|
الرَّفيق سامي الصَّوالحة.. أخلاق رفيعة.. وهِمَّة عالية.. وشَجاعة لافتة..
سالم قبيلات
الحوار المتمدن-العدد: 8123 - 2024 / 10 / 7 - 16:49
المحور:
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية
نطل، من هذه النافذة، على سيرة مناضلٍ شيوعيٍّ شجاع، كان مخلصاً لوطنه؛ ولم يتوقف يوماً عن العمل من أجل خير شعبه وفلاحه وسعادته؛ وكان يؤمن بأنه توجد دائماً طرق جديدة ووسائل جديدة وآفاق جديدة، للعمل من أجل الحرية والديمقراطية والتحرر الوطني، ومن أجل انتشال الناس من وهدة الفقر والبؤس، والارتقاء بنمط معيشتهم إلى مستويات العيش الكريم؛ كما أنه كان محباً للإنسانية ولكل من يسعى للعيش في ظل قيم السلام والمحبة والعدل والمساواة.
تاريخ حياة هذا المناضل هو جزء من الصفحات المضيئة في تاريخ الحزب الشيوعي الأردني ومناضليه الشجعان الذين ساهموا، بمواقفهم المبدئية وبتضحياتهم الباهظة وبسالتهم، في إحداث نقلة نوعية في الحياة السياسية الأردنية، عندما تمكنوا من إيجاد حزب مختلف في البلاد.. حزب يتجاوز التقسيمات المذهبية والطائفية والجهوية، ليدافع عن حقوق العمال والفلاحين والكادحين والمسحوقين عموماً.
وُلد الرفيق سامي جريس الصوالحة (أبو غالي) في مدينة مادبا، في العاشر من أيار من العام 1933؛ ونشأ في عائلة وطنية، مثقفة سياسياً، ساهمت في رفع الوعي الاجتماعي والسياسي لمحيطها؛ وأنهى دراسته الإلزامية والثانوية في مدينة مادبا، ثم التحق بدار المعلمين في بيت حنينا في القدس، وتخرج في العام 1955.
وفي طفولته، شارك الرفيق سامي في العديد من النقاشات السياسية البسيطة مع أقرانه. وتلك النقاشات، على بساطتها، مكنته من اكتساب النضج الفكري والسياسي مبكراً، وساهمت في تبلور تصوراته وأحلامه بشأن المستقبل، ورسمت تطلعاته بشأن نوع الحياة التي يستحقها الشعب.
ولذلك، فمنذ نعومة أظفاره، حمل الرفيق سامي الصوالحة، هموم الشعب الكادح، وناضل من أجل إنهاء التبعية، وإنجاز التحرر الوطني، والديمقراطية؛ من أجل بناء دولة عادلة تُنصف الكادحين والفئات الاجتماعية المحرومة.
ولقد كان الرفيق خالد الذكر أبو غالي، مشاركاً فعالاً، في جميع نشاطات الحزب الشيوعي الأردني، ضد الانتداب البريطاني، وضد قمع واستبداد السلطة الحاكمة التابعة؛ وتعرض، مثل كثيرين غيره من رفاقه في الحزب والحركة الوطنية، للاعتقال والتعذيب والسجن. ولكن، رغم التعذيب والتنكيل وقيد السجن، فإنَّ عزيمته لم تلن، وحماسه لم يخفت، بل كان مثالاً للصمود والتحدي، وواصل نضاله في صفوف الحزب من أجل تحقيق أهدافه الوطنية والديمقراطية، وظل محافظًا على موقفه النضالي الصلب حتى آخر لحظة في حياته.
وجدير بالذكر أنَّ الرفيق سامي أُعتُقِلَ وسُجن، خلال الفترة ما بين العامين 1957 و1965، بصورة متواصلة، في سجن الجفر الصحراوي. وأعيد اعتقاله، مرة أخرى، في العام 1971، بسبب مشاركته في قوات الأنصار، التي كانت الجناح العسكري للحزب الشيوعي الأردني في المواجهة مع العدو الصهيوني.
وبعد إطلاق سراحه من سجن الجفر الصحراوي في العام 1965، لعب دوراً ملموساً في تعزيز تنظيم صفوف الطبقة العاملة في نقابات عمالية مخصصة لها، بعد أن كان بعض النقابات يضم العمال وأرباب العمل معاً. وناضل مع رفاقه من أجل ترسيخ الحق في التنظيم النقابي كحق دستوري. وفي السياق نفسه، بذل جهوداً كبيرة لاستقطاب الكوادر العمالية الفاعلة، ومساعدتها على تنظيم الاحتجاجات المطلبية.
وبالنسبة إلى مشواره في العمل الوظيفي والمهني، فقد كانت بدايته في الطفيلة؛ حيث عمل هناك مدرساً؛ ولكنه لم يستمر طويلاً في تلك الوظيفة، إذ تم فصله منها في العام 1956، بسبب انتمائه للحزب الشيوعي الأردني. وبعد ذلك، اتجه إلى العمل في القطاع الخاص؛ وتحديداً، في مجال قطاع المنتجات الدوائية من خلال التعليم الذاتي. وكانت بداياته، في هذا المجال، بالعمل في صيدليات الكرك؛ وما لبث أن انتقل إلى العمل في صيدليات المفرق، ثم في صيدليات مادبا. وفي عام 1968، تزوج الرفيق سامي الصوالحة من زميلته المعلمة القديرة وذات السمعة المهنية العالية، نبيهة عودة الصوالحة، ومعاً، أسسا أسرة جميلة، متألفة ومترابطة مكونة من ولد وأربع بنات.
وفي الجانب السياسي الوطني، ساهم الرفيق سامي الصوالحة، إلى جانب رفاقه في الحزب، في العمل من أجل توحيد القوى الوطنية التقدمية لمواجهة الأحلاف العسكرية الأجنبية، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية. وكان من أبرز مناصري مشروع الجبهة الوطنية، الذي طرحه الحزب آنذاك، والذي نال تأييداً واسعاً من النشطاء السياسيين الديمقراطيين، والأحزاب الوطنية والتقدمية.
لقد كان الرفيق سامي مناضلاً صلباً وعنيداً، لم يتردد يوماً في تجسيد انحيازه لقضايا الحرية والديمقراطية والاشتراكية. وقد صمد وثبت على موقفه المبدئي كشيوعي حقيقي، من أجل أن تبقى راية الحرية والمساواة والديمقراطية والاشتراكية خفاقة.
ولم يكن يكتفي بالتمسك بمبادئه والالتزام في مواقفه، فقط؛ بل كان أيضاً يرى أنه من واجبه أن يعمل بفاعلية ودأب لرفع همم الناس، وحفزهم على النضال بجرأة، رافضاً كل مظاهر الخنوع والوهن والاستكانة؛ إذ أنه كان من ذلك الجيل من الشيوعيين الشجعان الذين واجهوا وتحملوا وظلوا متمسكين بإيمانهم بالحرية والديمقراطية وبتحقيق حلم الاشتراكية، ولم يكونوا يأبهون بالأثمان التي كان عليهم أن يدفعوها.
وعند اعتقاله، فإنه، رغم معرفته المؤكدة للمصير المحتوم الصعب الذي كان ينتظره، إلا أنه بقي عالي الهمة، ومتفائلاً، حتى في أحلك أوقات التحقيق وأصعبها، متفوقاً، بروحه المعنوية العالية، على الذين كانوا يحققون معه ويعذبونه ويحاولون تحطيم روحه المعنوية؛ فعندما كانوا يهددونه بزجه في السجن لمدة طويلة إذا هو بقي ثابتاً على موقفه المبدئي، كان يكلمهم عن السجن كما لو أنه يتكلم عن رحلة سياحية؛ وعندما، كانوا يوجهون إليه كل ما في جعبهم من التهم الملفقة، التي ينوون استخدامها ضده في المحكمة العرفية، كان يعلو على التفكير في التضحية الشخصية الباهظة التي سيتعين عليه دفعها، فيقول لهم إن هذه مجرد "محاولات فاشله للقضاء على حزب ثوري طليعي." لقد كان يفكر في نفسه كممثل للمجموع وليس كشخص فرد فقط.
ان المواقف الشجاعة، للرفيق سامي ورفاقه من المعتقلين في تلك الفترة، أفشلت مخططات أعداء الحرية والإنسانية الذين توهموا بأن حملات القمع الشرسة قادرة على اقتلاع جذور المبادئ الشيوعية والقضاء على الحزب الشيوعي الأردني.
وهذا عدا عن أنَّ الحزب الشيوعي الأردني نشأ من صلب الشعب، وعبر بشجاعة عن معاناة الناس من الظلم والاستغلال، ودافع عن المصالح الوطنية للبلاد، وصنع الكثير من المآثر الثورية، وسجل مناضلوه صفحات صمودٍ أسطوريٍّ ناصعة في معارك النضال اليومي؛ لذلك، لم يكن من الممكن أن يندثر أو يهزم أو يتراجع عن مواقفه ومبادئه.
وعلى صعيد التنظيم الحزبي، كان الرفيق سامي كادراً شيوعياً فاعلاً، ومناضلاً ثورياً حقيقياً.. لم يهن ولم يستكن ولم يفقد وضوح الرؤية مطلقاً؛ كما أنه كان يتمتع بمبدئية عالية؛ ومن مظاهرها، حرصه الشديد على إنجاز المهام الحزبية المناطة به في كافة الظروف التي مر بها الحزب ومهما كانت الصعوبات والمخاطر.
وقد تميز بالاتزان، والهدوء، والحكمة، والنزاهة؛ كما عرف بالإخلاص، والوفاء، في خوضه لمعارك الحرية والكرامة؛ ووصفه رفاقه في السجن بأنه إنسان ذو اخلاق عالية وأنَّ شجاعته لافتة، وأنه كان له دور ملموس في رفع معنويات المعتقلين.
وكانت نزعته الإنسانية لافتة أيضاً. ومن المواقف الإنسانية، التي سجلت له خلال فترة سجنه، هو تعاطفه حتى مع سجانيه، إذ كان يرى أنهم ينفذون أوامر رؤسائهم الأجانب، وأن القسوة ليست من طبيعة الشعب الأردني، مما جعله يعذرهم على سوء المعاملة التي كانوا يعاملون المعتقلين بها.
وكان طيب القلب، كريم النفس، حسن الأخلاق، وتميز بتعامله الراقي مع محيطه الاجتماعي، فضلاً عن لطفه وحسن ألفاظه. وعموماً، كان الرفيق سامي الصوالحة اجتماعي الطبع؛ مما جعله يتمتع بشخصية محبوبة من الجميع.
ولقد كان العامل الأهم في تكوينه الشخصي، والذي جعله يصبح شيوعياً بصورة تكاد تكون تلقائية، هو الحس الطبقي العالي الذي تملكه منذ طفولته، إلى جانب تأثره بالمناخ الوطني الديمقراطي المحيط به؛ سواء داخل المنزل أو في بيئته الاجتماعية الأوسع.
وكان انغماسه بالقضايا الوطنية، وبالهموم المعيشية للأغلبية الشعبية، هو المحرك الأكبر لمواقفه ونضالاته. على أنَّ الهموم، التي انشغل بها الرفيق سامي الصوالحة، لا تزال ماثلة في واقع حياتنا؛ كما لا تزال الأهداف التي آمن بها، وناضل من أجلها، ملقاة على عواتق رفاقه، وحزبه، وجميع الوطنيين والديمقراطيين الأردنيين، ولا نزال نعقد الأمل على أنَّ فجر التغيير الديمقراطي سيحل على بلادنا في النهاية كما حل على العديد من بلدان العالم.
في تاريخ 28 أيار من العام 2004، غادر الرفيق سامي الصوالحة، هذه الحياة، بعد رحلة ثرية بالعطاء، وبالنضال الوطني والطبقي، وبالمواقف المبدئية الشجاعة؛ غادر إلى الأبد، مع الأسف، وترك مكانه فارغاً في قلوب رفاقه وأصدقائه ومحبيه؛ لكننا، جميعاً، سنظل نعتز بإرثه النضالي ونفتخر به، وستظل ذكراه العطرة باقية في قلوب المناضلين الوطنيين والتقدميين عبر الزمن.
#سالم_قبيلات (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الرَّفيق عيسى خشَّان.. كان مناضلاً شيوعيَّاً عُمَّاليَّاً به
...
-
ما الَّذي كان يريده المناضل نبيل قبلاني من الرَّفيق حيدر الز
...
-
الرَّفيق فايز بجَّالي.. عاش حياته بكبرياء وإرادة قويَّة.. ور
...
-
الرَّفيقة أوجيني حدَّاد.. إنسانة نبيلة.. وثوريَّة مثابرة وجس
...
-
نافذة على النِّضال والثَّبات الرَّفيق الدّكتور سامي النَّحَّ
...
-
الرَّفيق خالد أبو شميس: شيوعيّ مبدئيّ وإنسان راق..
-
نافذة على النِّضال والثَّبات بطاقة جماعية- 1 نسيم وهيام الطو
...
-
الرفيق عبد الله السِّرياني: مناضلٌ مِنْ مادبا أبعده الاحتلال
...
-
الرَّفيق أحمد جرادات.. ستِّ اعتقالات تكلِّل جبينه وتضحيات أخ
...
-
عدنان الأسمر.. قَهَرَ الظَّلامَ بنور عقله.. وواجه الاستبدادَ
...
-
نافذة على الثبات والنضال «أبو موسى» وأثره الجميل الرَّاسخ في
...
-
خالد الذكر عماد القسوس.. مناضل ومثقف ثوري ملتزم
-
البطاقة الثانية: الرفيق فايز السحيمات.. شغف كفاحي وروح ثورية
...
-
الرَّفيق نبيل الجعنيني.. نموذج كفاحي مميَّز..
-
إطلاق مبادرة -نافذة على النضال والثبات-
-
لا لسياسات الاقصاء والاعدام الاقتصادي
-
هل من هزة لكبير الطغاة
-
اصلاحات الاردن غرق في التفاصيل
-
الثورات الشعبية توقظ الحماس في النفوس
-
بداية ركيكة لمجلس نواب الدوائر الوهمية في الاردن؟
المزيد.....
-
أعضاء يساريون في مجلس الشيوخ الأمريكي يفشلون في وقف صفقة بيع
...
-
شولتس أم بيستوريوس ـ من سيكون مرشح -الاشتراكي- للمستشارية؟
-
الأكراد يواصلون التظاهر في ألمانيا للمطالبة بالإفراج عن أوجل
...
-
العدد 580 من جريدة النهج الديمقراطي
-
الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد تُعلِن استعدادها
...
-
روسيا تعيد دفن رفات أكثر من 700 ضحية قتلوا في معسكر اعتقال ن
...
-
بيان المكتب السياسي لحزب النهج الديمقراطي العمالي
-
بلاغ صحفي حول الاجتماع الدوري للمكتب السياسي لحزب التقدم وال
...
-
لحظة القبض على مواطن ألماني متورط بتفجير محطة غاز في كالينين
...
-
الأمن الروسي يعتقل مواطنا ألمانيا قام بتفجير محطة لتوزيع الغ
...
المزيد.....
-
سلام عادل- سيرة مناضل - الجزء الاول
/ ثمينة ناجي يوسف & نزار خالد
-
سلام عادل -سیرة مناضل-
/ ثمینة یوسف
-
سلام عادل- سيرة مناضل
/ ثمينة ناجي يوسف
-
قناديل مندائية
/ فائز الحيدر
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزءالثاني
/ خالد حسين سلطان
-
الحرب الأهلية الإسبانية والمصير الغامض للمتطوعين الفلسطينيين
...
/ نعيم ناصر
-
حياة شرارة الثائرة الصامتة
/ خالد حسين سلطان
-
ملف صور الشهداء الجزء الاول 250 صورة لشهداء الحركة اليساري
...
/ خالد حسين سلطان
-
قناديل شيوعية عراقية / الجزء الاول
/ خالد حسين سلطان
-
نظرات حول مفهوم مابعد الامبريالية - هارى ماكدوف
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|