعد.
الثلاثاء 8 / 4 / 1997
الساعة الآن الثانية عشرة والنصف ليلاً. تهب في الخارج رياح شديدة، تحتك بنوافذ البيت فيصدر عن ذلك صوت كالنواح. كنت نهباً للقلق هذا اليوم واليوم الذي قبله، بسبب بعض منغصات العمل في الوزارة. أحاول أن أصرف الأمور بمرونة لكنني لا أنجح في ذلك دائماً.
هذا الصباح، زارني في مكتبي بالوزارة، ساجي سلامة خليل أحد المناضلين المعروفين، الذي يعمل الآن مديراً عاماً في هيئة متابعة شؤون اللاجئين. تبادلنا حديثاً سريعاً حول تجربتنا السياسية في السنوات السابقة، وتأسينا على الانهيار الذي وقع.
هذا المساء، بقيت ثلاث ساعات في مسرح السراج لمتابعة التدريبات على مسرحيتي الجديدة للفتيات والفتيان: "كله ع الريموت". لم أشعر بارتياح لما أنجز من ديكور وتدريبات حتى الآن. بحثت الأمر مع المخرج وليد عبد السلام، وقال إنه لن يعرض المسرحية إلا بعد اكتمال التدريبات. كنت أتأمل تجربتي في الكتابة للمسرح، وأرى أنها لم تكن مثلما توقع الأصدقاء الكتاب، خصوصاً بعد مشاهدتهم لمسرحيتي الأولى "ديموقراطي بالعافية" التي حظيت بإقبال جماهيري واسع، مع أنها لم تكن ذات مستوى فني عميق، لا من حيث الشكل ولا من حيث المضمون.
الريح ما زالت تعول في الخارج، وأنا لست في مزاج جيد، لكنني سأقرأ حتى الثانية ليلاً في رواية سحر خليفة: "الميراث".
الثلاثاء 15 / 4 / 1997
عدت إلى البيت في حوالي الخامسة بعد الظهر. استمعت في البيت إلى معزوفات موسيقية لبيتهوفن وموزارت، اشتريتها من المطار في رحلتي الأخيرة إلى السويد، وهي مسجلة على أشرطة سي.دي، ولم أتمكن من الاستماع إليها إلا هذا المساء. الاستماع إلى الموسيقى الراقية متعة تستحق الانتباه.
مع حلول يوم غد، سيكون قد مضى عام على بداية الشروع في كتابة هذه اليوميات. سأكرس نهار الغد، الذي هو يوم وقفة عيد الأضحى، لقراءة كل ما كتبت طوال عام، ثم أصدر حكماً تقييمياً عليه. أعتقد أنني سأواصل الكتابة، ولو بمعدل مرة واحدة في الأسبوع.
الساعة الآن الثانية عشرة والنصف ليلاً. أتفرج على فيلم تبثه محطة التلفاز المجري: (شاب مراهق يقع في غرام لاعبة سيرك). لا أفهم اللغة، لكن التصوير ممتع.
الاثنين 21 / 4 / 1997
عدت إلى الدوام بعد عطلة عيد الأضحى. أنا لا أتحمس لأيام العيد، بسبب ما يرافقها من مجاملات روتينية تتكرر كل عام، ولا أشعر بالبهجة، خصوصاً حينما أتذكر وضعنا العام البائس، وانعكاسه على نفوس الناس وأمزجتهم. الفرح غائب في أعيادنا، وهذه ليست حالتي وحدي كما أعتقد.
استثمرت بعض أيام العطلة للقراءة. أكملت قراءة "الميراث" وهي مخطوطة لسحر خليفة استعرتها من تيسير العاروري الذي أبدى إعجابه بها. المخطوطة تتحدث عن واقع الحال في الوطن بعد اتفاقيات أوسلو، ترصد السلبيات التي ترافق التجربة، تجربة السلطة الوطنية الفلسطينية، وهي كثيرة. ثمة صورة سوداء لمجمل الوضع. وفي الرواية لمحات كثيرة ذكية وناقدة وساخرة. والكاتبة تكسر بلاغة اللغة تعبيراً عن الوضع المفكك الذي نعيشه. وثمة شخصيات مرسومة بطريقة مقنعة، غير أن شخصية زينة القادمة من الولايات المتحدة بقيت أقل إقناعاً حتى النهاية.
قرأت الدفتر الأول من هذه اليوميات. شعرت ببعض الرضى عنها. سأحاول التخلص من نزعة سرد الوقائع التي تتلبسني في الكثير من الحالات. سأواصل كتابة اليوميات إلى إشعار آخر.
يتبع...14
#محمود_شقير (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