أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعاد أبو ختلة - عام من الحرب على غزة














المزيد.....

عام من الحرب على غزة


سعاد أبو ختلة

الحوار المتمدن-العدد: 8119 - 2024 / 10 / 3 - 14:57
المحور: الادب والفن
    


بعد عام على الحرب التي لم تبق ولم تذر، لم أستطع البقاء بعيدة عن الكتابة وقد
آثرت الاقلاع عن الكتابة لما أصابني من توتر وقلق، مشاعر مختلطة من الاحباط والخوف، الهروب والانسحاب، الاكتفاء بالهم الذاتي من مهام معيشية ورعاية العائلة، الابتعاد عما يؤذيني ولم يقترب أذى الحرب مني بشكل لصيق، لم أفقد صديقاً أو قريباً من الدرجة الأولى، كان الوجع يصيبني من قصص النساء اللاتي تواصلت معهن وكتبت عنهن وكرهت نفسي أن أبتز عواطفهن لأحصل على قصة أنشرها هنا أو هناك ليتفاعل القراء مع قصتي ويصيبني بعض الغرور بينما صاحبة القصة تنام ليلها بوجع وألم تهجير وفقد، طوال عام كامل كنت أهرول بعيداً في تفاصيل حياة لا تشبهني، أقرأ الوجوه وأدون القصص وأضعها في الدرج الأخير بعيداً عن متناول يدي وكأني أكفنها كي لا تيقظ الوجع والبؤس الذي اعتلى قسمات النساء وانتقل لي بهالة من القهر وقلة الحيلة، لم أستطع سوى الايماء لهن وهن يتحدثن عن كم الوجع والألم والقهر الذي عايشنه، تفاصيل تكاد تصرخ عند سماعها: مستحيل، لا يوجد مثل هذا في العالم الانساني، لا بد وأن هناك مبالغة، كيف تقضي امرأة وطفليها ليال طوال مصابين تحت جدار في بناية دمرت بالكامل، يسمعون أنين بعضهم، يفقدون الوعي ويستعيدونه والوقت لا يسعف والليل والنهار في شحوب اثر الردم، يسمعون أصوات الناس تنادي عليهم، يحاولون ايصال صوتهم لكن الغبار العالق في الحناجر لا يصدر سوى سعال، لو كنت تشاهد هذا في فيلم لتوقفت أنفاسك، وأصاب الوهن مفاصلك وبكيت حتى جفت دموعك ثم تتذكر أنه فيلم وأن المشهد خدعة سينمائية، لكن هناك في ذاكرة النساء لم يكن مشهداً سينمائياً، كان واقعاً عشن تفاصيله وكلما استعدن التفاصيل تعلقت العيون في الفراغ وتملكها الوجع، وأن أحول هذا الوجع لنص، قصة من ورق وحبر أشعر بتفاهة الكتابة، وقصورها عن تدوين التفاصيل كما عشنها النساء،
لازال طيفها يروادني، سيدة في مقتبل العمر أخبرتني النساء في مركز الايواء أنها بحاجة لمن يتحدث معها فهي منطوية وبالكاد تتحدث مع أطفالها في مجريات اليوم، أشارت لها احدى النساء وكانت تقف في الممر تنظر للأعلى، الشمس كانت خلفها فظهرت لي كجبل شامخ، اقتربت منها وألقيت التحية، أجابتني بعد وهلة وعينيها تنظر في الفراغ، ارتعدت فرائصي، كيف أبدأ الحديث، كيف أكسر حاجز الصمت، واقتنصت فرصة اقتراب طفلها ذي العامين لأبدأ حواري، " ابنك ماشاء الله عليه ايش اسمه" وهكذا أخبرتني عن حكاية فقدانها لزوجها في شمال غزة، عن تهجيرهم تحت وابل من اطلاق النار وابنها يتعلق برقبتها، كيف أنها كادت تقع أكثر من مرة والرصاص يكاد يصيبها وتعود لتنتصب كي تحمي طفلها كي تجتمع بزوجها وابنتيها، عن ابنتيها اللاتي فقدتهن ثم التم شملهم في رفح حيث كانوا مع حماتها وعائلة زوجها، كيف يعيشون الآن في المدرسة في ظروف غير آدمية، عن بيتها الذي اثثته من روحها، حديث طويل دار بيننا وعينيها في الفراغ، لم تراني كالتائهة كانت، لم تبك، قلت لها ابكي، لا تكبتي في داخلك، قالت، لا، أريد أن أعرف مصير زوجي، ...لم تبك ولكنني بكيت وأنا أعود لبيتي، كان هذا في رفح التي أخذت على حين غرة ورغم كل الوعود والتهديدات تم تهجيرنا منها، تركت منزلي للمرة الثالثة وأنا أودع أشيائي الصغيرة أوراقي وكتبي، خرجنا سريعاً ولم نعتقد أنها المرة الأخيرة، تركت روحي وكتاباتي، قهوتي وشجيراتي، أصص الصبار على النوافذ، وبقيت أعاند نفسي، لن أكتب، لا أريد أن أوثق الوجع سأبحث عن القصص الجميلة، عن وردة نبتت في الردم، عن لحن ينساب من شفتي صغير يتمطى على شاطئ البحر، لن يغتالوا آدميتنا، لن يقتلوا شغفنا بالحياة وهكذا، عملت جلسات رعاية ذاتية للنازحات من حولي، زينت وابنتي خيمتنا وضعت فرعا من شجرة فل في اصيص فخاري وجدته تحت شجرة، وسرت في شارع الرشيد أقصى شمال مواصي خانيونس أبحث عن قصة جميلة، وجدت قصصاً مكافحة، قصصاً أكدت لي أن العنقاء كانت فلسطينية، نساء أبدعن في تخطي المحنة، وكي يتغلبن على شظف العيش وحفظ كرامتهن من العوز والركض خلف المساعدات والمؤسسات التي مع طول الوقت أصبحت تتعامل بسوء ولأسباب كثيرة ضاع الصالح بعبث الطالح، فآثرت عدة نساء ايجاد عملهن الخاص، عمل الحلويات الشعبية، طابون لطهي الخبز والمعجنات، صالونات تجميل ومحال للتفصيل والخياطة، في خيام خاطتها النساء من ملاءات وبطاطين، وبأقل القليل والمتاح أدارت مشروعها الخاص بل واستطاعت توفير فرص عمل لأبنائها وآخرون حسب طبيعة النشاط وأعتقد أنني سأكون سعيدة بالكتابة عنهن.
الثالث من اكتوبر من العام ألفين وأربع وعشرين



#سعاد_أبو_ختلة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اليوم العالمي للمرأة قراءة أخرى
- الحب في زمن الكورونا
- أماكن سياحية فاخرة.. مراتع للأمراض!
- عيد العمال يلقي قفازات آلاف العمال المتعطلين عن العمل في وجه ...
- ثقافة الاقتباس
- ثالوث الجهل والفقر والعنف أسباب معاناة النساء
- صندوق الموسيقى
- كلام في حال الصحافة الفلسطينية
- محاكمة مبارك
- العالم الافتراضي .. حيوات أخرى


المزيد.....




- بمشاركة قطرية.. افتتاح منتدى BRICS+ Fashion Summit الدولي لل ...
- معرض الرياض للكتاب يناقش إشكالات المؤلفين وهمومهم
- الرئيس الايراني: نأمل ان نشهد تعزيز العلاقات الثقافية والسيا ...
- -الآداب المرتحلة- في الرباط بمشاركة 40 كاتبا من 16 دولة
- جوامع الجزائر.. فن معماري وإرث ديني خالد
- -قيامة ليّام تقترب-.. الصور الأولى من الفيلم السعودي -هوبال- ...
- الدوحة.. إسدال الستار على ملتقى السرد الخليجي الخامس وتكريم ...
- فنانون عرب يطلقون مبادرات لدعم اللبنانيين المتضررين من العدو ...
- عمرو دياب يعلن اعتزال الغناء في الأفراح بعد أشهر من واقعة -ا ...
- -جيل الصابرا-.. كيف تنبأ عالم مصري بمستقبل نتنياهو وإسرائيل ...


المزيد.....

- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري
- هندسة الشخصيات في رواية "وهمت به" للسيد حافظ / آيةسلي - نُسيبة بربيش لجنة المناقشة
- توظيف التراث في مسرحيات السيد حافظ / وحيدة بلقفصي - إيمان عبد لاوي
- مذكرات السيد حافظ الجزء الرابع بين عبقرية الإبداع وتهمي ... / د. ياسر جابر الجمال
- الحبكة الفنية و الدرامية في المسرحية العربية " الخادمة وال ... / إيـــمـــان جــبــــــارى
- ظروف استثنائية / عبد الباقي يوسف
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- سيمياء بناء الشخصية في رواية ليالي دبي "شاي بالياسمين" لل ... / رانيا سحنون - بسمة زريق


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعاد أبو ختلة - عام من الحرب على غزة