نظرية العالم في رواية -البؤساء- لفيكتور هوجو – تحليل أميمة البقالي

أميمة البقالي
أميمة من المغرب، كاتبة ، باحثة، ناشرة و مؤلفة باللغتين العربية والإنجليزية.
(Oumaima Elbakkali)

الحوار المتمدن-العدد: 8123 - 2024 / 10 / 7 - 08:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

تعد رواية البؤساء لفيكتور هوجو واحدة من الأعمال الأدبية التي تحمل في طياتها رؤية شاملة للعالم، تتجلى من خلالها الفلسفة الإنسانية العميقة التي يحاول هوجو توصيلها عبر شخصياته وقصصهم. تعكس الرواية منظوراً اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً يعكس حالة فرنسا في القرن التاسع عشر، لكنها تمتد لتكون نقداً عميقاً للنظام العالمي ككل، مع التركيز على القيم الإنسانية والبحث عن العدالة.

نظرية العالم في "البؤساء":

1. الصراع بين العدالة والقانون: يطرح هوجو في البؤساء نظرية العالم كصراع بين مفاهيم العدالة الأخلاقية والقانون الوضعي. من خلال شخصية جان فالجان، الذي يعاقب بالسجن لسرقته رغيف خبز لإطعام أسرته، يسلط هوجو الضوء على الفجوة الكبيرة بين القانون والعدالة الحقيقية. القانون يعاقب من أجل الحماية النظامية، لكنه في بعض الأحيان يغفل عن الظروف الإنسانية التي تجعل الأشخاص ينحرفون عن الطريق القويم. هوجو يرى العالم كنظام غير عادل عندما يعامل الفقراء والمضطهدين بقسوة، ويرى أن الإنسانية تتفوق على أي قانون جامد.

2. الفقر والجريمة كأبعاد للنظام الاجتماعي: تعتبر الرواية نقداً قوياً للنظام الاجتماعي الذي يؤدي بالفقراء إلى الجريمة. هوجو يصور الفقر كقوة قاهرة تدفع الشخصيات مثل فانتين إلى اتخاذ قرارات يائسة تؤدي إلى تدمير حياتها. هذا الفهم يعكس نظرية هوجو للعالم بأن الفقر والجريمة ليسا مجرد مشكلات فردية، بل هما جزء من نظام اجتماعي مختل يدفع الأفراد إلى مسار الجريمة بدلاً من تقديم حلول لمعاناتهم.

3. الرحمة والتسامح كقوة للتغيير: يرى هوجو في البؤساء أن الرحمة والتسامح هما العنصران الرئيسيان اللذان يمكن أن يغيرا العالم. عندما يلتقي جان فالجان بالأسقف ميريل، يختبر التعاطف والرحمة لأول مرة بعد سنوات من القسوة، ما يؤدي إلى تحول جذري في حياته. من خلال هذا اللقاء، يوصل هوجو رسالة بأن العالم يمكن أن يتغير نحو الأفضل فقط إذا تعامل الأفراد مع بعضهم البعض بتسامح ورحمة.

4. النقد الاجتماعي والسياسي: البؤساء ليست مجرد رواية عن شخصيات فردية، بل هي رؤية نقدية شاملة للمجتمع. هوجو ينتقد الأنظمة السياسية والاقتصادية التي تستغل الفقراء وتهمشهم. رؤية هوجو للعالم تتجاوز فرنسا، حيث يرى أن هذه المشكلات الاجتماعية والاقتصادية ليست محصورة ببلد واحد، بل هي جزء من مشكلة عالمية تحتاج إلى معالجة جذرية.

5. الأمل والإصلاح: على الرغم من الظلام والظلم الذي يملأ الرواية، إلا أن هوجو يترك مجالاً للأمل والإصلاح. من خلال الشخصيات التي تتمكن من تجاوز معاناتها وتغيير مسار حياتها، يوصل هوجو فكرة أن العالم يمكن أن يكون مكاناً أفضل إذا اتحد الأفراد من أجل إحداث تغيير إيجابي. هذا الأمل في إصلاح النظام العالمي يتجسد في النهاية عندما يختار جان فالجان التضحية من أجل سعادة الآخرين.

تعكس رواية البؤساء نظرية فيكتور هوجو للعالم باعتباره مكاناً مليئاً بالظلم الاجتماعي، ولكن يمكن إصلاحه من خلال القيم الإنسانية العليا مثل الرحمة، التسامح، والعدالة الحقيقية. ينتقد هوجو النظام القانوني والاجتماعي، لكنه يترك الباب مفتوحاً أمام الأمل، مما يجعل روايته دعوة للتغيير والإصلاح في المجتمع العالمي ككل.

#أميمة_البقالي (هاشتاغ)       Oumaima_Elbakkali#          

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات