|
ظلال الخيانة-سردية فلسطينية
خالد خليل
الحوار المتمدن-العدد: 8133 - 2024 / 10 / 17 - 10:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
المقدمة: "وعد بالحرية.. قيد بالخيانة" على مر العقود، تردد في آذان الشعوب العربية صدى الشعارات الرنانة، نداءات للتحرر، ووعود بتحقيق العدالة واستعادة الأرض المغتصبة. فلسطين، التي كانت القلب النابض لكل مقاومة، باتت مرآة تعكس وجوه الخيانة المتكررة. بين كل هزيمة وانتصار مؤقت، وبين كل مؤتمر سلام واتفاقية هشة، كانت الحقيقة واحدة: الأنظمة العربية لم تكن يومًا على قدر التحدي. في هذه الرواية، سننقب في صفحات تاريخ مملوءة بالخذلان، حيث لا يقف الطغيان على حدود الأنظمة الحاكمة، بل يتجاوزها ليغدر بأحلام الملايين. إنها قصة خيانة متواصلة بدأت منذ تفكك الإمبراطورية العثمانية، واستمرت عبر وعود الاستقلال الزائف، حتى وصلت إلى لحظة الانهيار الكامل، حين تخلت الأنظمة العربية علنًا عن فلسطين وسلكت طريق التطبيع والمصالح الشخصية. سنروي حكايات خيانات خلف الأبواب المغلقة، خيانات أضاعت حق الشعوب وأجهضت كل فرصة للحرية. هذه ليست فقط قصة فلسطين؛ بل هي قصة كل شعب عربي نُكِسَت آماله في ربيع الحرية، وخُذِلَت تطلعاته للكرامة. لكن، كما كان التاريخ شاهدًا على الخيانة، فإنه أيضًا شاهد على صمود الشعوب التي رغم كل الجراح لا تزال تؤمن بأن النضال مستمر، وأن الحق لا يضيع طالما هناك من يطالب به. "ظلال الخيانة" هي حكاية عن الظلام الذي فرضته الأنظمة، وعن النور الذي لا يزال ينبعث من عيون الشعوب الرافضة للرضوخ.
الفصل الأول: وعد بالحرية، قيد بالخيانة في بدايات القرن العشرين، ومع انهيار الإمبراطورية العثمانية إثر الحرب العالمية الأولى، وجدت الشعوب العربية نفسها أمام منعطف تاريخي جديد. لم تعد الأراضي العربية تحت حكم دولة واحدة مركزية، وأصبح الحديث عن الاستقلال يدغدغ أحلام الملايين الذين سئموا من قرون الاستبداد العثماني. كانت الآمال مرتفعة، والوعود الغربية تداعب أحلام الوحدة والتحرر. ولكن، في الوقت ذاته، كانت هناك تحركات خفية تُدبر لتمزيق هذه الأراضي وبعثرة هذه الأحلام.
وعد الثورة العربية الكبرى في عام 1916، قاد الشريف حسين بن علي، شريف مكة، ما عرف بالثورة العربية الكبرى بدعم من القوى الغربية، خاصة بريطانيا. قامت الثورة على وعد من البريطانيين بدعم قيام دولة عربية موحدة تضم بلاد الشام والعراق وشبه الجزيرة العربية في مقابل مساعدة العرب ضد الدولة العثمانية. كان هذا الوعد، المعروف بمراسلات حسين-مكماهون، بداية الخيانة. فما أن تحقق الهدف البريطاني، حتى بدأت الخطة الحقيقية في الظهور.
سايكس-بيكو: تقاسم الغنيمة في الوقت الذي كانت الثورة العربية الكبرى تشتعل في الصحراء، كانت القوى الغربية تعقد اجتماعات سرية لتقسيم العالم العربي. في عام 1916، وُقع اتفاق سايكس-بيكو بين بريطانيا وفرنسا، الذي قسم مناطق النفوذ في الشرق الأوسط. بموجب هذا الاتفاق، تم تقاسم بلاد الشام والعراق بين القوتين العظميين، تاركين العرب في مواجهة واقع مختلف تمامًا عما وُعدوا به. كان هذا الاتفاق بمثابة الطعنة الأولى في ظهر الأمة العربية، حيث بدأت خيانة الغرب ووعوده بالحرية.
وعد بلفور: بداية الكارثة في عام 1917، أصدرت بريطانيا وعد بلفور، الذي كان بمثابة خطوة إضافية في طريق الخيانة. أعلنت بريطانيا دعمها لإنشاء "وطن قومي لليهود" في فلسطين، مما جعل هذا الوعد كارثة على الشعب الفلسطيني. كانت فلسطين، التي لطالما كانت جزءًا أصيلًا من الهوية العربية، تُقدَّم كهدية على طبق من فضة للصهيونية العالمية. وبينما كان العرب مشغولين بأحلام الاستقلال، كان مستقبل فلسطين يُصاغ في الكواليس.
عصر الانتدابات: الاستعمار المقنع بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، جُعلت فلسطين تحت الانتداب البريطاني، ووضعت سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي. كان الهدف المعلن لهذه الانتدابات هو "إعداد الشعوب للاستقلال"، ولكن في الواقع، كانت القوى الغربية تسعى إلى ترسيخ نفوذها والسيطرة على الثروات والموارد. خلال فترة الانتداب، تم تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين تحت حماية بريطانيا، مما زاد من تعقيد الوضع وأدى إلى تصاعد التوترات بين السكان العرب واليهود.
المقاومة العربية الأولى: شعلة الرفض رغم الخيانات المتتالية، لم تستسلم الشعوب العربية بسهولة. كانت هناك حركات مقاومة ضد الانتداب وضد التقسيم. في فلسطين، بدأت الثورات والانتفاضات الشعبية ضد المشروع الصهيوني وضد الاحتلال البريطاني. كانت ثورة 1936-1939 إحدى أبرز هذه الانتفاضات، حيث قام الفلسطينيون بإضراب عام وثورة مسلحة استمرت لسنوات. ولكن في النهاية، تم إخماد هذه الانتفاضات بوحشية، بمساعدة من بعض الأنظمة العربية التي كانت تخشى أن تؤثر هذه الثورات على استقرارها الداخلي.
جامعة الدول العربية: ولادة مشروع ميت في عام 1945، أُنشئت جامعة الدول العربية كمحاولة لتوحيد الدول العربية وتعزيز التعاون بينها. ومع ذلك، منذ بداياتها، كانت الجامعة تُظهر عجزها عن تحقيق أي وحدة حقيقية أو اتخاذ موقف موحد بشأن القضايا الكبرى، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. كانت الخلافات بين الدول الأعضاء، والمصالح الذاتية للحكام، تحول دون أي تنسيق حقيقي. وفي أحيان كثيرة، كانت الجامعة مجرد واجهة لتغطية الخيانات والمساومات التي كانت تُجرى في الخفاء.
نكبة 1948: الخيانة العظمى جاء عام 1948 ليكون الفصل الحاسم في قصة الخيانة. مع إعلان قيام دولة إسرائيل في 14 مايو 1948، بدأت الحرب العربية الإسرائيلية الأولى. دخلت جيوش عربية من مصر، الأردن، سوريا، لبنان، والعراق إلى فلسطين في محاولة لتحرير الأرض. ولكن ما حدث كان أشبه بالمسرحية. دخلت الجيوش العربية ضعيفة ومنقسمة، تفتقر إلى التنسيق والقيادة الموحدة. في الوقت نفسه، كانت بعض الأنظمة العربية، وعلى رأسها الأردن، قد أبرمت اتفاقيات سرية مع الجانب الإسرائيلي لضمان مصالحها الخاصة. كانت النتيجة هزيمة مدوية للعرب، وتهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين من ديارهم. عُرفت هذه الهزيمة بالنكبة، وهي تمثل الخيانة الأكبر في تاريخ القضية الفلسطينية. لم تكن المشكلة في ضعف الجيوش العربية فحسب، بل في الخيانة الداخلية التي تعرض لها الفلسطينيون من قِبَل الأنظمة التي زعمت أنها جاءت لتحريرهم.
تداعيات الخيانة: انكسار الحلم العربي بعد النكبة، دخلت الشعوب العربية في حالة من اليأس والإحباط. كانت الخيانة واضحة للجميع، ولكن لم يكن هناك الكثير مما يمكن فعله. أُجبر الفلسطينيون على النزوح إلى الدول المجاورة، وبدأت رحلة اللجوء الطويلة التي لم تنتهِ حتى اليوم. في الوقت نفسه، بدأت الأنظمة العربية في ترسيخ حكمها الاستبدادي، مستخدمة القضية الفلسطينية كشعار لتبرير استمرارها في السلطة، دون أن تقدم أي دعم حقيقي للشعب الفلسطيني.
في هذا الفصل، تتكشف خيوط الخيانة الأولى التي طالت الشعوب العربية عامة والفلسطينيين خاصة. وعد بالحرية والاستقلال، انقلب إلى تواطؤ مع القوى الغربية وتقديم الأرض والكرامة على مذبح المصالح. باتت هذه الخيانة الأساس الذي بُنيت عليه المآسي التالية في القضية الفلسطينية والعلاقات العربية-الإسرائيلية.
الفصل الثاني: النكبة والخذلان عام 1948 كان عامًا مفصليًا في تاريخ العالم العربي والقضية الفلسطينية على وجه الخصوص. في هذا العام، تبلورت الخيانة بشكل جلي عندما تآمرت الأنظمة العربية، رغم خطاباتها الرنانة، وشاركت بشكل مباشر أو غير مباشر في مأساة النكبة الفلسطينية. ملايين الفلسطينيين تعرضوا للتهجير القسري، وفقدوا بيوتهم وأراضيهم، بينما وقفت الجيوش العربية عاجزة أو متواطئة في بعض الأحيان. كانت هذه الهزيمة بمثابة الصدمة الكبرى التي كشفت القناع عن خيانة الأنظمة وتخاذلها في وقت كانت فيه الشعوب العربية تنظر إليها كمصدر للخلاص.
الطريق إلى النكبة بعد انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، وصدور قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين في عام 1947 إلى دولتين، واحدة عربية وأخرى يهودية، تصاعدت الأحداث بسرعة نحو التصادم. رفض الفلسطينيون ومعظم الدول العربية خطة التقسيم، واعتبروها إجحافًا بحق الشعب الفلسطيني. ورغم الرفض الرسمي، كانت التحركات العسكرية والسياسية العربية ضعيفة ومترددة، ولم تتناسب مع حجم التحدي الذي كان يواجهه الفلسطينيون على الأرض. في الوقت الذي كانت العصابات الصهيونية تستعد لتنفيذ خطط عسكرية متكاملة لطرد الفلسطينيين، كانت الجيوش العربية غير مستعدة وغير قادرة على تقديم الدعم الفعلي. رغم وعود الزعماء العرب بالدفاع عن فلسطين، إلا أن الواقع كان مختلفًا تمامًا.
المأساة الفلسطينية: منازل تحترق وأحلام تتبدد في 15 مايو 1948، ومع انتهاء الانتداب البريطاني، أعلنت الحركة الصهيونية قيام دولة إسرائيل. ما أن أعلن ذلك حتى اندلعت الحرب بين القوات الصهيونية والجيوش العربية التي دخلت فلسطين تحت شعار "إنقاذ الشعب الفلسطيني". كان الوضع على الأرض مأساويًا، حيث كانت العصابات الصهيونية تنفذ عمليات تطهير عرقي ممنهجة بحق القرى والمدن الفلسطينية. بُنيت خطة التهجير القسري على أسس واضحة، حيث نفذت العصابات الصهيونية مجازر مروعة في حق المدنيين الفلسطينيين لإجبارهم على الفرار من منازلهم. ومن أبرز هذه المجازر كانت مذبحة دير ياسين في أبريل 1948، التي خلفت مئات القتلى من المدنيين وأصبحت رمزًا للوحشية التي تعرض لها الشعب الفلسطيني. في المقابل، لم تستطع الجيوش العربية فعل شيء يذكر لإيقاف هذه الجرائم. بدأت موجات اللاجئين تتزايد، حيث اضطر ما يقرب من 750,000 فلسطيني إلى مغادرة منازلهم واللجوء إلى الدول المجاورة. أُجبر هؤلاء اللاجئون على ترك كل شيء خلفهم، ولم يكن لهم أي أمل في العودة. بينما كان الشعب الفلسطيني يواجه مأساة التهجير، كانت الأنظمة العربية تخفق في تحقيق أي نصر عسكري يُذكر، مما ترك الفلسطينيين عرضة للموت والنفي.
الجيوش العربية: قوة عسكرية أم مسرحية هزلية؟ عندما دخلت الجيوش العربية إلى فلسطين، كان المتوقع أن تكون هذه القوات قادرة على التصدي للمشروع الصهيوني المدعوم من القوى الغربية. لكن الواقع كان مغايرًا تمامًا. الجيوش العربية التي دخلت المعركة كانت ضعيفة التجهيز والتخطيط. لم يكن هناك تنسيق حقيقي بين القيادات العسكرية، وكانت التوترات السياسية بين الدول العربية المختلفة تزيد من تعقيد الوضع. على سبيل المثال، كانت العلاقات بين مصر والأردن متوترة في ذلك الوقت، وكانت كل دولة تسعى لتحقيق مصالحها الخاصة على حساب القضية الفلسطينية. تشير بعض الوثائق التاريخية إلى أن الأردن، تحت حكم الملك عبد الله الأول، كان يتفاوض سرًا مع الحركة الصهيونية حول تقسيم فلسطين، ما أدى إلى تحييد الجيش الأردني في العديد من الجبهات الحاسمة. بالإضافة إلى ذلك، كانت بعض الأنظمة العربية تخشى من تصاعد أي نصر فلسطيني قد يؤدي إلى زعزعة استقرارها الداخلي. فالنظام الملكي في مصر بقيادة الملك فاروق، كان يخشى أن يقود أي انتصار عسكري فلسطيني إلى تصاعد المد الوطني العربي في مصر، مما قد يهدد حكمه. ولهذا، كانت العمليات العسكرية المصرية تُدار بحذر وتردد كبيرين.
التخاذل في اللحظات الحاسمة خلال الحرب، كانت هناك لحظات حاسمة كان يمكن فيها تغيير مجرى الأحداث لو أن الجيوش العربية كانت تملك الإرادة الحقيقية للنصر. لكن في كل مرة كانت هذه اللحظات تُهدر بسبب غياب التخطيط والتنسيق. على سبيل المثال، في معركة القدس، حيث كانت القوات الصهيونية تحاول السيطرة على المدينة المقدسة، كانت الجيوش العربية تتردد في تقديم الدعم اللازم، مما أدى في النهاية إلى سقوط القدس الغربية في أيدي القوات الصهيونية. كذلك، لم تكن الدول العربية قادرة على تقديم الدعم اللوجستي للفلسطينيين المقاومين، الذين كانوا يخوضون معركة غير متكافئة ضد قوة منظمة ومدعومة. ومع تقدم الحرب، أصبح من الواضح أن الأنظمة العربية كانت أكثر اهتمامًا بحفظ ماء الوجه أمام شعوبها بدلاً من تحقيق نصر حقيقي على الأرض.
الهدنة: خيانة جديدة في يوليو 1948، ومع تصاعد الضغط الدولي، وافقت الدول العربية على الهدنة مع إسرائيل، والتي كانت بمثابة خيانة جديدة للفلسطينيين. خلال فترة الهدنة، استغلت القوات الصهيونية الوقت لإعادة تنظيم صفوفها، وتسليح نفسها بدعم من الدول الغربية، بينما كانت الجيوش العربية تتراجع إلى مواقعها دون تحقيق أي مكاسب تذكر. كانت هذه الهدنة فرصة ذهبية لإسرائيل لتثبيت نفسها كدولة على الأرض، بينما كانت الشعوب العربية تشهد على فشل الجيوش التي زعمت أنها ستعيد فلسطين للعرب. ورغم استئناف القتال لفترة قصيرة بعد انتهاء الهدنة، إلا أن النتيجة كانت محسومة مسبقًا. انتهت الحرب بانتصار إسرائيل وتهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى الشتات.
نتائج النكبة: تفكك الحلم العربي بعد النكبة، دخل العالم العربي في حالة من الانكسار النفسي والسياسي. لم تكن الهزيمة العسكرية فقط هي التي أثرت على الوعي العربي، بل كانت خيانة الأنظمة التي وقفت عاجزة أو متواطئة في كثير من الأحيان. أصبح واضحًا أن القضية الفلسطينية ليست قضية عسكرية فقط، بل هي قضية ترتبط بشكل وثيق بالخيانة السياسية التي مارستها بعض الأنظمة العربية. كانت هذه النكبة بداية لفصل جديد من المعاناة الفلسطينية، حيث تحول الملايين من الفلسطينيين إلى لاجئين في دول الجوار، بينما استمرت إسرائيل في ترسيخ وجودها كدولة قوية في المنطقة. في الوقت نفسه، استخدمت الأنظمة العربية النكبة كوسيلة لتبرير استبدادها الداخلي، حيث زعمت أن التهديد الصهيوني يستوجب استمرار حكمها للحفاظ على "الأمن القومي".
الحلم الفلسطيني: لاجئون بلا أمل مع نهاية الحرب، وجد الفلسطينيون أنفسهم يعيشون في مخيمات اللاجئين، يحدقون في الأفق البعيد متسائلين عما إذا كانوا سيعودون يومًا إلى ديارهم. كانت العودة إلى الوطن بالنسبة لهم حلمًا بعيد المنال، حيث رفضت إسرائيل بشكل قاطع عودة اللاجئين إلى أراضيهم. ومع مرور السنوات، لم تتغير أوضاع الفلسطينيين كثيرًا، بل ازدادت سوءًا. أصبحت قضية اللاجئين واحدة من أكثر القضايا تعقيدًا في الصراع العربي-الإسرائيلي، بينما استمرت الأنظمة العربية في تجاهل معاناتهم الفعلية.
في هذا الفصل، يتجلى حجم المأساة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني عام 1948، حيث تسببت الخيانات العربية المتتالية في نكبة لم تقتصر على الأرض فحسب، بل امتدت إلى الروح العربية الجماعية التي فقدت الثقة في حكامها وجيوشها. هذه الخيانة لم تكن مجرد حادثة عابرة، بل كانت علامة على بداية تدهور أعمق للعالم العربي، الذي ظل لفترات طويلة يعاني من ويلات هذه الخيانات المتكررة.
تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية: دعم عبد الناصر وتحديات الواقع في عام 1964، تم تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية بقرار من جامعة الدول العربية، لتكون بمثابة الكيان الذي يمثل الفلسطينيين في المحافل الدولية. كانت هذه المنظمة تحمل آمال الشعب الفلسطيني في تحقيق حقوقه، وعلى رأسها حق العودة وتحرير الأراضي المحتلة. لعب الرئيس المصري جمال عبد الناصر دورًا مهمًا في دعم تأسيس المنظمة، حيث اعتبرها جزءًا من مشروعه القومي العربي الذي كان يسعى من خلاله إلى توحيد الصف العربي لمواجهة الاحتلال. عزز عبد الناصر من مكانة منظمة التحرير، وجعلها رمزًا للقضية الفلسطينية في العالم العربي. وكان لديه خطابٌ قوي يدعو إلى مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، مما أكسبه دعمًا جماهيريًا كبيرًا. ومع ذلك، فإن دعم عبد الناصر للمنظمة كان مشوبًا بالتحديات. فرغم كلماته النارية ضد إسرائيل، إلا أن سياسات النظام المصري كانت تتأثر بالاعتبارات الإقليمية والمحلية، مما جعل منظمة التحرير أحيانًا أداةً في يد السياسة المصرية أكثر من كونها كيانًا مستقلًا يسعى لتحقيق الأهداف الفلسطينية. على الرغم من التضحيات التي قدمتها منظمة التحرير في سبيل القضية الفلسطينية، واجهت تحديات داخلية وخارجية. كانت تفتقر إلى القدرة العسكرية والسياسية الفعلية التي تمكّنها من مواجهة إسرائيل أو قيادة النضال الفلسطيني نحو التحرير. في بعض الأحيان، كانت المنظمة مضطرة للتكيف مع متطلبات الأنظمة العربية، مما أضعف من تأثيرها على الأرض. لكن دعم عبد الناصر شكل نقطة انطلاق مهمة للمنظمة، حيث عمل على تعزيز دورها في الساحة العربية، وساعد في تجميع الفصائل الفلسطينية تحت مظلة واحدة. كان من المأمول أن يؤدي هذا الدعم إلى تحقيق وحدة الصف الفلسطيني، لكن الأفعال على الأرض لم تكن دائمًا متوافقة مع الخطاب القومي. مع مرور الوقت، ومع تزايد الضغوط والتحديات، أصبح يتضح أن دعم عبد الناصر، رغم أهميته، لم يكن كافيًا لتغيير المعادلات السياسية أو لتحقيق أهداف التحرر. ورغم ذلك، ظل الأمل في تحقيق الاستقلال وتقرير المصير قائمًا، رغم خيبات الأمل التي واجهتها منظمة التحرير.
الهزيمة الثانية: حرب 1967 في عام 1967، تعرض العالم العربي لهزيمة أخرى، أكثر إيلامًا وفضحًا لزيف الشعارات التي رفعتها الأنظمة العربية. في حرب الأيام الستة، تمكنت إسرائيل من احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء ومرتفعات الجولان في غضون أيام قليلة، ما أدى إلى كارثة جديدة للشعوب العربية وللقضية الفلسطينية. هذه الحرب أظهرت بشكل واضح مدى هشاشة الأنظمة العربية، التي كانت تدعي الاستعداد لتحرير فلسطين. كانت الجيوش العربية غير قادرة على مواجهة إسرائيل، رغم كل التحضيرات والوعود السابقة. على العكس، تراجعت هذه الأنظمة بشكل مخجل، تاركة الفلسطينيين مجددًا في مواجهة مصيرهم المظلم. أدت الهزيمة إلى تفكك الخطاب القومي العربي وزيادة حدة الانقسامات داخل الساحة الفلسطينية. بدأت بعض الفصائل الفلسطينية تدرك أن الاعتماد على الأنظمة العربية ليس الطريق الأمثل لتحرير الأرض، وبدأت توجهات أكثر راديكالية تظهر داخل منظمة التحرير.
الفصائل الفلسطينية: بين التحرير والتمزق بعد هزيمة 1967، بدأت الفصائل الفلسطينية في تشكيل قوتها العسكرية والسياسية المستقلة بعيدًا عن سيطرة الأنظمة العربية. ظهرت فصائل مثل حركة فتح بزعامة ياسر عرفات، التي اتخذت من الكفاح المسلح منهجًا لتحرير فلسطين. ورغم أن هذه الفصائل حققت بعض الانتصارات على المستوى الشعبي، إلا أنها واجهت تحديات كبيرة. كانت الفصائل الفلسطينية تتلقى الدعم المالي والعسكري من الأنظمة العربية، لكن هذا الدعم لم يكن دون مقابل. كانت الأنظمة العربية تسعى إلى توجيه الفصائل بما يخدم مصالحها الإقليمية، ما أدى إلى تصاعد التوترات بين الفصائل نفسها وبينها وبين الأنظمة. على سبيل المثال، دخلت الفصائل الفلسطينية في صراعات داخلية بسبب اختلاف التوجهات الأيديولوجية والمصالح الشخصية لبعض القادة. هذا التفكك الداخلي أضعف المقاومة الفلسطينية وجعلها عرضة للضغط الخارجي، سواء من إسرائيل أو من الأنظمة العربية المتورطة في صفقات خفية مع الغرب وإسرائيل.
التواطؤ العربي: من المهادنة إلى التطبيع في السبعينيات والثمانينيات، بدأت تظهر ملامح جديدة للخيانة العربية تجاه القضية الفلسطينية، وذلك من خلال تزايد عمليات التطبيع غير المعلنة مع إسرائيل. ورغم أن بعض الدول العربية كانت تدعي معاداتها لإسرائيل، إلا أن الواقع كان مختلفًا. خلف الكواليس، كانت تجري مفاوضات وصفقات تهدف إلى الحفاظ على استقرار الأنظمة الحاكمة في المنطقة مقابل التنازل عن حقوق الفلسطينيين. اتفاقية كامب ديفيد عام 1979 بين مصر وإسرائيل كانت نقطة تحول كبيرة في هذا السياق. وقع الرئيس المصري أنور السادات اتفاقية سلام مع إسرائيل، لتكون بذلك أول دولة عربية تعترف رسميًا بدولة إسرائيل وتفتح الباب أمام علاقات دبلوماسية واقتصادية معها. رغم تبرير السادات لهذا الاتفاق بأنه خطوة نحو تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة، إلا أن هذا الاتفاق كان بمثابة خيانة جديدة للشعب الفلسطيني، الذي وجد نفسه وحيدًا مرة أخرى في مواجهة احتلال يزداد قوة. تبعت مصر في هذا النهج دول أخرى، حيث بدأت تظهر محاولات التطبيع بشكل علني أو سري في بعض الدول العربية، التي أصبحت تعتبر إسرائيل شريكًا في بعض الأحيان أكثر من كونها عدوًا. الأمر الذي مهد لعدوان 1982 على لبنان واحتلال بيروت والذي تمخض عن طرد منظمة التحرير والمقاتلين الفلسطينيين خارج لبنان .
الانتفاضة الفلسطينية: شرارة الثورة المستقلة في عام 1987، انفجرت الانتفاضة الفلسطينية الأولى، لتكون نقطة فاصلة في تاريخ المقاومة الفلسطينية. هذه الانتفاضة كانت بمثابة رفض شعبي فلسطيني للخذلان المستمر من الأنظمة العربية وللواقع المرير الذي فرضته إسرائيل على الأرض. كانت الانتفاضة تعبيرًا عن غضب شعبي عارم ورغبة حقيقية في التخلص من الاحتلال واستعادة الأرض. ورغم أن الفصائل الفلسطينية حاولت قيادة هذه الانتفاضة، إلا أنها كانت بشكل أساسي ثورة عفوية قادها الشباب الفلسطينيون في الشوارع. الانتفاضة أثبتت أن الشعب الفلسطيني لا يحتاج إلى أنظمة عربية متخاذلة أو قيادات سياسية متواطئة لتصعيد نضاله. بل على العكس، كانت هذه الانتفاضة تأكيدًا على قدرة الفلسطينيين على الصمود والمقاومة رغم كل الخيانات والمؤامرات التي تحيط بهم.
خلاصة الفصل: خديعة الاستقلال والمقاومة لقد كشفت العقود التي تلت النكبة عن مدى تعقيد الخديعة التي تمارسها الأنظمة العربية تجاه القضية الفلسطينية. تحت شعارات التحرير والمقاومة، كانت الأنظمة تسعى إلى تأمين مصالحها السياسية والاقتصادية، بينما كانت تتاجر بمعاناة الفلسطينيين لتحقيق مكاسب داخلية وخارجية. في هذا الفصل، يتضح أن القضية الفلسطينية لم تكن مجرد قضية سياسية أو عسكرية، بل كانت ساحة لصراعات أعمق بين الأنظمة العربية التي تخلت عن واجبها الوطني والأخلاقي تجاه الشعب الفلسطيني، وبين الشعب الذي كان يبحث عن طريقه الخاص للتحرر من الاحتلال والخيانة على حد سواء.
الفصل الرابع: اتفاقيات السلام: الاستسلام المقنّع مع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين، دخلت القضية الفلسطينية منعطفًا حاسمًا، إذ بدأت تتبلور سياسات جديدة في المنطقة أطلقت عليها الأنظمة العربية والإسرائيلية اسم "السلام"، لكنها في جوهرها كانت تمثل استسلامًا مقنّعًا وتنازلًا عن الحقوق الفلسطينية. هذا الفصل يروي كيف تطورت اتفاقيات السلام المزعومة إلى أدوات لتكريس الهيمنة الإسرائيلية وفتح الباب أمام التطبيع العربي مع إسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني. اتفاقية أوسلو: فخ السلام في عام 1993، توصلت منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات إلى اتفاقية أوسلو مع إسرائيل، بوساطة أمريكية، كانت هذه الاتفاقية مفاجئة للعالم العربي والفلسطيني، حيث مثلت أول اعتراف رسمي من قبل منظمة التحرير بإسرائيل كدولة على الأراضي الفلسطينية المحتلة. في المقابل، وعدت إسرائيل بالاعتراف بالسلطة الوطنية الفلسطينية ومنح الفلسطينيين حكمًا ذاتيًا محدودًا في بعض المناطق. بالنسبة للكثيرين، كانت اتفاقية أوسلو بمثابة انفراجة سياسية، حيث رأوا فيها فرصة حقيقية لإنهاء النزاع الإسرائيلي الفلسطيني وتحقيق السلام العادل. ولكن سرعان ما اتضح أن هذه الاتفاقية كانت فخًا كبيرًا، حيث تم تأجيل القضايا الجوهرية مثل القدس، وحق العودة، والمستوطنات إلى مراحل لاحقة من المفاوضات. بمعنى آخر، تم الاتفاق على الهيكل دون حل القضايا الأساسية، مما فتح الباب أمام إسرائيل لتعزيز سيطرتها على الأرض الفلسطينية. خلال السنوات التي تلت أوسلو، استمر بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وتزايدت عمليات القمع الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، ما أدى إلى اندلاع الانتفاضة الثانية في عام 2000. كانت الانتفاضة تعبيرًا عن خيبة الأمل من "السلام" الزائف الذي جلبه أوسلو، والذي لم يحقق أي تغيير جوهري في حياة الفلسطينيين.
اتفاقية وادي عربة: التطبيع مع الأردن بعد اتفاقية أوسلو، جاءت خطوة جديدة نحو التطبيع العربي الإسرائيلي، عندما وقعت الأردن اتفاقية سلام مع إسرائيل في وادي عربة عام 1994. هذه الاتفاقية جاءت بعد عقود من التوترات العسكرية والسياسية بين الأردن وإسرائيل، لكنها مثلت تحولًا كبيرًا في العلاقة بين الدولتين. مثلما حدث مع مصر في كامب ديفيد، تم تسويق اتفاقية وادي عربة على أنها خطوة نحو تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة. لكن الحقيقة أن هذه الاتفاقية لم تخدم سوى مصالح النظام الأردني في تعزيز استقراره الداخلي وتخفيف الضغوط الاقتصادية والدولية عليه، بينما تركت القضية الفلسطينية مرة أخرى على الهامش. بموجب هذه الاتفاقية، اعترفت الأردن بإسرائيل رسميًا، وتم تنظيم العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين. لكن الشعب الفلسطيني، الذي كان جزءًا أساسيًا من النسيج الاجتماعي والسياسي في الأردن، شعر بالخيانة مجددًا، حيث رأى في هذه الاتفاقية خطوة أخرى نحو تهميش حقوقه.
السلام الاقتصادي: نهج جديد للهيمنة مع تزايد التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية، بدأ يروج لما يسمى "السلام الاقتصادي". كان هذا النهج يقوم على فكرة أن تحقيق الرخاء الاقتصادي في المناطق الفلسطينية سيساهم في تهدئة الأوضاع السياسية والأمنية، ما يفتح الباب أمام علاقات طبيعية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. لكن السلام الاقتصادي كان خدعة أخرى من خدع الاحتلال. فعلى الرغم من أن هذا النهج أدى إلى تحسين بعض الجوانب الاقتصادية في الضفة الغربية، إلا أنه لم يغير من واقع الاحتلال والقمع. بل على العكس، أصبح الاقتصاد الفلسطيني مرتبطًا بشكل أكبر بإسرائيل، التي سيطرت على الموارد والبنية التحتية الأساسية، ما جعل الفلسطينيين يعتمدون بشكل شبه كامل على الإسرائيليين في حياتهم اليومية. كانت هذه السياسة جزءًا من استراتيجية أوسع لاحتواء الفلسطينيين وإبعادهم عن مطلب التحرير الوطني، من خلال إغرائهم بوعود الازدهار الاقتصادي والاستثمارات. ولكن بالنسبة للفلسطينيين، كان هذا "السلام" مجرد محاولة لتغيير الأولويات، وتجاهل الحق في الأرض والعودة.
صفقة القرن: تصفية القضية الفلسطينية في عام 2020، أُعلن عن ما سُمي بـ"صفقة القرن"، وهي مبادرة أمريكية إسرائيلية كانت تهدف إلى حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بشكل نهائي. كانت هذه الخطة بمثابة تتويج لسنوات من التطبيع العربي مع إسرائيل ومحاولة تصفية القضية الفلسطينية بشكل نهائي. الصفقة اقترحت حلولًا تسقط الحقوق الفلسطينية الأساسية، حيث تضمنت تنازلات كبيرة فيما يتعلق بالقدس وحق العودة، وفرضت على الفلسطينيين القبول بواقع الاحتلال الإسرائيلي كجزء من الاتفاق. كما أنها شجعت الدول العربية الأخرى على التطبيع مع إسرائيل دون الحاجة إلى حل القضية الفلسطينية. لم تكن صفقة القرن مجرد اتفاقية جديدة، بل كانت تتويجًا لسنوات من التخاذل العربي وتفريغ القضية الفلسطينية من مضمونها. فقد فتحت الباب أمام دول عربية أخرى مثل الإمارات والبحرين والسودان والمغرب لتوقيع اتفاقيات تطبيع علنية مع إسرائيل، ما شكل ضربة كبيرة للنضال الفلسطيني.
الخيانة في العلن: موجة التطبيع الجديدة في الأعوام الأخيرة، شهد العالم العربي موجة تطبيع غير مسبوقة مع إسرائيل. بدأت هذه الموجة بالإمارات، التي وقعت اتفاقية سلام مع إسرائيل في عام 2020، تلتها البحرين والمغرب والسودان. هذه الاتفاقيات لم تكن مفاجئة، إذ كانت العلاقات بين هذه الدول وإسرائيل قد بدأت بشكل غير رسمي منذ سنوات. لكن الجديد في هذه الموجة هو أنها جاءت بشكل علني وصريح، وبرعاية دولية، وخاصة من الولايات المتحدة. حاولت الأنظمة العربية تسويق هذه الاتفاقيات على أنها خطوات نحو تحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة، ولكن الحقيقة أن هذه الاتفاقيات كانت جزءًا من مشروع أكبر لتصفية القضية الفلسطينية وتطبيع الاحتلال الإسرائيلي. الشعوب العربية شعرت بالغضب والإحباط من هذه الخيانات العلنية، ولكن في ظل الأنظمة القمعية والانقسامات الداخلية، لم تستطع هذه الشعوب التصدي لهذا التطبيع الذي بات يتم بشكل شبه يومي.
خلاصة الفصل: السلام المفقود في هذا الفصل، نرى كيف تحولت فكرة "السلام" من أمل في تحقيق العدالة إلى أداة لتكريس الهيمنة والاستسلام. لقد استُخدمت اتفاقيات السلام كغطاء لإخفاء الحقيقة المرة: الأنظمة العربية تخلت عن الشعب الفلسطيني وعن حقوقه، وفضلت مصالحها الخاصة على حساب القضية التي كانت تعتبر في يوم من الأيام "قضية العرب المركزية". بات واضحًا أن ما يروج له من "سلام" ليس سوى سلسلة من التنازلات والاستسلام، حيث أصبحت الدول العربية تبحث عن مصالحها السياسية والاقتصادية الخاصة بعيدًا عن حقوق الفلسطينيين. وفي النهاية، فإن الضحية الأكبر لهذه السياسات هم الفلسطينيون الذين ما زالوا يعانون تحت وطأة الاحتلال والخيانة المزدوجة.
الفصل الخامس: انكسار الشعوب وصمت النخب مع مرور الزمن، تفاقمت خيبة الأمل لدى الشعوب العربية، إذ تزايدت الفجوة بين تطلعاتهم القومية وما كانت تحققه الأنظمة السياسية في ميدان القضية الفلسطينية. ففي حين كانت الأنظمة العربية تعلن عن اتفاقيات "السلام" مع إسرائيل، وتروج للتطبيع وكأنه إنجاز دبلوماسي عظيم، كان الفلسطينيون يرزحون تحت الاحتلال والعرب تحت وطأة الخيانة. هذا الفصل يركز على ردود أفعال الشعوب العربية تجاه الخيانات المتكررة، وكيف تلاشت أحلامهم القومية في ظل صمت النخب السياسية والثقافية، التي بدت عاجزة أو متواطئة في هذه المؤامرة ضد القضية الفلسطينية. غضب الشوارع: ثورات منسية مع توقيع اتفاقيات السلام والتطبيع المتتالية بين الدول العربية وإسرائيل، شهدت بعض الدول العربية احتجاجات شعبية كبيرة، كان أبرزها في مصر والأردن ولبنان. الشعوب العربية التي كانت ترى في فلسطين رمزا للوحدة والنضال، شعرت بالغضب والحنق من رؤية قادتها يتخلون عن القضية بهذا الشكل العلني. لكن هذه الاحتجاجات، رغم قوتها، سرعان ما تم قمعها أو تهميشها. ففي مصر على سبيل المثال، خرجت تظاهرات حاشدة ضد اتفاقية السلام مع إسرائيل في ثمانينيات القرن العشرين، ولكن مع مرور الوقت وبعد حملات القمع المتواصلة ضد المعارضة، أصبحت هذه الأصوات خافتة. وبالمثل، في الأردن، لم يكن بإمكان الشارع أن يغير سياسات النظام التي اتجهت نحو التطبيع الاقتصادي والسياسي مع إسرائيل. تعود أسباب قمع هذه التحركات الشعبية إلى الطبيعة الاستبدادية لمعظم الأنظمة العربية، حيث كانت هذه الأنظمة تلجأ إلى العنف والترهيب لقمع أي معارضة. كما أن الخوف من الفوضى والانهيار الاجتماعي، الذي انتشر بشكل أكبر بعد الثورات العربية في عام 2011، جعل الكثير من الناس يترددون في الخروج للشارع مرة أخرى.
النخب المثقفة: بين الصمت والتواطؤ واحدة من أكثر الجوانب المأساوية في هذه الحقبة هي صمت النخب المثقفة والسياسية. فمنذ انطلاق حركات التحرر العربية في منتصف القرن العشرين، كانت النخب الثقافية والفكرية تلعب دورًا هامًا في دعم القضية الفلسطينية والدعوة إلى الوحدة العربية. لكنها مع مرور الوقت، وخاصة بعد الفشل المتكرر للأنظمة السياسية في تحقيق أي تقدم في هذا المجال، بدأت هذه النخب تتراجع أو تنحاز إلى مواقف أخرى أكثر مهادنة. كثير من المثقفين العرب، بدلاً من الوقوف في وجه هذه السياسات والتنديد بها، فضلوا الصمت أو حتى دعم التطبيع بشكل غير مباشر. بعضهم كان يبرر ذلك بأنه نتيجة "للمرحلة الجديدة" التي تتطلب التفكير في السلام والاستقرار بدلاً من الصراع. لكن هذا الصمت كان في النهاية خيانة للشعوب التي كانت تعتمد على المثقفين كصوتهم الأخلاقي والرمزي. كان هناك أيضًا مثقفون وفنانون حاولوا إضفاء الشرعية على التطبيع من خلال الأدب أو الفنون، مشددين على فكرة "التعايش" و"الحوار الثقافي" بين الإسرائيليين والعرب. لكن هذه المحاولات كانت مرفوضة من قبل الشعوب التي رأت في هذه النخب مجرد أدوات في يد الأنظمة الحاكمة لتجميل وجه الخيانة.
الخوف من الفوضى: الرهان على الاستقرار مع انتشار الفوضى والحروب الأهلية في عدد من الدول العربية بعد عام 2011، ازدادت الضغوط على الشعوب لتقديم تنازلات مقابل الاستقرار. في هذا السياق، روجت الأنظمة العربية لاتفاقيات السلام مع إسرائيل كجزء من استراتيجية أكبر تهدف إلى تأمين الاستقرار الاقتصادي والسياسي في المنطقة. هذا الخطاب وجد صدًى بين قطاعات واسعة من الشعوب العربية التي أنهكتها الحروب والتدهور الاقتصادي. كثير من الناس، خاصة في دول مثل سوريا وليبيا واليمن، لم يعد لديهم مجال للتفكير في القضية الفلسطينية بعد أن أصبحت حياتهم اليومية مهددة بسبب الفقر والعنف. في هذه الظروف، أصبحت القضية الفلسطينية بالنسبة للكثيرين "رفاهية" لا يستطيعون تحمل التفكير فيها.
الإعلام والميديا: صوت النظام لم يكن دور الإعلام العربي في هذه المرحلة محايدًا، بل لعب دورًا أساسيًا في دعم سياسات التطبيع والترويج لاتفاقيات السلام مع إسرائيل. ففي حين كان الإعلام العربي في العقود الماضية منبرًا للنضال الفلسطيني وللقضية، تحول اليوم إلى أداة في يد الأنظمة للترويج لأجنداتها الخاصة. كانت القنوات التلفزيونية والصحف التابعة للحكومات العربية تروج للتطبيع على أنه "خيار استراتيجي" للمنطقة، وبدأت تظهر برامج وأفلام ومسلسلات تمجد فكرة السلام والتعايش مع الإسرائيليين، بينما تهمش القضية الفلسطينية أو تصورها على أنها مجرد مشكلة جانبية لا تستحق الاهتمام. وفي الوقت نفسه، تم إسكات أو تقليص أي أصوات معارضة للتطبيع داخل وسائل الإعلام. الكثير من الصحفيين والمثقفين الذين كانوا يدافعون عن القضية الفلسطينية وجدوا أنفسهم ممنوعين من الكتابة أو الظهور في الإعلام، وبدأت حملات القمع ضد الأصوات الحرة تتزايد، خاصة في دول الخليج.
الجيل الجديد: ما بين الوعي والاستسلام واحدة من أهم الأسئلة التي تواجه القضية الفلسطينية اليوم هي موقف الجيل الجديد من العرب تجاهها. فمع صعود جيل جديد نشأ في ظل واقع سياسي واقتصادي مختلف، تبدو نظرتهم للقضية الفلسطينية مختلفة عن تلك التي كانت سائدة في العقود الماضية. على الرغم من انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وازدياد الوعي العالمي بالقضية الفلسطينية، إلا أن الجيل الجديد في كثير من الدول العربية يبدو أقل اهتمامًا بالقضية مقارنةً بالأجيال السابقة. وهذا يعود إلى عوامل عدة، منها التدهور الاقتصادي، وانتشار البطالة، والانشغال بالصراعات الداخلية. لكن في الوقت نفسه، ظهرت حركات شبابية في بعض الدول العربية تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي للضغط على حكوماتها لعدم التطبيع مع إسرائيل. على سبيل المثال، شهدنا حملات شعبية على الإنترنت في المغرب والجزائر ولبنان تندد بالتطبيع وتدعم النضال الفلسطيني. هذا يبين أن الوعي بالقضية لم يختفِ تمامًا، لكنه يواجه تحديات كبيرة في ظل الظروف الحالية.
الختام: الحلم العربي المنكسر في نهاية هذا الفصل، يتضح أن القضية الفلسطينية لم تعد القضية المركزية للعالم العربي كما كانت في الماضي. لقد نجحت الأنظمة العربية في تحويل الأولويات السياسية والاقتصادية لشعوبها، وإغراقها في صراعات داخلية أو محلية. وفي الوقت الذي تواصل فيه إسرائيل بناء مستوطناتها وتوسيع احتلالها، يبدو أن الشعوب العربية قد أصبحت عاجزة عن التصدي لهذه الخيانات المستمرة. ومع ذلك، فإن الشعوب لم تستسلم تمامًا، وهناك دائمًا بريق أمل يظهر في الحركات الشعبية والشبابية التي تسعى للحفاظ على الذاكرة الحية للقضية الفلسطينية. إن صمت النخب وتواطؤ الإعلام لا يعني نهاية الحلم العربي بالحرية والعدالة، بل قد يكون بداية لوعي جديد يتشكل في ظل هذه الخيانات والانكسارات. وما زالت فلسطين رمزًا للنضال، وإن ضاعت في حسابات السياسة والاقتصاد، فإنها تبقى حيّة في ضمائر الشعوب.
الفصل السادس: تطبيع بلا حدود: الانقلاب على المبادئ في هذا الفصل، نتناول موضوع التطبيع المتسارع بين الدول العربية وإسرائيل في العقد الأخير، وكيف تحول هذا التطبيع من مسألة سياسية إلى ظاهرة اجتماعية واقتصادية تغلغلت في كل مفاصل الحياة العامة. نناقش كيف أن الأنظمة العربية لم تكتفِ فقط بإبرام اتفاقيات سياسية أو عسكرية مع إسرائيل، بل سعت لتطبيع العلاقات الثقافية والاقتصادية مع الدولة الصهيونية في محاولة لتشكيل "نظام إقليمي جديد" بعيد عن القيم القومية والمبادئ التاريخية التي كانت تعتبر فلسطين حجر الزاوية في الهوية العربية.
1. تطبيع من القمة إلى القاعدة: مسار الحكومات العربية منذ إعلان اتفاقية "كامب ديفيد" بين مصر وإسرائيل في عام 1979، بدأ التطبيع يظهر كجزء من سياسات الأنظمة العربية في سياق البحث عن "السلام" مع إسرائيل. غير أن التطبيع حينها بقي محدودًا، وكان غالبية الشعوب العربية تنظر إليه بعين الشك والرفض. لكن العقد الأخير شهد تحولًا جذريًا في هذا المسار، حيث دخلت دول عربية مثل الإمارات والبحرين والمغرب والسودان في اتفاقيات تطبيع علنية، تُعرف باتفاقيات "أبراهام". هذه الاتفاقيات لم تقتصر على الجانب السياسي أو الدبلوماسي فقط، بل امتدت إلى التعاون الاقتصادي والتكنولوجي وحتى الثقافي. بدا واضحًا أن هذه الدول تبحث عن مصالحها الاقتصادية المباشرة مع إسرائيل، بعيدًا عن التضامن مع فلسطين. على الرغم من مقاومة بعض الفئات الشعبية للتطبيع، إلا أن الحكومات العربية لم تتراجع عن مسارها. التحالفات الاقتصادية والمشاريع المشتركة أصبحت جسورًا لتوطيد العلاقات بين هذه الدول وإسرائيل، وبدأت تظهر مشاريع ضخمة في مجالات التكنولوجيا والزراعة والابتكار تعتمد على الخبرات الإسرائيلية.
2. التطبيع الثقافي والاجتماعي: تغيير الهوية والمفاهيم التطبيع في العقد الأخير لم يكن محصورًا في السياسة والاقتصاد، بل تخطاه إلى الساحة الثقافية والاجتماعية. أصبحت بعض الأنظمة العربية تسعى إلى تغيير الصورة النمطية لإسرائيل بين شعوبها، والترويج لفكرة "التعايش" و"الحوار" بين العرب والإسرائيليين. في هذا السياق، بدأت تظهر في بعض الدول العربية فعاليات ثقافية وفنية تضم إسرائيليين، حيث تم تنظيم حفلات موسيقية ومهرجانات فنية تشارك فيها فرق إسرائيلية إلى جانب فرق عربية. كما تم استضافة معارض فنية وعلمية إسرائيلية في بعض الدول العربية، في محاولة لتقديم صورة جديدة لإسرائيل على أنها دولة "متحضرة" يمكن التعايش معها. علاوة على ذلك، بدأت تظهر برامج تلفزيونية وسينمائية تتناول موضوعات التطبيع بشكل إيجابي، وتروج لفكرة أن "السلام" مع إسرائيل هو الحل الأمثل لمستقبل المنطقة. هذه البرامج، التي كانت تروجها بعض الأنظمة، تسعى إلى تقديم إسرائيل كجزء طبيعي من المنطقة، وتدعو إلى نسيان الماضي والنظر إلى المستقبل.
