أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مرتضى العبيدي - سردية التعويل على الذات بين الخطاب الرسمي وعناد الواقع















المزيد.....

سردية التعويل على الذات بين الخطاب الرسمي وعناد الواقع


مرتضى العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8131 - 2024 / 10 / 15 - 13:11
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ونحن نقترب من موعد الانتخابات الرئاسية، فمن الطبيعي أن تتداول الصحافة ووسائل الإعلام بمختلف محاملها ـ وإن كان بحذر شديد ـ في تقييم العهدة الرئاسية المنتهية. ومن المفروض أن تكون هذه التقييمات القاعدة الموضوعية التي يبني عليها المواطنون/الناخبون موقفهم من حيث منح الثقة مجددا للحاكم المنتهية عهدته أو اختيار غيره، إن كان لهم مجال للاختيار. خاصة لمّا يكون حاكم البلاد هو المسؤول الأوحد على حصيلة العهدة بما خوّله لنفسه من صلاحيات لم تتوفر لملوك الإنس والجان من قبله، همّش بمقتضاها الجميع -خاصّة "أعضاده" المقرّبين ـ في كل المستويات والمجالات ونزع عليهم إمكانية المبادرة أو الاجتهاد في اتخاذ أي قرار في مجالات "اختصاصاتهم" التي لا يحدّدها غيره. فيكون من الحيف أن تُحاسب أي مسؤول ـ وال كان أو وزيراـ على صنيع ما، وهو لم يكن غير منفّذ أمين لأوامر السلطة العلية.

