نقد الدولة - دولة النقد ( البحث عن دولة حديثة ناقدة ) الجزء الرابع

وليد المسعودي

الحوار المتمدن-العدد: 8137 - 2024 / 10 / 21 - 01:32
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

اشكال نقد الدولة

ثالثا : حق الإضراب العام

من حقوق الإنسان المطالبة بالمزيد من التغييرات والتعديلات في الحياة العامة والخاصة للمواطنين هو حق الإضراب العام ، من قبل العمال والفلاحين وجميع الطبقات التي تقع ضمن حيز عدم المساواة والظلم وفقدان الكرامة الإنسانية ضمن شروط اجتماعية وأوضاع في غاية التردي والتعثر الحضاري والإنساني ، والإضراب العام كتشكيل اجتماعي قديم جنيني من حيث النشأة والظهور ، ولكن لم يأخذ حيزه القانوني أو حيزه الفعلي إلا مع ظهور الصناعة ومنتجاتها المستغلة ، وهي الطبقة العاملة ، حيث يشكل القرن التاسع عشر بدايات ظهور فكرة الإضراب العام والتي تعود إلى ( William benbow ) وهو عامل وناشر راديكالي بريطاني عمل على تحريض العاملين في صناعة النسيج على المطالبة بحقوقهم عبر تنظيم المزيد من الاحتجاجات وكانت نتيجتها السجن ولأكثر من مرة وبينبو هذا ولد في لندن وامتهن عدة مهن منها عمله كصانع أحذية وصانع للرماح وبيعها على العمال الثوريين فضلا عن نشره الكتب فيما بعد نلك المحرضة على الإضراب والاحتجاج والاهم من ذلك كله نقده لجرائم رجال الدين واضطهاد الكنيسة (33)
وعمله المهم هو فكرة الإضراب العام الذي تركز على الإصلاح السياسي الذي يشمل حق المقاومة والدفاع عن النفس ضد القمع الموجه من قبل الشرطة أثناء الاحتجاجات والإضرابات العمالية فضلا عن تحقيق المساواة في الحقوق والحصول على عطلة وطنية أو مؤتمر وطني يجمع العمال المضربين عن العمل ، وبالفعل كل مساهماته هذه مع انتفاضات واحتجاجات العمال عملت على تحقيق المزيد من التحسينات التي تضفي بعض من الضمانات الاقتصادية للعمال وحصولهم على حقوقهم النقابية المشاركة في أي أعمال مطلبية عمالية رغم قصورها وتحكم رأس المال في عملية تقنينها وفقا لأهداف تديم تطور المالك وليس المملوك صاحب المصنع وليس العمال العاملين فيه ضمن حدود النسبي (34)
إن حق الإضراب العام كما أسلفنا دخل إلى حيز الوجود مع تأسيس المناطق الصناعية الحديثة ومع اتساع هذه المناطق ازدادت وتيرة الاستغلال وبالتالي زيادة متواصلة في عدد السكان ولا يمكن السيطرة على فقراء هذه المدن دون عملية التركيز والضم القسري في مناطق سكنية خاصة بهم ومن ثم إي إضراب ممارس من قبلهم يسهل عملية إنهائه بفعل استمرار الفقر وتردي الأجور ، وكثيرا ما تكون أماكن تواجد العمال مراقبة ومسيطر عليها عبر زرع الجواسيس فيما بينهم ، ونحن نتحدث هنا عن بريطانيا القرن التاسع عشر ، ورغم هذه السيطرة والتحكم هناك تنامي الوعي المشترك للعمال حيث تعد الحانات بمثابة كنائس للعمال خصوصا مع تكريس النزعة العلمانية وتراجع اثر الدين وتحولهم إلى الاشتراكية (35))
والأخيرة أي الاشتراكية فتحت الكثير من التأملات والتطلعات والأحلام بغد جديد غير معرض إلى الاستلاب والاستغلال تكون فيه الطبقة العاملة أس الحكم والوجود ، وهذه الاشتراكية عبر " رأس المال " والأبنية الماركسية شكلت تهديدا كبيرا لمالكي وسائل الإنتاج والتصنيع في الطبقة الرأسمالية تعززت بثورات وأنظمة حكم اشتراكية استطاعت إن تقدم للبشرية الكثير من المنجزات في مجالات عدة من الصناعة والزراعة والتجارة والكهرباء والرعاية الصحية والثقافة والأدب والفلسفة .. الخ منظومة وعي مؤدلج بأكملها سادت عقود متتالية في القرن العشرين ، ولكن ما يعيبها إنها جمدت الطبقة العاملة وحصرتها في إطار التصنيع والاستهلاك والإنتاج وليس في إطار الحرية الفردية والجمعية فضلا عن تحقق الكرامة البشرية لهم عبر ضمانات وجودية وصحية واقتصادية .. الخ بالرغم من انجازاتها الكبيرة

. إن حق الإضراب العام مورس في بداية تشكيل الدولة العمالية الأولى في التاريخ وهي روسيا البلشفية حيث كانت الأفكار المتفق عليها داخل الحزب الشيوعي تتمثل بالسماح للعمال بالقيام بإضراباتهم دونما قمع ، وبالفعل شهدت روسيا إضرابات عمالية كبيرة خلال العشر سنوات الأولى من عمر الثورة وضمن أعداد عمالية كبيرة ، وهذا يدل على تفاعل النقابات في دفاعها عن مصالح العمال ، ولكن الصورة سوف تنقلب مع تثبيت ستالين في الحكم أكثر فأكثر حيث إدخال ما يسميها توني كليف بالقوانين الوحشية تلك التي ألغت يوم السبع ساعات والستاخانوفية وغيرها (36)
والستخانوفية أعطيت بعدا أسطوريا بتهويلها الكبير حول قدرات العمال الخارقة ، ومن ثم تحولها إلى حركة عمالية دعمتها الدولة ، وأي نقد أو تشكيك بقدراتها وأساطيرها يعد بمثابة تشكيك بالدولة وبالتالي الاتهام الجاهز بالتخريب ، ومثل هذا النشاط وهذا التأسيس لهذه الحركة حجم كثيرا من قدرات العمال النقابية وجعلها منضوية أكثر فأكثر داخل الدولة حيث ابتعدت كثيرا عن خطاب لينين حول النقابات ودورها إذ يقول " إن دولتنا الحالية هي دولة يتعين فيها على البروليتاريا المنظمة تنظيما شاملا وكليا أن تدافع عن نفسها ويتعين علينا أن نستخدم هذه المنظمات العمالية لأجل الدفاع عن العمال ضد دولتهم ولأجل الدفاع عن دولتنا من قبل العمال وهذا الدفاع وذاك يتحققان بواسطة التشابك الأصيل بين إجراءات دولتنا وتوافقنا ، تلاحمنا مع نقاباتنا " (37) "
وهكذا هو حق النقابات وحق الطبقة العاملة والفلاحين تحول من حق التشابك والتلاحم والتوافق إلى حق بالعسكرة والإنتاج والعمل المتزايد ليل نهار فضلا عن الارتباط الحكومي وليس بتشكيل نقابات عمالية وفلاحية مستقلة عن الأجهزة الحكومية معبرة عن مصالحها وليس عن مصالح الدولة و توجهاتها المركزية المغلقة بالرغم من إيمان لينين نفسه إن هذه النقابات هي وليدة الرأسمالية أو هي وجدت في ظل الرأسمالية وبالتالي لم تحل قضية التعامل معها بشكل أنساني حيث ظلت موضوع استفهام خصوصا وان الدولة هي جديدة وناشئة ولم تظهر فيها بعد التحولات الموعودة من الرأسمالية إلى الشيوعية ، فكل ذلك كان بمثابة مستقبل لم يأت أو لم يتحقق بعد ، حيث ظلت مسالة التقرب من الجمهور هي الشاغل الوحيد فضلا عن كيفية ضبط الأجهزة المعقدة لتحقيق دكتاتورية البروليتاريا كما يقول لينين (38))
وهذه الدكتاتورية لم تجلب للعمال سوى المزيد من القمع والعمل الجماعي الشاق فضلا عن انعدام القول والتفكير النقدي الحر ، ولا ننسى معسكرات العمل الجماعي الشاق كأساليب اعتقال وتعذيب في زمن ستالين .
المصادر : -


33- William Benbow and the Origin of the General Strike Author(s): Niles Carpenter Source: The Quarterly Journal of Economics , May, 1921, Vol. 35, No. 3 (May, 1921), pp. 491-499 Published by: Oxford University Press
34- ما تزال الطبقة العاملة في انجلترا رائدة في مجال الإضرابات العامة تلك التي تشمل مرافق متعددة من مثل عمال النقل والطرق والرعاية الصحية وغيرها وكلها إضرابات ساعية إلى المزيد من التحسينات في الأجور مع تصاعد وارتفاع تكاليف المعيشة اليوم ، وذلك إن دل على شيء فانه يدل إن جميع هذه التحسينات ما هي إلا تطمينات وقتية ولا تحل جوهر المشكلة العمالية المرتبطة بعدم المساواة بالرغم من مضي أكثر من قرنين من الزمان على تشكيل النقابات ولا يشمل هذا الوضع بريطانيا بل أكثر البلدان التي تهيمن فيها الديمقراطية النيابية تحت سيطرة وهيمنة رأس المال .
35- هوبزباوم ، اريك / المصدر نفسه / ص 397


36- الستخانوفية نسبة إلى العامل الكيسي ستخانوف تمت أسطرته وتحويله إلى رمز فولاذي من خلال قدراته الخارقة حيث استطاع ان يستخرج لوحده 102 طن من الفحم في ست ساعات عمل ، وهذا العدد سوف يتضاعف مع العامل الثاني نيكيتا ازوتوف الذي استخرج لوحده 607 طن من الفحم في مناوبة عمل واحدة ، والحاجة إلى الستخانوفية بررتها أوضاع الاتحاد السوفيتي وصراعه المؤسطر أيضا مع الرأسمالية العالمية حيث الدعوة الى التثبيت والديمومة لهذه الدولة فضلا عن التطور والتحديث بأي شكل من الأشكال حتى وان تم ذلك على حساب العمال وحقوقهم وحرياتهم يراجع هنا بخصوص الستخانوفية / كليف ، توني / رأسمالية الدولة في روسيا / مركز الدراسات الاشتراكية / بدون تاريخ / ص 19 .
37- لينين ، فلاديمير / المختارات / المجلد العاشر (1920-1923) / الاتحاد السوفيتي / دار التقدم ، موسكو / 1978 ، ص 225
38- المصدر ، نفسه ، ص 224

#وليد_المسعودي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات