أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عيسى طاهر اسماعيل - المقولات الفيثاغورية التجريد الملجم














المزيد.....

المقولات الفيثاغورية التجريد الملجم


عيسى طاهر اسماعيل

الحوار المتمدن-العدد: 8119 - 2024 / 10 / 3 - 00:13
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


لم أرسطو لم يكن البادئ في تحديد المقولات الفكرية ضمن متون الفلسفة، بل سبقته في هذا المضمار مدارس شتى، كالمدارس الهندية العريقة، والمدرسة الفيثاغورية اليونانية الشامخة، وفلاسفة المدرسة الإيلية الأفذاذ، على رأسهم العملاق بارمنيدس وتلميذه النابغة زينون والفذ مليسوس، ومن بعدهم الحكيمان سقراط وأفلاطون. وإن اختلفت هذه المدارس في حصر المقولات وعددها وكيفية توظيفها في أنساقها الفلسفية، فإنها اتفقت على أهميتها في بناء الفكر الفلسفي الرصين.

وقد تميزت المدرسة الفيثاغورية بوضعها عشر مقولات، هي في حقيقتها قائمة من الأضداد المتقابلة، تتجلى فيها ثنائيات الوجود ومتناقضاته. فجعلوا المحدود في مقابل اللامحدود، والفردي إزاء الزوجي، والوحدة مناظرة للكثرة، والسكون مقابلاً للحركة، والمستقيم ضداً للمنحني، والمربع نقيضاً للمستطيل، والمذكر مباينًا للمؤنث، والنور مضاداً للظلام، واليمين معاكساً لليسار، والخير مناقضاً للشر.

وقد ارتأى الفيثاغوريون - في نظرتهم الفلسفية العميقة - أن يُعلوا من شأن مقولات الطرف الأيمن، فجعلوها تسمو على مقولات الطرف الأيسر من حيث القيمة والوجود والحقيقة. فصارت مقولات الطرف الأيسر تمثل السلب والنقص بالنسبة لمقولات الطرف الأيمن التي تمثل الإيجاب والكمال.

ولعل من اليسير علينا أن ندرك سبب هذا التصنيف في بعض المقولات، فالمحدود أقرب إلى الفهم والإدراك من اللامحدود الذي يتحدى العقل ويستعصي على الخيال. والفردي في بساطته يقف شامخًا أمام الزوجي في تعقيده وكثرته. والوحدة في تماسكها تبدو أكثر كمالاً من الكثرة في تشتتها. والسكون في ثباته يسهل رصده، بينما الحركة في تغيرها المستمر تستعصي على الإدراك.

بيد أن الأمر يغدو أكثر إشكالية حين نتأمل في تصنيف المذكر والمؤنث ضمن هذه الثنائيات. فما الذي دفع الفيثاغوريين إلى إعلاء شأن المذكر وجعله في مصاف المقولات الإيجابية، بينما أُنزلت الأنثى إلى مرتبة المقولات السلبية؟

إن التأمل العميق في هذا التصنيف يكشف لنا أن الفيثاغوريين، رغم عمق فلسفتهم وسمو تفكيرهم، لم يكونوا بمنأى عن تأثير البيئة الاجتماعية والثقافية التي عاشوا فيها. فالمجتمع اليوناني القديم، كغيره من المجتمعات آنذاك، كان يتسم بهيمنة الرؤية الذكورية التي تعلي من شأن الرجل وتنظر إلى المرأة نظرة دونية.

وهكذا، فإن إدراج الأنثى ضمن المقولات السلبية لم يكن نتيجة لبواعث علمية أو منطقية بحتة، بل كان انعكاسًا للتصورات الاجتماعية السائدة. فالفكر الفلسفي، مهما بلغ من العمق والتجريد، لا يمكنه أن ينفصل تمامًا عن سياقه الثقافي والاجتماعي.

وعليه، فإن هذا التصنيف يدعونا إلى التأمل في مدى تأثير الأعراف والتصورات الاجتماعية على الفكر الفلسفي، حتى في أكثر تجلياته تجريدًا وموضوعية. كما يحثنا على ضرورة النظر إلى المقولات الفلسفية بعين ناقدة، متسائلين عن الأسس التي تقوم عليها، والخلفيات الثقافية التي تشكلها.

وختامًا، فإن هذا التصنيف الفيثاغوري للمقولات، بما فيه من إشكالات، يفتح لنا آفاقًا واسعة للتفكير في العلاقة بين الفلسفة والمجتمع، وبين الفكر والثقافة، داعيًا إيانا إلى مزيد من التأمل والنقد والمراجعة لموروثنا الفكري والفلسفي.​​​​​​​​​​​​​​​​



#عيسى_طاهر_اسماعيل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكائن
- اللغم والحرية
- عقل ينتج وعقل ينبهر بإنتاج غيره!


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - عيسى طاهر اسماعيل - المقولات الفيثاغورية التجريد الملجم