|
الإعلام الإسرائيلي: أداة في خدمة الاستعمار ومنظومة الأمن
خالد خليل
الحوار المتمدن-العدد: 8125 - 2024 / 10 / 9 - 20:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مقدمة: الإعلام كذراع استعماري في إسرائيل
يمثل الإعلام الإسرائيلي أحد أهم الأسلحة الناعمة التي تستخدمها الدولة لخدمة مشروعها الاستعماري في فلسطين والمنطقة، وهو جزء لا يتجزأ من المنظومة الأمنية الاستخبارية في إسرائيل. إذ يمتزج الإعلام بالأمن والاستخبارات في هيكلية متشابكة، تتجاوز الحدود التقليدية لمفهوم الصحافة والإعلام، ليتحول إلى أداة ترويجية، دفاعية، وهجومية في خدمة المشروع الاستيطاني التوسعي الإسرائيلي.
هذا المقال سيتناول كيف أصبح الإعلام الإسرائيلي وسيلة موجهة بالكامل تحت مظلة المؤسسات الأمنية، من خلال تحليل هيكلي ووظيفي للبنية الداخلية لهذا الإعلام، وعلاقة عمله بالمؤسسات الأمنية الإسرائيلية، إلى جانب استعراض الأدلة الواقعية التي تكشف عن هذا الاندماج العميق.
الإعلام كأداة أمنية: ارتباط بنيوي بالمنظومة الاستخبارية
في السياق الإسرائيلي، يتسم الإعلام بالانحياز الكامل إلى السردية الرسمية التي تروجها الدولة، خاصة فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. الإعلام هنا ليس مراقباً محايداً ولا حتى لاعباً حراً في الفضاء الإعلامي، بل هو في حقيقة الأمر جزء لا يتجزأ من جهاز الدولة الأمني والاستخباري. العلاقة بين الإعلام والأجهزة الأمنية هي علاقة عضوية وبنيوية، حيث تعمل العديد من المؤسسات الإعلامية بتنسيق مباشر أو غير مباشر مع أجهزة المخابرات والجيش.
على سبيل المثال، الرقابة العسكرية على المحتوى الإعلامي هي واحدة من الأدوات الرسمية التي تضمن بها الدولة أن تظل الرواية التي تصل إلى الجمهور المحلي والدولي تحت السيطرة. الصحفيون والمحررون غالباً ما يخضعون لتوجيهات أمنية محددة فيما يتعلق بنشر المعلومات المرتبطة بالصراع أو بعمليات الجيش والاستخبارات. حتى الصحف والمواقع الإلكترونية التي تبدو مستقلة نظرياً، تخضع لتأثير غير مباشر من الدولة عبر الرقابة أو الضغط السياسي.
الإعلام وتغذية الوعي الاستعماري
الإعلام الإسرائيلي لا يعمل فقط كوسيلة لنقل الأخبار، بل يعمل على تشكيل الوعي الوطني والقومي، حيث يلعب دوراً رئيسياً في تبرير السياسات الاستيطانية والتوسعية. تقوم وسائل الإعلام الإسرائيلية بتغليف العدوان العسكري والصراعات الداخلية والخارجية بسرديات تقدم الجيش الإسرائيلي كقوة دفاعية في مواجهة "الإرهاب"، مما يساهم في تطبيع الاحتلال في أذهان الجمهور الإسرائيلي والعالمي.
الرسائل الإعلامية التي تروجها المنظومة الإعلامية تتسم بالطابع الأمني، حيث يتم تصدير صورة عن الدولة بأنها مهددة بشكل دائم، وهو ما يبرر سياسات القمع العسكري والاستيطان. هذا الترويج للعدوان الاستعماري في إطار دفاعي يساهم في ترسيخ العنصرية ضد الفلسطينيين ويخلق صورة نمطية تبرر العنف والاحتلال.
التأثير المتبادل: كيف يؤثر الأمن على الإعلام والعكس
من المثير للاهتمام أن نفهم كيف يؤثر الإعلام على المنظومة الأمنية وكيف تتأثر به. الإعلام الإسرائيلي لا يعمل فقط كأداة في يد المؤسسات الأمنية، بل يلعب أيضاً دوراً في تشكيل السياسات الأمنية للدولة. من خلال تغطيته للأحداث والعمليات العسكرية، يسهم الإعلام في خلق ضغط شعبي يدعم مواقف الحكومة والجيش في المضي قدماً في سياسات القمع والاحتلال.
على سبيل المثال، تغطية الإعلام الإسرائيلي لحروب غزة وأحداث الانتفاضات الفلسطينية توضح بجلاء كيف يسهم الإعلام في تأجيج المشاعر الوطنية والعنصرية تجاه الفلسطينيين، ما يدفع بالدولة إلى تعزيز سياسات الحصار والعنف. في المقابل، تستفيد المؤسسات الأمنية من هذا الدعم الشعبي الذي يولده الإعلام لتنفيذ عملياتها دون معارضة أو مساءلة داخلية.
الأدلة الواقعية: الإعلام كأداة عدوانية واستعمارية
لعل أحد أبرز الأمثلة على ارتباط الإعلام بالمنظومة الأمنية هو تعامله مع فضائح التجسس والاستخبارات الإسرائيلية. في قضية برنامج "بيغاسوس" الإسرائيلي الذي استخدم للتجسس على صحفيين ونشطاء حقوق الإنسان حول العالم، عمد الإعلام الإسرائيلي إلى التقليل من حجم الفضيحة والتغاضي عن التداعيات الدولية لهذا البرنامج الذي أنتجته شركة NSO المرتبطة بالمؤسسة الأمنية الإسرائيلية. الإعلام هنا لم يكن يسعى لكشف الحقائق، بل عمل كدرع واقي لمنظومة الأمن والاستخبارات، مشيراً إلى أن هذه الأنظمة ضرورية لحماية الأمن القومي.
في الحروب الإسرائيلية على قطاع غزة، تلعب وسائل الإعلام الإسرائيلية دوراً في تأطير العدوان كجزء من "الدفاع المشروع". حيث تصر على تقديم الرواية الأمنية للدولة وتجاهل المجازر التي ترتكب بحق المدنيين الفلسطينيين. الإعلام هنا يسهم في إخفاء الجرائم الدولية وتبرير الانتهاكات المستمرة للقانون الدولي.
الإعلام الإسرائيلي كأداة للاستعمار المستدام
يمكن القول إن الإعلام الإسرائيلي ليس مجرد وسيلة لنقل الأخبار أو الترفيه، بل هو جزء من المنظومة الاستعمارية للدولة. بتنسيقه مع الأجهزة الأمنية وارتباطه الوثيق بالمؤسسات العسكرية والاستخباراتية، يتحول الإعلام إلى سلاح موجه ضد الفلسطينيين وضد أي محاولة للتصدي للاحتلال الإسرائيلي. هذه العلاقة البنيوية بين الإعلام والأمن تجعل من الصعب الحديث عن "حرية الصحافة" في السياق الإسرائيلي، بل تجعل الإعلام جزءاً لا يتجزأ من المنظومة الاستعمارية التي تسعى إلى تكريس واقع الاحتلال.
ضرورة تدخل العالم الحر لكشف الحقيقة عن الإعلام الإسرائيلي والاستعمار الإعلامي الغربي
إن هذا الدور الذي يلعبه الإعلام الإسرائيلي كأداة خفية في خدمة الاستعمار والاستبداد يجب أن يكون محط اهتمام العالم الحر والمجتمع الدولي. فالإعلام الذي يتماهى مع المنظومة الأمنية القمعية لا يهدد فقط القيم الأساسية لحرية الصحافة، بل يسهم في استمرار الظلم والاحتلال. من هنا تبرز ضرورة قيام المجتمعات الديمقراطية والقوى الحُرّة حول العالم بالتدخل لكشف هذه الحقائق وتفكيك هذه البنية الإعلامية القائمة على تزييف الوقائع والتضليل الإعلامي.
الأمر لا يتوقف عند الإعلام الإسرائيلي فقط؛ فالعالم الغربي أيضاً يتبنى منهجاً مشابهاً في تغطيته للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، حيث يتم تصوير إسرائيل على أنها ضحية دائمة للإرهاب، بينما يتم تجاهل المعاناة الإنسانية التي يعيشها الشعب الفلسطيني جراء الاحتلال. الإعلام الغربي، بخضوعه لضغوطات سياسية واقتصادية، يتحول إلى شريك غير مباشر في الترويج للسردية الاستعمارية التي تتبناها إسرائيل. هذا التضليل الإعلامي الغربي يساهم في إبقاء الاحتلال والاستعمار في مأمن من النقد الدولي، بل ويبرر سياسات التوسع والعدوان.
من هنا، تأتي ضرورة تدخل منظمات حقوق الإنسان، ووسائل الإعلام المستقلة، والمثقفين، والسياسيين في العالم الحر لكشف الحقيقة عن الدور الذي يلعبه الإعلام الإسرائيلي والغربي في دعم منظومات القمع والاستعمار. من واجب العالم الحر أن يقاوم هذه الهيمنة الإعلامية ويعمل على كشف تواطؤ الإعلام مع منظومات الاستعمار والعنصرية. هذه المعركة ليست فقط معركة الفلسطينيين، بل هي معركة كل من يؤمن بالعدالة وحقوق الإنسان وحرية التعبير.
إذا لم يقف العالم الحر ضد هذه الآلة الإعلامية القمعية، فإن خطر انتشار هذه النماذج الإعلامية إلى دول أخرى سيزداد، مما يؤدي إلى تكريس قوى الاستعمار والاحتلال في أماكن أخرى حول العالم. يجب أن يتم تسليط الضوء على هذه العلاقة الشائكة بين الإعلام والأمن، ليس فقط في إسرائيل، بل في أي دولة تسعى إلى استغلال الإعلام لخدمة أهداف استعمارية أو قمعية، لضمان أن تظل الصحافة أداة للحق والحرية، وليس سلاحاً في يد الظلم.
#خالد_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انطباع أولي حول رواية النهار بعد ألف ليل لمحمد هيبي
-
مد لي يدك
-
مد لي يدك
-
مجموعة شعرية
-
مدن الفراغ
-
الضربة الإيرانية لإسرائيل: قراءة عسكرية ودلالات سياسية ثورية
-
سفر بلا حدود
-
حين تاهت الظلال
-
رقصة الصمت والعدم
-
صوت التراب العالي
-
معانقة الفناء
-
تحليل: نهاية قريبة للصراع الإسرائيلي مع حزب الله؟
-
أغنية للغيم
-
لحظة عناق…
-
يقين آلروح
-
ترامب: إسرائيل ستزول
-
الى عالمك البعيد
-
تفجير عبر إشارة لاسلكية مشفرة: التقنية في خدمة التدمير عن بُ
...
-
خارج النطاق
-
اليمن وتحوّله إلى قوة إقليمية وازنة: قراءة في الأبعاد الاستر
...
المزيد.....
-
-جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال
...
-
مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش
...
-
ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف
...
-
ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
-
حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك
...
-
الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر
...
-
البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
-
-أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك
...
-
ملكة و-زير رجال-!
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|