الخطاب السيادي وشعار التعويل على الذات
وفي هذا الصدد، لم يغب عن المراقبين بروز وانتشار معجم سياسي جديد يتفنّن في صياغته صاحب الشأن وتردّده الجوقة بمناسبة وبغيرها. فمنذ انقلاب 25 جويلية 2021 أصبحت الكلمة العليا للشعارات السيادية مثل: “لا رجوع إلى الوراء “، ”التعويل على الذات”، ”لا للارتهان للأجانب”، ”نرفض الخضوع لصندوق النقد الدولي وإملاءاته"، "نحن نخوض حرب تحرير وطني". لكن ما الذي تحقق على أرض الواقع لجعل هذه الشعارات حقيقة أو على الأقل لوضع البلاد على السكّة المؤدية إليها؟
وقد كان الاحتفال بـذكرى 25 جويلية (ولا نعلم أيّ منهما: 1957 أو 2021) مناسبة تطرق فيها رئيس الدولة الى منجزات عهدته، فأكد "أن تونس حققت وبناء على اختياراتها الوطنية واختيارات شعبها نتائج أفضل بكثير مما كانت عليه في السابق بفضل التعويل على الذات ورفض أي وصفات من الخارج ومن مؤسسات اعتقدت انها وصية على تونس ". وذكر فيما ذكر "أنه تمت السيطرة على نسبة التضخّم وحقق الميزان التجاري في المجال الغذائي فائضا ايجابيا إلى حدود أواخر شهر جوان الماضي، وارتفع المحصول الوطني من العملة الاجنبية إلى 113 يوما ومرشّح إلى مزيد الارتفاع".
فهل يمكن لمقولة «التعويل على الذات» هذه أن تصمد أمام عناد الواقع كما تثبته جملة الحقائق الموثقة رسميا، في جداول الميزانيات للسنوات الخمسة الأخيرة، في قوانين المالية، في المراسيم ذات الصلة التي وقّعها رئيس الجمهورية وفي أشغال مجلس النواب المتعلقة بالقروض التي لم تتوقف يوما، وجميعها منشور في الرائد الرسمي للبلاد التونسية؟ وهل أن قطع التفاوض مع صندوق النقد الدولي أوقف التداين الخارجي وفتح الأبواب أمام التعويل على الموارد الذاتية؟
هل قطعت تونس فعليا مع صندوق النقد الدولي؟
هل انسحبت تونس من صندوق النقد الدولي؟ هل جمدت عضويتها فيه؟ هل كفت عن دفع مساهماتها في الاكتتاب في رأس ماله؟
طبعا لا. فوفق تقارير مراقبي حسابات البنك المركزي، فبعد واقعة قرض الـ 1.9 مليار دولار، واصلت الدولة التونسية دفع أقساط اكتتابها في رأس المال لهذه المؤسسة التي بلغت سنة 2023 ما يقارب 2240 مليون دينار أو 2.24 مليار دينار مقسّمة بين 423.4 مليون (اكتتاب بالدينار) و121.8 مليون (اكتتاب بالعملة القابلة للتحويل)، حسب ما أوضحه الخبير الاقتصادي آرام بلحاج. وأضاف بأنّ الدولة التونسية تدفع مبالغ طائلة أخرى في إطار الاكتتاب في رؤوس أموال مؤسسات مالية أخرى، والتي لها علاقات متينة معها منذ إحداث البنك المركزي التونسي. يعني أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرّد سوء تفاهم ظرفي مع الصندوق، وهو زائل لا محالة.
ثمّ هل أن تعليق التعامل المباشر مع الصندوق خلّص البلاد فعلا من إملاءاته المدمّرة؟ كلاّ. فالسياسات الاقتصادية هي نفسها والميزانيات المعتمدة سنويا هي نسخ مطابقة للأصل لا من ميزانيات ما قبل 25 جويلية فحسب بل من ميزانيات ما قبل 14 جانفي. يكفي أن ننظر الى باب وقف الانتداب في الوظيفة العمومية المطلوب من صندوق النقد الدولي والسائر المفعول منذ سنوات عدّة، حتى أنه جعل وزيرة التربية المقالة عاجزة على تطبيق أمر رئيسها بانتداب جميع المدرّسين النواب الخاضعين للتشغيل الهش الذي اعتبره الرئيس نفسه شكلا من أشكال العبودية. ونفس الاملاءات هي التي أجبرت قيس سعيد على التراجع على قانون أمضاه بنفسه، القانون 38 والمتعلق بتشغيل من طالت بطالتهم، وهو الذي كان رؤوفا حليما بالفقراء والمساكين وبالمعطلين منهم بالخصوص. فهل مثل هذه القرار الموجع اتخذ بشكل سيادي أو هو مواصلة لتطبيق املاءات الصندوق؟
وهل أن تعليق التفاوض مع الصندوق أوقف التداين الخارجي وفتح الأبواب أمام التعويل على الموارد الذاتية؟
كلاّ. إذ أن قطع "التعامل" مع الصندوق لم يمنع السلطة القائمة من مواصلة التعامل مع أذرعه المبثوثة في كل القارات. يكفي أن نلقي نظرة على اتفاقيات القروض الموقعة مع هذه المؤسسات المالية خلال السنتين الأخيرتين حتى نتبين زيف الشعارات المرفوعة.
فقد وقعت الحكومات المتعاقبة اتفاقيات قروض مع مؤسسات مالية دولية منها:
ـ البنك الدولي: 740 مليون دولار لتمويل الأمن الغذائي والتقليص من التفاوت الجهوي
ـ المؤسسة الألمانية للقروض: 5.125 مليون أورو
ـ الوكالة الفرنسية لتنمية: 50 مليون أورو
ـ البنك الأوروبي للاستثمار: 380 مليون أورو
ـ البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية: 150 مليون أورو
ـ المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة: 370.1 مليون دولار
ـ الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي: 52،295 مليون دولار
ـ البنك الإفريقي للتنمية: 9.98 مليون دولار
ومع عدة دول منها:
ـ إيطاليا: 105 مليون أورو
ـ كوريا الجنوبية: 60 مليون دولار
ـ الجزائر: 300 مليون دينار
وقبل ذلك، أي خلال سنتي 2021 و2022، وفي تناقض صارخ مع خطاب التعويل على الذات، وقبل تنصيب البرلمان الجديد، صادق قيس سعيد بأوامر رئاسية على قروض جملية بقيمة 1335 مليار دولار. والجميع يعلم أن كل هذه الهيئات، مؤسسات مالية، أو دول، ما كان لها أن تسند قروضا لتونس، دون موافقة صندوق النقد الدولي صاحب السطوة والجاه عليها جميعا. فأين نحن من شعارات السيادة الوطنية والتعويل على الذات وحرب التحرير؟
بقي أن نشير في النهاية الى وجه آخر من أوجه المسألة والذي يتباهي به أنصار الرئيس ويقدمونه على أنه شكل من أشكال التعويل على الذات ألا وهو الاقتراض الداخلي، أي اقتراض الدولة من البنك المركزي ومن البنوك المحلية.
فما هو موقف خبراء الاقتصاد من هذه الطريقة؟ إنهم لا يعتبرون الاقتراض المباشر من البنك المركزي والبنوك المحلية مظهرا حقيقيا للتعويل على الذات، بل هي ـ حسب رأيهم ـ مجرد وسيلة يتم استخدامها في ظل غياب رؤية استراتيجية واضحة للشأن الاقتصادي. إذ أن هذا النوع من الاقتراض يؤثر على السيولة التي من المفترض أن تُوجّه للاستثمار وخلق الثروة، وما ينجرّ عن ذلك من تأبيد الأزمة وتعميق للفقر وتفاقم للتضخم المرتفع أصلا. وهكذا فإنها لا تساهم إلا في خلق وهم جديد بالتخلص من الارتهان الى الخارج وتحدّي عتاة المؤسسات المالية الدولية.
خاتمة
وهكذا يتضح أن هوّة سحيقة تفصل الخطاب الشعبوي السيادي عن الواقع المعيش في دولة العلوّ الشاهق، إذ أن هذه الشعارات لا تجد تجسيدا لها في برامج ملموسة تقوم على القطع الفعلي مع منوال للتنمية اتبعته منظومة الاستعمار الجديد خلال فترات حكمها الثلاثة، ويواصلها اليوم ابنها البار الذي جاء لإنقاذها ولم يجد الى ذلك سبيلا رغم السلطات المطلقة التي حبا بها نفسه والتي أعادت البلاد الى مأزق الحكم الفردي المطلق، مأزق الديكتاتورية والفاشية الزاحفة.



#مرتضى_العبيدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقابلة مع بابلو ميراندا، السكرتير الأول للحزب الشيوعي المارك ...
- البيان الختامي للدورة الثامنة والعشرين للسيمينار الدولي حول ...
- تحية الى الحزب الشيوعي الماركسي اللينيني بالاكوادور في ذكراه ...
- هل تشكل الانقلابات العسكرية في إفريقيا أداة لتحرّر شعوبها؟ ( ...
- هل تشكل الانقلابات العسكرية في إفريقيا أداة لتحرّر شعوبها؟ ( ...
- هل تشكل الانقلابات العسكرية في إفريقيا أداة لتحرّر شعوبها؟ ( ...
- شاحنات الموت تواصل حصد أرواح الكادحات في القطاع الفلاحي
- كيف يقيّم حزب العمال الشيوعي بفرنسا الدور الأوّل من الانتخاب ...
- الفقر والسخط الاجتماعي والوعي الطبقي
- صفحات من تاريخ الحركة الشيوعية بالاكوادور
- تدهور الأوضاع المعيشية لعموم الكادحين منذ 25 جويلية
- في الذكرى الستين للحزب الشيوعي الم الل بالاكوادور (ج 10)
- في الذكرى الستين للحزب الشيوعي الم الل بالاكوادور (ج 9)
- هل حُمّلت زيارة قيس سعيد الى الصين أكثر مما تحتمل؟
- في الذكرى الستين للحزب الشيوعي الم الل بالاكوادور (ج 8)
- في الذكرى الستين للحزب الشيوعي الم الل بالاكوادور (ج 7)
- المقاومة الفلسطينية تكسب معركة الجامعات في العالم
- انتفاضة شعب كاناكي (كاليدونيا الجديدة) تطرح مجددا المسألة ال ...
- في الذكرى الستين للحزب الشيوعي الم الل بالاكوادور (ج 6)
- في الذكرى الستين للحزب الشيوعي الم الل بالاكوادور (ج 5)


المزيد.....




- كاميرا CNN توثق لحظة نادرة لمغادرة دبلوماسيي الباندا الجدد م ...
- مولوتوف حارق أمام موكب العاهل المغربي محمد السادس.. ما القصة ...
- السيسي يستقبل محمد بن سلمان لبحث القضايا الثنائية
- رويترز: إسرائيل تزيل الألغام على حدود سوريا استعدادا لتوغل ب ...
- قطر.. استفتاء شعبي -نادر- على مجموعة من التعديلات الدستورية ...
- هيئة الأركان الأوكرانية: الوضع صعب على طول خط المواجهة
- بايدن يبلغ إيران: أي محاولة لاغتيال ترامب ستعتبر بمثابة عمل ...
- مؤكدا قتل وجرح عدد من الجنود.. -حزب الله- ينفذ أكثر من 15 عم ...
- الصحة بغزة: الاحتلال ارتكب 4 مجازر بحق العائلات في القطاع
- -سقوط مباشر واحتراق مركبة-.. -حزب الله- يعرض مشاهد من استهدا ...


المزيد.....

- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .
- الخطاب السياسي في مسرحية "بوابةالميناء" للسيد حافظ / ليندة زهير
- لا تُعارضْ / ياسر يونس
- التجربة المغربية في بناء الحزب الثوري / عبد السلام أديب
- فكرة تدخل الدولة في السوق عند (جون رولز) و(روبرت نوزيك) (درا ... / نجم الدين فارس
- The Unseen Flames: How World War III Has Already Begun / سامي القسيمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مرتضى العبيدي - سردية التعويل على الذات بين الخطاب الرسمي وعناد الواقع