3. الإعلام والتطبيع: تغيير الوعي الجمعي للإعلام دور محوري في تعزيز التطبيع وتشكيل الوعي الجمعي. كان الإعلام العربي في الماضي ينحاز للقضية الفلسطينية، لكنه في السنوات الأخيرة بدأ يتحول إلى منصة ترويجية لسياسات التطبيع. بدأت تظهر في القنوات الفضائية العربية شخصيات إسرائيلية بشكل متزايد، سواء في برامج إخبارية أو حوارية. هذه الشخصيات الإسرائيلية لم تعد تقدم كأعداء، بل كـ"شركاء" في صنع مستقبل جديد للمنطقة. وتم استخدام الإعلام أيضًا لإبراز مشاريع مشتركة بين العرب والإسرائيليين في مجالات مثل الزراعة والتكنولوجيا والابتكار، في محاولة لإقناع الشعوب العربية بأن إسرائيل يمكن أن تكون شريكًا مفيدًا. الإعلام الذي كان في يوم من الأيام يُعلي من شأن المقاومة والنضال الفلسطيني، أصبح اليوم يُهمش هذه القضايا لصالح "الأخبار الإيجابية" حول التطبيع. تم تقليص المساحات الإعلامية المخصصة للقضية الفلسطينية، في حين تم توسيع التغطية للتطبيع والاتفاقيات الاقتصادية مع إسرائيل.
4. أثر التطبيع على فلسطين: عزلة وتهميش تزايدت مخاوف الفلسطينيين من أن هذا التطبيع سيؤدي إلى تهميش قضيتهم وعزلهم عن محيطهم العربي. فبعد أن كانت القضية الفلسطينية تعتبر قضية العرب المركزية، أصبح واضحًا أن العديد من الدول العربية باتت ترى في العلاقات مع إسرائيل مفتاحًا لتحقيق مصالح اقتصادية وسياسية، حتى وإن كان ذلك على حساب القضية الفلسطينية. الفلسطينيون يشعرون اليوم بأنهم معزولون أكثر من أي وقت مضى. فالدول العربية التي كانت تشكل دعمًا لهم في الماضي، أصبحت الآن تبحث عن مصالحها الخاصة، تاركةً الفلسطينيين وحيدين في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي. لم تعد الحكومات العربية تقدم الدعم السياسي أو الاقتصادي للفلسطينيين كما كانت تفعل في الماضي، بل باتت تقيم علاقات قوية مع إسرائيل دون أي اعتبار لمطالب الفلسطينيين أو حقوقهم.
5. الجيل الجديد: بين الرفض والتكيف الجيل الجديد في الدول العربية يبدو أكثر تباينًا في مواقفه تجاه التطبيع. بينما ينشط العديد من الشباب العربي عبر وسائل التواصل الاجتماعي في حملات مناهضة للتطبيع، نجد في المقابل قطاعات أخرى من الشباب تتقبل فكرة التطبيع باعتبارها جزءًا من "الواقع الجديد" الذي تفرضه الأنظمة. الشباب الذين نشأوا في ظل الأنظمة التي تروج للتطبيع تعرضوا لتغييرات في مفاهيمهم حول القضية الفلسطينية وإسرائيل. ففي حين كانت الأجيال السابقة ترى في إسرائيل عدوًا محتلًا، قد يرى البعض اليوم في إسرائيل شريكًا اقتصاديًا أو تكنولوجيًا يمكن الاستفادة منه. ومع ذلك، يظل هناك جزء كبير من الشباب العربي الذين يرون في التطبيع خيانة للمبادئ والقيم، ويرفضون بشكل قاطع أي علاقات مع إسرائيل. هذا الرفض يتجلى في الحركات الشبابية المناهضة للتطبيع التي تنشط عبر الإنترنت وفي الجامعات، رغم القمع الذي تواجهه من قبل الأنظمة.
6. الخلاصة: مستقبل ضبابي يختتم هذا الفصل بتساؤلات حول مستقبل القضية الفلسطينية في ظل هذا التطبيع المتسارع. هل سيؤدي التطبيع إلى طي صفحة النضال الفلسطيني؟ أم أن الشعوب ستجد طريقها لاستعادة قضيتها المركزية رغم كل المعوقات؟ ما هو مؤكد أن الشعوب العربية، رغم كل الضغوط السياسية والاقتصادية التي تمارسها الأنظمة، ما زالت تحتفظ بروح التضامن مع فلسطين. ورغم الانقسامات والصراعات الداخلية، تظل القضية الفلسطينية حيّة في قلوب الملايين من العرب، حتى وإن كانت الحكومات قد تخلت عنها. يبقى المستقبل مفتوحًا على احتمالات كثيرة، لكن يبقى التحدي الأكبر هو كيف يمكن للشعوب العربية أن تستعيد دورها في مواجهة التطبيع والخيانة، وكيف يمكن للقضية الفلسطينية أن تعود إلى الواجهة كقضية قومية لا تقبل المساومة.
الفصل السابع: عولمة التطبيع: الأبعاد الدولية للخيانة في هذا الفصل، نركز على البعد الدولي للتطبيع بين الأنظمة العربية وإسرائيل، وكيف تحولت القضية الفلسطينية من كونها محورًا للصراع الدولي إلى ورقة تفاوض في أيدي القوى العالمية. نلقي الضوء على كيفية استغلال الأنظمة العربية للتحولات الجيوسياسية لإقامة علاقات مع إسرائيل، وكيف أصبحت هذه العلاقات جزءًا من استراتيجية الدول الكبرى، خاصة الولايات المتحدة، في إعادة تشكيل المنطقة بما يخدم مصالحها.
1. خلفية تاريخية: دعم دولي للقضية الفلسطينية وتبدل المواقف عبر التاريخ الحديث، شكلت القضية الفلسطينية واحدة من أهم قضايا التحرر الوطني في العالم. كانت تحظى بتعاطف واسع من القوى السياسية الدولية، خاصة في الدول النامية ودول عدم الانحياز التي رأت في النضال الفلسطيني نموذجًا لتحرر الشعوب المضطهدة. لكن مع مرور الزمن، تغيرت المواقف الدولية تجاه القضية الفلسطينية، وبدأت تتراجع أولوية الدعم لها في سياق التحولات الجيوسياسية التي شهدها العالم بعد نهاية الحرب الباردة. التحول الرئيسي الذي أثر بشكل عميق على القضية الفلسطينية جاء بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وتراجع تأثير القوى اليسارية والداعمة لحركات التحرر. هذا التحول أفسح المجال أمام القوى الغربية، خاصة الولايات المتحدة، التي أصبحت تلعب دورًا محوريًا في إعادة ترتيب التحالفات في الشرق الأوسط. وفي هذا السياق، بدأت بعض الأنظمة العربية تتقرب من إسرائيل بهدف تحسين علاقاتها مع الغرب، وفي مقدمتها الولايات المتحدة.
2. الدور الأمريكي: حامي التطبيع الولايات المتحدة كانت ولا تزال القوة الرئيسية التي تدفع باتجاه تعزيز التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل. منذ تأسيس إسرائيل عام 1948، دعمت واشنطن هذه الدولة بقوة، وأصبحت إسرائيل حليفًا استراتيجيًا في المنطقة. في العقود الأخيرة، وخاصة منذ اتفاقيات "أبراهام" في عام 2020، عززت الولايات المتحدة دورها كوسيط رئيسي في تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية. واشنطن كانت تلعب دورًا مزدوجًا: من ناحية، كانت تقدم وعودًا للدول العربية بمساعدتها اقتصاديًا وعسكريًا إذا انخرطت في عملية التطبيع؛ ومن ناحية أخرى، كانت تستخدم نفوذها لفرض إسرائيل كجزء لا يتجزأ من الخريطة السياسية والاقتصادية للمنطقة. كانت الفكرة الأمريكية الأساسية تقوم على أنه كلما زادت العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، كلما تقلصت فرص الصراع في المنطقة، مما سيسمح للولايات المتحدة بتقليل وجودها العسكري المباشر وتركيز جهودها على قضايا أخرى مثل الصين وروسيا.
3. الاتحاد الأوروبي والموقف المتذبذب على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي كان يتخذ مواقف داعمة للقضية الفلسطينية، إلا أنه كان دائمًا متذبذبًا في موقفه من الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. فقد اعتمد في مواقفه على المبادئ الإنسانية والقانون الدولي، لكنه في الوقت نفسه لم يكن حازمًا في الضغط على إسرائيل لوقف انتهاكاتها. الاتحاد الأوروبي تبنى موقفًا يقوم على دعم حل الدولتين، لكن في الوقت نفسه كان يسعى إلى تعزيز علاقاته مع إسرائيل، خاصة في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية. الدول الأوروبية وجدت نفسها مجبرة على التكيف مع الوضع الجديد الذي تفرضه الولايات المتحدة في المنطقة، والذي يقوم على التطبيع كأحد أعمدة السياسة الإقليمية. ولذا، كان الموقف الأوروبي دائمًا ضعيفًا في مواجهة الضغط الأمريكي واللوبي الإسرائيلي.
4. روسيا والصين: البحث عن موطئ قدم في ظل هذا التحول الدولي، لم تغب القوى الكبرى الأخرى مثل روسيا والصين عن المشهد. روسيا، التي تسعى إلى استعادة نفوذها في الشرق الأوسط بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، كانت تحاول اللعب على جميع الأطراف، بما في ذلك إسرائيل والدول العربية. موسكو، التي كانت في السابق داعمة للفلسطينيين، باتت تسعى الآن إلى إقامة علاقات متوازنة مع إسرائيل، وذلك لضمان دورها في أي تسوية سياسية محتملة للصراع. أما الصين، فقد كانت تبحث عن تعزيز نفوذها الاقتصادي في المنطقة عبر توسيع علاقاتها مع جميع الأطراف، بما في ذلك إسرائيل والدول العربية. بكين لم تكن معنية كثيرًا بالجوانب السياسية أو العسكرية للصراع، لكنها كانت ترى في المنطقة فرصة لتعزيز مشروعها الاقتصادي العالمي "الحزام والطريق". ولذا، كانت تحاول الحفاظ على علاقات متوازنة مع جميع الأطراف، دون أن تتدخل بشكل مباشر في الصراع.
5. الأنظمة العربية في مواجهة الضغوط الدولية في ظل هذه التحولات الدولية، وجدت الأنظمة العربية نفسها في موقف صعب. كانت تسعى إلى الحفاظ على علاقاتها مع الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، لضمان استمرار الدعم الاقتصادي والعسكري، وفي الوقت نفسه كانت تحاول تجنب مواجهة غضب شعوبها التي ما زالت تتعاطف مع القضية الفلسطينية. الأنظمة التي دخلت في عملية التطبيع، مثل الإمارات والبحرين والسودان والمغرب، كانت ترى في هذه العلاقات مع إسرائيل وسيلة لتحسين أوضاعها الاقتصادية وتعزيز علاقاتها مع القوى الدولية الكبرى. هذه الدول كانت تعتقد أن التطبيع سيجلب لها فرصًا اقتصادية كبيرة من خلال التعاون مع إسرائيل في مجالات التكنولوجيا والزراعة والطاقة. في المقابل، كانت الدول التي رفضت التطبيع، مثل الجزائر وبعض القوى الشعبية في الدول الأخرى، تشعر بأنها مستهدفة من هذه الضغوط الدولية، وكانت تسعى إلى الحفاظ على مواقفها المبدئية تجاه القضية الفلسطينية. لكنها في الوقت نفسه كانت تواجه صعوبات اقتصادية وضغوطًا داخلية تجعلها عاجزة عن تقديم دعم فعلي للفلسطينيين.
6. العولمة وتفكك التضامن العربي في ظل هذا المشهد الدولي المتشابك، أصبح من الواضح أن التضامن العربي الذي كان في السابق يشكل حصنًا للقضية الفلسطينية قد تفكك إلى حد كبير. العولمة والضغوط الاقتصادية والسياسية الدولية أدت إلى تفكيك هذا التضامن، حيث أصبحت الدول العربية تنظر إلى مصالحها القومية الفردية بعيدًا عن أي مشروع قومي مشترك. العولمة لم تقتصر على الجوانب الاقتصادية فقط، بل شملت أيضًا الجوانب الثقافية والاجتماعية. التطبيع لم يعد مجرد اتفاقيات سياسية، بل أصبح جزءًا من نمط حياة جديد تتبناه بعض الأنظمة العربية التي تسعى إلى الاندماج في الاقتصاد العالمي وتحقيق مكاسب مادية على حساب المبادئ.
7. الخلاصة: استمرارية النضال رغم العولمة ختامًا، يطرح هذا الفصل تساؤلات حول ما إذا كان النضال الفلسطيني قادرًا على الصمود في وجه هذه العولمة والتفكك الدولي للتضامن العربي. هل يمكن للشعوب العربية أن تستعيد دورها في دعم القضية الفلسطينية، أم أن التطبيع والعولمة سيطويان صفحة النضال إلى الأبد؟ في النهاية، رغم الضغوط الدولية والتحولات الجيوسياسية، يبقى الأمل معقودًا على الشعوب التي لا تزال تحتفظ بقيمها ومبادئها. النضال الفلسطيني لم يكن يومًا مجرد قضية سياسية، بل هو قضية إنسانية وأخلاقية ستبقى حية ما دام هناك من يؤمن بالحرية والعدالة.
الفصل الثامن: خيانة النظام المصري: من السادات إلى السيسي وكواليس التخاذل منذ عقود، كانت مصر تشكل حجر الزاوية في الدفاع عن القضية الفلسطينية، بفضل موقعها الجغرافي وثقلها السياسي والعسكري في المنطقة. ولكن في العقود الأخيرة، شهدت السياسة المصرية تحولًا جذريًا من دعم القضية الفلسطينية إلى الدخول في مسار التطبيع العلني مع إسرائيل. بداية من أنور السادات وصولًا إلى عبد الفتاح السيسي، تتشكل خيوط الخيانة السياسية التي تركت الشعب الفلسطيني يعاني وحده من الاحتلال الإسرائيلي، بل تجاوزت ذلك إلى دور محوري في خذلان الشعوب العربية وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني واللبناني.
1. بداية الانعطاف: السادات واتفاقية كامب ديفيد بعد حرب أكتوبر عام 1973، وجد الرئيس المصري أنور السادات نفسه في موقف يسمح له بالتفاوض من موقع قوة. كان السادات يدرك أن الحرب قد أعطت لمصر وإسرائيل ورقة جديدة على طاولة المفاوضات، لكنه اختار طريق السلام المنفرد، والذي شكّل بداية الخيانة الرسمية. ففي عام 1979، وقع السادات اتفاقية كامب ديفيد مع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجن، بوساطة الرئيس الأمريكي جيمي كارتر. هذه الاتفاقية لم تكن مجرد اتفاق سلام بين مصر وإسرائيل، بل كانت بداية لكسر الوحدة العربية حول القضية الفلسطينية. كامب ديفيد كانت بمثابة خيانة للتضامن العربي الذي كان قائمًا منذ نكبة 1948، وتخليًا عن الدور المصري كقائد للعالم العربي في مقاومة الاحتلال. السادات برر توقيعه للاتفاقية بأن "الوقت حان للسلام"، لكن الحقيقة هي أنه اختار المصالح الشخصية والسياسية على حساب الشعب الفلسطيني. الكواليس: تشير بعض التقارير والشهادات إلى أن السادات كان يتعرض لضغوط شديدة من الولايات المتحدة، التي قدمت وعودًا بدعم اقتصادي وعسكري ضخم لمصر في حال توقيع الاتفاقية. وفي كواليس المفاوضات، كان السادات يسعى لإعادة سيناء بأي ثمن، حتى لو كان هذا الثمن هو القضية الفلسطينية. الغريب في الأمر أن كامب ديفيد لم تتطرق بشكل مباشر لحل القضية الفلسطينية، بل اكتفت بالوعود الغامضة حول "الحكم الذاتي" للفلسطينيين، وهو ما لم يتحقق أبدًا.
2. مبارك: الحفاظ على التطبيع وعرقلة المقاومة بعد اغتيال السادات في عام 1981، تولى حسني مبارك الحكم واستمر في نفس نهج سلفه فيما يتعلق بإسرائيل والقضية الفلسطينية. لكنه كان أكثر حذرًا في إظهار تطبيعه العلني، خوفًا من الغضب الشعبي في مصر. مبارك لم يقدم أي مبادرة حقيقية لدعم الفلسطينيين، بل كان يلعب دورًا مزدوجًا في الحفاظ على العلاقات مع إسرائيل من جهة، وتقديم بعض الدعم اللفظي للفلسطينيين من جهة أخرى. خلال سنوات حكمه، أصبحت مصر حاجزًا أمام أي محاولة فلسطينية للحصول على دعم عربي فعلي. معبر رفح، الذي يعتبر الشريان الرئيسي لقطاع غزة، كان دائمًا مغلقًا أو مفتوحًا بشكل محدود للغاية، بناءً على التوافقات الأمنية مع إسرائيل. مبارك كان يستخدم المعبر كورقة ضغط سياسية، وفي كثير من الأحيان كان يتواطأ مع الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة. الكواليس: تشير التقارير إلى أن مبارك كان يتلقى تعليمات من الولايات المتحدة للحفاظ على "الاستقرار" في المنطقة، وكان دوره الأساسي هو منع أي تصعيد بين إسرائيل والفلسطينيين. أحد الشهود الذين كانوا جزءًا من المفاوضات التي جرت خلف الكواليس أكد أن مبارك كان دائمًا يفضل الحلول الأمنية على الحلول السياسية، ولم يكن معنيًا بتقديم أي دعم حقيقي للفلسطينيين خوفًا من فقدان دعم واشنطن والقوى الغربية.
3. السيسي: تعزيز الخيانة والتحالف مع إسرائيل مع وصول عبد الفتاح السيسي إلى الحكم في مصر بعد انقلاب عام 2013، دخلت مصر مرحلة جديدة من التحالف العلني مع إسرائيل. العلاقات بين القاهرة وتل أبيب شهدت تحسنًا غير مسبوق في عهد السيسي، حتى أن الرئيس المصري تحدث مرارًا عن "السلام الدافئ" مع إسرائيل، وهو ما أثار استياء الكثير من المصريين والعرب. السيسي لم يكتفِ بالحفاظ على معاهدة السلام مع إسرائيل، بل دفع بها إلى مستويات جديدة من التعاون الأمني والعسكري. التقارير تشير إلى أن مصر تشارك إسرائيل في عمليات مكافحة "الإرهاب" في سيناء، وهو ما اعتبره البعض غطاءً للتعاون العسكري بين الجانبين. خلال العدوانات المتكررة على قطاع غزة، لم تقدم مصر أي دعم حقيقي للمقاومة الفلسطينية، بل اكتفت بدور الوسيط الذي يسعى إلى "وقف إطلاق النار" بناءً على الشروط الإسرائيلية. الكواليس: تقول بعض المصادر إن السيسي يرى في إسرائيل حليفًا استراتيجيًا في مواجهة التحديات الإقليمية، خاصة فيما يتعلق بالإرهاب في سيناء والصراع على المياه مع إثيوبيا. وكما فعل السادات، فإن السيسي يعتمد بشكل كبير على الدعم المالي والعسكري الأمريكي، ويرى في التحالف مع إسرائيل وسيلة لضمان استمرارية هذا الدعم. بعض التقارير أشارت إلى اجتماعات سرية بين مسؤولي الأمن المصريين والإسرائيليين تمت في القاهرة وتل أبيب، بهدف تنسيق الجهود الأمنية والعسكرية.
4. التخاذل في الحرب الراهنة: صمت وتواطؤ في السنوات الأخيرة، وخاصة خلال العدوانات المتكررة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والجنوب اللبناني، كان النظام المصري يلعب دورًا رئيسيًا في عرقلة أي دعم فعلي للفلسطينيين. خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، اكتفت مصر بإدانة لفظية ضعيفة بينما حافظت على إغلاق معبر رفح أو فتحه بشكل محدود لا يسمح بمرور المساعدات الإنسانية بالشكل المطلوب. المقاومة اللبنانية المتمثلة في حزب الله تواجه كذلك تخاذلًا مصريًا واضحًا. فبدلًا من دعم الشعب اللبناني في مواجهة العدوان، تسعى مصر إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع الدول الغربية وإسرائيل، مما يدفعها إلى الصمت أو تقديم الدعم المعنوي فقط دون أي تحرك فعلي على الأرض. الكواليس: تشير بعض التقارير إلى أن النظام المصري يتعرض لضغوط هائلة من الولايات المتحدة وإسرائيل لمنع أي دعم عسكري أو سياسي للمقاومة الفلسطينية أو اللبنانية. النظام يرى أن دوره يكمن في "الحفاظ على الاستقرار" في المنطقة، وهو ما يعني في الواقع الحفاظ على الوضع القائم الذي يخدم مصالح إسرائيل. بعض المسؤولين المصريين تحدثوا عن أن دعم المقاومة سيعرض مصر لعقوبات دولية أو لتوترات داخلية قد تهدد استقرار النظام.
5. النظام المصري والشعوب العربية: القطيعة المتزايدة منذ السادات وحتى السيسي، يمكن القول إن النظام المصري فقد الثقة التي كانت تحظى بها مصر كشريك أساسي في الدفاع عن القضية الفلسطينية. اليوم، تشعر الشعوب العربية بخيبة أمل عميقة من الدور المصري، الذي تحول من دعم المقاومة إلى دعم الاحتلال بشكل غير مباشر. هذا التحول لم يكن مقتصرًا على السياسة الخارجية فقط، بل كان له انعكاسات داخلية أيضًا، حيث أصبح النظام المصري يعتمد بشكل كبير على قمع الأصوات المعارضة للتطبيع، وتكميم الأفواه التي تنتقد العلاقات المصرية الإسرائيلية. النظام المصري لم يعد يمثل صوت الشعوب، بل أصبح يمثل مصالح نخبة حاكمة تسعى إلى الحفاظ على علاقتها مع القوى الكبرى بأي ثمن. القضية الفلسطينية لم تعد في مقدمة الأولويات المصرية، بل أصبحت مجرد ملف هامشي يتم التعامل معه من خلال البيانات الدبلوماسية دون أي فعل ملموس.
الخاتمة: خيانة مستمرة وشعب لا ينسى إن التحولات التي شهدتها السياسة المصرية تجاه القضية الفلسطينية تمثل خيانة عميقة للمبادئ التي قامت عليها الأمة العربية. من السادات إلى السيسي، استمر التخاذل والخيانة في أشكال متعددة، لكن الهدف كان دائمًا واحدًا: الحفاظ على المصالح الشخصية والسياسية للنظام، حتى لو كان ذلك على حساب شعوبهم وأمتهم. لكن رغم كل ذلك، يبقى الشعب المصري والعربي قادرًا على التمييز بين النظام والشعب، ويظل أمل الفلسطينيين والشعوب المقاومة معقودًا على أن الخيانة لا تمثل شعوب الأمة، بل تمثل أنظمة تسعى للحفاظ على وجودها بأي ثمن.
الفصل التاسع: خيانة النظام الأردني: من عبد الله الأول إلى عبد الله الثاني وكواليس التخاذل منذ تأسيس المملكة الأردنية الهاشمية في عام 1921، عانت القضية الفلسطينية من خيانات متعددة من قبل الأنظمة العربية، كان أبرزها النظام الأردني. منذ عبد الله الأول حتى عبد الله الثاني، اتخذت السياسات الأردنية منحى متقلبًا، اتسم في كثير من الأحيان بالانحياز إلى مصالح النظام على حساب المصالح الوطنية الفلسطينية. هذه الخيانة، التي تعود جذورها إلى أصول النظام الأردني، تجسدت في مختلف اللحظات التاريخية، بدءًا من نكبة 1948 وحتى الأحداث الراهنة.
1. عبد الله الأول: الانفصال والتخاذل تأسس النظام الأردني تحت حكم الملك عبد الله الأول، الذي كان يحلم بتوحيد الأراضي العربية تحت راية واحدة. لكن هذا الحلم سرعان ما اصطدم بتحديات واقعية، بما في ذلك القضية الفلسطينية. أثناء النكبة في عام 1948، قام الملك عبد الله الأول بإرسال قواته إلى فلسطين، لكنه لم يسعَ جديًا لتحريرها. بل إن هدفه كان، في جانب كبير منه، السيطرة على الضفة الغربية. بعد احتلال الضفة الغربية، تبنى عبد الله سياسة "الأردنة"، التي كانت تهدف إلى دمج الفلسطينيين في المملكة، مع تجاهل حقوقهم الوطنية. هذه السياسة كانت تهدف إلى تعزيز سلطته وتحقيق الاستقرار الداخلي على حساب القضية الفلسطينية. الكواليس: تشير بعض الوثائق التاريخية إلى أن الملك عبد الله الأول كان في تواصل مستمر مع البريطانيين، الذين كانوا يرون في بقاء الضفة الغربية تحت السيطرة الأردنية وسيلة لضمان مصالحهم في المنطقة. كان عبد الله يعتقد أن توفير الأمن والاستقرار سيكون بمثابة بطاقة دخول له في المحافل الدولية، ولكنه في الواقع خذل الفلسطينيين في أهم لحظاتهم التاريخية.
2. الملك حسين: سياسة التوازن والخيانة المستترة مع وصول الملك حسين إلى الحكم بعد اغتيال والده في عام 1951، عُرف بتبنيه سياسة التوازن بين الفلسطينيين والإسرائيليين. في البداية، كان حسين يتبنى خطابًا قويًا ضد الاحتلال الإسرائيلي، وشارك في حروب عام 1967 و1973. لكن مع مرور الوقت، بدأ حسين في تعديل سياسته. بعد حرب 1967، واحتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة، قام الملك حسين بمراجعة سياسته تجاه الفلسطينيين، خاصة مع ظهور منظمة التحرير الفلسطينية كقوة رئيسية في الساحة. وبدلاً من دعم الفلسطينيين، اتجه حسين إلى سياسة القمع ضد الفصائل الفلسطينية، خاصة بعد أحداث أيلول الأسود عام 1970، عندما واجهت الأردن أزمة حادة مع الفصائل الفلسطينية. الكواليس: تشير بعض التقارير إلى أن الملك حسين كان يتعرض لضغوط من الولايات المتحدة وإسرائيل لقمع الفصائل الفلسطينية في الأردن. في كواليس الاجتماعات، كان حسين يعبّر عن قلقه من إمكانية تفجر الأوضاع في البلاد، مما دفعه إلى اتخاذ خطوات قاسية ضد الفلسطينيين. وبعد أيلول الأسود، أصبح دور الأردن في القضية الفلسطينية مقيدًا بالمصالح الأمريكية والإسرائيلية، مما جعل حسين ينأى بنفسه عن الالتزام القوي بالقضية.
3. الملك عبد الله الثاني: من التحالفات إلى التراجع عندما تولى الملك عبد الله الثاني الحكم عام 1999، كانت الآمال معلقة على تقديم رؤية جديدة لدعم القضية الفلسطينية. ولكن سرعان ما تبين أن عبد الله الثاني يتبنى سياسة أكثر حذرًا، تسعى للحفاظ على استقرار النظام على حساب القضية الفلسطينية. في ظل تصاعد الحروب الإسرائيلية على غزة وتزايد الانتهاكات بحق الفلسطينيين، كان الملك عبد الله الثاني يتبنى سياسة التهدئة والتهرب من اتخاذ مواقف قوية تدعم حقوق الفلسطينيين. بل، شهدت تلك الفترة تقاربات بين الأردن وإسرائيل، حيث تم توقيع عدة اتفاقيات اقتصادية وأمنية. الكواليس: وفقًا لبعض التسريبات، كان الملك عبد الله الثاني يتعرض لضغوط كبيرة من الغرب، خاصة من الولايات المتحدة، لتحسين العلاقات مع إسرائيل وتقديم التسهيلات اللازمة لأمنها. الاجتماعات السرية مع المسؤولين الإسرائيليين كانت تتم بشكل دوري، مما عزز انطباعًا بأن الملك الأردني يفضل التحالفات الاستراتيجية على الالتزام بالقضية الفلسطينية.
4. التخاذل في الحرب الراهنة: دور متزايد في القمع مع تصاعد الصراع في غزة ولبنان، كان دور الأردن يقتصر على البيانات الداعمة للفلسطينيين دون أي تحرك فعلي. النظام الأردني، الذي يواجه تحديات داخلية من حركات الاحتجاج والاقتصاد المتردي، كان يتجنب أي تحرك يسبب تفجر الوضع داخليًا. وبذلك، أصبح موقف الأردن أشبه بحاجز أمام أي دعم عربي حقيقي للفلسطينيين. بدلاً من فتح الحدود لمساعدة النازحين أو تقديم الدعم الفعلي للمقاومة، اكتفى الملك عبد الله الثاني بإصدار بيانات الشجب والاستنكار، وهو ما اعتبره كثيرون نوعًا من الخداع السياسي. الكواليس: تتحدث بعض التقارير عن لقاءات بين مسؤولين أردنيين وإسرائيليين خلال الحروب الأخيرة، حيث كان الحديث يدور حول تأمين الحدود الأردنية ومنع تسرب أي دعم عسكري للفصائل الفلسطينية. كما يُقال إن الأردن كان متخوفًا من احتمالية وصول الأوضاع إلى حد التدخل العسكري في الضفة الغربية، مما قد يؤدي إلى تداعيات سلبية على أمن النظام.
5. النظام الأردني والشعوب العربية: انعدام الثقة على مر العقود، فقد النظام الأردني الثقة التي كانت تُعطى له كقائد عربي في دعم القضية الفلسطينية. الآن، يعتبر الكثير من العرب أن النظام الأردني يمثل عقبة أمام تحقيق العدالة في القضية الفلسطينية، بدلاً من أن يكون حليفًا. هذا الانطباع ساهم في تعزيز قناعة الشعوب بأن الأنظمة العربية ليست سوى أدوات لخدمة مصالحها الخاصة. في ظل التحولات الراهنة، يظل الشعب الأردني، كغيره من الشعوب العربية، يراقب خيانة الأنظمة العربية، ويُعبر عن شعوره بالخيبة تجاه حكومات لا تمثل تطلعاتهم. هذه الخيانة المتواصلة تجعل من الصعب تصور مستقبل عربي مشترك قائم على التعاون والدعم الفعلي للقضايا المصيرية.
الخاتمة: خيانة مستمرة وشعوب تتطلع للحرية إن تاريخ الخيانة الذي يعكسه النظام الأردني من عبد الله الأول إلى عبد الله الثاني يتجاوز حدود الخيانة السياسية ليصبح درسًا قاسيًا للأجيال القادمة. هذه الخيانات، التي تجسدت في انعدام الالتزام بالقضية الفلسطينية، تظل ماثلة في الذاكرة العربية. لكن رغم كل الخذلان، يظل الأمل معقودًا على الشعوب التي تسعى إلى تغيير واقعها، ورفع صوتها عالياً ضد خيانة الأنظمة التي تخلت عن القضايا الوطنية لصالح المصالح الشخصية.
الفصل العاشر: محور المقاومة: النشوء والتطور
1. النشوء: الجذور التاريخية والتوجهات السياسية تعود جذور محور المقاومة إلى بدايات النصف الثاني من القرن العشرين، حيث بدأت الشعوب العربية تتطلع إلى حركات التحرر ضد الاستعمار والاحتلال. كان الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين عام 1948 بمثابة الشرارة التي أشعلت المقاومة في المنطقة، وبرزت جماعات مقاتلة في مختلف الساحات كحركات فدائية، تهدف إلى تحرير فلسطين وإعادة الأرض المغتصبة. في تلك الفترة، كانت تلك الجماعات تتسم بالعفوية وتفتقر إلى التنسيق العالي، ولكنها كانت تستند إلى إيمان عميق بقضيتها. ومع مرور الزمن، ظهرت تنظيمات أكثر تنظيمًا، مثل حركة فتح عام 1965، وجبهة التحرير الفلسطينية، وغيرها، مما أضفى طابعًا أكثر تنظيمًا وهيكلية على عمليات المقاومة.
2. التحولات الكبرى: من الفصائل إلى المحور المتكامل مع تصاعد الأعمال العسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي، بدأت الحركات المسلحة الفلسطينية تتوحد وتنسق فيما بينها. إلا أن التغيير الجذري حدث بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، حيث بدأت طهران في دعم حركات المقاومة في المنطقة. هذا الدعم لم يكن ماليًا فحسب، بل شمل أيضًا التدريب العسكري وتبادل المعلومات. في لبنان، أسست جماعة حزب الله عام 1982، التي أصبحت واحدة من أهم أعمدة المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي. انطلق حزب الله من دعم إيران ليصبح تنظيمًا يمتلك بنية عسكرية وسياسية متكاملة، يتجاوز أهدافه الوطنية ليشمل دعم القضايا العربية والإسلامية.
3. تشكل المحور: وحدة الساحات والتنظيم تبلور محور المقاومة كتحالف بين القوى المقاومة في دول متعددة، إذ بدأ يتشكل من خلال علاقات استراتيجية بين كل من إيران، وحزب الله في لبنان، والفصائل الفلسطينية في غزة، والحوثيين في اليمن، والنظام السوري. وقد ساهمت الأحداث الكبرى، مثل الحرب اللبنانية، والحرب على العراق، وصعود تنظيم داعش، في تعزيز الروابط بين هذه الفصائل. تمتاز العلاقة بين هذه الجماعات بأنها مبنية على دعم مشترك ورؤية واحدة لمواجهة الاحتلال والتدخلات الخارجية. وأصبح هذا المحور يمثل مقاومة شاملة، تجمع بين مختلف الفصائل في ساحة واحدة، وتنسق العمليات العسكرية والإستراتيجية ضد الأعداء المشتركين.
4. الحرب الحالية: توحيد الجبهات والتنسيق الفعّال في ظل الأحداث الأخيرة، شهد محور المقاومة تنسيقًا عسكريًا عالي المستوى لمواجهة الهجمات الإسرائيلية والتهديدات الأمريكية. مع تصاعد العدوان على غزة، قامت قوى المقاومة بإجراء اجتماعات تنسيقية بين الفصائل في لبنان وفلسطين وسوريا، حيث تم تبادل المعلومات والتخطيط لعمليات مشتركة. الكواليس: تم الكشف عن لقاءات سرية بين قادة المحور في أماكن متفرقة، حيث تم الاتفاق على زيادة التنسيق العسكري وتحسين تبادل المعلومات الاستخباراتية. وكانت إيران تلعب دورًا أساسيًا في تمويل وتدريب هذه القوى، مما يعكس التزامها بدعم القضية الفلسطينية.
5. رسم خارطة طريق: الفرز بين المحورين أصبح محور المقاومة يمتلك خارطة طريق استراتيجية، تتضمن تحديد الأولويات وتعزيز التنسيق. في المقابل، كان هناك محور آخر، يُشار إليه بـ "المحور المهادن"، الذي يضم أنظمة تسعى إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل وتجاهل القضية الفلسطينية. في الوقت الذي يستمر فيه محور المقاومة في التمسك بمبادئه، يحاول المحور المهادن فرض واقع جديد في المنطقة يتسم بالتطبيع والانفتاح على إسرائيل. هذه الفروقات بدأت تظهر بوضوح، مع تصاعد الوعي الشعبي العربي الرافض للاحتلال والمساند للمقاومة.
6.التحديات المستقبلية: وحدة الصف والمواجهة رغم النجاحات التي حققها محور المقاومة، إلا أنه يواجه تحديات كبيرة، تتعلق بتوحيد الصف العربي ومواجهة الضغوط الإقليمية والدولية. لا تزال هناك محاولات لتفكيك هذا المحور من قبل الأنظمة المهادنة، مما يضع محور المقاومة في موقف حساس يتطلب المزيد من التنسيق والجاهزية. تسعى قوى المقاومة إلى تعزيز الدعم الشعبي والعمليات المشتركة، مع الاستمرار في نقل رسالتها إلى الأجيال القادمة، حيث يتعين على الجيل الجديد أن يتحمل مسؤولية القضية الفلسطينية ويواصل الكفاح من أجل التحرير.
الخاتمة: المقاومة في مواجهة التحديات يمثل محور المقاومة نموذجًا للصمود والمقاومة في وجه التحديات المتزايدة. مع تنامي الضغوط السياسية والعسكرية، تظل قوى المقاومة ملتزمة بمبادئها، حيث تسعى إلى تحرير الأرض وإعادة الحقوق المغتصبة. هذا الفصل من تاريخ المقاومة يعكس إرادة الشعوب العربية، ورغبتها في التحرر والكرامة.
الفصل الثاني عشر: الصراع الفلسطيني الإسرائيلي: مكانته في الصراع العالمي وعلاقته بالقطبين الدوليين
1. مدخل إلى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يُعتبر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي واحدًا من أكثر الصراعات تعقيدًا في التاريخ الحديث، إذ يشتمل على مكونات قومية ودينية وسياسية. يمتد جذور هذا الصراع إلى بداية القرن العشرين، مع تأسيس الحركة الصهيونية، التي تسعى لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، مما أدى إلى النزاع مع السكان الفلسطينيين الذين يعيشون في تلك الأرض. ويعكس هذا الصراع التوترات العميقة بين الهوية الوطنية والحقوق التاريخية، حيث تتداخل القضايا المحلية مع الأبعاد الدولية.
2. مكانة الصراع في الساحة العالمية يكتسب الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أهمية عالمية لا تقتصر فقط على منطقة الشرق الأوسط، بل تتجاوزه إلى الساحات الدولية. يرتبط هذا الصراع بعوامل جيوسياسية معقدة، تشمل الاستراتيجية العسكرية، النفوذ الاقتصادي، والتوجهات السياسية. تحظى القضية الفلسطينية بتأييد واسع من قبل العديد من الدول والشعوب، لكن في الوقت نفسه، يظل هناك انقسام في المواقف الدولية، حيث تدعم بعض الدول إسرائيل بشكل غير مشروط، بينما تسعى دول أخرى إلى دعم حقوق الفلسطينيين. هذا الصراع هو مرآة للصراعات الأخرى في العالم، حيث تعكس قضايا الهوية والحق في تقرير المصير. وقد تم توظيف القضية الفلسطينية في كثير من الأحيان كأداة في الصراعات الجيوسياسية بين الدول الكبرى.
3. العلاقة بين الصراع الفلسطيني والقطبين الدوليين يتأثر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بشكل كبير بالتنافس بين القطبين الدوليين: الولايات المتحدة وروسيا. الولايات المتحدة، التي تعتبر حليفًا قويًا لإسرائيل، تقدم لها دعمًا ماليًا وعسكريًا، وتسعى إلى تحقيق الأمن الإسرائيلي كجزء من استراتيجيتها في الشرق الأوسط. بينما تسعى روسيا إلى تعزيز نفوذها في المنطقة، مستفيدة من مواقف بعض الدول العربية التي تبحث عن توازن في العلاقات الدولية. إن هذا التنافس ينعكس على مواقف الدول العربية من الصراع، حيث تجد العديد من الأنظمة العربية نفسها تحت ضغط من القطبين، مما يؤثر على قدرتها على اتخاذ مواقف حقيقية تدعم الحقوق الفلسطينية. كما أن التطورات الجيوسياسية، مثل اتفاقيات التطبيع، تسهم في تغيير المشهد الإقليمي.
4. الرؤية الاستشرافية: مستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في ظل التحولات السياسية والاجتماعية الراهنة، فإن مستقبل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يتسم بالضبابية. من الواضح أن هناك حاجة ملحة إلى إعادة التفكير في استراتيجيات النضال الفلسطيني، بما يتماشى مع التغيرات العالمية. يجب أن تأخذ هذه الاستراتيجيات في اعتبارها الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى الأبعاد العسكرية. 4.1. مسارات جديدة للنضال قد يتطلب الأمر اعتماد أساليب جديدة من المقاومة السلمية التي تشمل النضال الاجتماعي والسياسي، مع التركيز على بناء تحالفات مع القوى العالمية التي تدعم حقوق الإنسان. يمكن أن تكون هذه التحالفات هي المفتاح لتحسين الوضع الفلسطيني على الساحة الدولية. 4.2. التأثيرات الإقليمية والدولية من المهم أيضًا أن يظل الفلسطينيون واعين لتغيرات التحالفات الإقليمية والدولية. فقد تؤثر التطورات السياسية في الدول العربية، مثل التحولات في الحكومات أو الصراعات الداخلية، على القضية الفلسطينية بشكل كبير. لذلك، يجب أن يكون هناك تفاعل دائم مع هذه القوى وفهم لمتطلبات التحولات السياسية. 4.3. الحاجة إلى رؤية شاملة تتطلب المرحلة الحالية وضع رؤية شاملة للمستقبل، تدمج بين الأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية. ينبغي أن تهدف هذه الرؤية إلى تحقيق الاستقلال الوطني الفلسطيني، مع السعي في الوقت نفسه إلى بناء مجتمع مدني قوي قائم على العدالة والمساواة.
5. الخاتمة: الصراع كمرآة لصراعات أكبر يظل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي بمثابة مرآة لصراعات أكبر في العالم، حيث يتداخل مع قضايا الهوية والحقوق التاريخية. إن فهم هذا الصراع يتطلب النظر إلى الأبعاد العالمية والإقليمية، واستشراف المستقبل من خلال بناء استراتيجيات جديدة تجمع بين النضال الفلسطيني التقليدي وأسلوب المقاومة السلمي. فالمسار الذي سيتخذه هذا الصراع في السنوات المقبلة سيعتمد على القدرة على التكيف مع الظروف المتغيرة، وبناء تحالفات استراتيجية تسهم في دعم القضية الفلسطينية في الساحة الدولية.
قائمة المراجع أبو خالد، جمال (1997). عبد الناصر والثورة العربية. بيروت: دار العودة. عزام، عبد الحميد (2005). القومية العربية والصراع العربي الإسرائيلي. القاهرة: مركز دراسات الوحدة العربية. سعيد، إدوارد (2001). قضية فلسطين. بيروت: دار الساقي. مسعود، شريف (2010). التطبيع العربي الإسرائيلي: من السلام إلى التعاون الاستراتيجي. القاهرة: دار النهضة. السيد، محمد (2018). حروب الشرق الأوسط: من عبد الناصر إلى السيسي. عمان: دار الكتاب العربي. عبد الله، محمود (2003). منظمة التحرير الفلسطينية: من التأسيس إلى الانتفاضة الثانية. بيروت: دار الفارابي. نصر، حسن (2015). المقاومة اللبنانية: النشأة والتطور. بيروت: المركز العربي للأبحاث. عباس، محمد (2017). التحالفات الإقليمية في الشرق الأوسط: محور المقاومة في مواجهة التطبيع. القاهرة: مركز الأبحاث والدراسات الاستراتيجية. الطويل، أحمد (2021). وحدة الساحات: مفهوم المقاومة العابرة للحدود. دمشق: دار الفكر العربي. الخطيب، سمير (2023). اتفاقيات أبراهام: التطبيع وتداعياته على القضية الفلسطينية. عمان: دار النهضة العربية. القيسي، رائد (2020). إسرائيل ومحور المقاومة: قراءة في المواجهات المستقبلية. بغداد: مركز الدراسات الدولية. زهدي، عبد الله (2014). النضال الفلسطيني في مواجهة الأنظمة العربية. بيروت: دار العلم. الحاج، نبيل (2022). الصراع الإقليمي في الشرق الأوسط: الأبعاد الدولية والمحلية. القاهرة: دار الفكر المعاصر. عبد الحي، سامر (2024). حرب 7 أكتوبر: تداعيات وآفاق الصراع العربي الإسرائيلي. بيروت: دار النهضة الحديثة. الشريف، فهد (2019). العلاقات الأمريكية الإسرائيلية: الدور الأمريكي في دعم إسرائيل. واشنطن: دار النشر الأمريكي. شهاب، أمين (2023). التنافس بين القوى الكبرى في الشرق الأوسط. موسكو: دار الروسيا. بطرس، حنا (2021). أزمات الأنظمة العربية في مواجهة شعوبها. بيروت: دار التغيير. العكاوي، رياض (2016). حزب الله والمقاومة اللبنانية: من الكفاح المسلح إلى السياسة. بيروت: دار الفارابي. القاسم، وليد (2022). الدور الإيراني في دعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية. طهران: مركز الأبحاث الاستراتيجية الإيراني. الغزالي، خالد (2011). عبد الله الأول وتأسيس المملكة الأردنية الهاشمية. عمان: دار الكتاب الأردني. الزغبي، حازم (2019). عبد الله الثاني والسياسة الخارجية الأردنية في ظل التحولات الإقليمية. عمان: مركز الدراسات الملكية الأردنية. الموسوي، عباس (2018). العلاقات السورية الإيرانية: تحالف استراتيجي بين محور المقاومة. دمشق: دار الفكر العربي. ناصر، يوسف (2024). المقاومة في اليمن: من الجماعات الصغيرة إلى التنظيمات العسكرية. صنعاء: دار النشر اليمني. مواقع إلكترونية شبكة الجزيرة. "حرب 7 أكتوبر: تحليل أولي وتداعيات الصراع". الجزيرة نت (تاريخ الوصول: 12 أكتوبر 2024). BBC العربية. "المقاومة الفلسطينية: من النشأة إلى الحرب الحالية". BBC (تاريخ الوصول: 15 أكتوبر 2024). RT العربية. "تحليل دور إيران في دعم المقاومة". RT العربية (تاريخ الوصول: 10 أكتوبر 2024).
#خالد_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هوى بحري
-
اغنيات لا تكتب في النهار
-
أنشودة فلسطين الخالدة
-
الإعلام الإسرائيلي: أداة في خدمة الاستعمار ومنظومة الأمن
-
انطباع أولي حول رواية النهار بعد ألف ليل لمحمد هيبي
-
مد لي يدك
-
مد لي يدك
-
مجموعة شعرية
-
مدن الفراغ
-
الضربة الإيرانية لإسرائيل: قراءة عسكرية ودلالات سياسية ثورية
-
سفر بلا حدود
-
حين تاهت الظلال
-
رقصة الصمت والعدم
-
صوت التراب العالي
-
معانقة الفناء
-
تحليل: نهاية قريبة للصراع الإسرائيلي مع حزب الله؟
-
أغنية للغيم
-
لحظة عناق…
-
يقين آلروح
-
ترامب: إسرائيل ستزول
المزيد.....
-
الجيش الأوكراني يتهم روسيا بشن هجوم بصاروخ باليستي عابر للقا
...
-
شاهد.. رجل يربط مئات العناكب والحشرات حول جسده لتهريبها
-
استبعاد نجم منتخب فرنسا ستالوارت ألدرت من الاختبار أمام الأر
...
-
لبنان يريد -دولة عربية-.. لماذا تشكّل -آلية المراقبة- عقبة أ
...
-
ملك وملكة إسبانيا يعودان إلى تشيفا: من الغضب إلى الترحيب
-
قصف إسرائيلي في شمال غزة يسفر عن عشرات القتلى بينهم نساء وأط
...
-
رشوة بملايين الدولارات.. ماذا تكشف الاتهامات الأمريكية ضد مج
...
-
-حزب الله- يعلن استهداف تجمعات للجيش الإسرائيلي
-
قائد الجيش اللبناني: لا نزال منتشرين في الجنوب ولن نتركه
-
استخبارات كييف وأجهزتها العسكرية تتدرب على جمع -أدلة الهجوم
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|